حسَم الرئيس التونسي قيس سعيد الجدل بشأن مصير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بإصداره مرسوماً ينص على أن رئيس الجمهورية هو من يتولى تعيين أعضاء الهيئة.
وكان سعيد صرّح، في 6 أبريل (نيسان) الجاري، بأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستشرف على أي انتخابات ستجرى لاحقاً، لكن "ليس بتركيبتها الحالية".
وتضمّن المرسوم الرئاسي الجديد تعديلات عدة، من بينها تخفيض تركيبة الهيئة إلى سبعة أعضاء بدلاً من تسعة.
ووفق المرسوم، يتولى رئيس الجمهورية اختيار ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس الهيئة، فيما أُوكل اختيار الأعضاء الأربعة الآخرين إلى الجهات القضائية المعنية، وهي: مجلس القضاء العدلي، مجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي إلى جانب المركز الوطني للإعلام.
وخلّف إصدار المرسوم جدلاً واسعاً في المشهد السياسي في تونس، بسبب التخوّف من استحواذ رئيس الجمهورية على الهيئة وجعلها تحت إمرته. وهو ما ينفي عنها صفة الاستقلالية.
فهل أجهز سعيد على استقلالية الهيئة باعتماد آلية التعيين عوض الانتخاب؟ وهل يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة مستقبلاً؟
نهاية الانتقال الديمقراطي
يؤكد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عادل البرينصي، لـ"اندبندنت عربية"، أن رئيس الجمهورية "دقّ آخر إسفين في نعش الانتقال الديمقراطي"، معتبراً أن "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي الضامن لهذا الانتقال، ورئيس الجمهورية أجهز على هذه الهيئة وعلى استقلاليتها، وهي التي نظمت الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى قصر قرطاج".
ويدعو البرينصي رئيس الجمهورية إلى "تقديم الأدلة على عدم استقلالية الهيئة"، واصفاً "المسّ بهيئة الانتخابات بالسابقة الخطيرة في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس".
ويعتبر عضو الهيئة أن المرسوم يؤكد أن "الهيئة أصبحت تابعة مباشرة لرئيس الجمهورية، وتحت إمرته، باعتباره هو من يعيّن أعضاءها ورئيسها".
"الدّوس على الدستور"
من جهتها، رفضت حركة "النهضة" المرسوم الرئاسي المتعلق بتعديل القانون الأساسي لهيئة الانتخابات. وقالت، في بيان، إن "الرئيس قيس سعيد الذي وضع البلاد على سكّة الانهيار الاقتصادي والمالي، يواصل الدّوس على الدستور الذي يمنع الفصل 70 منه أي تغيير للمواد الانتخابية بالمراسيم".
واعتبرت الحركة أن المرسوم الذي أصدره سعيد "يعبّر عن الاستخفاف بالشعب التونسي وثورته والإمعان في تفكيك الدولة والاستحواذ على السلطات وتخريب المكاسب الديمقراطية"، داعية القوى الوطنية إلى "التصدي لمشروع سعيد الاستبدادي واتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ البلاد واستئناف المسار الدستوري الديمقراطي".
الهيئة الحالية غير مكتملة وغير مستقلة
في المقابل، يستبعد رابح الخرايفي، أستاذ القانون العام والمتخصص في القانون الدستوري، أن "يمسّ تنقيح القانون الأساسي لهيئة الانتخابات من استقلاليتها"، لافتاً إلى أن "تركيبة الهيئة الحالية غير مكتملة وفي غياب البرلمان (منحلّ)، فإن صلاحية التشريع تعود إلى رئيس الجمهورية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن ثلث أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات قد انتهت ولايتهم منذ عام 2020، ومنهم رئيسها نبيل بفون.
ويعتبر الخرايفي أن "رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، خرج عن الحياد عندما اعتبر أن إجراءات 25 يوليو (تموز) 2021، خروجاً عن الدستور"، مشيراً إلى أنّ "رئيس هيئة الانتخابات أصبح طرفاً سياسياً".
ويشدّد الخرايفي على أن "التركيبة الجديدة للهيئة التي ستتكوّن من قضاة ومن الأعضاء السابقين لهيئات الانتخابات المنتخبين من البرلمان، لهم من الصدقية والكفاءة ما يؤهلهم للاضطلاع بالمهمّة".
وينفى الخرايفي أن تكون "هيئة الانتخابات السابقة مستقلة بالفعل، لأنها منتخبة من قبل كتل سياسية وحزبية في البرلمان، ما يُسقِط عنها صفة الاستقلالية".
وبخصوص الجدل بشأن المرسوم، يقول الخرايفي إنّ "الغاية هي إبراز رئيس الجمهورية كشخص مستبد"، لافتاً إلى أن "القانون صدر في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، وأصبح من قوانين الدولة".
أصوات منددة ورد
وبينما يمضي رئيس الجمهورية في رسم ملامح مشروعه السياسي تتعالى الأصوات المنددة بخطورة هذا المسار، وتطالب بضرورة إجراء حوار وطني بمشاركة جميع الأطراف السياسية والمدنية للاتفاق على برنامج إصلاح شامل اقتصادي واجتماعي وسياسي.
في المقابل، صرّح رئيس الجمهورية بأن "هناك أطرافاً تتحدث عن إنقاذ تونس وعن حكومة إنقاذ، بينما تونس في حاجة إلى إنقاذها من تلك الأطراف".
وستغذّي خطوة رئيس الجمهورية، تنقيح قانون هيئة الانتخابات، الانقسامَ السياسي في البلاد، وستدفع نحو التشكيك في المحطات الانتخابية المقبلة، بينما تعيش تونس أزمة اقتصادية ومالية.