Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا يزال الأدب الصيني غير رائج عربياً؟

بعد سلسلة من الترجمات وعقب عشر سنوات على فوز مويان بجائزة نوبل

لوحة تمثل الأدب الصيني (متحف اللغة الصينية)

لا يزال الأدب الصيني يعاني من تدني مستوى تلقيه عربياً، على الرغم من أن الاهتمام به تزايد في شكل ملحوظ على الساحة الثقافية العربية عقب حصول الروائي الصيني مويان على جائزة نوبل في الآداب 2012 وصدور روايته "الذرة الرفيعة الحمراء" مترجمة إلى العربية عن الصينية مباشرة، عن المركز القومي للترجمة في القاهرة في العام التالي. عطفاً على صدور ترجمات أعمال أخرى للكاتب نفسه في العامين التاليين ومنها: "الحلم والأوباش" (دار العين) و"الثور" (الهيئة العامة لقصور الثقافة)، و"الصبي سارق الفجل" (الهيئة المصرية العامة للكتاب) و"التغيير" (الدار العربية للعلوم) ،  إضافة إلى رواية "الضفادع" التي صدرت عن شركة المطبوعات بترجمة عن الفرنسية.

وقد أصدرت دار مسعى سلسلة من الروايات الصينية الحديثة عربتها المترجمة المصرية يارا المصري التي فازت بجائزة المترجمين الشباب من الصينية إلى العربية، ومن هذه الراويات "زوجات ومحظيات" الرواية البديعة التي حققت نجاحاً عالمياً وتحولت فيلماً سينمائياً. وتزامنت تلك الطفرة مع تأسيس مركز إقليمي في القاهرة لمؤسسة "بيت الحكمة"، وهي مؤسسة ثقافية تعنى بالترجمة من الصينية إلى العربية والعكس، بالتعاون مع كثير من دور النشر والمؤسسات الثقافة في مصر وغيرها من الدول العربية، وكذلك معهد كونفوشيوس التابع لجامعة القديس يوسف في بيروت. وبعد مرور نحو عشر سنوات على الاهتمام على أعلى مستوى بنشاط الترجمة من الصينية إلى العربية، لا تزال أسماء كثير من الأدباء الصينيين البارزين مجهولة في أوساط القراءة باللغة العربية، على الرغم من صدور ترجمات عربية لعدد كبير من الأعمال الأدبية الصينية لكتاب صينيين يمثلون مختلف الأجيال والتيارات الأدبية في الصين، والذين صدرت لعدد منهم ترجمة عربية لأكثر من عمل مثل الروائي الصيني المعاصر يوهوا، ليوجين يون، سوتونغ، إضافة إلى الأعمال التي صدرت لبي فيي يو، وليوشين وو، وما تمت ترجمته من الأدب النسوي لعدد من المبدعات الصينيات مثل جانغ جييه، وانغ آن إي، تييه نينغ، تشه تزه جيان، جانغ كانغ كانغ وأخريات.

طفرة كبرى ولكن

وكما يقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بيت الحكمة" في القاهرة المترجم والباحث أحمد السعيد، فإنه خلال السنوات القليلة الماضية شهدت حركة الترجمة العربية الصينية طفرة كبرى تكاد تعادل أضعاف ما ترجم خلال ستين عاماً من عمر العلاقات العربية الصينية، ويعود الفضل في ذلك بشكل أساسي للتوافق الكبير في الرؤى والتطلعات لدى حكومات وشعوب المنطقة العربية والصين، إضافة إلى إطلاق الصين للمبادرة الدولية المهمة "الحزام والطريق" التي من أهم أهدافها، ربط قلوب الشعوب، ولا شك أن للكتاب الدور الأكبر في ذلك لكونه رسول الثقافة والمعرفة بين الشعوب وخير جليس ودليل، ويقدر حجم التبادلات في مجال النشر والترجمة بين الصين والدول العربية خلال الست سنوات الأخيرة بأكثر من ألف عنوان تقريباً شاركت فيها أكثر من 30 دار نشر عربية بالتعاون مع أكثر من 70 ناشراً صينياً، وتنوعت مضامين المؤلفات بين السياسة والاقتصاد والتاريخ والأدب والثقافة العامة وكتب الأطفال، وتلك الأخيرة تحتل الرصيد الأكبر ضمن مشاريع التعاون، وأصبحت الكتب الصينية المترجمة للعربية خلال السنوات الأخيرة تحتل مكانة ومكاناً ثابتين بالمكتبات والمعارض العربية، وحلت السعودية والإمارات كدولتي ضيف الشرف في معرض بكين الدولي للكتاب الذي يعد واحداً من أكبر خمسة معارض كتب دولية بالعالم، وجاءت الصين كضيف شرف لكل من معرض أبو ظبي الدولي للكتاب في عام 2017، ومعرض الجزائر الدولي للكتاب في عام 2018.

ويرى أحمد السعيد أن الأعمال غير الأدبية المترجمة من الصينية إلى العربية تحقق مبيعات أعلى نسبياً من تلك الأعمال الأدبية "التي نترجمها من الصينية إلى العربية"، لأن الصين بالنسبة إلى القارئ العربي لا تزال غير معروفة بالقدر الذي يجعله قادراً على التفاعل مع ما ينتجه أدباؤها. وهكذا يجد القارئ العربي نفسه مدفوعاً أولاً إلى معرفة ثقافة هذا البلد- يقول السعيد- عبر أعمال غير أدبية. وبالتالي؛ "فإننا نعمل في الاتجاهين منذ ما يقرب من عشر سنوات، ونلاحظ تقدماً معقولاً في انتشار الأدب الصيني المترجم إلى العربية بفضل حرصنا على تحرير ما نترجمه بواسطة محررين محترفين واختيار عناوين جاذبة، كما حدث مثلاً مع رواية "الطلاق على الطريقة الصينية" للكاتب ليو جين يون، وعنوانها هذا ليس هو عنوانها الأصلي الذي كان سيواجه بصعوبة فهمه لو أبقينا عليه، بما أنه مرتبط تماماً بتفاصيل في الثقافة الصينية لا يعلمها القارئ العربي".

  الحاضر والمستقبل

وعن تجربته الشخصية في مجال الترجمة من الصينية إلى العربية من خلال "بيت الحكمة" وغيرها من دور النشر المعنية بالأدب الصيني ورؤيته لراهن ذلك المجال ومستقبله يقول المترجم يحيى مختار: "اللغة الصينية واحدة من أصعب اللغات وأكثرها انتشاراً، حيث يتحدث بها ما يفوق نسبة 20 في المئة من سكان العالم وهي اللغة الرسمية للصين والعديد من دول شرق آسيا، كما أنها إحدى اللغات الست العاملة في الأمم المتحدة، ويعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، كما أنها لغة تصويرية، غنية بالمدلولات الثقافية، وليس بها حروف أبجدية كسائر اللغات، وينعكس هذا على صعوبة تعلمها، وبالتالي صعوبة إتقانها، وهو ما يؤثر بالتالي على حركة الترجمة منها وإليها".

ويضيف مختار: "بدأت الترجمة من الصينية إلى العربية بشكل فعلي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على يد عدد من الطلاب الصينيين الوافدين للدراسة في الأزهر، واستمرت الترجمة من الصينية إلى العربية قاصرة على المستعربين الصينين إلى أن بدأ تدريس اللغة الصينية في مصر أواخر سبعينيات القرن العشرين، وتخرج دفعات من الدارسين المصريين في منتصف الثمانينيات، حيث بدأ هؤلاء الدارسون في عملية الترجمة من العربية إلى الصينية بشكل فعلي في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وبمرور الوقت بدأت عملية ترجمة الأدب الصيني إلى العربية في الانتشار، ولكن ببطء نظراً لقلة أعداد المتخصصين في الأدب الصيني مقارنة بالإنتاج الأدبي الصيني الضخم، وظلت كثير من روائع الأدب الصيني بعيدة عن متناول القارئ العربي باستثناء محاولات أخرى قليلة للترجمة من لغات وسيطة".

ويلاحظ مختار أن عدد الدارسين تزايد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ وظهرت أجيال جديدة من المترجمين من الصينية إلى العربية، ولكن قلة منهم هم من يتجهون لترجمة الأعمال الأدبية نظراً لصعوبتها ومتطلباتها من حيث المهارات اللغوية، فاقتصر كثير من هؤلاء المترجمين على ترجمة الكتب الاقتصادية والسياسية وغيرها من المؤلفات البعيدة عن الأعمال الأدبية.

هناك سبب آخر- يستطرد مختار- هو عزوف معظم الدارسين عن البحث والدراسة في الأدب الصيني لأسباب تتعلق بصعوبة المحتوى النظري لدراسة الأدب الصيني داخل الجامعات والذي يفتقر معظمه إلى التبسيط والتحديث، وهو ما انعكس على عزوفهم عن ترجمة الأدب الصيني لاحقاً.

ويضيف مختار سبباً آخر هو صعوبة إتاحة حرية اختيار الأعمال المترجمة، حيث إن غالبية مشروعات الترجمة من الصينية إلى العربية هي مشروعات تطرحها وتدعمها الحكومة الصينية ولكن الجهات الحكومية الصينية هي في الوقت نفسه التي تحدد الأعمال المدرجة ضمن هذه المشروعات، التي قد لا يتوافق غالبيتها مع ذائقة القارئ العربي من حيث كونها غارقة في المحلية ومشبعة بالفلسفة الصينية التي قد تبدو صعبة الاستيعاب لفئة كبيرة من القراء غير المتخصصين، أضف إلى ذلك الإسهاب السردي الطويل ووجود كثير من خلفيات الأحداث الثقافية والتاريخية والمسميات المعقدة للأماكن والشخوص وغيرها التي قد تصيب القارئ بالحيرة والرتابة. هذا طبعاً– يقول مختار- بخلاف تأخر ظهور الأدب الصيني المترجم في المنطقة العربية وقلة شهرة الكتاب الصينيين على الساحة العالمية، أضف إلى ذلك الصورة النمطية للصين التي ترتبط بكونها مصدراً لبعض المنتجات ذات الجودة المنخفضة.

الاتكاء على الرمزية

تعتبر دار "العربي" القاهرية من أكثر دور النشر في مصر إقبالاً على نشر الأعمال الأدبية المترجمة من لغات مختلفة ومنها أعمال صينية، من أبرزها رواية الكاتب يان ليان كه "أيام، شهور، سنوات"، التي ترجمها محمد عبد العزيز إلى العربية، علماً أنها صدرت في لغتها الأصلية عام 1997. هذه الرواية مشيدة على نسق الواقعية السحرية، فنجد الشمس شخصية رئيسة في مواجهة رجل عجوز قرر أن يتحداها ومعه كلب أعمى، بعدما اضطر أهل المكان إلى مغادرته حتى لا يهلكهم الجفاف. المكان يقع في منطقة جبلية يعيش سكانها على الزراعة. الزمان غير محدد، لكن بالنظر إلى بدائية ناس المكان فإنه على الأرجح يسبق الزمن الراهن، وإن كان من الصعب الجزم بذلك في ظل ما نعرفه عن مجتمعات معزولة عن محيطها المتطور لأسباب مختلفة. ومع ذلك يمكن التعاطي مع هذا العمل، بحسب ناشر ترجمته العربية، على أنه ينطوي على قصة رمزية عن الصين وعن مرحلة في تاريخها أسهمت في بنائها كما نعرفها الآن.

ويقول مدير دار "العربي" الناشر شريف بكر: "نولي ترجمة الأدب الصيني المعاصر إلى اللغة العربية الاهتمام الذي يستحقه؛ لكننا نلاحظ أنه لا يلقى الرواج المنتظر مقارنة بأعمال أخرى يابانية وكورية مثلاً. وهذا يرجع إلى طبيعة الأدب الصيني الذي يخضع في معظمه إلى رقابة صارمة من جانب السلطات الرسمية في الصين، من ناحية ولأن عوالمه تفتقر إلى الزخم الاجتماعي بسبب سياسة الطفل الواحد التي سادت في هذا البلد حتى وقت قريب من ناحية أخرى. فيصعب أن تجد في رواية صينية عائلة من أب وأم وأبناء وأخوال وأعمام وخالات وعمات وتتنوع في ثناياه العلاقات الاجتماعية البديهية في محيط إنساني. من هنا تبدو تلك الأعمال غير مستساغة بالنسبة إلى الذائقة العربية إلى حد كبير. مع ذلك يظل هناك هامش لأعمال أدبية صينية نهتم بترجمتها إلى العربية ولا تنطبق عليها الملاحظات السابقة. وهي أعمال نترجمها من لغة وسيطة مثل الإنجليزية. هذه الأعمال هي لكتاب من خارج دائرة المرضي عنهم سياسياً في الصين. وهؤلاء يكتبون عادة بتحرر أكبر من نظرائهم ممن يدورون في فلك ما تريده الدولة. وبالتالي فإنهم لا يحظون بأي دعم رسمي في بلدهم، بل يصنفون على أنهم معارضون يغردون خارج السرب".

ثقافة مهمة

ومن جانبه يقول الروائي والمترجم أحمد عبد اللطيف بوصفه رئيس تحرير "سلسلة الجوائز" القاهرية المعنية بنشر ترجمات للأدب من لغات مختلفة: "أظن الأدب الصيني مهم مثل بقية الآداب الأخرى، وإن كان لا يصل للأدب الأوروبي أو الأميركي، لكنه يعبر عن شعب ضخم ويسلط الضوء على ثقافة مهمة. ويضيف أنه سيصدر في "سلسلة الجوائز" قريباً مجموعة قصصية بعنوان "مكياج" للكاتبة وي وي، وبترجمة ميرا أحمد، لتضاف إلى أعمال صينية أخرى سبق أن صدرت ضمن السلسة نفسها، وكان بعضها بالتعاون مع "بيت الحكمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول رئيسة تحرير السلسلة نفسها سابقاً الروائية والمترجمة سهير المصادفة: "كان من ضمن أولوياتي عندما دشنت "سلسلة الجوائز"، أن نترجم أدباً لم يترجم إلى اللغة العربية من قبل، ومن جميع اللغات، كانت وما زالت الهوة واسعة بيننا وبين ملاحقة الأدب الأجنبي في العالم، وبالتالي كنت متحمسة لترجمة ونشر الأدب الأفريقي والروسي المعاصر واليوناني، وقبل كل ذلك الصيني. كنا لا نعرف كثيراً عن الأدب الصيني، فبدأنا أنا والمترجم الدكتور أحمد السعيد في العمل من خلال بروتوكول للترجمة المتبادلة من وإلى اللغة العربية، وقد بدأت المبادرة قبل أن يفوز مويان بجائزة نوبل للآداب". وتضيف المصادفة: "ثقافة الدكتور أحمد السعيد الصينية فتحت لنا أبواباً للاتفاق مع أهم المترجمين، وتمهيد الطريق أمام تحقيق المزيد من الإنجازات في إطار العلاقات الثقافية الصينية المصرية، ولكن هذا البروتوكول مع الأسف لم يستمر"!

وتستطرد المصادفة: "المدهش أن الصين تدعم ثقافتها وأدبها وكتابها بشكل لا محدود، بالتأكيد بسبب نهضتها الاقتصادية والتكنولوجية والفكرية، ويقينها بأن الأدب والفنون والثقافة بشكل عام هي القاطرة التي تنهض بالمجتمع على جميع الأصعدة. وجدت تسهيلات في الحصول على حقوق الملكية الفكرية، وأهم العناوين لكتاب صينيين من أجيال مختلفة؛ وببلوغرافيا كاملة عنهم، حصلت عليها من اتحاد الكتاب الصيني. تنظيم مدهش لكل شيء؛ من المستحيل أن تسأل عن كاتب ما أو كتاب ما إلا وتجده، ومن الصعب أن تطلب دعماً إلا ويبادرون بتقديمه، فهم كأي أمة متفوقة يحرصون على تصدير أدبهم وفنهم وثقافتهم إلى العالم".

وتؤكد المصادفة أنها كانت سعيدة بهذا العمل بالذات، "فلقد أتاح لي أيضاً التعرف إلى المشهد الأدبي الصيني المعاصر، والكلاسيكي الممتد في عمق آلاف السنين من تاريخ الحضارة الصينية؛ حكاياتها الشعبية، وأمثالها، ومأثوراتها، وعاداتها وتقاليدها، وعمارتها وحلياتها... مدهش ومذهل أن يكتب روائي بالرموز نفسها التي استخدمها جدوده منذ سبعة آلاف سنة مثلاً!

أشرفت على ترجمة ونشر أكثر من عشرين عملاً؛ ما بين روايات وقصص وكلاسيكيات، ومن العثرات التي قابلتني وأحزنتني: توقف هذا الجهد، وأيضاً موقف رفض إحدى المترجمات عن اللغة الصينية ترجمة عمل لمويان لأنه يكسر من وجهة نظرها أكثر من ’تابو’!".

أظن- تقول المصادفة- إن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من ترجمة الأدب الصيني، وأيضاً قراءته، بعد أن نتجاوز هذه المرحلة الحرجة، التي لا يزال فيها الأكثر مبيعاً هو كتب الرعب الخفيفة والكتب الرومانسية الرديئة... "في النهاية، أنا متفائلة- تاريخياً- وأعرف أن الأدب الجيد سيقرأ ولو بعد حين".

تفاعل بين ثقافتين

ويقول حسانين فهمي حسين، وهو من أبرز المترجمين من الصينية إلى العربية، إن تلقي الأدب الصيني في الوطن العربي يتمتع بخصوصية تتمثل أولاً في أنه جاء متأخراً زمنياً ومختلفاً كمياً عن استقبال آداب أجنبية أخرى، كالأدب الفرنسي، والإنجليزي، والأميركي، والروسي، والألماني، والإسباني، والأميركي الجنوبي، والإيطالي، وهو ما تعبر عنه الإحصائيات الخاصة بالأعمال المترجمة عن هذه الآداب مقارنة بالأدب الصيني، ومثال على ذلك صدور الترجمة العربية لرواية "الذرة الرفيعة الحمراء" مطلع عام 2013، ففي حين كانت هذه الرواية قد صدرت قبل ذلك مترجمة إلى خمس عشرة لغة أجنبية منذ أول ترجمة صدرت لها إلى اللغة الإنجليزية عام 1993، لم يكن القارئ العربي يعلم شيئاً عن هذه الرواية التي تعد من أهم الأعمال في حقبة الأدب الصيني المعاصر، كما أن هناك عدداً من الكتاب الصينيين صدرت لأعمالهم ترجمات إلى لغات أجنبية مختلفة وحققت نجاحاً وشهرة واسعة في ترجماتها المختلفة، لم يصدر لأعمالهم حتى الآن ترجمات عربية. وخير مثال على ذلك الأعمال الأدبية لجيل ما يعرف بالرواد أو أدب الطليعة الذين ظهرت أعمالهم على الساحة الأدبية منذ عام 1978، أمثال الكتاب سوتونغ الذي حازت روايته "ضفة النهر" على جائزة الدورة الثالثة لجائزة البوكر الآسيوية عام 2009 (صدرت في مارس 2015 أول ترجمة لمجموعة قصصية للكاتب الصيني سوتونغ بعنوان "الفرار في عام 1934")، وخان شاو قونغ، مايوان، وانغ آن إي، قه فيي، ماي جيا، ليوجين يون وغيرهم من الكتاب المعاصرين، الذين تأخرت ترجمة أعمالهم إلى العربية إلى ما بعد سنوات من تتويج الأدب الصيني بنوبل 2012.

ويضيف: "ثانياً: بدأ تلقي الأدب الصيني عربياً من خلال التلقي الترجمي، وذلك منذ خمسينيات القرن العشرين بتعريب أعمال أدبية صينية عبر لغات وسيطة كالألمانية والإنجليزية والفرنسية لا عن اللغة الأصلية لتلك الأعمال. حيث تم آنذاك تعريب مجموعة من الأعمال الأدبية لكتاب صينيين كبار على رأسهم رائد الأدب الصيني الحديث لوشون (1881-1936). كما عُرِّب بعض من ركائز الفلسفة الصينية على رأسها كتاب "الطاو" للفيلسوف الصيني الشهير لاوتسو الذي صدر ضمن سلسلة الألف كتاب عام 1966. ثالثاً، يضيف فهمي: كانت الخلفية الاجتماعية والسياسية للأعمال الأدبية الصينية التي عُرِّبت في مصر وسوريا والعراق في خمسينيات القرن العشرين تتناسب مع الظروف التي كان يعيشها الشعب العربي.

تطور ملحوظ

رابعاً، بحسب فهمي، تعدى استقبال الأدب الصيني في العالم العربي في خمسينيات القرن العشرين مرحلة تلقي القارئ العربي للعمل الإبداعي الصيني إلى تأثر بعض الكتاب العرب بما عُرِّب من أعمال، وانعكس ذلك في بعض إبداعاتهم الأدبية، مثل المترجم المصري عبد الغفار مكاوي الذي تأثرت إبداعاته الأدبية سواء القصصية أم المسرحية بما عربه أو قرأه عن الأدب والفلسفة الصينيين.

ويلحظ فهمي تطوراً طرأ على استقبال وتلقي الأدب الصيني في العالم العربي بعض التحسن منذ أواسط تسعينيات القرن العشرين. وذلك في أعقاب تخرج عدد من دارسي اللغة الصينية وآدابها في كلية الألسن بجامعة عين شمس. ثم شهدت ساحة اللغة الصينية وآدابها في مصر تخرج عدد من المختصين في دراسات الأدب المقارن والعالمي، الذين درسوا الترجمة وتخصصوا في دراسات الأدب الصيني والمقارن، والذين اهتم بعضهم بالترجمة الأدبية. بحيث أصبح بوسعنا القول إن شرطاً أساسياً من شروط تلقي الأدب الصيني وترجمته في العالم العربي بصورة مناسبة قد توفر، ودليل على ذلك تزايد عدد المترجمين المهتمين بالترجمة الأدبية عن الأدب الصيني منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو ما ظهر من خلال الأعمال المترجمة التي صدرت عن المركز القومي للترجمة وسلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر ومشروع "كلمة" بدولة الإمارات العربية والمجلس الوطني للفنون والآداب بالكويت وعدد من دور النشر الخاصة بمصر ولبنان والإمارات وتونس وغيرها من الدول العربية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة