كثيرون هم من صنفوا قرار القضاء السوداني تبرئة قادة حزب المؤتمر الوطني بأنه انتصار لقوى الثورة المضادة، وبمثابة تمهيد الطريق لعودة النظام السابق إلى المشهد السياسي من جديد، ما تسبب في حالة من الإحباط أثناء تداول أنباء الإفراج عن رئيس الحزب الحالي إبراهيم غندور، مع مجموعة أخرى ضمت 12 من قيادات الحزب، حصلوا على حكم بالبراءة من تهمة التخطيط لإجهاض الفترة الانتقالية عبر مخطط "إرهابي".
توقيت البراءة
أثار توقيت قرار المحكمة غداة الحراك الجماهيري الكبير من "لجان المقاومة" و"قوى الثورة" الأخرى في مختلف مدن السودان في 6 أبريل (نيسان) كرمزية لانتصار الثورة، كثيراً من الإحباط والتساؤلات معاً، كما أعاد إلى الأذهان والمجالس مجدداً، قضية التسييس والتسييس المضاد للعدالة، وسط إرهاصات ومخاوف مسبقة من احتمالات عودة النظام السابق إلى المشهد من جديد، خاصة بعد إعادة المحكمة العليا معظم المفصولين بواسطة لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الـ 30 من يونيو (حزيران) المجمدة.
كذلك تزامن قرار المحكمة، يوم الخميس 7 أبريل، بتبرئة قيادات من حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم سابقاً، مع حالة من الاحتقان السياسي والاقتصادي، والتظاهرات التي يشهدها السودان المستمرة منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي قوبل بإدانات إقليمية ودولية واسعة.
في السياق، أوضح عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، المحامي عبدالله درف، أن المحكمة حكمت ببراءة جميع المتهمين وإطلاق سراحهم في الحال، مشيراً إلى أن النيابة لا تزال لها فرصة الطعن في الحكم، على الرغم من أن المحكمة لم تجد أي دليل يدين المتهمين.
وبرأت المحكمة المذكورين من تهمة تقويض النظام الدستوري وتمويل الإرهاب ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وكل من وجدي صالح وصلاح مناع وتفجير لجنة إزالة التمكين ومحطـة بري الحرارية.
بيان لحزب البشير
بشكل علني على الرغم من حظره بموجب الوثيقة الدستورية 2019، أصدر حزب المؤتمر الوطني المحلول بياناً حول براءة رئيسه الحالي و(12) آخرين من قيادات ورموز وشباب الحزب بعد رحلـة تقاض طويلة استمرت حوالى (22) شهراً.
ووصف بيان الحزب، الفترة التي قضاها منسوبوه في الحبس بأنها "كانت ظلماً وتلفيقاً من قبل نظام الحرية والتغيير، وأن الحزب ظل طوال هذه المـدة مستحضراً في ذهنه اللحظـة الراهنة التي نعيشها بتحقيق عدالة السماء قبل عدالة الأرض".
وأضاف بيان الحزب المحلول "إننا في المؤتمر الوطني لا نقيم ذلك الظن الراجح على أمان فحسب، بل علي رؤية سياسية راشدة وقراءة سديدة للواقع الراهن وبكل ما تعيشه بلادنا من تحديات وما تتيحه لنا مثل هذه البراءة القضائيـة من فرص وإمكانات".
وأردف البيان "أن الحزب وهو يواجه كل هذه الظروف يتوجب عليه أن يخلص إلى رؤية وطنية ومشروع واسع يتداعى له الجميع وفق خيارات الوطن الكلية ويكون هذا المشروع هو الرافعة والرؤية الوطنية المفضلة لكل القوى السياسية والمدنية، وهي التي ترسم خريطة طريق العبور نحو المستقبل الذي يحلم به كل سوداني غيور على نهضة وتطور بلاده".
وفور صدور قرار المحكمة وصف غندور يوم الحكم بأنه تاريخي في مسيرة العدالة منتقداً الحديث عن تسيس العدالة، بالقول "إن كل من يحاول ذلك سيفشل"، داعياً في الوقت نفسه الأحزاب السودانية إلى ضرورة التوحد بحيث يكون كل الشعب السوداني هو الحاضنة لانتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2019 إلى حين الوصول إلى إجراء الانتخابات.
وأكد رئيس حزب البشير ثقته في القضاء السوداني، مناشداً الجميع تناسي الماضي والخلافات، مشيراً إلى أنهم عندما أقدموا على خطوة الإضراب عن الطعام وطالبوا بتقديمهم لمحاكمة، كان انطلاقاً من إيمانهم بنزاهة القضاء السوداني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صدمة ومخاوف
في المقابل، شكل قرار براءة قادة المؤتمر الوطني المحلول، صدمة وإحباطاً لكثيرين، الذين اعتبروه لا يخلو من نكهة تسييس للعدالة، ودعت بعض القوى السياسية إلى ضرورة التوحد لقطع الطريق أمام عودة الحزب المحلول مجدداً.
وقال عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير محمد الهادي، إن قادة حزب المؤتمر الوطني ارتكبوا مظالم كثيرة، وكان يجب تقديمهم لمحاكمات ناجزة وعادلة، وأكد أن العشم لم يكن في قطع الطريق على الثورة، وإنما في استكمال أهدافها.
وأشار الهادي، إلى أن المعضلة تكمن في عدم استكمال كل مؤسسات الدولة العدلية، قبل أن يحكم المكون العسكري سيطرته على الفترة الانتقالية تماماً، لتصبح كامل الدولة تحت أركانه، و في يد عهد حكومة الإنقاذ المبادة كما يحدث الآن.
على ذات الصعيد، كشف المحامي المعز حضرة، القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير، عضو هيئة الاتهام في محاكمة انقلاب الـ 30 من يونيو، أن الحكم الذي صدر في غندور والآخرين من قيادات المؤتمر الوطني المحلول، هو حكم ابتدائي ولا تزال هناك 4 مراحل للاستئناف بخصوصه.
ويضيف حضرة "بحكم متابعتي أعلم تماماً أنها كانت هناك بينات كافية في هذه القضية، بدليل أن قاضي المحكمة وجه لهم الاتهام في وقت لم يقدم فيه المتهمون أي شاهد للدفاع.
ويبدى حضرة استغرابه من أن هناك شيئاً غريباً في الحكم ببراءة إبراهيم غندور والآخرين من قيادات الحزب المحلول، إذ كيف يوجه التهمة في ظل عدم وجود شاهد للدفاع، ثم بعد كل هذا يصدر حكم ببراء ة المتهم، ما يشير إلى أن الحكم قد شابه قدر من التسرع والضعف، وهو في كل الأحوال ليس نهائياً، وقابل للاستئناف.
وعبر عن مخاوفه من أن يتعمد المتهمون الهرب أو إخفاء انفسهم، مستغلين فترة الاستئناف، بخاصة وأن بعض المتهمين الذين كانوا يخفون أنفسهم مثل المتهم عبدالحليم المتعافي الذي كان مطلوباً القبض عليه قد ظهر على نحو مفاجئ مع صدور الحكم، وما يزيد الاستغراب أنه ظهر مطمئناً لا يشعر بأي خوف، على الرغم أمر من القبض الساري المفعول الصادر في حقه.
ويردف "لكن يبدو أن هذا الحكم لا ينفصل عن التطور الجاري في مسار العدالة، لكنه للأسف تطور نحو الأسواء بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي، ما يعد مؤشراً لا يبشر بخير على مستوى العدالة بصفة عامة.
تحذير من الردة
وحذر حضرة مما وصفه بالردة الواضحة في المشهد العدلي بالبلاد، والتردي غير المسبوق في البيئة القانونية، أكثر مما كان عليه الوضع في فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، فكثير من الملفات إما مفقودة أو ناقصة والقضايا مؤجلة، فضلاً عن التطويل غير المبرر في المحاكمات.
وظهر القيادي في النظام السابق وزير الزراعة ووالي الخرطوم السابق، المطلوب للعدالة عبدالحليم المتعافي، في يوم صدور الحكم نفسه، 7 أبريل، بجوار غندور.
وأثار ظهور الرجل تساؤلات حول عدم تنفيذ الأمر بالقبض عليه كمطلوب يواجه اتهامات جنائية، وسبق أن نشرت النيابة العامة إعلانات في الصحف عام 2020، طالبت فيه "المتعافي" تسليم نفسه للأجهزة العدلية في غضون أسبوع واحد، لكن الرجل اختفى منذ ذلك الحين ولم يظهر إلا بعد صدور حكم المحكمة الأخير.
وكانت المحكمة قد برأت الخميس مجموعة من قادة النظام السابق بينهم رئيس الحزب المحلول من اتهامات تتعلق بالحرب ضد الدولة والإرهاب وأمرت بالإفراج عنهم، وذلك بعد أن كانت قد وجهت لهم الأحد الماضي، تهماً تتعلق بإثارة الحرب ضد الدولة وتمويل الإرهاب.
استندت المحكمة في حيثيات حكمها ببراءة قيادات الحزب المحلول إلى أن الدعوى القضائية في مواجهتهم اعتمدت على أقوال المتهم الخامس الذي أنكر أقواله في مرحلة لاحقة.