Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متحف المكلا... حكاية سلاطين "القعيطية"

يؤرخ الموقع التراثي لواحدة من أهم دول وإمارات جنوب شبه الجزيرة العربية

في الجزء الجنوبي من مدينة المكلا يقع قصر السلطان القعيطي (قصر المعين)، فوق لسان يمتد على الساحل عند بداية مدخلها الرئيس، وكان يعرف قديماً بـ "برع السدة"، وشيد من قبل السلطان عمر بن عوض القعيطي في 1925، وأصبح القصر مقراً للحكم وللأسرة القعيطية التي حكمت لأكثر من 140 عاماً وانتهت في 1967.

مكونات القصر

زارت "اندبندنت عربية" القصر الكبير الذي تحول إلى متحف لتاريخ السلطنة القعيطية ويحظى بزيارات يومية للطلاب والشباب وكبار السن وكل فئات المجتمع الحضرمي من الجنسين، في دلالة تؤكد الارتباط الوجداني للإنسان الحضرمي بتاريخ آخر سلطنات حضرموت.

 

يشرح أمين متحف المكلا ناصر باني مكونات القصر قائلاً إنه "يتكون من ثلاثة أدوار يحيط بها سور بمساحة كبيرة، وله بوابتان كبيرتان، كما توجد حديقة في ساحة القصر في الجزء المقابل للبحر، وتتوسط الحديقة الأمامية نافورة ذات شكل بديع، وجهز القصر بجميع متطلبات الراحة وأفضل أنواع الأثاث، ويمتاز بأنه مفروش على أبدع طراز، وكان فيه عدد كبير من الخدم والجواري يلبسون زياً على نسق واحد، ويتبعون نظاماً دقيقاً لا يقل في دقته عن النظام المتبع في قصر سلاطين الدول الأخرى آنذاك".

من قصر إلى متحف

في العام 1964 أقرت الحكومة القعيطية تحويل القصر إلى متحف على يد عالم الآثار الراحل محمد عبد القادر بافقيه الذي تقدم بمقترح إنشاء متحف للآثار والعادات والتقاليد، وكان حينها عبارة عن غرفتين واسعتين بها عدد من الأقسام في مبنى بالقرب من القصر السلطاني، وافتتح المتحف رسمياً عام 1966 بمسمى متحف المكلا للآثار والفنون الشعبية، بعد أن وضعت له موازنة تتبع وزارة المعارف التي كان بافقيه نفسه وزيرها.

وفي عام 1971 نقل المتحف الذي أصبح يتبع المركز اليمني للأبحاث إلى الجناح الشرقي من قصر السلطان القعيطي، وينقسم المتحف إلى ثلاث صالات في الطابق الأول تضم مقتنيات أثرية من عصور ما قبل التاريخ، وأخرى لآثار عصر مملكة حضرموت، وثلاث صالات أخرى في الطابق الثاني تضم القاعة الحمراء وقاعة العرش وقاعة الصور، وجميعها معروضات من الفترة السلطانية".

السلطنة القعيطية الحضرمية

متحف المكلا يؤرخ لواحدة من أهم سلطنات وإمارات جنوب شبه الجزيرة العربية التي كانت محل اهتمام العديد من الباحثين، ويرتبط بها الحضارمة وجدانياً حتى وقتنا الحاضر، وهو الأمر الذي يستدعي الحديث عن هذه السلطنة التي تعود وفقاً لباني إلى عام 1839، على يد الحاج عمر بن عوض القعيطي الذي تدرج في سلك العسكرية الهندية حتى تحصل على لقب الجمعدار، وكوّن ثروة مالية كبيرة في مقاطعة حيدر آباد بالهند، وساعدته الثروة في منافسة السلطنات والإمارات القائمة آنذاك، وتمكن من خلالها من إقامة دولته بعد أن استطاع انتزاع الشحر (شرق المكلا) من أيادي آل كثير. وفي العام 1888 دخلت السلطنة القعيطية في معاهدة حماية وصداقة مع الإنجليز، واستطاع القعيطي إزاحة الدولة الكسادية في المكلا ونقل عاصمته من الشحر إلى المكلا عام 1915.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وامتد حكمه في أجزاء كبيرة من حضرموت حتى بلغ مدينة شبام وأجزاء من تريم، وقام ثالث سلاطين القعيطي عوض بن عمر القعيطي عام 1921 بتشييد مدينة المكلا الحديثة برع السدة، فبنى القصر السلطاني ومسجد عمر ومبنى الماركيت، كما توسعت مدينة المكلا في عهده.

عصر النهضة والتنمية

وبحسب رئيس لجنة توثيق التراث المشقاصي عبد الباسط الغرابي يُطلق على السلطنة القعيطية سلطنة الشحر والمكلا وهي التي حكمت منطقة حضرموت بجنوب شبه الجزيرة العربية، وكانت مقسمة إلى ست مقاطعات وتسمى ألوية، وهي ألوية المكلا والشحر واللواء الغربي وشبام ودوعن وحجر، إضافة إلى المكلا كانت الشحر وشبام المدن الرئيسة للسلطنة.

ويعد السلطان صالح بن غالب القعيطي الذي اتخذ من المكلا عاصمة السلطنة رائد النهضة العلمية والزراعية في حضرموت آنذاك، فهو السلطان الوحيد الذي يعتبر عالم دين وطب وهندسة وفلك وغيرها.

 

ويشير الغرابي إلى أن عهد السلطان غالب تميز بانتشار المدارس ونهضة التعليم، فهو صاحب أكبر مكتبة في الجزيرة العربية آنذاك (المكتبة السلطانية)، وفي عهده قننت حضرموت الشريعة الإسلامية وأصدر السلطان قانوناً للسلطنة مصدره الوحيد هو الشريعة الإسلامية وبالأخص المذهب الشافعي، وتعتبر السلطنة القعيطية الدولة العربية الأولى بعد الدولة العثمانية في تقنين الشريعة الإسلامية، ولهذا أحدث السلطان صالح نقلة نوعية في المجال التشريعي في ذلك الوقت بمعية مجموعة من كبار علماء حضرموت، منهم السيد محسن بن جعفر بونمي والشيخ عبدالله بن عوض بكير وغيرهما، كما كثرت البعثات التعليمية إلى الخارج وأسست مدارس التعليم المتوسط وعبدت الطرق للسيارات وحدثت نقلة نوعية شهدتها حضرموت.

التدخل البريطاني

يتطرق رئيس لجنة التراث إلى التدخل البريطاني في فترة حكم السلطنة القعيطية، ففي العام 1937 كلف السياسي البريطاني المخضرم هارولد انجرامس من قبل المندوب السامي في عدن، بالذهاب إلى حضرموت ورفع تقرير عن الأوضاع الاجتماعية، بخاصة وأن حضرموت ترتبط مع البريطانيين بمعاهدة الحماية، وعند وصوله إلى مدينة المكلا برفقة زوجته التقى بالسلطان القعيطي ثم توجه إلى حضرموت الداخل، وفي هذه الأثناء شكلت لجنة سميت THE PEACE GROUP"" مكونة من 10 أفراد يترأسها الأمير علي بن صلاح القعيطي، ونائباً له الرجل الثري أبوبكر بن شيخ الكاف، على أن تقوم هذه اللجنة برحلات على ظهور الحمير والجمال إلى جميع مناطق القبائل واللقاء بمقاومتها، والاطلاع على كافة الأوضاع، بخاصة وأن حضرموت كانت في منتصف ثلاثينيات القرن الـ 20 تعيش في أوج الصراعات والثارات القبلية على طول وعرض مناطقها، وكان الهدف من وراء تلك الزيارة الاطلاع عن قرب حول أوضاع حضرموت، وكيفية حل الخلافات والصراعات القبلية وتثبيت الأمن والاستقرار، إضافة إلى مهمة الإعداد والتمهيد لإبرام معاهدة الاستشارة.

جيش البادية الحضرمي

ويلفت الغرابي إلى أنه بعد هذه الرحلات قدم أنجرامس تقريره إلى المندوب السامي في عدن، وعلى ضوء ذلك أبرمت المعاهدة، وعين هارولد أنجرامس أول مستشار بريطاني لسلاطين حضرموت القعيطي والكثيري وبلاد المهرة، عند ذلك بدأ في الإعداد والتحضير لتشكيل قوة عسكرية تابعة لدار المستشارية في المكلا، بداية بالسفر إلى شرق الأردن واللقاء مع الملك عبد الله ملك الأردن، وقائد جيش البادية الأردني إنجليزي الجنسية المدعو جلوب باشا، والاتفاق معه على تسمية القوة العسكرية الحضرمية بجيش البادية الحضرمي، بالزي العسكري نفسه الخاص بجيش البادية الأردني، وعاد وبرفقته اثنان من الضباط الأردنيين، الأول بركات الخريشة وهو بالمناسبة يحمل رقم (1) في الجيش الأردني، والثاني عبدالهادي العتيبي الذي عاد بعد نهاية خدمته في حضرموت إلى الأردن، ومن ثم الانتقال إلى موطنه الأصلي في المنطقة الشرقية من السعودية حتى وفاته.

 

وكان الهدف من مجيئهم إلى حضرموت برفقة أنجرامس هو مساعدته في بناء وتشكيل وتدريب قوة جيش البادية الحضرمي، وكانت بداية تكوينها ومقر قيادتها منطقة غيل بن يمين المقر الرئيسي لمقدم بيت علي وقبائل الحمومي.

سقوط السلطنة  

ينوه الغرابي بأن بداية نهاية السلطنة القعيطية كانت في ديسمبر (كانون الأول) 1966، برسالة المندوب السياسي البريطاني في عدن السير "تريفليان" إلى السلطان غالب بن عوض القعيطي يخبره فيها بقرار الحكومة البريطانية القاضي بإلغاء المعاهدات والاتفاقات الموقعة مع السلطان القعيطي في أول مايو (أيار) من عام 1888، ومعاهدة أغسطس (آب) 1937، وعلى ضوء هذا القرار تتخلى بريطانيا عن حماية السلطنة القعيطية التي ظلت لعقود خلت تحت الحماية والوصاية والانتداب البريطاني، الذي كان يحتل مدينة عدن منذ الـ 19 من يناير (كانون الثاني) عام 1839.

وخلال الفترة من يناير إلى أكتوبر (تشرين الأول) 1967 ضاعفت قوى الثورة والتحرير الحضرمية مطالبتها بالاستقلال عن بريطانيا، وكثفت من نشاطها السياسي والعسكري الفدائي بالقيام بمظاهرات عدة وعمليات عسكرية استهدفت المصالح البريطانية وأعوانها في حضرموت، ومنها مظاهرة مدينة المكلا في الـ 16 يناير 1967، وعمليات إلقاء القنابل على بعض المواقع والمصالح البريطانية في حضرموت بقيادة عبدالرحيم عتيق الذي كان يتولى مسؤولية القطاع الفدائي في حضرموت.

 

ويخلص رئيس لجنة التراث المشقاصي "مع تطور الأحداث وسقوط بعض مناطق المحمية الغربية في أيدي ثوار الجبهة القومية، اتخذت القيادة العامة للجبهة القومية في حضرموت قرار إسقاط المحمية الشرقية ومن ضمنها سلطنة القعيطي، وعلى إثر ذلك "قاد خالد باراس القائد العسكري للجبهة القومية بحضرموت مجموعة عسكرية تم بواسطتها الاستيلاء على منطقة حجر بن دغار، وذلك في الـ 15 سبتمبر (أيلول) 1967، وبعدها تم الزحف من ميفع حجر إلى بروم غرب مدينة المكلا، ثم أخذت الأمور تسير بعد ذلك نحو اتجاه واحد وهو السيطرة على المكلا عاصمة السلطنة القعيطية بمساعدة بعض من القادة العسكريين للسلطنة، وآخرين كانوا على صلة بالجبهة القومية من أعوان السلطان وحاشيته، فتحول ولائهم للسلاطين إلى موالاة ثوار الجبهة القومية، وفي الـ 17 سبتمبر 1967 أعلن سقوط مدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية ومدن الساحل الحضرمي، بانتقال سلمي سلس لم ترق فيه نقطة دم واحدة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة