Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صور الحرب بعيون النساء.. رؤية جمالية لأحداث مروعة

لما يزيد على 100 عام شاركت المرأة في توثيق اللحظات الحرجة

مذبحة منطقة الكارنتينا بلبنان عام 1967 بعدسة المصورة فرانسواز ديمولدر (الموقع الرسمي لمتحف التحرير الفرنسي)

صراعات واشتباكات وإطلاق للنيران بين جنود مدججين بالعتاد والسلاح يمثلون أطرافاً متنازعة في صراعات لم تنته منذ بداية التاريخ، تتوسطهم فئات أخرى وقع عليها مسؤولية نقل الأحداث وتوثيق هذه اللحظات الحرجة والمروعة، ففي قلب الاشتباكات دائماً ما وجد الصحافيون ومراسلو قنوات الأخبار والمصورون الذين أصبحت صورهم لقطات من التاريخ ومرجعاً لأحداث كبرى مرت على العالم.

ودائماً ما اقترنت الحروب وكل ما يتبعها بالرجال حتى في مجال التغطية الخبرية والمرئية، إلا أن هناك نساء حملن كاميرات التصوير منذ ما يزيد على 100 عام واقتحمن أجواء الحروب لتعكس لقطاتهن جوانب من الحرب والمعارك الدائرة في تجربة عدت رائدة وفتحت الطريق أمام أخريات اقتحمن هذا المجال الخطِر وقدمن تجربة ثرية على المستوى الإنساني والبصري على السواء. فكيف ترى عين النساء الحروب، وعندما يوجدن في آتون المعارك المستعرة حاملات لكاميرات التصوير ماذا تعكس عدساتهن، وهل تختلف رؤية المرأة لمشاهد الحرب عن رؤية الرجل، حين يكون منوطاً بها توثيقها وعرضها للعالم؟

جذب هذا الأمر انتباه كل من آن ماري بيكمان، مدير مؤسسة "دويتشه بورس" للتصوير الفوتوغرافي بألمانيا، وفليستي كورن أمينة متحف "كونست بلاست" (Kunstpalast) في دوسلدورف بألمانيا لتجمعا وتوثقا أعمال مجموعة من مصورات الحروب على مدار السنوات، في كتاب يعد مرجعاً مهماً لكل المهتمين بهذا الأمر وليتم عرض مجموعة من هذه الصور، أخيراً، في معرض بباريس في تعاون بين متحف التحرير، والمتحف العام، ومتحف لوكلير، ومتحف جان مولان، تحت عنوان "النساء مصورات الحروب". ويعد هذا العرض الثالث لهذه المجموعة من أعمال نخبة من أشهر المصورات النساء، حيث كان العرض الأول في مدينة دوسلدورف الألمانية في عام 2019، ثم عرض في متحف فوتوموسيوم في فينترتور بسويسرا في عام 2020.

ويضم المعرض أعمال 8 مصورات عالميات عكست صورهن 75 عاماً من الحروب والنزاعات في الفترة ما بين عام 1936 وحتى عام 2011، وأبرزهن جيردا تارو (1910-1937)، لي ميلر (1907-1977)، كاثرين ليروي (1944-2006)، كريستين سبنغلر (مواليد 1945)، فرانسواز ديميلدر (1947-2008)، سوزان ميسيلاس (مواليد 1948)، كارولين كول (مواليد 1961) أنجا نيدرينغهاوس (1965-2014) من خلال عرض أكثر من 80 صورة، إضافة إلى 100 وثيقة، وعشرات الصحف والمجلات الأصلية.

مصورات على مر الحروب

وتنوعت الصور التي قدمتها النساء في الحروب على مر الزمن باختلاف طبيعة المكان والظروف التي توجد فيها واختلاف طبيعة الأحداث والمجتمع. وعن أسباب اختيار هذه المجموعة من مصورات الحروب لتوثيق أعمالها، تقول آن ماري بيكمان، مديرة مؤسسة "دويتشه بورس" للتصوير الفوتوغرافي لـ"اندبندنت عربية"، "اخترنا هؤلاء المصورات الثمانية لمعرضنا وكتابنا لأننا نعتبر أداءهن وتأثيرهن استثنائياً، فتظهر الأعمال المختارة في المعرض أن المصورات الثمانية يتعاملن مع استراتيجيات بصرية متنوعة، وأشكال سردية مختلفة، فكل واحدة منهن كان لها أسلوبها الخاص الذي يتم من خلاله سرد تاريخ الصراعات من منظورها المتميز. وتنتقل مناهج المصورات من الموضوعية المحايدة إلى المباشرة أو المشاركة الودية والتعاطف، ولكن ما يربطهن جميعاً هو حقيقة أنهن وعلى الرغم من اعتبار أنفسهن صحافيات كُلفنَّ من قبل وسائل الإعلام والوكالات، فإنهن قدمن أكثر بكثير من مجرد وثائق لطبيعة الحرب بالطابع أو الوتيرة التي تحددها آلية الأخبار".

 

وأضافت بيكمان، "في ظل ظروف الحرب الصعبة، قدمت تلك المصورات صوراً مليئة بالإحساس والقوة والإنسانية، وهي صالحة إلى أبعد من مكانتها كمكملات للأخبار وذلك من خلال إحساسهن بالتكوين والزاوية الصحيحة، فهن لم ينجحن في التركيز على أهم الأشياء فحسب، بل فعلن ذلك بطريقة تجعل العين تتأمل في صورهن، وعلى الرغم من الموضوعات المروعة التي صورنها فإن مفرداتهن البصرية الدقيقة جعلت للصور تأثير دائم لدرجة أن بعضها أصبح جزءاً من ذاكرتنا الجماعية".

بداية دخول النساء مجال تصوير الحروب

في هذا المجال، عُدَّت بعض النساء من الرائدات في مجال تصوير الحروب أو حتى كمراسلات حربيات على جبهات الحروب المختلفة، ومن بينهن لي ميلر التي كانت واحدة من أهم المصورات اللواتي صورن أحداث الحرب العالمية الثانية.

وكانت ميلر في بداياتها عارضة أزياء، ثم تحولت إلى واحدة من أشهر مصورات الحروب، وتعد صورتها عشية انتحار هتلر بعد هزيمة ألمانيا في حوض استحمام الفوهرر ذاته وحذائها الحربي المخلوع على الأرض، وفي الخلفية صورة هتلر واحدة من أيقونات نهاية الحرب العالمية الثانية. وبعد وفاتها في عام 1977، عثر ابنها على مجموعات نادرة من الصور والوثائق الخاصة بها ونشرها في كتاب تحت عنوان "حرب لي ميلر: ما وراء يوم إنزال قوات الحلفاء في نورماندي"، حيث كانت من ضمن المراسلات المحدودات اللواتي قمن بتغطية هذا الشأن لعدم إتاحة التصاريح للنساء في هذا الوقت.

وفي السياق ذاته، وفي يوم إنزال قوات الحلفاء في نورماندي الفرنسية، والذي يعد من النقاط الفاصلة في إطار عمل النساء في مواقع الحروب، كانت مارثا جيلهورن التي اعتبرت من أهم المراسلات الحربيات في العالم هي المرأة الوحيدة على شواطئ نورماندي الفرنسية في الأيام التي تلت اقتحام القوات الحليفة للمنطقة، لكن لم يكن من المفترض أن تكون تلك الصحافية الأميركية هناك، ففي يونيو (حزيران) 1944 تقدمت جيلهورن بطلب إلى الحكومة البريطانية للحصول على اعتماد صحافي لمتابعة عمليات الإنزال في نورماندي ورُفض طلبها.

 

إلا أن جيلهورن صعدت إلى إحدى السفن ما أتاح لها رؤية انعكاس الوضع على الجنود من خلال الجرحى. وكانت هي المرأة الوحيدة التي هبطت في نورماندي مع القوات في 6 يونيو 1944، لتقوم مجموعة من المصورات والمراسلات الحربيات بالسعي نحو اعتمادهن على خطوط المواجهة في حادث شهير عرف لاحقاً باسم "سيدات يوم الإنزال" D day dams ليشكل انطلاقة للنساء في تغطية الحروب كمراسلات ومصورات.

وعن التجارب الأولى لدخول النساء إلى عالم تصوير الحروب والاشتباكات تقول فليستي كورن، أمينة متحف "كونست بلاست" بألمانيا لـ"اندبندنت عربية"، "في الحرب العالمية الأولى، لم يكن هناك سوى مصورة واحدة معتمدة هي أليس شالك وخضعت صورها للرقابة واعتبر بعضها صوراً دعائية بمفهوم ذلك الوقت، مثل صور زملائها الذكور على السواء. وبالتزامن مع الحرب الأهلية الإسبانية ومن بعدها الحرب العالمية الثانية، زاد عدد المصورات من النساء وخصوصاً مع وجود تطور تقني في معدات التصوير، مما جعل الأمر أسهل مع صغر حجم الكاميرات عن السابق، وعند الحديث عن رائدات التصوير في الحروب من النساء فأهمهن هي جيردا تارو".

وتضيف كورن، "لا نعتقد أن النساء غطين مناطق الحرب والصراع بشكل مختلف عن الرجال، فهن أيضاً كن في خضم المعارك والاشتباكات، ويلتقطن صوراً للجرحى والقتلى، لكن ما كان مختلفاً هو حقيقة أنهن لم يسمح لهن بالوصول إلى مناطق القتال وخطوط المواجهة لفترة طويلة جداً، بالتالي كان عليهن التركيز على المستشفيات وآثار الحرب على المدنيين".

توثيق عمل المصورات النساء

أخيراً مع اشتداد أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية، التقطت المصورة الأميركية لينسي أداريو الحائزة على جائزة بوليتزر صورة وصفتها بأنها يمكن اعتبارها "جريمة حرب"، وهي لعائلة أوكرانية قتل جميع أفرادها على يد القوات الروسية فور وصولهم إلى العاصمة الأوكرانية كييف قادمين من مدينة إربين المجاورة، وظهر فيها أربعة أفراد مقتولين وممدين على الأرض بينهم طفلان. ونشرت الصورة على الصفحة الأولى لجريدة "نيويورك تايمز" التي تنتمي إليها المصورة وعدت من أشهر الصور التي أثرت في الرأي العام أخيراً، وصادف أن من التقطها كانت امرأة.

 

 
فعلت كثيرات على مَر الزمن الشيء نفسه، وقدمن صوراً فوتوغرافية من كافة أماكن الحروب والنزاعات في العالم، من شرقه إلى غربه، إلا أن جهودهن لم توَّثق بشكل منظم أو تقديمها إلى الجماهير بصورة كافية حتى أنه من المرجح أن كثيرين من الناس في بقاع شتى من العالم لا يعرف كثيراً عن تجربتهن الرائدة في هذا المجال.
وعن الهدف من توثيق عمل المصورات النساء، تقول بيكمان، "لم يتم تدعيم وتسجيل عمل المصورات الحربيات في أنطولوجيا التصوير الفوتوغرافي للحرب بدرجة كافية، على الرغم من أنهن شاركن في صياغة الصورة التي نعرفها عن الحرب تماماً مثل زملائهن الذكور، ونتيجة لذلك، لا يزال كثير من الناس غير مدركين للمساهمة الأساسية التي قدمتها هذه النساء في تغطية الحروب على مر السنوات".
وتضيف "من خلال معرض مصورات الحرب النساء أردنا التركيز على هذه الإنجازات المهمة، وبالتالي خلق وعي بحقيقة أن صورتنا عن الحرب، والتي يتم تعريفها بشكل أساسي حتى يومنا هذا على أنها صور ذكورية، كانت متأثرة بشكل أساسي بالنساء أيضاً، فلا يهدف هذا المعرض إلى فصل صور النساء عن تاريخ التصوير الفوتوغرافي للحرب بل على العكس تماماً، فإن القصد من ذلك تضمينهن فيه، وبالتالي منحهن الاهتمام الذي يستحققنه".

لقطات يصعب على الرجال التقاطها

قد يعتقد البعض أحياناً أن النساء في الحروب قد يربحن بعض اللقطات التي يصعب على الرجال التقاطها، خصوصاً في المجتمعات المغلقة، فيمكن للمرأة تصوير المنازل من الداخل والتجمعات النسائية، فتقول كورن "هذا حقيقي بالفعل ويمثل نقطة قوة للمصورات النساء لا سيما في المجتمعات التي لا يزال يعتبر فيها المجال الخاص أنثوياً، ففي كثير من الأحيان لا ينظر إلى النساء على أنهن دخيلات أو يمثلن تهديداً فيكون من الأسهل لهن كسب الثقة، وبالتالي يمكنهن التحرك بشكل أسهل وبالفعل ذكرت مصورات إناث أن هذه كانت من المزايا التي حصلن عليها بسبب جنسهن، وما أدركناه أيضاً هو أنهن يقدمن كثيراً من الصور التي يتم فيها تصوير النساء ليس فقط كضحايا للحرب، ولكن كمشاركات نشيطات فيها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتابع، "بطبيعة الحال غالباً ما تثير الصور في هذا المعرض استجابة عاطفية للغاية، أكثر من العروض الأخرى، فالجمهور غاضب من جرائم الحرب ومصدوم من حقيقة أنه لسوء الحظ لم تنجح أي صورة من صور الحرب الصعبة والمروعة حتى الآن في العمل على إنهاء الحروب. كما يقدر الناس عند مشاهدتهم لهذه الصور الجهود العظيمة للمصورات ويثنون على شجاعتهن وجرأتهن وعيونهن الممتازة التي التقطت مثل هذه اللقطات".

تحديات ومخاطر

تحديات كبيرة تواجهها المصورات الصحافيات والمراسلات الحربيات فهن يعملن في بيئات عمل هي الأشد خطورة، إذ تسودها الاشتباكات وتعتبر القذائف وإطلاق النيران تحدياً يومياً عليهن مواجهته، وبالفعل دفعت بعضهن حياتها ثمناً لأداء عملها في هذه المناطق. ويمكن اعتبار جيردا تارو التي رحلت في عام 1937 أثناء تغطيتها أحداث الحرب الأهلية في إسبانيا، أول مصورة حربية تدفع حياتها أثناء عملها في خطوط المواجهة.

وفي السنوات الأخيرة، كان الحادث الشهير الذي تعرضت له "ماري كولفين" المراسلة الأميركية التي عملت مع جريدة الـ"صنداي تايمز" لسنوات طويلة وقتلت إثر غارة جوية في فبراير (شباط) 2012 مع المصور الفرنسي "ريمي أوشليك". وقد تم تقديم فيلم عن قصة حياتها بعنوان "حرب خاصة"  a private war من بطولة الممثلة البريطانية روساموند بايك.

 

وكذلك "إيديت بوفييه" مراسلة صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، التي أصيبت بجرح خطير في ساقها في مدينة حمص السورية وأصدرت بعد عامين على الحادثة كتاباً بعنوان "غرفة تطل على الحرب" توثق أحداث تلك الفترة. وغيرهن كثيرات ممن تعرضن لأخطار بالغة خلال تغطيتهن هذه الأحداث.

وفي الأيام الأخيرة، تزامناً مع أحداث الحرب الروسية- الأوكرانية قتلت المراسلة الروسية أوكسانا بولينا جراء قصف تعرضت له أثناء تصويرها الدمار الذي لحق بأحد المراكز التجارية في العاصمة الأوكرانية كييف، وذلك بعد أيام قليلة من مقتل المصور الصحافي الإيرلندي بيار زاكرزيوسكي وزميلته المراسلة الأوكرانية أوليكساندرا كوفشينوفا اللذين يعملان في "فوكس نيوز"، عندما تعرضت سيارتهما لنيران قصف شديد بالقرب من كييف.

وعن أبرز المخاطر التي تعترض المصورات النساء، تقول مؤلفات الكتاب، إن "المصورات النساء معرضات لمخاطر مماثلة لتلك التي يتعرض لها الرجال في الحروب، ولكنها قد تكون أيضاً مختلفة، وعلى الرغم من أن النسبة المئوية لمصورات الحرب عالية جداً في الوقت الحاضر، فلا تزال الحروب تعتبر مجالاً يسيطر عليه الذكور، لا سيما في إطار المجال الذي يتم وضعهن في نطاقه، فالصور التي التقطتها النساء كانت مميزة تماماً مثل تلك الخاصة بزملائهن الرجال، وكان لكل فترة تحدياتها إلا أنه في النهاية أنتجت المصورات لقطات بارزة للحروب والنزاعات في كل فترة عكست جانباً رئيساً من جوانب الحرب بعين أنثوية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات