Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعليم يحسم مستقبل أفغانستان والعالم مدعو إلى دعمه

يواجه اليافعون والفتيات خطر الحرمان من التعليم أو ضياع ما تلقوه منه، والتمويل ضروري للحيلولة دون ذلك

طالبات أفغانيات يستمعن إلى معلمتهن في مدرسة في مدينة "هرات" (أ ب)

وقفت بنات تتراوح أعمارهن بين الثامنة والعاشرة، واحدة تلو الأخرى، أمام قادة حركة "طالبان" الذين جاءوا لزيارتهن، ورسمن حدود حلمهن في أن يُسمح لشقيقاتهن، ولجميع المراهقات، بالعودة إلى مدرسة ثانوية.

حصل ذلك في أثناء أول مهمة في أفغانستان اقتصرت عضوية فريقها على النساء، وقادتها ياسمين شريف، مديرة مؤسسة "التعليم لا يمكن أن ينتظر" الخيرية، وهي صندوق عالمي، يسعى إلى توفير التعليم المتواصل خلال حالات الطوارئ والأزمات المديدة.

ويتركز هدف تلك المؤسسة على إتاحة المجال للبنات النازحات للحصول على التعليم الذي يتعطشن إلى نيله. والآن، وقد صرن أمام قادتهن الجدد من حركة "طالبان"، فقد التمسن فرصة للهرب من حياة الفقر والعبودية.

تمدنا شجاعة البنات وقوتهن ببصيص نادر من الأمل. وإذ يواجه 97 في المئة من السكان خطر الوقوع في براثن فقر مدقع مع حلول أواسط عام 2022، فإننا في "لحظة خطورة استثنائية بالنسبة إلى شعب أفغانستان" بحسب مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق عمليات الإغاثة في حالات الطوارئ.

يجب أن تنظم بريطانيا الآن مؤتمراً عن الالتزام بتبرعات من أجل جمع الأموال التي تشكل عاملاً أساسياً لمنعهم [الأفغان] من الموت جوعاً في الشتاء، نظراً إلى أن المجاعة تقف دائماً بالمرصاد لتلك البلاد. إذ يبقى الأطفال والأمهات على الأرض هناك، من دون اللقمة التي يحتاجون إليها. وحتى الأطباء الذين يعالجهونهم لايحصلون على الطعام، وهم يعملون من دون أن يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر عدة، ويخشون من احتمال أن يضطروا قريباً إلى دخول المستشفى بسبب معاناتهم سوء التغذية.

ليس ثمة "طفولة" اليوم بالنسبة إلى معظم الأطفال والبنات في أفغانستان، بل هناك محض صراع من أجل البقاء، وهذا ما يقلقني بصفتي مبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي.

ثمة إنجازات تحققت وأدت إلى فتح أبواب المدارس أمام ملايين الأولاد والبنات، وقد رأيتها خلال زياراتي إلى أفغانستان، لكن يجري محوها نهائياً في الوقت الحالي. وحتى قبل جائحة كورونا التي أدت إلى إغلاق مدارس أفغانستان 12 شهراً، كان حوالى 4.2 مليون طفلاً غير مسجلين في المدراس، بينهم 2.5 مليون من البنات.

وهناك الآن حوالى 10 ملايين طفل، ممن تسجلوا وهم عرضة لخطر الانقطاع عن الدراسة، عند انهيار نظام التعليم، إن حصل.

ثمة نقاط أكثر إشراقاً مما ورد، على غرار إعادة افتتاح مدارس ثانوية في "بلخ" وفي أجزاء من الشمال تعد أقل مُحافظة من غيرها. في المقابل، استؤنف التعليم الثانوي للبنات في 6 من أصل الولايات الـ 34 في البلاد.

ويعود هذا في جزء منه إلى جهود بذلتها وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية على الصعيد المحلي. وقد تحقق من خلال البناء على أساس علاقات راسخة مع المجتمعات المحلية وإنقاذ المدارس غير الرسمية المجتمعية والبيتية (التي استمرت في أماكن التعليم الموقتة بموجب اتفاق بين "طالبان" ومنظمة "اليونيسيف"). والآن ينبغي أن نجد الموارد اللازمة لتمويلها.

لقد أعربت سلطات الأمر الواقع في كابول رسمياً عن التزامها توفير التعليم للأولاد والبنات في البلاد، بما في ذلك في المرحلة الثانوية، ولكن على أن يتماشى ذلك مع خطة يطورونها حاضراً "من أجل تحديد الظروف التي يمكن للتعليم الثانوي أن يستمر في ظلها، بما ينسجم مع قيمهم الدينية والثقافية".

مع ذلك، فإن تعليم البنات شرط مسبق لبناء بلاد مزقتها حرب استمرت على امتداد 40 عاماً. ما الذي يمكننا، كمجتمع دولي، أن نفعله لتفادي هذه الكارثة الإنسانية؟

  إن الأمل آخذ في التلاشي، نظراً إلى عدم وجود نساء في الحكومة، وإغلاق وزارة شؤون المرأة، واشتراط سفر النساء مع محرم، أو قريب ذكر، وعدم توفير التعليم للمراهقات.

 لكن باعتبار أن حركة "طالبان" نفسها تضغط الآن على المجتمع الدولي لاستعادة مليارات الدولارات التي جرى تجميدها في حسابات بنوك أجنبية، فإن العاملين في المجال الإنساني يطالبون في المقابل بتوفير التعليم لجميع البنات في أنحاء البلاد.

 بالطبع، لن يكون من السهل الحصول على أي فتوى تشجب منع البنات من تلقي التعليم الثانوي. وفي الواقع، قد يؤدي الضغط من الخارج إلى نتيجة معاكسة، فالقادة الدينيون الأفغان مستقلون إلى حد لا مساومة فيه، ولن يسمحوا لأنفسهم بالظهور بمظهر البيادق في حروب بالوكالة تديرها شعوب أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 بالتالي، علينا أن نحاول إقناع هؤلاء القادة واحداً تلو الآخر على المستوى المحلي بأن التعليم ليس تهديداً للتفاني الديني، وكذلك فإنه لا يشكل استسلاماً للغرب، بل أمر لا غنى عنه من أجل تنمية حياة شابة. إذا كان من الممكن تحقيق تقدم مع القادة الدينين، واحداً بعد الآخر، فإن التقدم يمكن أن يتحقق أيضاً في ولاية إثر ولاية.

وتتجلى بارقة الأمل الأخرى في أن الأمم المتحدة وشركاءها من منظمات غير حكومية وطنية ودولية تواصل جهودها التي ينسقها مارتن غريفث، في محاولة للعمل على الأرض. ويوفر ذلك فرصة ومنصة أمام المجتمع الدولي كي يدعم تعليم البنات من خلال تقديم التمويل للحفاظ على المشاريع المحلية.

ويشتمل ذلك على المدارس المجتمعية، وبرامج التعليم المسرّع التي تديرها منظمات غير حكومية معتمدة وخضعت للتدقيق. وينبغي أن يشمل هذا التمويل الجديد رواتب الأساتذة الذين لم يتلق 70 في المئة منهم أي أجور منذ أشهر عدة. ويمكن لمنظمة "اليونيسيف" إذا مُولت بشكل كامل أن تدفع بشكل مباشر [للمعلمين رواتبهم] من دون أن يمر المال عبر حكومة "طالبان".

يحتاج التعليم في حد ذاته في الأقل 1 مليار دولار (745 مليون جنيه استرليني)، إذا كان لنا أن نبني نظاماً تعليمياً فاعلاً. يحتفظ "البنك الدولي" بـ1.5 مليار دولار (حوالى 1.10 جنيه استرليني) في "الصندوق الائتماني لإعادة بناء أفغانستان"، وقد رُصِدَ لتلك البلاد، مع وجود 1.2 مليار دولار (حوالى 886 مليون جنيه استرليني) مخصصة لمشاريع أقرتها الحكومة السابقة.

 وكذلك وفر ذلك الصندوق أخيراً مبلغاً يقل بقليل عن 300 مليون دولار لدعم الأمن الغذائي (برنامج الغذاء العالمي) والصحة "يونيسيف"، ولكن ليس للتعليم، بالتالي، ليس لدفع رواتب للمعلمين. ونظراً إلى مدى إلحاح الأزمة الإنسانية، يجب أن تعاد برمجة الصندوق من أجل دعم الشعب الأفغاني هذا الشتاء.

ستكون خطة الاستجابة الإنسانية لأفغانستان في 2022 أكبر نداء إنساني خاص بدولة واحدة على الإطلاق، لا سيما أن قيمته تبلغ 4.44 مليار دولار (حوالى 3.28 مليار جنيه استرليني). ومن شبه المؤكد أن هناك حاجة إلى مزيد من المال. جرى تخصيص حوالي 162 مليون دولار (حوالي 1.19مليون جنيه استرليني) للتعليم، أي أقل من 4 في المئة من التمويل الإجمالي اللازم للنداء، قد رُصِد للإنفاق على التعليم، وأنا أعرف أن مارتن غريفث والشركاء العاملين في المجال الإنساني يريدون أن يفعلوا أكثر من ذلك.

إن مؤسسة "التعليم لا يمكن أن ينتظر" الخيرية التي تمول عدداً من جهود منظمة "اليونيسيف"، لديها حالياً ثغرة في التمويل تبلغ 108 ملايين دولار (79.81 مليون جنيه استرليني) من أجل استثمارها المستمر المتعدد السنوات. وتحتاج تلك المؤسسة وحدها إلى ما لا يقل عن حوالى 350 مليون دولار (حوالى 258.65 جنيه إسترليني) كي تلبي حاجاتها المستقبلية.  لذا، فإن الخطوة التالية ستكون السعي للحصول على الدعم من أجل خطة متعددة السنوات يجري تمويلها بصورة مناسبة، على أن تبدأ في الولايات التسع التي كانت تتلقى المساعدة من "اليونيسيف" ومؤسسة "التعليم لا يمكن أن ينتظر" الخيرية.

لقد تحدثت البنات الشجاعات عن رغبتهن في الحصول على التعليم، ولم يكن يتحدثن مع "طالبان" وحدها، بل معنا كلنا أيضاً. ونحن نتجاهلهن على مسؤوليتنا. علينا أن نحتضن الآمال التي يمثلنها، ونوفر لأولئك البنات نافذة فرصة ربما تساعد، مع مرور الزمن، في بناء أفغانستان جديدة التي قد تنبثق قبل فوات الأوان من الخراب الحالي.

حين سَألتْ سامانثا مورت، وهي من "يونيسيف" أفغانستان، صفاً دراسياً في كابول إذا كانت لدى الطلاب رسالة لمشاركتها مع العالم الخارجي، رفعت طالبة تبلغ سبع سنوات من العمر يدها. وسألت إذا كان بوسع العالم أن يحافظ على السلام في أفغانستان بحيث تستطيع أن تواصل الذهاب الى المدرسة.

 وحين سمع ممثل سلطات الأمر الواقع ما قالته البنات الصغيرات لياسمين شريف في تلك المدرسة الابتدائية، تقدم وقال، "أعدكن أن كل واحدة من شقيقاتكن ستلتحق بالمدرسة الثانوية".

علينا أن نجعله ينفذ وعده كي نحافظ على الأمل حياً.   

 

غوردون بروان هو مبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم ورئيس وزراء سابق للمملكة المتحدة

نشر في "اندبندنت" 31 ديسمبر 2021

© The Independent

المزيد من آراء