Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعجل الطحالب الدقيقة في وقف اعتمادنا على النفط؟

يحتضن كوكب الأرض نحو 100 ألف نوع منها وكشفت البحوث استخداماتها المحتملة في إنتاج الوقود الحيوي

صحيح أنها تصنف علمياً ضمن مملكة الحيوانات بيد أن عملية التمثّل الغذائي لدى الطحالب الدقيقة تشبه ما يحدث في النبات، بمعنى أنها تنتج الأوكسجين لتجديد ما نستهلكه منه نحن البشر (غيتي)

طوال آلاف السنين، استخدم الصينيون الطحالب الدقيقة المتناهية الصغر "ميكروآلجاي" microalgae لأغراض طبية وغذائية، اعتقاداً منهم بقدرتها في شفاء الناس من أي علة صحية تقريباً. ليست فكرة أن الطحالب الدقيقة تتمتع بقدرات شفائية استثنائية بعيدة الاحتمال، خلافاً لما قد يظنه بعض الناس. على الرغم من أن الصينيين القدماء اعتقدوا أن الفوائد المتصلة بتحسين الصحة مردّها إلى الطحالب الدقيقة نفسها، نعلم الآن أن مركبات بيوكيماوية تنتجها هذه الكائنات الميكروسكوبية، قد صنعت تلك القدرة "السحرية".

تضم الطحالب الدقيقة نحو 100 ألف نوع، يملك كلٌّ منها مجموعة مميزة من الخصائص. بالنتيجة، يتيح هذا التنوع للطحالب الدقيقة أن تزدهر في البيئات كافة تقريباً المنتشرة على وجه الأرض. وتنمو هذه الكائنات الدقيقة في معظمها في موائل مائية من قبيل المياه العذبة أو المياه العادمة، ولكن عثر عليها أيضاً في مناطق ذات تربة رطبة، وحتى في ضفاف ثلجية.

عادة ما توصف الطحالب الدقيقة بأنها خضراء اللون، ويصح ذلك بالنسبة إلى أنواع مثل "بترويوكوكوس بروني" B. braunii  و"شلوريلا فولغاريس" C. vulgaris. ولكن ثمة أنواعاً أخرى مختلفة، مثل "سي. أوفيشينالس C. officinalis الحمراء اللون، أو "الفوقس الحلزوني"  F. spiralis البنّية اللون. ينتج كل صنف من هذه الكائنات الدقيقة أنواعاً أو كميات مختلفة من المركبات الكيماوية الحيوية، ما يجعل بعضها أكثر إفادة في استخدامات معينة بالمقارنة مع غيرها.

خلال العقود القليلة الماضية، أثبت البحث الإمكانات الهائلة التي تكتنزها الطحالب الدقيقة، لا سيما في إنتاج الوقود الحيوي (المستمد من مواد نباتية أو فضلات حيوانية). ولقد رغِبتُ بمراجعة ذلك البحث بهدف وضع إطار لإيجاد أنواع الطحالب الدقيقة الأكثر ملاءمة لإنتاج كميات كبيرة من وقود حيوي يمكنه في نهاية المطاف منافسة عمالقة النفط والغاز، وخفض اعتمادنا على الوقود الأحفوري.

سحر الطحالب الدقيقة

لحسن الحظ، تتمتع الطحالب الدقيقة بقدرة فريدة على تحويل ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون إلى مجموعة واسعة من المركبات البيوكيماوية. صحيح أنها تصنف علمياً ضمن مملكة الحيوانات، بيد أن عملية التمثّل الغذائي لدى الطحالب الدقيقة لا تختلف عن نظيرتها الموجودة لدى النباتات، إذ تنتج الأوكسجين، ما يؤدي إلى تعويض ما نستهلكه منه نحن البشر الذين نُطلق في تنفسّنا ثاني أكسيد الكربون. تؤدي حلقة التمثيل الغذائي في الطحالب الدقيقة دور نظام يعمل على احتجاز الكربون، إذ يتيح تحويل ثاني أكسيد الكربون المضر في الغلاف الجوي إلى أوكسجين مفيد. كذلك تنتج الطحالب الدقيقة مجموعة واسعة من المركبات الأخرى الموجودة داخل خلاياها، وهي المركبات التي تجعل منها حلاً فاعلاً جداً في مكافحة آثار الاحتباس الحراري العالمي.

عموماً، تُقسّم المواد التي تنتجها الطحالب الدقيقة إلى ثلاث فئات هي بروتينات وكربوهيدرات وشحوم (دهون). ولكن وجد بحث أنها تشتمل أيضاً على مركبات بيوكيماوية كثيرة أخرى عالية القيمة، لها استخدامات مهمة في مجموعة واسعة من الصناعات المختلفة. مثلاً، تنتج الطحالب الدقيقة مركبات تُسمّى بـ"كاروتينات" carotenoids، معروفة أكثر بأنها صبغات عضوية أو مواد ملونة. مثلاً، تعطي هذه المركبات السلمون لونه الوردي، ذلك أن الغذاء الذي يستهلكه يحتوي على كميات عالية من الكاروتينات.

كذلك تنتج الطحالب الدقيقة فئة أخرى من المركبات العالية القيمة تُسمّى بـ"أحماض دهنية متعددة غير مشبعة" (اختصاراً PUFA)، علماً أنها جزء من عائلة الدهون وتؤدي دوراً بالغ الأهمية في إمداد الخلايا بالطاقة. ويلفت أيضاً أن الطحالب الدقيقة تشكل أحد أغنى المصادر لهذه المركبات التي تساعد في علاج مضاعفات داء السكري والتهاب المفاصل.

ولكن كيف يمكن لهذه الكائنات الحية أن تنتج بنزين يصلح للاستخدام في تشغيل السيارات؟ بصورة عامة، يُستخلص البنزين والديزل المستخدمان حالياً من نفط خام تشكّل منذ ملايين السنين من بقايا مخلوقات بحرية ميتة. في المقابل، يُنتج الوقود الحيوي الحديث من كائنات حيّة.

كيفية إنتاج الوقود الحيوي

حاضراً، يُعتبر الوقود الحيوي المصنوع من الطحالب الدقيقة أحد أكثر البدائل الواعدة للوقود الأحفوري، القادرة على دعم الطلب العالمي على الطاقة. في الحقيقة، ليست هذه مهمة سهلة، لا سيما مع الاضطرار إلى الدخول في منافسة مع صناعة مربحة جداً يعود تأسيسها إلى أكثر من قرن مضى. وخلافاً للنفط الذي يُعتبر مورداً غير متجدد، يبقى الوقود الحيوي مصدراً متجدداً ومستداماً للوقود. إنما لسوء الحظ، تعجز اقتصاديات الوقود الحيوي عن منافسة الوقود الأحفوري التقليدي حتى الآن. ويُعزى ذلك كله إلى خلاصة مفادها بأن التقنية اللازمة للتوسع في إنتاج الوقود الحيوي غير متوافرة حالياً بعد.

في سياق متصل، لا تنتج الطحالب الدقيقة الوقود الحيوي بصورة مباشرة، بل تولّد الشحوم (الدهون). من ثم، بغية تصنيع الوقود الحيوي، لا بد من أن تخضع هذه الدهون للتحويل بواسطة عملية تُسمى بـ"الأسترة التحويلية" transesterification. تنطوي الأخيرة على التخلص من أكبر قدر ممكن من المياه، في ما يُسمى بـ"نزح المياه" dewatering [إزالة المياه من المواد الصلبة أو التربة]، لكن هذه المعالجة تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، ما يترتب عليه ارتفاع في تكاليف التشغيل. في النتيجة، تصبح العملية الكلّية باهظة التكلفة إلى حد تعجز عنده هذه الصناعة عن منافسة صناعة النفط والغاز، على الرغم من التأثير الإيجابي الذي تتركه في البيئة.

عبر استخلاص المركبات العالية القيمة بصورة متكررة من مستنبتات الطحالب الدقيقة نفسها، تنتهي مشكلة تكاليف الإنتاج المرتفعة وتتوافر عملية مستدامة وقابلة للتطوير في المستقبل

في المقابل، إذا وضعنا الاقتصاد جانباً، يبدو مستقبل استزراع الطحالب الدقيقة واستخراج الدهون واعداً جداً. سيقود تطوير تقنيات هجينة في هذا المجال إلى تسريع الانتقال العالمي نحو خفض اعتمادنا على الوقود الأحفوري. ويشمل ذلك إنشاء مصانع تتعامل مع خلايا الطحالب الدقيقة، وتستخدم جزيئات ذهب يكون حجمها على مقياس النانومتر [أو جزء من البليون من المتر]، علماً أنها جزيئات دون ذرّية تشبه الذرات التي تشكل اللبنات الأساسية للمواد كلها، بغرض رفع معدلات إنتاج الوقود الحيوي وتعزيز الكفاءة.

في سياق موازٍ، يتمثل الحل المحتمل الآخر في عملية تُسمّى بـ"الحلب" milking. تتسبب طرق الزراعة التقليدية للطحالب الدقيقة بتدمير الأخيرة بعد انتهاء فترة الزراعة، ما يحد من الإمكانات الكاملة لما يُستطاع استخراجه من كل خلية فيها. وعلى غرار قدرتنا في تكرار عملية حلب البقرة إنما من دون قتل البقرة، ينطبق الأمر ذاته على الطحالب الدقيقة. وعبر استخلاص المركبات العالية القيمة على نحو متكرر من مستنبتات الطحالب الدقيقة عينها، تزول المشكلات المتمثلة في التكلفة المرتفعة للإنتاج، وتتوافر في النتيجة عملية مستدامة وقابلة للتطوير مستقبلاً.

في المحصلة، سيصبح الوقود الحيوي منافساً في تكلفته لنظيره الأحفوري المعتمد حالياً، ما يساعد في تسريع عجلة الانتقال نحو استخدام مصادر الطاقة البديلة [المستمدة من مصادر طبيعية وضئيلة الإضرار بالبيئة]. ولكن لسوء الحظ، إن الإنتاج المحتمل لوقود حيوي تنافسي أمامه شوط طويل يقطعه قبل أن يتمكن من منافسة أسعار الوقود الأحفوري وكمياته. في المقابل، تملك هذه التقنيات المتطورة القدرة على التعجيل في خطواتنا صوب الانتقال المطلوب بغية مساعدة العالم في بلوغ أهدافه المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة لعام 2050.

 

كالوم راسل، حاصل على دكتوراه في الهندسة الكيماوية من "جامعة غرب اسكتلندا". نشر المقال للمرة الأولى على موقع "ذا كونفرزيشن" The Conversation.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 13 مارس (آذار) 2022

المزيد من بيئة