Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"علاقات خطرة" مسرحية مصرية عن أزمات العائلة العربية

المخرج مايكل مجدي يتناول اضطراب الحياة الاجتماعية بسبب تربية الأهل

من مسرحية "علاقات خطرة" التي تتناول واقع التربية العائلية (الخدمة الإعلامية للفرقة)

يبدأ العرض المسرحي" علاقات خطرة" بمشهد طقسي يمكن اعتباره الخيط الرئيس الذي ستتفرع عنه بقية الخيوط من ثم. أما المشهد فهو ما يسمى" أسبوع المولود" أي الاحتفال بالمولود في اليوم السابع لقدومه، والكلمات التي يتم ترديدها خلاله من عينة "اسمع كلام أمك، اسمع كلام أبوك"، وكأننا حتى في لا وعينا نهيئ هذا الطفل منذ البداية لفكرة الطاعة العمياء، أو فكرة أن يكون ما نريده نحن، لا أن يكون ما يريده هو.

إن أغلب مايتعرض له الإنسان في مجتمعنا الشرقي من مشكلات يعود في الأساس، وبحسب الدراسات النفسية، إلى طريقة التربية الخاطئة في طفولته، سواء من جانب الأب أو الأم أو المعلم أو المحيطين به عموماً.

ثمة أخطاء كبيرة يرتكبها الآباء، سواء بقصد أو من دونه، ويدفع الأبناء ثمنها، وهو ما يحذر منه العرض بشكل فني، إذ يكتفي بطرح القضايا والأسئلة من دون تعليق أو اقتراح حلول أو تلقين المشاهد ما يجب أن يفعله، وإلا ارتكب الأخطاء نفسها التي يرتكبها الآباء.

الطقس الذي استهل به العرض مشاهده اعتمد على مستوى التنفيذ، فكرة الكورس أو الجوقة، التي تمثل الآباء والأمهات، وتردد هذه التعليمات وكأننا أمام حال عامة في مجتمعنا الشرقي، تنسحب على الجميع على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، وقد اعتمد المخرج كثيراً فكرة الجوقة في مشاهد عدة باعتبار أننا أمام حالات نمطية متكررة، ولسنا بصدد حالات خاصة، فالأب أو الأم أو الزوج أو الزوجة لا يظهرون هنا باعتبارهم أفراداً، ولكن باعتبارهم مجموعة، ولذا فإن فكرة الجوقة كانت هي الأنسب في التعامل مع هذه الحالات.

تربية خاطئة

العرض قدمته فرقة" بيتر شو"، وهي فرقة مصرية مستقلة تعتمد في إنتاجها على نفسها، وتقدم عروضها كلما توافرت لها ظروف إنتاج مواتية. نص العرض كتبه مخرجه مايكل مجدي انطلاقاً من كتاب بالعنوان نفسه للطبيب النفساني محمد طه أصدرته دار الشروق المصرية، وحقق نسبة مبيعات عالية نظراً إلى أهميته وأسلوبه البسيط في تناول مواضيع عدة ترجع أغلب المشكلات النفسية إلى مرحلة الطفولة، بل وإلى المرحلة الجنينية نفسها.

في الكتاب يذكر المؤلف أنه عندما ذهب إلى بريطانيا لإعداد أطروحته للدكتوراه اكتشف أن أحد المشرفين عليه يعمل في الليل عازفاً للغيتار، ويعترف أن هذا المشرف في البداية سقط من نظره، لكنه بعد الدراسة والخبرة صحح مفهومه عنه، إذ اكتشف أنه إنسان سوي يعمل ما يحب، على عكس الإنسان في مجتمعاتنا الشرقية الذي لا يمتلك تلك الشجاعة، نظراً إلى التربية الخاطئة التي نتلقاها من الآباء واتباعهم طريقة افعل ولا تفعل وقل ولا تقل.

ممثلون موهوبون

شارك في العرض مجموعة من الممثلين الموهوبين وهم باخوم عماد ويوسف جرجس وكيرلس ناجي وماري صموئيل وماري روماني وجورج أشرف ومارينا إيهاب ومينا خليل وماير هاني ومديانا جمال ويوستينا رفعت ويوستينا هاني ويوسف سليم، ديكور مارينا أكرم ومكياج ماري روماني وسمر يونان وإضاءة أبو بكر الشريف وموسيقى رفيق جمال.

وإذا كان الكاتب والمخرج قد اعتمد في كتابة النص على كتاب "علاقات خطرة"، واتخذ العنوان نفسه لعرضه، فإن نص العرض هنا استفاد من روح الكتاب فقط، بمعنى أنه أقام مشاهده غير الموجودة في الكتاب انطلاقاً من القضايا التي يثيرها الكتاب، أي أنها مشاهد تخص كاتب نص العرض.

وعلى الرغم من أن المشاهد تتناول مواضيع عدة، يبدو للوهلة الأولى أن لا رابط بينها، أو يبدو أن من الصعب الربط بينها، فقد نجح المخرج في إيجاد هذا الرابط باستهلالته الأولى التي تنسحب في ما بعد على بقية المشاهد، وهو اختيار ذكي يحسب له.

تعدد المشاهد واختلافها وطبيعة العرض نفسه جعلت مصمم الديكور يلجأ إلى الرمزية، مجرد موتيفات ترمز إلى القيود، حبال وخيوط متداخلة، ومجموعة أطر بداخلها بعض الصور غير واضحة المعالم، هي لآباء وأمهات يسيطرون على المشهد، وبعض القطع التي يتم استخدامها عند الحاجة، وهو أمر يناسب طبيعة العرض ومنهجه من ناحية، ويتيح من ناحية أخرى فرصة لتوالي المشاهد من دون الإخلال بإيقاع العرض.

غير أن اللجوء إلى الإظلام بكثرة لتغيير المناظر أضر كثيراً بإيقاع العرض، وكان يمكن من طريق الإضاءة، بخاصة أن مصممها أبوبكر الشريف محترف وصاحب خبرة، العمل بشكل متواز، بمعنى إعداد المنظرالتالي أثناء المنظر الحالي، وعدم استخدام العتم إلا في حالات الضرورة القصوى، ولربما لم تسمح بذلك إمكانات مسرح مدرسة كلية رمسيس بوسط القاهرة الذي استضاف العرض.

أمران مهمان

وإذا كان إيقاع العرض شابه بعض الخلل بسبب كثرة الإظلام، فإن أمرين مهمين أنقذاه، أولهما التمثيل، فعلى الرغم من أن أغلب العناصر التمثيلية من الشباب غير المعروفين على مستوى واسع، فقد جاء التمثيل واحداً من أبرز عناصر العرض، بخاصة أن كل ممثل لعب أكثر من دور، فنحن أمام مشاهد عدة تتناول أكثر من موضوع، وكذلك أمام أنماط وليس شخصيات، الطفل المقموع، الأب المتسلط، الزوج الأناني الذي قد تصل به أنانيته حد قتل زوجته، الزوجة التي لا تكف عن مطالبها، الأم الكثيرة الانتقاد لابنها أو ابنتها، وهو أمر مربك للممثل أن يخرج من نمط إلى آخر، ويحاول قدر الإمكان تقديم هذا النمط أو ذاك بشكل بعيد من الاستعارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأمر الآخر هو الرؤية الإخراجية التي تشي بقدر واضح من النضج، تتمثل في كيفية تقديم كل هذه الشذرات بشكل ينتج مغزى في النهاية، وتضفيرها معاً بطريقة المونتاج السينمائي، فهو لا يقدم حكايات كاملة متوالية، بل يقدم جزءاً من حكاية ثم أجزاء من حكايات أخرى، ثم يعود ليستكمل الدورة ويغلق أغلب الحكايات من دون نهاية حاسمة، تاركاً تلك المساحة للجمهور يملؤها بمعرفته، وإلا تحول عرضه إلى محاضرة للوعظ والإرشاد، وتخلى عن دوره الفني الذي يتوقف عند حدود طرح السؤال.

فكرة أساسية

الفكرة الأساس أن كلاً منا لديه عقدة ما سببتها طريقة التربية الخاطئة، وأننا دائماً لا نكون نحن، بل نكون أشخاصاً آخرين نتخفى وراء الأقنعة (استعمل المخرج الأقنعة في بعض المشاهد)، وأن هذه العقد تظل كامنة بداخلنا ويتم استدعاؤها تلقائياً بحسب ما نتعرض إليه من مواقف، وأن الآباء بوعي أو من دونه هم من يتسببون فيها باتباعهم طرقاً خاطئة في التربية.

هذا العرض الذي لم يخل من اللمحات الكوميدية يمكن تصنيفه ضمن عروض المسرح الاجتماعي، إذا جازت التسمية، التي يخرج منها المشاهد بوعي جديد ومختلف عن حياته وطريقة تعامله مع المحيطين به، ومحاولته اكتشاف ذاته وتشوهاتها النفسية، وربما نجح المخرج في علاجها، بخاصة أنه اعتمد على خبرات نفسية كثيرة اكتسبها من الكتاب الذي استقى منه أفكاره، وتلك الخبرات أكدتها تجارب علمية تشير إلى ضرورة أن يكون الإنسان نفسه، وحتى يكون نفسه فعلى الآباء والأمهات أن يمنحوا فرصة الاختيار لأبنائهم بعيداً من الأوامر والنواهي والقيود، والسيطرة المقيتة باعتبارهم يفهمون أكثر، وكم يجب الابتعاد من استلهام طقس الأسبوع "اسمع كلام أمك، اسمع كلام أبوك"، وجعله أسلوباً للتربية، وما يخلفه ذلك من تشوهات نفسية تحول حياة الأبناء بعد ذلك إلى جحيم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة