Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الاتصالات في لبنان... لا مفر من رفع التسعيرة

تدير هذا القطاع الحيوي منذ نشأته في البلد المأزوم شركتان لا ثالث لهما

لبنانيان يصوران بجواليهما حطام مرفأ بيروت بعد انفجاره في 4 أغسطس 2020 (أ ف ب)

يعيش لبنان، فوق مشكلاته المتراكمة، صدمة جديدة عنوانها قطاع الاتصالات، وسماتها رسالتان: الرسالة الأولى تضمنت تحذيراً للمواطن اللبناني بأن تكلفة الرسالة الدولية (SMS) ستصبح بقيمة دولار أميركي وربع الدولار، فيما جاءت الرسالة الثانية لتبلّغ المشترك بتوجّه جديد يقوم على تحويل الرصيد في هواتفهم المقوّم سابقاً بالدولار إلى الليرة اللبنانية. وبين هذا وذاك، يستمر التراجع في نوعية الخدمة والتجهيزات، فيما أصبح القطاع يعيش في خطر أكيد على غرار سائر القطاعات الأخرى في لبنان. واشتكى مواطنون في الأيام القليلة الماضية من مشكلات متزايدة لناحية صعوبة التواصل والاضطرار إلى تكرار الاتصال وانقطاع شبكة الهاتف والإنترنت في مناطق عدة، إضافة إلى حالة الهلع بسبب اضطراب سوق البطاقات المسبقة الدفع.

ليست جديدة

خلال الأيام القليلة الماضية، انتقلت أزمة الاتصالات لتصيب المركز والمدن الكبرى، بعدما أصابت مناطق الأطراف منذ أشهر. ففي مناطق عكار (شمال) والبقاع الشمالي وزحلة، يعيش المواطن مشكلة مزمنة عنوانها "انقطاع الاتصال بالشبكة الخليوية اللبنانية". ويتناقل زوار المناطق الحدودية أنباء عن ارتباط السكان بالشبكة السورية بدلاً من تلك اللبنانية. وتلقّى هؤلاء رسالة خلال الأيام الماضية تفيد بأن تكلفة الاتصالات ستتضاعف على المكالمات والرسائل بسبب انقطاع الشبكة الوطنية والربط بالشبكة الدولية.

التسعير بالليرة

بدءاً من الجمعة 4 مارس (آذار) الحالي، بدأت شركتَي الهاتف الخليوي في لبنان بتسعير وحدات الاتصال بالعملة الوطنية، بعد أن كانت الصيغة المعتمدة طوال أعوام هي الدولار الأميركي. وجاء هذا الإجراء بعدما أصبح هناك تفاوت كبير في سعر الصرف بين التسعيرة الرسمية، وتلك التي ترشح عن سوق الصرف الموازية. استفز هذا الأمر المشتركين، واعتبروه مقدمة لرفع الأسعار وتطويقاً لمحاولة المواطنين استدراك رفع الأسعار من خلال شحن الهاتف لمدد طويلة، أو ادخار الرصيد على خطوطهم مسبقة الدفع.

من جهتها، حاولت أوساط في شركة "ألفا"، المشغِّلة مع شركة "تاتش"، قطاع الهاتف الخليوي في لبنان، إيضاح الإجراء المتخذ، فقالت إنه "لم يتم رفع أسعار الخدمات أو تغييرها، وإنما ما جرى هو تغيير صيغة التسعير من الدولار الأميركي إلى سعر الصرف بالعملة المحلية الذي يبلغ 1515 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد". وأضافت المصادر ذاتها أن "الشركة تتقاضى الفواتير بالليرة اللبنانية، كما تدفع أجور موظفيها بالليرة، لذلك فإن التسعير بالليرة لا يشكل تعديلاً، أقله في الفترة الحالية".

وأفادت أوساط الشركة بأن الشركات المشغِّلة لا تمتلك سلطة تعديل سعر صرف الدولار، المحصورة بالحكومة، كما أن القطاع مُلك للدولة اللبنانية. وتلفت إلى الحالة الصعبة التي يعيشها القطاع، الذي يتعرض لخسائر متعاظمة بفعل ارتفاع تكلفة التجهيز والصيانة، وكذلك تأمين مادة المازوت.

رفع الأسعار آتٍ

وعن تسعير الرسائل الدولية، تشير أوساط مشغلي الهاتف المحمول في لبنان، إلى أن تسعيرة 1.25 دولار أميركي "فريش" (fresh) (أي الذي يُحتسب سعره على سعر السوق الحالي)، هي نتيجة الفارق الكبير بين الدولار الرسمي الذي تُسعَّر على أساسه الخدمات، و"الدولار الفريش" الذي تُحتسب على أساسه الخدمات الدولية، "فعندما يجري مواطن لبناني اتصالاً أو يرسل رسالة على الشبكة الدولية، يضطر المشغل اللبناني إلى دفع البدل للشبكة الأجنبية بالدولار الفريش، وهذا يمثل خسارة وعبئاً على الشركة اللبنانية".
وتقرّ أوساط الشركة المشغِّلة بأن "رفع التسعيرة سيحصل عاجلاً أو آجلاً من أجل الحفاظ على القطاع وتطويره"، محذرة من أن "سقوط قطاع الاتصالات سيعني سقوط ما تبقّى من الاقتصاد اللبناني، لأن كل القطاعات تقوم على الاتصالات، فمن دونه لن يكون هناك تعليم، أو بيع أو شراء، أو استشفاء، وغيرها من الخدمات".
كما طمأنت الأوساط ذاتها إلى أن التفاوت في قدرات وإمكانات المشتركين سيؤخذ في الاعتبار عند تحديد حزم البيانات الجديدة والخدمات الإضافية. ولذلك سيتم وضع خدمات في متناول عامة الناس، كما ستتم المحافظة على الحزم التي تمنح امتيازات لمجموعات محددة مثل ذوي الاحتياجات الخاصة والعسكر والطلاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مشكلات متعددة

ويعيش قطاع الاتصالات في لبنان مشكلات متعددة. وتحدث الخبير في تكنولوجيا الاتصالات باسم بخاش، عن وضع سيّء للقطاع بسبب نقص الموارد وعدم وجود تخطيط وعدم الإنفاق على تطويره. وأشار بخاش إلى 3 مشكلات أساسية يتعرّض لها القطاع، الأولى على مستوى البرمجيات، والثانية على مستوى المعدات، وترتبط الثالثة بنقص الفيول. ولفت إلى أنه "في المقابل، هناك سوء تخطيط، بحيث يتم اللجوء إلى حلول ترقيعية من دون أن تثمر نتائج في تطوير القطاع، كما تؤدي إلى ضغط كبير على الشبكة من قبيل ضخ أعداد كبيرة من أرقام الخطوط مسبقة الدفع. هذه الحلول التي تُعتمد عادة بصورة طارئة ولفترة قصيرة، باتت تعتمد عليها الشركات بصورة مستمرة، ما يشكل ضغطاً على الشبكة، في حين لا يمكن للقطاع التقني مواكبة ذلك بسبب نقص في الموارد". 

وأشار بخاش إلى "سوء تنسيق بين القطاعات والأقسام"، كما كشف عن لجوء الشركات إلى أسلوب "الخدمة نصف السيئة"، لذلك يلاحظ اللبناني وباستمرار سوء نوعية الاتصال، إضافة إلى استخدام أسلوب التحكم بالطاقة (power control) بسبب نقص القدرات من أجل تطوير الخدمات والتجهيزات، ونقص الفيول بحيث تقوم الشركات بإطفاء أعمدة البث والتغذية في بعض المناطق من أجل التوفير. ولفت إلى أن "المشكلة أكثر عمقاً في مناطق الأطراف، التي تعيش في ظل الحرمان وخدمات سيّئة للغاية، لأنها لا تدخل ضمن أولويات الدولة بالنسبة إلى مناطق المركز".
واقترح بخاش "اعتماد أسلوب التشغيل على الطاقة الشمسية بأسرع فترة ممكنة ومن دون أي تأخير، من أجل تأمين الخدمات بصورة متواصلة، إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار واستثمارات من قبل وزارة الاتصالات".
كما ذكّر بأنه "في السابق، كانت هناك اتفاقية مع الجانب السوري لتخفيف طاقة شبكته في المناطق الحدودية التي تُسمّى بـ’المناطق الرمادية‘، كي لا تغطي المناطق اللبنانية المجاورة، واستمر الطرفان باحترامها، إلا أننا حالياً أمام تجاهل تلك الاتفاقية، لذلك باتت الشبكة السورية تتفوق على نظيرتها اللبنانية واتسع نطاق تغطيتها، بحيث يضطر بعض اللبنانيين إلى استخدام الشبكة السورية، ويشتري كثيرون منهم خطوط هواتف نقالة سورية لأن تكلفتها أقل وسعرها أرخص".

تفعيل الهيئة الناظمة

من جهة أخرى، عبّر الخبير في قطاع الاتصالات عن اعتقاده بأن "رفع الأسعار سيؤدي إلى تأمين موارد إضافية للشركات المشغّلة في لبنان، بالتالي سيفتح الباب أمام تحسين الخدمات وتفعيل الأقسام، وزيادة التنسيق بين الأقسام والمصالح". كما دعا إلى "تفعيل الهيئة الناظمة للاتصالات المشكَّلة منذ 20 عاماً لإدارة القطاع، وتتألف من موظفين يمثّلون فريقاً لتنظيم أمور الوزارة، ويمارسون الرقابة والتخطيط، إلا أنها لم تُفعّل حتى الآن، فيتقاضى هؤلاء أجوراً مرتفعة جداً من دون القيام بوظائف فاعلة ومن دون أي إنتاجية ملحوظة".

المزيد من العالم العربي