Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انعكاسات داخلية لتصويت لبنان مع إدانة روسيا

تشدد طهران في فيينا بعد أوكرانيا يترجمه "حزب الله" وواشنطن تلاحق موسكو بالعقوبات في بيروت

لبنان من أكثر الدول التي يترتب على موقفه تجاه الأزمة الأوكرانية انعكاسات داخلية نظراً إلى الانقسام السياسي (رويترز)

تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة على قرار يدين "العدوان الروسي على أوكرانيا" ويطلب سحب القوات الروسية منها، فرض على أكثرية الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة أن تجري حساباتها بشأن تموضعها في الصراع الذي أطلقته الحرب في أوكرانيا بين معسكرين دوليين بدأ فرزهما جلياً من خلال التصويت الذي حصل. فالـ141 دولة أيدت القرار إلى جانب ما وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه الذي سبق القرار بساعات "العالم الليبرالي الحر"، و35 دولة امتنعت بينها الصين وإيران، فيما عارضته خمس دول بينها سوريا.

أوجب موقف الدول، لا سيما الصغيرة، على قادتها حسابات لا تتصل بتموضعها فحسب، بل تتعلق بانعكاس الحرب والفرز الذي ينتج عنها على أوضاعها الداخلية أيضاً. ولبنان من أكثر الدول التي يترتب على موقفه وتصويته انعكاسات داخلية، نظراً إلى الانقسام السياسي الداخلي العميق بين قوى سياسية تميل إلى الوقوف مع الغرب، في مواجهة قوى أخرى نافذة تقف مع روسيا والصين، وفي طليعتها "حزب الله" الذي عارض إدانة الخارجية اللبنانية في 28 فبراير (شباط) اجتياح الأراضي الأوكرانية، وهو الموقف الذي انسحب على تصويته إلى جانب القرار الذي صدر عن الجمعية العمومية في 2 مارس (آذار)، على الرغم من معارضة الحزب.

إدانة روسيا على الرغم من موقف "حزب الله"

وإذا كان التعارض بين موقف السلطة السياسية اللبنانية بتأييدها قرار الجمعية العمومية بعد اتصالات أميركية وغربية مع كبار المسؤولين لحضهم على الوقوف إلى جانب القرار، وموقف "حزب الله" الرافض للتجاوب مع المحور الغربي، نموذجاً عن الانعكاسات الداخلية لأي موقف من الحقبة الجديدة من الصراع الدولي، فإن لبنان يشكل مثلاً صارخاً على تأثير ذلك في المعادلة الداخلية. فـ"حزب الله" اعتاد أن يفرض موقفه على أركان السلطة في حالات كهذه، لكن الأخيرة لم تراعِه هذه المرة. ولهذا تداعيات مستقبلية على المعادلة الداخلية، ستكشفها المرحلة المقبلة، خصوصاً أن البلد مقبل على انتخابات نيابية ثم رئاسية، يعتبرها المراقبون مفصلية، في ظل الأزمة السياسية المتمادية في البلد والمأزق الاقتصادي غير المسبوق الذي يمر فيه بعد انهيار اقتصاده، الذي سيتحكم بأوضاعه لسنوات مقبلة. فللغرب القرار النهائي في مساعدته على الخروج من هذا المأزق.

أوكرانيا وفيينا ولبنان

من مظاهر الانشغال اللبناني بتحديد انعكاسات المستجدات الدولية الدراماتيكية على أوضاعه الداخلية، أن الأوساط السياسية أبدت اهتماماً بمعرفة المعطيات حول آثار الحرب في أوكرانيا في محادثات فيينا في شأن الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، نظراً إلى أنها قد تحدد مصير تصاعد النفوذ الإيراني فيه، من خلال سطوة "حزب الله" وحلفائه على المشهد السياسي في السنوات الماضية. فالتقديرات (ومعطيات بعض الفرقاء) التي سبقت الحرب في أوكرانيا كانت تشير إلى اتجاه مفاوضات فيينا نحو اتفاق أميركي مع إيران يريح الأخيرة مالياً، وبالتالي أذرعها على الصعيد الإقليمي، كونه سيؤدي إلى رفع بعض العقوبات الأميركية عنها في شكل يسمح لها بمواصلة دعم حلفائها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، لمواجهة الضغوط الغربية والعربية على هؤلاء. وبعض خصوم إيران والحزب من اللبنانيين تخوفوا من استقواء الأخير بنتائج فيينا عليهم. وهو سيناريو مكرر حسب هؤلاء للاتفاق على النووي في عام 2015، حين تغاضى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عن نشاطات طهران في الإقليم، لصالح تحقيق إنجاز مراقبة نشاطاتها لصنع القدرات الذرية، فحققت تقدماً في مشروعها لترسيخ نفوذها في عدد من الدول.

قراءتان لمصير الاتفاق على النووي

بعد اندلاع الحرب باتت هناك قراءتان كالآتي:

الأولى ترى أن المواجهة الأميركية ضد روسيا ستسرع في إنجاز الاتفاق على النووي، لأن واشنطن ترغب في إنهاء هذا الملف من أجل التفرغ لمواجهة روسيا بالتعاون مع أوروبا والدول الآسيوية الحليفة ونيوزيلندا وأستراليا، لأنها تفضل عدم إبقاء ملفين دوليين شائكين مفتوحين على طاولة البيت الأبيض. ودليل أصحاب وجهة النظر هذه أن مصادر أميركية رسمية كانت صرحت بأن واشنطن ستبقي على اتصالاتها مع موسكو للتعاون في شأن مفاوضات فيينا. كما أن فرنسا دعت إلى إنجاز الاتفاق في خلال أسبوع، بعد أن حققت المسودة الأخيرة للاتفاق تقدماً ملحوظاً، استوجب تشاور الوفود مع قياداتها. وفي اعتقاد من رجحوا هذا التوجه أن غبار وتداعيات المواجهة الأميركية الروسية في أوكرانيا، سيعين الإدارة الأميركية على تقديم التنازلات لصالح إيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القراءة الثانية ترجح أن تؤخر الحرب في أوكرانيا الاتفاق في فيينا بفعل موقفي طرفي المواجهة الجديدة التي فتحت حقبة حرب باردة مديدة. فإيران عادت إلى التشدد في مطالبها في شأن رفع العقوبات كي يشمل "حرس الثورة"، وتغتنم فرصة حاجة الولايات المتحدة الأميركية إلى إنهاء الملف النووي الإيراني للتفرغ للمواجهة مع روسيا، في شكل لن يستطيع الرئيس الأميركي تقديم مزيد من التنازلات لها. وفي اعتقاد أصحاب وجهة النظر هذه أن قرار التشدد ليس إيرانياً صرفاً بل روسياً بالدرجة الأولى، لأن طهران كانت في جولات التفاوض السابقة في فيينا على تنسيق كامل مع موسكو. ويصنف الذين يعتقدون أن روسيا وإيران لن تتساهلا في إنجاز الاتفاق، تصريحات رئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد المنتقدة الموقف اللبناني الذي دان الاجتياح الروسي، بأنه رد على الضغوط الأميركية، ولا سيما نسفه الوساطة الأميركية في شأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وإشارة إلى التشدد في فيينا وفي لبنان، حين قال "سنبقي على غازنا مدفوناً في البحر إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من أن يمد يده على قطرة من مياهنا". فلا طهران ستُقبِل على إنجاز الاتفاق من دون موافقة روسيا، التي من صالحها في ظروف الصراع الراهنة الإبقاء على الملفات الدولية الساخنة كوسيلة ضغط ضد الولايات المتحدة، رداً على ضغوط الأخيرة عليها في أوكرانيا وعبر العقوبات القاسية التي بدأ الغرب يفرضها عليها. ولا واشنطن متحمسة لأن يرى الاتفاق النووي النور لسبب يتعدى التشدد الروسي الإيراني ضد أميركا. فإدارة الرئيس جو بايدن نفسها لن تقدم على أي تنازل حيال إيران في ظل الفرز الدولي الذي أخذ يتعمق. وإيران، على الرغم من التمايزات مع الجانب الروسي، تُصنف في الخانة الروسية على الصعيد الدولي في هذا الفرز، ليس من الإدارة فحسب بل من الكونغرس الأميركي الذي كان الجمهوريون وبعض الديمقراطيين ينتقدون تساهل بايدن حيالها في فيينا، ما يعني أن الرئيس الأميركي لن يلجأ إلى إنجاز اتفاق فيينا طالما إيران حليفة لروسيا. فالمواجهة ستكون مع كل دولة تدور في الفلك الروسي، وهذا سينسحب على "حزب الله" في لبنان.

التريث الإيراني ورسالة نصر الله

إلا أن الموقف الإيراني من إطلاق فلاديمير بوتين الحرب على دول الغرب في أوكرانيا، بدا متريثاً بالامتناع عن تأييد الحليف الروسي، وبالامتناع عن إدانة دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، فتجنب بهذين الامتناعين اتخاذ موقف حاسم، مركزاً على مسؤولية أميركا عن تلك المواجهة. فمرشد الثورة علي خامنئي اكتفى بتحميل الولايات المتحدة مسؤولية "الأزمات التي أحدثتها" وحولت أوكرانيا إلى "ضحية"، داعياً إلى إنهاء الحرب. والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله تجنب انتقاد الموقف اللبناني الرسمي كما فعل نواب حزبه الذين ركزوا هجومهم على الولايات المتحدة وإسرائيل، فتحدث عن "ازدواجية المعايير" من قبل المجتمع الدولي سائلاً كيف تصرف حين "غزت أميركا أفغانستان والعراق"... وعن الموقف اللبناني اكتفى نصر الله بتوصيفه فقال "هناك من يؤيد روسيا وهناك من ‏يعارض ما قامت به، وهناك من يقف على الحياد، أنا لا أريد أن أدخل في ‏هذه المسألة الآن". لكنه دعا إلى "متابعة هذا الحدث العالمي الكبير ‏بما له من نتائج وتداعيات وأخذ العبرة والدروس مما يجري كل ساعة وكل يوم". ورأى مثل خامنئي، أن أميركا "هي المسؤولة عن هذه الأحداث، وحرضت ودفعت الأمور في هذا الاتجاه، ولم تساعد على حل دبلوماسي ‏وسياسي بل فعلت كل شيء لتذهب الأمور في اتجاه الحرب، ومن سيدفع الثمن هو أوكرانيا ‏والشعب الأوكراني وروسيا والشعب الروسي وإذا توسعنا قليلاً أوروبا، وأولئك الذين حرضتهم ودفعت بهم إلى أتون الحرب تخلت عنهم". وقال كأنه يوجه رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين الذين تجاوبوا مع طلب واشنطن إدانة روسيا "لمن يثق بأميركا ويراهن عليها، يجب أن نعرف جميعاً أن المأساة القائمة الآن، والأخطار ‏التي يواجهها العالم الآن، تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى الإدارة الأميركية".

الملاحقة الأميركية لموسكو و"حزب الله" في لبنان

في انتظار اتضاح الانعكاسات الإقليمية لحرب أوكرانيا وآثارها على فيينا، فإن "حزب الله" يرصد تصاعد الضغط الأميركي عليه وعلى حلفائه في لبنان. وبالإضافة إلى أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا اتصلت بكبار المسؤولين من أجل أن يأخذوا موقفاً ضد الاجتياح الروسي، فإن الدبلوماسية الروسية تلاحق المسؤولين في بيروت بلا كلل. فقد سبق موافقة لبنان على إدانة "العدوان الروسي" في الجمعية العمومية للأمم المتحدة اتصال أجرته نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند مع كل من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، ما أدى إلى تصويت لبنان في نيويورك إلى جانب قرار الإدانة لروسيا.

ويبدو أن التعاطي الأميركي باعتبار طهران وأذرعها في عداد حلفاء موسكو سيزيد الضغوط في لبنان، إذ إن وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي زار البلد في 28 فبراير و1 مارس، طلب مراقبة حركة الأموال الروسية في المصارف اللبنانية تطبيقاً للعقوبات على موسكو، أسوة بتركيز الوفد في بيان صدر عن السفارة في بيروت على أن مؤسسة "القرض الحسن" التابعة لـ"حزب الله"، والخاضعة للعقوبات الأميركية منذ زمن، تقوض صدقية النظام المالي في لبنان. ونبه البيان إلى أن هذه المؤسسة مُنحت ترخيصاً من وزارة الداخلية كمؤسسة غير حكومية، يستفيد منها "حزب الله" لتغطية عملياته المالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير