Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان بين مد النفوذ الأميركي وجزر القوة الروسية

وفد من وزارة الخزانة زار بيروت وركز على ملف "القرض الحسن" والاتفاق مع صندوق النقد والإصلاحات

عون ملتقياً وفد وزارة الخزانة الأميركية في قصر بعبدا، يوم الثلاثاء 1 مارس الحالي (دالاتي ونهرا)

لم تكن الزيارة التي قام بها وفد رفيع من وزارة الخزانة الأميركية إلى لبنان عادية لا في توقيتها ولا في مضمونها. صحيح أنها ليست الزيارة الأولى لمسؤولين في الخزانة إلى لبنان، بل الثالثة بعد زيارتين أجريتا العام الفائت، إلا أنها لم تكن زيارة روتينية وقد بدا ذلك واضحاً من خلال ترؤس بول أهرين الوفد، وهو النائب الأول لمساعد وزير الخزانة والمسؤول عن مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية. وكرست هذه الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام واختتمت يوم الأربعاء الثاني من مارس (آذار) الحالي، استمرار الاهتمام الأميركي بملفات الإرهاب وتبييض الأموال والفساد، لا سيما في ظل الإدارة الجديدة، إذ لم يكن قد مضى على تسلم وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براين نيلسن مهماته سوى يومين، عندما عقد اجتماعاً مع القطاع المصرفي عبر تطبيق "زوم" تحدث فيه عن "حزب الله" محملاً السلطة السياسية الحاكمة في لبنان مسؤولية استمرار الفساد، وطالباً تعاون المصارف لكشف الفاسدين.
والتقى وفد الخزانة الأميركية خلال زيارته لبنان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء المعنيين بالملفات التي هي موضع اهتمام مباشر من الخزانة الأميركية، لا سيما وزيري المال والداخلية، كما شملت لقاءات الوفد ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع المصرفي. وحملت الزيارة رسائل عدة أبرزها عدم التراجع عن قرار فرض العقوبات على الفاسدين والإرهابيين أو المتعاونين مع "حزب الله" المصنف أميركياً منظمة إرهابية، كما عكست استمرار اهتمام الإدارة الحالية بملف تبييض الأموال وبالحزب وبطرق تمويله الشرعية وغير الشرعية وحساباته المخفية، وسلط الوفد اهتمامه في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين على مؤسسة "قرض الحسن" التابعة لـ "حزب الله"، واصفاً اياها بـ "المؤسسة المالية المزيفة غير المنظمة". وذكر الوفد في البيان الذي صدر في ختام الزيارة أن مؤسسة "القرض الحسن تنتهك ترخيص منظمة غير حكومية منح لها من وزارة الداخلية، وتوفر غطاء للنشاط المالي لحزب الله".

نصيحة بفك الارتباط بـ "القرض الحسن"

لم تكن زيارة وفد الخزانة الأميركية إلى وزارة الداخلية اللبنانية صدفة، فالداخلية هي الجهة الرسمية المعنية بالترخيص المعطى إلى مؤسسة "القرض الحسن" تحت ستار الجمعيات التي لا تبغي الربح، والداخلية هي الجهة الوحيدة التي يمكنها أن تسحب الترخيص من تلك المؤسسة بمجرد مخالفتها شروط العلم والخبر. ويمكن لوزير الداخلية أن يدقق سنوياً بموازنة المؤسسة ويطلع على قطع حسابها ليتبين له حجم الأرباح التي تتقاضاها، ويسجل لـ "القرض الحسن" مخالفة أخرى، إذ ينص القانون على عدم إمكان تقديم أي قرض من أي مؤسسة إلا إذا كانت حاصلة على ترخيص من "مصرف لبنان"، و"القرض الحسن" غير مرخصة من المصرف المركزي.

هذه الوقائع عرضها النائب الأول لمساعد وزير الخزانة مع وزير الداخلية بسام المولوي بتفاصيلها، وهو بحسب ما كشفت مصادر "اندبندنت عربية" كان حاسماً في هذه المسألة، معتبراً أن "القرض الحسن مؤسسة مالية داعمة للارهاب وبالتالي لا يمكن للدولة اللبنانية أن تتعاطى معها"، وأبلغ المسؤولين بضرورة فك ارتباط موظفي الدولة بالمؤسسة المذكورة، وألا يستفيد موظفو القطاع العام من قروضها، بينما يعرف أن المستفيدين من "القرض الحسن" هم بأغلبيتهم من مناصري "حزب الله".

التقيد بالقرارات ضد روسيا

لم يكن "حزب الله" وطرق تمويله الشرعية وغير الشرعية الملف الوحيد الذي أثاره وفد الخزانة الأميركية مع المسؤولين في لبنان، وتكشف مصادر شاركت في اللقاءات أن الوفد أثار هاجساً يتعلق بعدم القدرة على ضبط عمليات تبييض الأموال بعد توسع السوق النقدية بالدولار الأميركي في لبنان على حساب العمل المصرفي الذي بات شبه معدوم. وعبر الوفد عن قلقه حيال سهولة الدخول إلى القطاع المصرفي اللبناني، لا سيما أنه في الظروف المالية الحالية بات لدى المصارف قابلية لاستقبال ما يعرف بـ "الفريش دولار" (الدولار الجديد الداخل من الخارج في الدورة الاقتصادية اللبنانية) والاستفادة من أموال إضافية من العملة الأجنبية التي باتت نادرة.
كذلك تحدثت المصادر ذاتها عن ملف جديد فرضته تداعيات حرب أوكرانيا على زيارة الوفد الأميركي إلى لبنان، وكانت توصيات الوفد واضحة في اتجاه ضرورة الالتزام بالقرارات الدولية المتخذة في شأن روسيا والتنبه الى إمكان وجود ممرات مالية روسية عبر سوريا إلى لبنان.
وركز الوفد بحسب ما كشفت أيضاً مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية" على أهمية توصل الحكومة اللبنانية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وشدد على ضرورة قيام الحكومة بتنفيذ إصلاحات عميقة وجدية وذات مغزى قبل الانتخابات النيابية المقررة منتصف مايو (أيار) المقبل، مما يعني أن على الحكومة إنهاء وضع لائحة بالإصلاحات خلال فترة لا تتعدى الشهرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشفت المصادر عن بنود ثلاثة طرحها وفد الخزانة الأميركية على لبنان، إذ قال إنها نصائح لضمان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أولها تعديل قانون السرية المصرفية ليتمكن القضاء من الاطلاع على حسابات مصرفية تتعلق بقضايا الفساد، وثانياً إنجاز قانون "الكابيتال كونترول" في مجلس النواب، وثالثاً السماح بالتدقيق في حسابات المصرف المركزي ومؤسسة كهرباء لبنان.

بين روسيا وأميركا

وتوقف كثيرون عند ما تضمنه بيان وفد الخزانة الأميركية، وتناوله بإيجابية موقف لبنان من التطورات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وشكل ذلك خروجاً عن الملفات المدرجة ضمن اختصاص الخزانة الأميركية والتي هي المال والمصارف والفساد. وكان الوفد وجه في البيان شكراً إلى الحكومة اللبنانية على موقفها من روسيا، واصفاً إياه "بالموقف القوي الرافض للغزو غير المبرر والمتعمد". واللافت أن موقف الخزانة الأميركية ترافق مع عمل مجموعات ضغط أميركية (lobbying) على الدفع باتجاه تصويت لبنان لمصلحة القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يدعو روسيا إلى وقف حربها على أوكرانيا. وسجلت الأربعاء (2 مارس) حركة دبلوماسية أميركية لافتة سبقت اجتماع مجلس الأمن، وبدأت باتصال هاتفي أجرته مساعد وزير الخارجية الأميركي للشوون السياسية فكتوريا نولاند برئيس الجمهورية ميشال عون، استتبع بزيارة للسفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى القصر الرئاسي في بعبدا بعد 48 ساعة على مرافقتها وفد الخزانة الأميركية إلى القصر.

وكان القاسم المشترك في الحركة المكوكية الدبلوماسية الأميركية إثارة الملفين اللذين تراهن عليهما السلطة السياسية اللبنانية لحل الأزمة الاقتصادية والمالية، وهما ملف ترسيم الحدود والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وكشفت مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لعب دوراً في اقناع عون بتبني البيان الصادر عن الخارجية اللبنانية المدين لـ "الهجوم الروسي على أوكرانيا"، وأعلن قصر بعبدا في بيان بعد اجتماع ثلاثي حضره عون وميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب أن لبنان لا يزال منسجماً مع بيان الخارجية الصادر في الـ 24 من فبراير (شباط) الماضي، والمناقض لموقف "حزب الله".

خلفيات الموقف اللبناني

كذلك فإن تصويت لبنان لمصلحة قرار الأمم المتحدة غير الملزم وعدم لجوئه إلى الامتناع من التصويت كما فعلت إيران والصين، حليفتا روسيا، شكل بحد ذاته مفاجأة، لا سيما أن مصادر وزارة الخارجية اللبنانية كانت أكدت إثر الأزمة التي أحدثها البيان اللبناني في شأن حرب أوكرانيا، أن روسيا تتفهم الموقف اللبناني وتدرك حجم الضغوط التي مورست عليه لاصدار هكذا بيان.
وشرحت مصادر سياسية لبنانية خلفيات الموقف اللبناني، وأكدت أن "لبنان وقف إلى جانب الاجماع العالمي ولم يكن أمامه خيار آخر، لا سيما أنه بلد ضعيف ومنهار اقتصادياً ومالياً، وهو يحتاج إلى المساعدات الدولية لا سيما الأوروبية والأميركية".

وذكرت مصادر دبلوماسية لبنانية بموقف روسي في مجلس الأمن لم يكن في مصلحة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، فخلال الجلسة الأخيرة لمناقشة مسألة التمديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، ولدى طرح إمكان استخدام جزء من أموال الـ "يونيفل" لمساعدة القوى الأمنية اللبنانية، اعترض الروس مما أدى إلى خفض مدة مساعدة الجيش وقوى الأمن من موازنة القوات الدولية إلى ستة أشهر بدلاً من سنة. وتشرح المصادر الدبلوماسية أن لبنان من مؤسسي الأمم المتحدة، ولا يمكن له إلا أن يقف مع تطبيق المعاهدات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وتبرر المصادر الموقف اللبناني بأنه ليس تصويتاً ضد روسيا، بل تصويت ضد كسر روسيا للمعاهدات الدولية.
وأوفد رئيس الجمهورية مستشاره للشؤون الروسية النائب أمل أبو زيد إلى موسكو، إذ من المقرر أن يلتقي الجمعة، الرابع من مارس، نائب وزير الخارجية الروسي مخائيل بوغدانوف لشرح موقف عون. وتكشف مصادر دبلوماسية في هذا الخصوص أن الجانب الروسي ممتعض من موقف لبنان في مجلس الأمن ومن بيان وزارة الخارجية، وأن موسكو تعتبر أن رئيس الجمهورية ومعه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل يقفان وراء بيان "الخارجية".

المزيد من العالم العربي