Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لا أريد أن يلعب طفلاي لعبة الحرب": نازحون على طرقات أوكرانيا

فيما فرّ عدد من المواطنين الأوكرانيين من مناطق النزاع على أمل العودة إلى ديارهم عندما يصبح ذلك ممكناً، لجأ آخرون إلى بلدان أخرى، لكن الحرب في كلا الوضعين، غيّرت حياتهم بشكل لا رجعة فيه

الهاربون من النزاع في أوكرانيا لا يعتزمون جميعهم هجر البلاد وتأسيس حياة جديدة في مكان آخر (رويترز)

عندما بدأت القنابل تنهمر على أطراف العاصمة الأوكرانية كييف، مستهدفةً قاعدة فاسيلكيف الجوية جنوب المدينة، هرع طفلا تاتيانا فيليفسكا إلى والدتهما طارحين تساؤلات بغية الحصول منها على إجابات. السماء كانت ملبدة وحالكة خارج المنزل، والأصوات بعيدة ومدوية، فيما الخوف لم يكن قائماً بعد، بل مجرد فضول.

سألاها: "أمي، ما الذي يحصل؟ ما هذا الضوضاء؟"، إلا أنها لم تتمكن من إفهامهما خطورة ما كان يتكشف على بعد نحو كيلومترات فقط من منزلها. فلغة الحرب ليست تلك التي يتحدث بها الأطفال، لذا، عملت بدلاً من ذلك، على إخبار طفليها البالغين من العمر 6 أعوام، وعامين، بأن "شيئاً ما قد حدث"، وبأن على الأسرة أن تغادر على الفور إلى منزل الجد والجدة في شمال غربي أوكرانيا.

وتقول تاتيانا في وصف تلك اللحظات: "كنت في حال من الصدمة. تولد لديّ هذا الإحساس... لا أعرف كيف أشرحه. إذ يبدو كأنك لا تشعر بأي شيء، وتصبح مشلولاً من الداخل. لا يمكنك حقاً التفكير أو الإحساس بأي شيء. عليك فقط الهروب. إنها ردة فعل غريزية للغاية".

بعد خمسة أيام، ومع وقوع بلادها في براثن غزو عنيف ومدمر شنته روسيا، ظلت تاتيانا وأسرتها في حال نزوح. صحيح أنها وطفلاها في وضع آمن في الوقت الراهن، لكن ليس هناك ما يطمئن إلى ما قد ينتظرهم، بعد أن أصبحت حياتهم في حال من الفوضى.

هذا الوضع ينسحب على ملايين الأشخاص الآخرين في مختلف أنحاء البلاد، الذين فروا كما تاتيانا من النزاع الجاري، باحثين عن ملاذ لهم لدى أقارب لهم أو غرباء. أما أولئك الذين ليس لديهم مكان يلجأون إليه في أوكرانيا نفسها، فهم يتطلعون إلى الخارج، إلى دول مجاورة كبولندا ومولدوفا والمجر وأماكن أخرى.

ووسط ضباب الحرب، ليس من الواضح ما إذا كان أي من هؤلاء الأفراد سيتمكن من العودة إلى الديار ومتى، وما إذا كانت لديهم رغبة في ذلك.

مع ذلك، بدأت تداعيات الهجرة الناجمة عن النزاع القائم، بالظهور. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، فقد عبر أكثر من 500 ألف فرد الحدود الأوكرانية منذ يوم الخميس الماضي. وتشير تقديرات إلى أن هذا الرقم قد يصل إلى 4 ملايين شخص.

ومع اشتداد حدة المعارك في شوارع أوكرانيا وميادينها، بات النزوح الجماعي لشعبها مسؤوليةً تشترك فيها دول أوروبا كلها الآن. إذ لا يمكن للحكومات والسياسيين أن يتجاهلوا الأزمة الإنسانية المتفاقمة، التي من شأنها بلا أدنى شك، أن تعاود تشكيل القارة.

ليسيا فاسيلينكو البرلمانية الأوكرانية التي غادرت منزلها في كييف ولجأت إلى ضواحي المدينة، كانت واضحةً في رسالة وجهتها إلى زعماء أوروبا عندما قالت: "يجب أن تكونوا على استعداد لتقديم الدعم للفارين من الحرب".

وأضافت فاسيلينكو: "بالنسبة إلى الأفراد الذين يتجمعون على الحدود في انتظار العبور إلى بلدان أخرى، "ينتظر أن تشمل المساعدة الإنسانية المطلوبة لهم، معدات طبية ضرورية، ومحروقات، وإمدادات غذائية".

ورأت أنه يتعين على الدول أيضاً أن تكون على استعداد للترحيب بالباحثين عن لجوء، في حين أن دولاً "مثل المملكة المتحدة يفترض أن تمنح هؤلاء إعفاءات من التأشيرة للأشخاص النازحين، خصوصاً إذا كانوا يحاولون لم شملهم مع أقارب لهم في الخارج".

الجيران المباشرون لأوكرانيا، المعروفون بموقفهم المتشدد من مسألة اللاجئين والهجرة، فتحوا حدودهم. وأعربت رئيسة مولدوفا مايا ساندو عن استعداد بلادها للترحيب بالمواطنين الأوكرانيين، ومساعدة الواصلين إليها في ما يتعلق بـ"احتياجاتهم الإنسانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بولندا أعلنت هي كذلك استعدادها لاستقبال نازحين بالقول: "سنأخذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص الموجودين على حدودنا"، في حين أن رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان الذي كان قد وصف في السابق المهاجرين الواصلين إلى أوروبا بأنهم "سم" لدولها، قال إن بلاده "مستعدة لرعايتهم، وسنكون قادرين على مواجهة هذا التحدي بسرعة وكفاءة".

لكن الهاربين من النزاع في أوكرانيا لا يعتزمون جميعهم هجر بلادهم وتأسيس حياة جديدة لهم في مكان آخر خارجها، كما لوحظ مع النزوح الجماعي للأفراد الذين حاولوا الهرب من أفغانستان ومن حكم "طالبان" العام الماضي.

ويبحث كثيرون بدلاً من ذلك، عن الأمان وعن مأوى مؤقت لهم، على أمل العودة في نهاية المطاف إلى ديارهم - في كييف وخاركيف وماريوبول وخارجها - بمجرد انتهاء الحرب.

أندري، أوكراني من كييف، هرب مع زوجته وابنته البالغة من العمر ثمانية أشهر، إلى بلدة صغيرة جنوب العاصمة، لكنه يدرك أنه في حال استفحل القتال وتوسع إلى خارج المدينة ليشمل منطقةً أوسع، فسيتعين عليه الانتقال مرةً أخرى، لكنه لا يرغب في معاودة حياته من جديد في أوروبا. لأن موطنه هو أوكرانيا.

يقول: "لديّ مشروع سكني في العاصمة كييف منذ أعوام عدة. أريد توسيعه بمجرد انتهاء كل ما يجري. ليست لديّ خطط للهجرة إلى أي مكان ما، أو للانتقال إلى أوروبا".

يأتي موقفه هذا على الرغم من إفلاسه عملياً نتيجة الحرب. ففي الأيام التي سبقت الغزو الروسي، أجرى أندري سلسلة استثمارات في عقارات جديدة، لكن "جميع تلك الصفقات قضي عليها الآن"، كما يؤكد.

ومع ذلك، فهو ما زال متفائلاً، ويرى أنه "يتعين على الناس أن يحافظوا على صفاء ذهنهم في هذا الوضع والتفكير في المستقبل". ويضيف: "أعرف كثيراً من الأشخاص الذين غادروا إلى بولندا أو إلى مكان آخر، لكن سيكون من الأفضل أن نكافح من أجل مستقبلنا هنا، بدلاً من أن نكون لاجئين نعمل على تنظيف مراحيض في دولة أخرى".

تاتيانا توافقه الرأي، وتؤكد إصرارها على عدم التخلي عن العيش في أوكرانيا. وتقول: "أريد أن أكون إلى جانب شعبي وبلادي".

لكن البعض الآخر من الأوكرانيين يبدو أقل يقيناً. إحدى هؤلاء ماريا لانكو وهي فنانة من كييف، تشق طريق السفر ببطء عبر غرب أوكرانيا، وسط صفوف طويلة من السيارت المتسللة على امتداد كيلومترات من الطرق السريعة والطرقات الضيقة. وقد عثرت على ملاذ موقت خلال عطلة نهاية الأسبوع في بلدة يارمتشي بالقرب من الحدود مع رومانيا، ثم توجهت بعد ذلك إلى بلدة موكاتشيفو القريبة.

وتقول لانكو من داخل سيارتها التي تغصّ بممتلكاتها وأعمالها الفنية الثمينة، إن "العثور على مسكن يكاد يكون مستحيلا"، لكن إذا سار كل شيء كما هو مخطط له، فسيتم عرض أعمالها في معرض فني في مدينة البندقية في إيطاليا، في وقت لاحق من هذه السنة.

وتضيف الفنانة: "إذا ما تواصلت الحرب في الأسبوعين المقبلين، فسأتوجه إلى البندقية، ربما عبر هنغاريا أو رومانيا".

الخيارات تبدو محدودةً بالنسبة إلى النازحين الأوكرانيين مثل ماريا، الذي أجبرتهم دبابات فلاديمير بوتين وقواته على المغادرة. فتأمين سلامتهم الشخصية يصبح أولوية رئيسة، علماً بأنه لا يمكنهم البقاء في حال تجوال إلى ما شاء الله، في انتظار انتهاء حرب قد تدوم أسابيع وشهوراً.

لكن في نهاية المطاف، لا مفر من تداعيات هذا الغزو. فحياة ماريا وأندري وتاتيانا قد تغيرت على نحو لا رجعة فيه، كما ملايين المواطنين الأوكرانيين الآخرين. وسيصبح الإرث الذي تخلفه هذه الحرب المظلمة قاتماً وآثاره عميقة.

وقد عبرت تاتيانا عن ذلك بالقول: "أدرك طفلاي أنهما يعيشان أيضاً في هذه الحرب ضمن عالمهما الصغير. فقد بدآ التقاط تعابيرها، وهما يكررانها في ألعابهما. إنه لأمر مُريع حقا. لا أريد لولدي أن يلعبا لعبة الحرب. إنهما يستحقان أن يعيشا حياة طبيعية".

© The Independent

المزيد من تقارير