تستلقي طفلة وسط خشبة المسرح، وتأخذ وضعية الجنين على سرير مصنوع من أدوات مسرحية، بعد أن قطعت مئات الأميال عبر أوكرانيا هرباً من حرب تشتد أوزارها على مر الدقائق.
أبعدت المقاعد داخل قاعة المسرح السفلى لتجهيز مكان نوم للاجئين. ويستريح عدد أكبر منهم في منطقة المقاعد الدائرية وعلى الشرفات الداخلية.
هذا الشهر، كان من المفترض بمسرح ليس كورباس -وهو من أكثر المسارح شعبية وريادية في مدينة لفيف غرب أوكرانيا- أن يكون منهمكاً بجدول أعماله الشتوي.
إنما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ منذ ستة أيام، حول أعضاء الفرقة المسرحية والعاملون فيها المسرح إلى ملجأ يستقبل النازحين.
فر ما لا يقل عن 667 ألف شخص من أوكرانيا باتجاه دول الجوار منذ بداية الاجتياح، وقد يرتفع هذا الرقم بحسب توقعات الأمم المتحدة إلى أربعة ملايين شخص في حال اشتداد الصراع أكثر، فيما تستعد المنظمة لـ"أكبر أزمة لاجئين في أوروبا خلال هذا القرن".
ويأتي ذلك فيما تطلق "اندبندنت" حملة بعنوان "أهلاً باللاجئين"، لكي تحث الحكومة البريطانية على بذل المزيد بغية إنقاذ الأرواح وحماية الأسر.
يعيد ألكساندر، الجالس على سرير من قطع خشبة المسرح برفقة زوجة أبيه وأخته البالغة من العمر 11 سنة في المسرح الذي استحال ملجأ، سرد قصة هروبهم من كييف بالقطار بعد اضطرارهم إلى ترك والدته وخالته وأبنائها في قرية خارج العاصمة.
ويقول الرجل ذو الـ24 سنة لـ"اندبندنت"، فيما تظهر عليه آثار الإنهاك والاضطراب "وقع انفجار على بعد 400 متر منا فقط بينما كنا نحاول ركوب القطار من كييف، وكان الوضع كابوساً بكل معنى الكلمة".
"وصلنا إلى لفيف وتجولنا في أرجاء المدينة إلى أن رأينا لافتة تحمل اسم هذا الملجأ، وهكذا أتينا إلى هنا"، كما يضيف ألكساندر الذي أفصح عن اسمه الأول فقط.
ويخطط الرجل الذي يعمل بائعاً بالجملة لمشتقات النفط أن يضع زوجة أبيه وأخته على متن قطار متجه نحو بولندا -تبعد الحدود نحو 44 كيلومتراً عن لفيف- قبل أن يحاول مساعدة قريباته الأخريات على مغادرة البلاد.
لا يسع ألكساندر نفسه أن ينضم إليهن لأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حظر رحيل الرجال بين 18 و60 سنة من العمر عن البلاد "حرصاً على تأمين الدفاع عن الدولة". وهو يدرك بأنه قد ينفصل عن عائلته إلى الأبد في نهاية المطاف.
ويضيف "نحتاج إلى مساعدة من العالم الخارجي، من المملكة المتحدة. نحتاج إلى مساعدتكم".
يوم الثلاثاء، لم يهدأ وقع الضربات الروسية على خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وغيرها من المواقع المدنية في إطار حملة أدانها السيد زيلينسكي، واعتبرها حملة إرهاب سافرة تقودها موسكو.
وقال الرئيس في خطاب مشحون بالعاطفة توجه من خلاله إلى البرلمان الأوروبي، مطالباً بقبول عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي على وجه السرعة "لن يسامح أي منا [ما حصل]، أو ينسى".
في هذه الأثناء، زحف موكب ضخم من مئات الدبابات الروسية وغيرها من المركبات على كييف، فيما حذر الكرملين السكان بضرورة مغادرة منازلهم مع إعلانه نيته ضرب أهداف في العاصمة. وبعد فترة قصيرة من إصدار هذا التحذير، أفادت التقارير عن مقتل خمسة أشخاص في قصف جوي روسي تضرر فيه برج بث تلفزيوني في المدينة كذلك.
ومع تفاقم الحرب، تتضاعف أعداد الأشخاص الفارين من منازلهم في كل مناطق البلاد.
والعديد من هؤلاء، المتجهين نحو الحدود، يمرون في لفيف، ولذلك تفتح المراكز المجتمعية والمستشفيات والمنازل وحتى المسارح أبوابها، لتأمين ملاذ يحتمي فيه هؤلاء [الهاربون].
وفي مسرح ليس كورباس (Les Kurbas)، وهو واحد من عدد من المواقع التي زارتها "اندبندنت" في المدينة، تحول القبو وغرفة انتظار الممثلين إلى ملاجئ مؤقتة من القنابل يهرع إليها الجميع عندما تنطلق صافرات الإنذار بالغارات الجوية.
وتقول ناتاليا ريبكا- بارخومينكو، الممثلة الرئيسة في المسرح والمغنية الشعبية المشهورة في أوكرانيا "أفراد عائلتي عالقون تحت القصف في خاركيف شرقاً، ولا يمكننا إخراجهم. ولذلك بالنسبة إليَّ، هذه طريقتي لكي لا أفكر في المسألة وأساعد". وهي تعمل مع باقي أفراد الفريق في إدارة الملجأ المؤقت منذ اندلاع الحرب من ستة أيام.
"كل ما استطعنا فعله هو تحويل خشبات المسرح إلى أسرَّة واستقبال الناس من كل أنحاء البلاد. ماذا يسعنا أن نفعل بعد؟".
يجلس مكسيم البالغ من العمر 43 سنة خلفها، ويتابع فيلم سونيك القنفذ مع ولديه على شاشة التلفاز: استراحة وجيزة بعد رحلة استغرقت يومين من دنيبرو في الشرق.
وجد هو الآخر هذا الملجأ بالصدفة، وهو يبدأ بتقبل فكرة اضطراره إلى توديع ولديه في المحطة، إذ لا يسمح له بمغادرة أوكرانيا، تماماً مثل ألكساندر.
ويقول بهدوء فيما يبدأ ولداه بمشاهدة فيلم لديزني "أحاول ألا أفكر في أنني سأنفصل عن أولادي".
"أحاول أن أتصرف على أحسن وجه في كل الأمور من دون هلع".
وفي هذه الأثناء، يطمئن ألكساندر أخته التي تلعب على جهاز آيباد فوق السرير القريب من خشبة المسرح الرئيسة.
ويقول بتحد "إن رسالتي للعالم هي أن يساعدنا في الفوز بهذه الحرب".
"أتمنى ألا يكون الذين سقطوا في الهجوم الروسي قد ماتوا عبثاً. وأن نستطيع القتال في سبيل حريتنا".
تفخر "اندبندنت" بتاريخ من مؤازرة حقوق المستضعفين الذين يواجهون المخاطر، وقد قمنا بحملة "أهلاً باللاجئين" للمرة الأولى خلال الحرب في سوريا في عام 2015. أما الآن، وفيما نجدد حملتنا ونطلق هذه العريضة في أعقاب الأزمة الأوكرانية الممتدة، ندعو الحكومة لبذل جهد أكبر وأسرع في سبيل تأكيد إيصال المساعدات. للمزيد عن حملة "أهلاً باللاجئين"، انقر هنا.
© The Independent