Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيان "الخارجية اللبنانية" الداعم لأوكرانيا يثير انقساما داخليا جديدا

أعلن ألكسندر روداكوف أن ما حصل "لن يؤثر كثيراً في العلاقات مع بيروت"

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (رويترز)

شكل البيان الصادرعن وزارة الخارجية اللبنانية في 24 الحالي، وما تضمنه من إدانة مباشرة لما وصفه بالاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، مادة جديدة لانقسام اللبنانيين، ووصفه كثيرون بأنه تأكيد جديد على تغليب المصالح الخاصة على مصلحة البلد.

وكانت "الخارجية اللبنانية" دعت في البيان روسيا إلى "وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها والعودة لمنطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحل النزاع القائم، بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين، ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها".

بيان "الخارجية اللبنانية" شكل مفاجأة في الداخل اللبناني، ولاقى اعتراض القوى الصديقة لروسيا مثل الحزب التقدمي الاشتراكي وأخرى تدور في فلك ما يسمى بمحور الممانعة، وفي مقدمهم "حزب الله" و"حركة أمل"، وأظهر البيان انقساماً على مستوى الرؤساء الثلاثة، بحيث سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى نفي علمه به، ملمحاً إلى تفرد الرئاستين الأولى والثالثة بإصدار مثل هكذا موقف.

وذهب بعضهم إلى اتهام وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بإرضاء الأميركيين تنفيذاً لأجندة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الخاصة، ومباركة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

ولم تقتصر تداعيات البيان على الداخل اللبناني، بل طالت شظاياه العلاقة الثنائية مع موسكو التي ردت ببيان صادر عن السفارة الروسية في بيروت، وصفته بـ "مخالفة لبنان سياسة النأي بالنفس، وتموضعه إلى جانب طرف ضد طرف آخر"، وأبدت في البيان "دهشتها لهذه المخالفة"، مذكرة بأن روسيا "لم توفر جهداً في الإسهام بنهوض لبنان واستقراره"، ولفت إلى أن "بيان الخارجية اللبنانية لا يراعي العلاقات الثنائية الودية التاريخية بين لبنان وروسيا".

في المقابل، أعلن السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر روداكوف أن بيان وزارة الخارجية اللبنانية عن الأزمة الأوكرانية "لن يؤثر كثيراً في العلاقات مع بيروت"، وقال "في الأوقات الصعبة نرى من وقف معنا ومن لم يقف معنا".

بيان بعد التشاور مع عون وميقاتي

كان لافتاً تجاوز مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة التي عقدت برئاسة رئيس الجمهورية بيان الخارجية اللبنانية وتفادي النقاش فيه، وبالأزمة الدبلوماسية التي أحدثها، وحده وزير العمل مصطفى بيرم المحسوب على "حزب الله" اعترض على البيان في بداية الجلسة، فيما التزم رئيسا الجمهورية والحكومة الصمت، وهو ما أكد عدم اعتراض عون وميقاتي والوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحر على الخطوة التي قام بها بو حبيب، الذي تؤكد مصادر مقربة منه لـ "انبندنت عربية" أن البيان الصادر عن الخارجية لم يكن من رأسه، وهو نتيجة تشاور مع رئيسي الجمهورية والحكومة، خصوصاً أن وزارة الخارجية تعكس السياسة الخارجية للدولة، وليست هي التي تقررها.

وكان وزير الخارجية أوضح أن بيان الإدانة ليس موجهاً ضد روسيا أو أي دولة أخرى صديقة، شارحاً أن الموقف نابع عن حرص لبنان على الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تشكل الضمانة الأساس لحماية السلم والانتظام الدوليين، وسلامة أراضي الدول الصغيرة، بخاصة أن لبنان عانى الأمرين من الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته.

ونفت مصادره أن يكون الهدف من إصدار بيان الإدانة استرضاء للأميركيين أو أي جهة أخرى، وقد فسر كلام وزير الخارجية بعد حملة الانتقادات التي تعرض لها وقوله بأنه يلبس درعاً ومستعد لتلقي إطلاق النار والانتقادات، بأنه تأكيد على وقوف بوحبيب درعاً لحماية الجهة التي ربما شجعته على هذا البيان.

بيان "الخارجية" في السياق نفسه للخط (23)

لم تقنع تفسيرات وزير الخارجية منتقديه ومن ضمنهم دبلوماسيون سابقون، فبحسب دبلوماسي متقاعد لم يكن بيان الخارجية في مكانه، معتبراً أن الوزير بوحبيب تسرع في إصداره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد الدبلوماسي الذي يفضل عدم الكشف عن اسمه أن فحوى النص قد يكون محقاً، إلا أن الصمت في بعض الحالات الدقيقة يكون أفضل من الكلام، إلا إذا كان هناك غاية من هذا البيان كما يقول، ملمحاً إلى اقتناعه بأن الغاية كانت إرضاء فريق داخلي لأميركا بما يشبه ما حصل في ملف ترسيم الحدود، وإسقاط الخط (29) والعودة للنقطة (23).

لم يقتنع الدبلوماسي الأسبق بتبريرات وزير الخارجية، مؤكداً أن الموقف الأنسب في مثل هذه الحال كان بالالتزام بسياسة النأي بالنفس والدعوة إلى ضبط النفس والحوار، لا سيما أن روسيا باتت على حدود لبنان من خلال دورها الأساس في سوريا.

بري مستاء ويتبرأ من البيان

مقابل التزام رئيس الجمهورية الصمت وكذلك رئيس الحكومة، لم يخف رئيس مجلس النواب نبيه بري استياءه مما اعتبره تصرفاً أحادياً لا يعبر عن موقف لبنان مجتمعاً، وقد اتصل بري بميقاتي معترضاً، وكذلك فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ويؤكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم لـ "اندبندنت عربية" أن بيان "الخارجية" ينسجم مع ما يتوافق والرؤية الأميركية للأزمة الدولية الناشئة، فيما كان يجب أن يتطابق مع المصلحة الوطنية العامة، وغمز من قناة التيار الوطني الحر ليؤكد أنه بدلاً من أن يكون البيان انحيازاً لأي فريق خاص في لبنان، كان يجب أن يعبر عن كل البلد.

واعتبر نائب حركة أمل أن موقف لبنان كان يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء مجتمعاً، ففي موضوع غير عادي كهذه القضية لا يمكن التعاطي بسطحية، وما يجري بين روسيا من جهة وأوكرانيا وأميركا وأوروبا من جهة أخرى ليس عادياً، وبالتالي كان يفترض أن يكون البيان "المتسرع" أكثر دقة، وأن ينطلق من مصلحة لبنان ورؤية الحكومة في النأي بالنفس، متسائلاً لماذا الازدواجية في التعاطي واقتصار المطالبة بسياسة النأي بالنفس على ملفات من دون ملفات أخرى؟

ويختم هاشم بالقول، "بيان الخارجية اللبنانية غير متوازن وغير موضوعي وفيه كثير من المصالح الخاصة".

التيار الوطني الحر يتنصل من البيان

فور صدور البيان المدين لما وصفه بالاجتياح الروسي لأوكرانيا، وجهت أصابع الاتهام إلى وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل، متهمة إياه بالوقوف وراء بيان "الخارجية" ومباركة رئيس الجمهورية، لا سيما أن بوحبيب هو من حصة عون والتيار في الحكومة، وصنف البيان بأنه محاولة جديدة من قبل باسيل لإرضاء الأميركيين في السياق نفسه لسياسة إرضائهم في ملف ترسيم الحدود، بهدف رفع العقوبات عنه، بخاصة أن رياح موسكو تبدو معاكسة للتيار وغير مؤيدة لوصول باسيل إلى رئاسة الجمهورية، وذلك وفق تأكيد كل من زار الخارجية الروسية أخيراً.

وفي هذا الإطار سارع باسيل إلى تطويق تداعيات الخطوة الدبلوماسية الناقصة، وأجرى اتصالاً بالسفير الروسي في لبنان ألكسندر روداكوف أبلغه فيه أن البيان الصادر عن الخارجية اللبنانية "لا يعبر عن رأينا"، وأكد التمسك بسياسة النأي بالنفس.

وغمز باسيل من قناة رئيس الحكومة في إشارته إلى عدم وجود إجماع لبناني حول البيان، وتأكيد تعرض بوحبيب لضغوط. وكشفت مصادر مقربة من باسيل أنه اتصل أيضاً بالوزير بوحبيب وعاتبه على صدور مثل هكذا بيان، وفيما كشفت مصادر نيابية أن مسودة البيان تمت مناقشتها في القصر الجمهوري، تؤكد مصادر بعبدا أن رئيس الجمهورية لم يكن على اطلاع كامل على البيان، وكشفت أن زيارة مستشار رئيس الجهمورية للشوؤن الروسية النائب أمل أبو زيد إلى موسكو الخميس المقبل والتي كانت محددة قبل الأزمة، ستكون مناسبة لتوضيح موقف رئيس الجمهورية وباسيل.

وأكد بوزيد أن الجانب الروسي متفهم الضغوط التي تمارس على لبنان، إلا أن مضمون البيان كان يمكن أن يكون مدروساً أكثر، لا سيما لجهة العبارات التي تضمنها، خصوصاً كلمة اجتياح والدعوة إلى الانسحاب.     

رسالة روسية شديدة اللهجة تبلغها لبنان

لم يمر بيان وزارة الخارجية في روسيا مرور الكرام، بخاصة أنه لم تكن قد مرت على زيارة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب إلى موسكو سوى أيام معدودة، حاول خلالها الوزير اللبناني طلب مساعدة روسيا لمعالجة مشكلات داخلية في لبنان، كما كشف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في أول تعليق له على بيان الخارجية اللبنانية.

وأصدرت السفارة الروسية في بيروت بياناً انتقدت فيه "مخالفة لبنان سياسة النأي بالنفس وتموضعه إلى جانب طرف ضد طرف آخر"، وعبرت السفارة عن دهشتها لما وصفته بـ "المخالفة" مذكرة بأن روسيا "لم توفر جهداً في الإسهام بنهوض لبنان واستقراره"، أما الوزير بوحبيب فاستغرب البيان الروسي، وأكدت مصادره أنه لم يسمع الكلام نفسه من السفير الروسي عندما استدعاه إلى الخارجية قبل صدور بيان الإدانة، وأبلغه بأنه سيصدر بياناً يتضمن موقفاً مبدئياً ليس موجهاً ضد روسيا.

في المقابل، كشفت مصادر دبلوماسية في موسكو لـ "اندبندنت عربية" أن بيان السفارة الروسية في بيروت كان بناء على تعليمات وزارة الخارجية الروسية وكذلك مديرية المخابرات في موسكو التي طلبت من السفير الروسي نقل رسالة واضحة إلى بوحبيب مفادها بأنه إذا كان رئيس التيار الوطني الحر مستاء بسبب عدم دعمنا له لرئاسة الجمهورية، فهذا لا يسمح له بالتهجم علينا من خلال موقع وزارة الخارجية اللبنانية، وسيكون لنا كلام آخر.

وتكشف المصادر الدبلوماسية الروسية أن الأزمة لن تكون بين روسيا ولبنان إنما بين روسيا والتيار الوطني الحر الذي تحمله موسكو مسؤولية بيان الخارجية اللبنانية، ومن هذا المنطلق يعتبر بعضهم أن مهمة مستشار رئيس الجمهورية أبوزيد الذي سيصل إلى روسيا الخميس المقبل لن تكون سهلة، لا سيما إذا اضطر إلى الاختيار بين روسيا والتيار، علماً أن مصادر في "الخارجية اللبنانية" تؤكد أن اتصالات حصلت وجرى تطويق الأزمة وهي في طريقها إلى الحل.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي