Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الاتحادية العليا" في العراق بين الدستور والجمهور

هل أضحت "المحكمة" بديلاً للبرلمان ولجان النزاهة؟

مجلس القضاء الأعلى في العاصمة العراقية بغداد (أ ف ب)

وصف قانونيون المحكمة الاتحادية العليا في العراق بأنها من بين أهم المؤسسات الدستورية في البلاد، وهي مكلفة بحماية نصوص الدستور المقر في البلاد عام 2005، الذي أعلن بعد سنتين من سقوط النظام السابق، وأقر في ظروف استثنائية وبإجماع كل الأطراف التي اشتركت بالعملية السياسية مع الأميركان، لا سيما الطرفين السياسيين المرجحين لصياغة دستور جديد للبلاد، الكردي والشيعي على أن يجُب الدستور المؤقت السائد؛ وأقصد هنا المشاركين في صياغة العملية السياسية التي انطلقت بمباركة أميركية وبوجود جيش مؤلف من 200 ألف مقاتل في العراق وقتها عام 2003، حيث تضمن الدستور الدائم تشكيلات قانونية جديدة بينها "المحكمة الاتحادية العليا".

محكمة عليا لحماية الدستور

يصفها أستاذ الفقه الدستوري مصدق عادل بأنها "الملاذ الآمن لحماية مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته، في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، فضلاً عن أنها المحكمة المتخصصة في الفصل بين السلطات؛ انطلاقاً من سُموها على باقي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية باعتبارها محكمة حماية الدستور".

يضيف، "لم يكن تشكيل المحكمة الاتحادية هيناً لكون قراراتها باتة وملزمة، وهي تشابه أعلى محكمة في القضاء الفيدرالي الأميركي، التي تتمتع بولاية قضائية نهائية، وتقديرية إلى حد كبير، على جميع قضايا المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولاية التي تنطوي على نقطة من القانون الفيدرالي، وهي بمثابة السلطة المرجعية القضائية القادرة على إبطال قانون عند خلافه مع أحد أحكام الدستور، كذا المحكمة الاتحادية في العراق، أنشئت على ما يبدو لتحاكي سلطة (السكوتس) الأميركية، لأن القوانين العراقية والدساتير لا تعرف هذه السلطة من قبل، إذ كانت تعتمد على محاكم التميز المتخصصة بتطبيق مواد المحاكم القائمة منذ عام 1925، وما تلاها من تطور في الوعي الدستوري والقضائي العراقي، الذي آمن بضرورة وجود محكمة عليا للبلاد".

وعي عراقي جديد بالقانون الدستوري

شهدت المنظومة القانونية العراقية تطوراً باتجاه سن دستور دائم للبلاد، بعيد عام 2003 وإقراره في 2005، دفع باتجاه الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو دستور إشكالي حقاً أثار جدلاً عميقاً في مواده وتشكيلاته، بينها انبثاق "المحكمة الاتحادية العليا"، التي أريد لها أن تكون أعلى سلطة تقاضٍ في البلاد يتم اللجوء إليها لحسم المنازعات على فقرات تتعلق بالدستور وتفسيراته، وهي أمور ما كانت موجودة من قبل في تاريخ العراق الحديث، لذلك حرص الآباء المؤسسون للدستور العراقي على تخصيص العديد من مواد الدستور لمعالجة مواد المحكمة الاتحادية العليا واختصاصاتها، ومسوغات قراراتها، وتعديل قانون تلك المحكمة على مراحل متعاقبة.

يرى الأكاديمي مصدق عادل في بحث متخصص عنها، "على الرغم من إقرار التشكيلة الثلاثية المختلطة للمحكمة الاتحادية العليا من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون وفق المادة (92/ ثانياً) من الدستور العراقي فإن مجلس النواب العراقي، صوت بتاريخ 18 مارس (آذار) 2021 على قانون التعديل الأول لقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005، في محاولة منه لاستكمال ثالوث الانتخابات النيابية المبكرة، المزمع إقامتها في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2022".

يضيف الخبير في القانون الدستوري حول هذا التعديل، أنه "يشكل انقلاباً على نصوص دستور الجمهورية العراقية لسنة 2005، وتقويضاً للشرعية الدستورية، إذ إنه احتوى على العديد من الانتهاكات الدستورية الصريحة والضمنية، وبالشكل الذي يمكن معه وصف هذا القانون بأنه مسمار في بناء المؤسسات الدستورية وسمو نصوص الدستور في العراق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ممن تتكون المحكمة الاتحادية العليا؟

"يتم اختيار المحكمة الاتحادية العليا في العراق من رئيس ونائبه وسبعة أعضاء أصليين، جميعهم من الصنف الأول من القضاة المتمرسين والمستمرين بالخدمة، ممن لا تقل خدمتهم الفعلية عن 15 سنة، وللمحكمة أربعة قضاة احتياط غير متفرغين يتم اختيارهم من بين الصف الأول من المستمرين بالخدمة، على ألا تقل خدمتهم الفعلية في القضاء عن 15 سنة، أما من يترأس تلك المحكمة فمن خلال تولي رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس جهاز الإشراف القضائي اختيار رئيس المحكمة الاتحادية العليا ونائبه والأعضاء السبعة، من بين القضاة المرشحين ويراعى تمثيل الأقاليم في تكوين المحكمة، وترفع أسماؤهم إلى رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم بالتعيين خلال مدة أقصاها 15 يوماً من تاريخ اختيارهم".

 أثار النص أعلاه الكثير من الاعتراضات، تمثلت في أن الخمسة عشر عاماً يعدها بعض المشرعين غير كافية للتخصص القضائي، وكذلك تمديد عمر إحالة أعضاء المحكمة إلى التقاعد بعمر 72 سنة، وهو ما يتعارض مع قانون خدمة القضاة الذي حدد السن الأعلى للقاضي بـ68 سنة، إضافة إلى ما يصفه مصدق عادل بـ"مجهولية أسباب اختيار أربعة قضاة احتياط لعضوية المحكمة الاتحادية العليا، وكان الأجدر تحديدهم بثلاثة".

يضيف، "أما ظروف انعقادها فهي تنعقد بدعوة من رئيس المحكمة لأعضائها قبل الموعد المحدد بوقت كافٍ يقدره رئيس المحكمة، مع كتاب الدعوة وجدول الأعمال والوثائق المرقمة لإبداء الرأي عند حضور الجلسة، ولكي يكون الانعقاد صحيحاً لا بد من حضور جميع الأعضاء، أما إذا تخلف أحدهم فلا تنعقد المحكمة لانعدام النصاب، وإذا ما انعقدت فإن انعقادها غير صحيح، حسب توصيف موقع وزارة العدل العراقية".

المحكمة الاتحادية وسطوة الصراع السياسي

على الرغم من إدراك شرعية وفاعلية المحكمة الاتحادية العليا المقرة بالدستور النافذ وكونها أعلى محكمة في البلاد مهمتها الحقيقية الفصل في النزاعات الدستورية، وأن قراراتها ملزمة للسلطات كافة وتوصف بالباتة؛ أي لا يجوز تميزها وهي مستقلة بالكامل عن القضاء العادي ولا يوجد أي ارتباط بينهما، فإنها تواجه نوعاً من التنمر السياسي والاعتراضات التي تسعى لإبطال قراراتها، بطريقة مخالفة لدستورية وجودها كمحكمة دستورية سامية، قراراتها باتة وملزمة لا تقبل الطعن، لكن العامل السياسي ومصالح الأحزاب والقوى التي اعتمدت المحاصصة السياسية، والعمل على ضمان مصالحها المادية، تجد في قرارات المحكمة قيداً، بل تذهب إلى اتهامات بأنها مسيسة تستهدف هذه الفئة أو تلك، وكان آخرها قرار المحكمة الاتحادية بإبطال دستورية قانون النفط والغاز لإقليم كردستان، واعتباره مخالفاً للدستور العراقي، كما قالت المحكمة، الذي يقطع بأن النفط والغاز ثروة طبيعية تتصرف بها الحكومة المركزية من خلال وزارة النفط العراقية في بغداد، حصراً مع إشراك إداري للأقاليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم، وتخصيصات مادية بما يسمى "البترودولار" للمناطق التي يستخرج أو يصدر منها النفط أو الغاز، لكن حكومة الإقليم اعترضت على قرار المحكمة الاتحادية، وأعلنت رفضها وممانعتها تنفيذه، مما جعل قرار المحكمة الاتحادية العليا، في حرج للدولة عموماً وللحكومة المركزية التي تقع عليها مهمة التنفيذ الملزم.

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان دعا البرلمان والرأي العام العراقي في رسالة له هذا الأسبوع إلى تعديل الدستور الذي أقر عام 2005، "لأنه صيغ في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية". وقال إن "مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية وواجب وطني يتمثل في ضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها، لا سيما أنها مواد ليست خلافية وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً".

بات الرجوع للمحكمة الاتحادية أمراً يومياً للاستعلام حول القضايا الإشكالية وأخذ القرارات منها التي تسير عمل مجلس النواب، وتتحكم في سلوك النواب المنتخبين من الشعب، ما ولد تذمر عدد كبير من السياسيين الذين باتوا يعملون تحت قيود المحكمة الاتحادية العليا الملزمة للسلطات كافة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير