Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عشر سنوات من التظاهرات في تونس تخطف شارع الحبيب بورقيبة

أثر سلبي بالغ في الحركة الاقتصادية بينما لا يزال ناشطون يرون فيه "قبلة المطالبين"

تعاني المقاهي والمطاعم في شارع الحبيب بورقيبة من كثرة التظاهرات والاحتجاجات (اندبندنت عربية)

منذ تظاهرة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية، التي غادر على أثرها الرئيس الراحل زين العابدين بن علي البلاد، لم يهدأ هذا المكان الذي أصبح وجهة كل محتج وغاضب ومستنكر. 11 سنة و"لافيني"، كما يحلو للتونسيين تسمية ذلك الشارع الذي تتوسطه وزارة الداخلية، تحيطه الأسلاك من كل الاتجاهات لأسباب أمنية، هذا الحق في المطالبة للبعض أصبح نقمة لآخرين، حق يقلق راحتهم ويحدّ من حريتهم ويهدد حتى وجودهم.
عشرات المقاهي والمطاعم التي لطالما كانت الوجهة المفضلة للتونسيين والسياح على اعتبار أن لذلك الشارع الذي يتوسط العاصمة رمزية خاصة، ويفصل بين المدينة الحديثة والأخرى العتيقة، أصبحت اليوم وجهة غير محبذة بسبب كثرة التظاهرات في هذا الشارع الرمز.

"لافيني"

منير، صاحب مقهى في شارع الحبيب بورقيبة، يقول بحسرة كبيرة "فكرت مرات عدة في بيع المقهى أو إغلاقه"، لكنه لا يستطيع فعل ذلك لأنه ورث المقهى عن أبيه الذي حمّله أمانة الاحتفاظ به. وأضاف الرجل الخمسيني أنه اضطر إلى تسريح نصف العاملين معه "لأن عائدات المقهى انخفضت كثيراً مقابل ارتفاع التكاليف وأيضاً بسبب غلق المقهى دورياً كل نهاية أسبوع جراء التظاهرات التي تنظمها الأحزاب".
"لافيني" وهي ترجمة لكلمة شارع بالفرنسية، هو الأكبر في تونس، جاءت تسميته نسبة إلى الزعيم الراحل الحبيب بورقية، وكان يُطلق عليه في عهد الاستعمار الفرنسي اسم "شارع البحرية".
وفي عهد الرئيس بورقيبة، كان الشارع الرئيس في كل مدينة من المدن التونسية، يُعرف باسم شارع الحبيب بورقيبة، أول رئيس جمهورية بعد الاستقلال. ولكن بعد إزاحته عن الحكم عام 1987، جرى تغيير أسماء بعض تلك الشوارع، فيما احتفظ الشارع الرئيس في العاصمة بالاسم ذاته، على الرغم من محاولات تغييره بعد الثورة، إلا أن التونسيين الذين ترسّخ في أذهانهم اسم الشارع القديم، أبوا قبول أي اسم آخر.
اليوم مَن يدخل شارع الحبيب بورقيبة، بخاصة من السياح، يتهيأ له منذ الوهلة الأولى أن البلاد تعيش حرباً، نظراً إلى الانتشار الواسع لقوات الأمن والأسلاك الشائكة التي تحيط بوزارة الداخلية وسط الشارع، والأخرى التي تحيط بالسفارة الفرنسية الموجودة في بداية الشارع من جهة المدينة العتيقة، إضافة إلى الحواجز التي تحيط بالمقاهي والمطاعم وأرصفته. وتوحي هذه الأجواء بعدم الاستقرار، وأثّر هذا الوضع في سحر الشارع الذي لم يعُد آمناً للبعض، إما بسبب المحاولات الإرهابية التي هددت المكان في أوقات سابقة، أو لكثرة تنظيم التظاهرات والاحتجاجات فيه، ما جعل أصحاب المقاهي والمطاعم يطلقون صيحات "فزع" متواصلة منذ أعوام.


أسلاك شائكة

من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم "غرفة أصحاب المقاهي" صدري بن عزيزة، "يوجد أكثر من 35 مطعماً ومقهى على طول الشارع، غالبيتها تعاني صعوبات كبيرة وصلت إلى حد الإغلاق أو تسريح العمال، بسبب كثرة التظاهرات التي لم تتوقف منذ أكثر من 10 أعوام". وأضاف "لم يعُد للشارع سحره المعهود وبات الناس يخشون النزول إليه خوفاً من اللصوص الذين يستغلون التظاهرات للسرقة وتخريب الأملاك العامة والخاصة". وأفاد بن عزيزة بأن أعضاء "غرفة أصحاب المقاهي" اجتمعوا مع أصحاب قطاعات أخرى تضررت أيضاً من الوضع على غرار "غرفة الملابس الجاهزة" أو "إدارة السوق المركزية" أو "الأسواق العتيقة" من أجل إيجاد حل وتوحيد صفوفهم لإرجاع الحياة الآمنة والطبيعية إلى الشارع الذي يضم مقاهي عمرها أكثر من 50 عاماً. وأشار إلى أن "وزارة الداخلية بدأت تتفهم التهديدات التي نعيشها وأصبحت تفرض تنظيم بعض التظاهرات في شوارع أخرى محاذية". لكن الوضع بحسب بن عزيزة لا يزال غير مريح بوجود هذه الأسلاك الشائكة والحواجز التي تحيط بالمقاهي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حق مشروع

وتعيش تونس منذ اندلاع الثورة على وقع حراك اجتماعي لا يهدأ ومطالب سياسية لا تنتهي، وإن عرفت موجة الاحتجاجات انتشاراً على كامل الأراضي التونسية، إلا أن أثرها أصبح أكثر ضرراً في شارع الحبيب بورقيبة. ورصد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 7600 تحرك احتجاجي في كامل تراب تونس عام 2020، على الرغم من قيود مكافحة فيروس كورونا. وشهد النصف الأول فقط من عام 2021 حوالى 6798 تحركاً احتجاجياً، غالبيتها من أجل مطالب اجتماعية.

وأكد بن عزيزة أن "الشارع ترجع إليه الحياة بوجود احتفالات أو تظاهرات ثقافية، فهي تبعث فيه وفي مقاهيه وكل أركانه حركة"، مضيفاً "لاحظنا هذا في تظاهرات عدة تابعة لمهرجانات السينما أو المسرح، إلا أن بعض هذه التظاهرات الثقافية يتم إلغاؤها بسبب تنظيم احتجاجات، على غرار إلغاء تظاهرة تخص المطالعة التي كانت ستُنظَّم بالشراكة مع مقاهي الشارع".
ولم يقتصر الضرر الذي لحق بالمقاهي على الاحتجاجات، بل توسّع ليطاول مصالح المحال التجارية في شارع الحبيب بورقيبة وكل الأحياء المتفرعة منه، التي هي في الأصل أحياء تجارية.
إلا أن ناشطين يرون أن الاحتجاج حق مشروع وأن رمزية شارع الحبيب بورقيبة هي التي جعلته قبلة المطالبين، إضافة إلى وجود وزارة الداخلية التي كانت رمز الاستبداد في العهد السابق والتي كثيراً ما يتجه إليها الحقوقيون من أجل التعبير عن مواقفهم وإبراز غضبهم بشأن قضايا حقوقية كثيرة أو كشف حقيقة ملفات عدة.

المزيد من العالم العربي