Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في ذكرى ميلاده الـ 118... الحبيب بورقيبة الغائب الحاضر في تونس

يرفض أهالي المنستير زيارة الغنوشي لضريح الرئيس الراحل بسبب العداء الذي مثله لتجربته

التونسيون يستقبلون الحبيب بورقيبة بعد عودته من باريس (غيتي)

يبقى يوم الثالث من أغسطس (آب) يوماً مشهوداً في التاريخ لا ينساه الكثيرون في تونس، إذ يصادف في ذكرى ميلاد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، حيث تشهد مدينة المنستير، مسقط رأسه، مناسبة احتفالية كبيرة كل سنة، كما تلتهب مواقع التواصل الاجتماعي بصوره ويتحدث الآلاف عنه بفرح وفخر، بينما يذكر قسم آخر بما يعتبرون أنها أخطاء ارتكبها.

حضور فاعل

بعد 21 سنة على وفاته و34 سنة على تركه الحكم، إثر التغيير الذي قاده رئيس الوزراء في حينه زين العابدين بن علي في عام 1987، ما زال بورقيبة راسخاً بقوة في حاضر تونس، والحديث عنه بين مؤيده ومعارضيه متواصل على الرغم من أن كثيرين لم يعرفوه أو عاشوا فترة حكمه، لكن بورقيبة كما يصفه مراقبون كُثر بقي شاغلاً للناس على الرغم من المدة التي مرت منذ ابتعاده عن رئاسة الجمهورية.

وصرح الباحث السياسي المنصف قوجه أن "نظام بن علي حاول إبعاد صورة ورمزية حضور بورقيبة من الواقع التونسي وأزال التماثيل التي كانت له في كل المدن ومنع الحديث عنه في المنابر السياسية ووسائل الإعلام، لكن بورقيبة بقي ثابتاً في وعي الناس. وبعد سقوط نظام بن علي في عام 2011 دفع مرة أخرى بصورة الحبيب بورقيبة وأفكاره لتكون الحصن الذي استندت إليه قوى وطنية عدة في صراعها مع قوى الإسلام السياسي حول المشروع المجتمعي في تونس".

المشروع المجتمعي

بعكس كثير من الزعماء العرب الذين قادوا تحرير بلادهم من الاستعمار، بقي اسم الحبيب بورقيبة راسخاً لأنه وبحسب قوجه "مؤسس الدولة في الضمير الشعبي ويبقى المرجع مثل كل المؤسسين في العالم للدول. والمشروع البورقيبي ما زال فيه ما يقدمه لتونس مثل مجلة الأحوال الشخصية التي شكلت إحدى أسس الدولة الحديثة والتي تشكل أحد أهم أسس الحرية وحقوق الإنسان، وكان الرهان أيضاً على التعليم والصحة. وعلى الرغم من محاولات المساس بهذه القضايا بعد عام 2011، بقي هذا المشروع ثابتاً وأجبر مَن كان يُعتبر بورقيبة عدواً لهم، على التراجع والقبول بفشل محاولات المساس به".

ورأت الناشطة في المجتمع المدني، هالة بن نور أن "بورقيبة يمثل للمرأة التونسية الحصن الذي يحميها وصدّ عنها كل محاولات قوى الردة للمساس بحقوقها، ولولا وقوف النساء بوجه هؤلاء في عام 2013 وما تلاه، لكانوا سعوا إلى ضرب أسس المجتمع التونسي وفرض نظام لا يبعد في رؤيته عن منظومة الحكم الطالباني في أفغانستان الذي يستهدف المرأة باعتبارها عدوه الأول". وأضافت بن نور أن "رسوخ فكر بورقيبة المجتمعي وبرنامجه في تعميم الصحة والتعليم للجميع وبناء السلم الاجتماعي الذي ساوى في الحظوظ كل أبناء تونس في التعليم، لن يستطيع أحد أن يغيّر فيه بل ومع تقدم الزمن تزداد أفكاره رسوخاً في الواقع، فكيف يمكن مسحه والشعب ما زال يذكر مقولات له قالها قبل أكثر من نصف قرن".


نقاط الضعف والقوة

في خضم المشروع المجتمعي كان واضحاً أن الحبيب بورقيبة بقي بعيداً من ترسيخ نظام حكم برلماني أو القبول بمعارضة سياسية له، وهو يعتبر نفسه الأب الروحي للشعب التونسي. وخلق هذا التفرد بالحكم والرأي الكثير من الأزمات التي أسهمت في تضعضع نظامه وإبعاده عن الحكم، وتصف الإعلامية سميه الدريدي ذلك بأن "الزعيم بورقيبة لم يكن موافقاً على فكرة تداول السلطة ولم يملك رؤية أو برنامجاً اقتصادياً ما خلق اختلالاً كبيراً في توزيع الثروة والمشاريع المنتجة بين مناطق الساحل والمناطق الداخلية التي تحولت بمرور الوقت إلى ساحات معارِضة للنظام، جراء التمايز السلبي بينها وبين بقية المناطق التي استفادت من مشاريع دعمتها الدولة". وترى الدريدي أن "هذا الفشل لاحق النظام الذي ورث الحكم بعد بورقيبة فعجز عن تحقيق الديمقراطية وتداول السلطة وفشل في خلق منوال اقتصادي يحمل نسبة من العدالة بين الجهات".

الخلاف مع الإسلام السياسي

لا يمكن فهم حجم الكراهية التي يكنها معارضو بورقيبة من جماعات الإسلام السياسي من دون الرجوع إلى مرحلة يعتبرونه فيها المتسبب بـ"سياسة التغريب". وقال الباحث في التاريخ السياسي أمير العقربي ذلك بالقول إن "بورقيبة حذف التعليم الديني في جامع الزيتونة وألغى المحاكم الشرعية وتمت تصفية الأوقاف وأقرّ التبني في قانون الأحوال الشخصية وتكريس التعامل الربوي في المسائل المالية، في تماثل فكري يفسّر التوجه العلماني لبورقيبة وتعلقه بمصطفى كمال أتاتورك، أب العلمانية التركية وأفكار فلاسفة الأنوار". ووصف العقربي "تجربة بورقيبة بالثرية والحافلة بالتناقضات، ما جعلها فريدة ومميزة ستكون لها انعكاسات على تونس في العهود اللاحقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من التكفير إلى التملق

يذكر التونسيون كيف رفض زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي الترحّم على الحبيب بورقيبة بعد وفاته، وبقيت هذه الصورة راسخة في عقول كثيرين، على الرغم من محاولة الحركة ذات الخلفية الإسلامية بكل قوة لتغييرها عبر الادعاء بأنها من الأوصياء والأوفياء لفكر بورقيبة، فأعلن بعض قيادييها في مرات عدة أن لا خلاف بينهم وبينه، في محاولة لم تُكلل بالنجاح للتقرب من قاعدة شعبية واسعة تعتبرهم أعداءه.

وصرح القيادي في "النهضة" نور الدين البحيري أخيراً، أن "التاريخ مواقف وقيم ومبادئ، ومَن يخطئ بحق رئيسه وزعيمه لا يمكن أن يكون بعد ذلك وفياً له، وبورقيبة الشعرة فيه بمليار. عندما كان على قيد الحياة تم إذلاله من بن علي. بورقيبة لنا وليس لكم. وعلى الرغم من معارضتي له ولجرائمه بحق الشعب التونسي والمقاومين أعتبره زعيماً لأنه بنى الدولة الحديثة".

هذه المواقف المتبدلة التي تبنتها قيادات "النهضة" لم تسمح للغنوشي أن يذهب لقراءة الفاتحة على ضريح بورقيبة في المنستير. وقالت الناشطة السياسية سماح شقير أن "أهالي المنستير لن يسمحوا لراشد الغنوشي بزيارة ضريح المجاهد الأكبر، وهو حاول قبل سنوات وتصدى له أبناء المدينة"، مؤكدةً أن "الخلاف معهم لا يمكن أن ينتهي لأنهم أعداء تجربته بكل ما فيها".  

المزيد من تقارير