Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الديمقراطية التونسية في خطر وثمة سؤال عن رد الفعل الدولي

الرئيس الشعبوي قيس سعيد أعلن حالة الطوارئ قبل عام واستولى بشكل مطلق على السلطتين التنفيذية والتشريعية

الرئيس سعيد أعلن عن حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس، ونالت تلك الهيئة ثناءً كبيراً واسعاً حينما أنشئت في مرحلة ما بعد الثورة (أ ف ب)

لفرط ترداده مرّات كثيرة، بات أقرب إلى الكليشه القول إن تونس شكّلت فعلاً قصة النجاح الوحيدة التي أسفر عنها "الربيع العربي" الذي سهّل في عدد من أجزاء المنطقة، بروز أنظمة أكثر استبداداً أو فتح الباب على حروب تبدو بلا نهاية.

[كانت تونس قصة النجاح تلك] في الأقل حتى صيف 2021. ففي خطوة فاجأت العالم، أعلن قيس سعيد، الرئيس الشعبوي المستقل، حالة الطوارئ في يوليو (تموز) الماضي، وفرض سيطرة مطلقة على الجناحين التنفيذي والتشريعي [السلطة التنفيذية والتشريعية] للدولة. وعلّق الدستور وسرح رئيس الوزراء وجمد البرلمان وحل الحكومة. وردد مراراً أن الغاية مما يفعله يتمثل في إنقاذ تونس من الانهيار، وأنها تلبية لدعوات شعبية طالبت بالتغيير في أعقاب احتجاجات حاشدة ضد الفقر والفساد وقيود فيروس كورونا.

بالتالي، اتُّهم أستاذ القانون السابق بتحطيم [إطاحة] دستور تونس من خلال أفعاله تلك، ولعلها مفارقة أنه دأب على تدريس القانون الدستوري. وأشار الخبراء والخصوم، خصوصاً من كانوا أعضاء في "حزب النهضة" الإسلامي المعتدل الذي هيمن على الساحة السياسة في تونس طيلة أعوام، إلى أن الرئيس يدير انقلاباً.

وفي هذا الأسبوع، اتخذ سعيد خطوة جديدة مضت به إلى أبعد من ذلك، فشدد قبضته على السلطة القضائية، معتبراً أن التعيينات في الماضي جرت "على أساس الولاءات". وبداية، أعلن أنه سيحل "المجلس الأعلى للقضاء" في تونس، وهو هيئة نالت الثناء على نطاق واسع حينما أنشئت في مرحلة ما بعد الثورة، وكذلك فإنها مكلفة تعيين قضاة البلاد وضمان استقلالية القضاء.

وفي خطوة تالية، أصدر سعيد، يوم الأحد الماضي، مرسوماً قضى بإنشاء مجلس مؤقت لمدة غير محددة للإشراف على السلطة القضائية. وأكد المرسوم أن بوسعه [الرئيس] إقالة القضاة ومنع ترقيتهم، إضافة إلى منع القضاة من حق الإضراب، في إشارة صريحة إلى تعمّد أعضاء في "مجلس القضاء الأعلى" وقضاة آخرين، إغلاق أبواب محاكم عدة ليومين خلال الأسبوع الماضي.

وفي الوقت الذي سمح المجتمع الدولي إلى حد كبير بتمرير إجراءات سعيد الأولية في الصيف الماضي من دون اعتراض، أثار تحركه ضد "مجلس القضاء الأعلى" سخط  دول عدة، وكذلك الاتحاد الأوروبي وميشيل باشليه، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي اعتبرت أن ذلك "يضعف بشكل خطير سيادة القانون".

وأضافت باشليه، "تلك كانت خطوة كبيرة في الاتجاه الخاطئ"، ووصفتها بأنها "التطور الأحدث في مسار يدعو إلى القلق".

وكذلك شعر الخبراء أيضاً بالذعر. وحذر سعيد بن عربية،  مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "اللجنة الدولية للحقوقيين"، من أن سعيد يعمل على إظهار "تصميمه على إزالة آخر خط للدفاع ضد حكمه الفردي في تونس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حديث إلى "اندبندنت"، أشارت مونيكا ماركس، خبيرة بالشأن التونسي وأستاذة سياسات الشرق الأوسط في "جامعة نيويورك، أبو ظبي"، إلى أن سعيد "يقضي على آخر ما تبقى من بقع المقاومة ’البغيضة‘"، معربة عن اعتقادها بأن المجتمع المدني ووسائل الإعلام سيأتي دورهما لاحقاً. وأضافت، "إننا نشهد تمركزاً للسلطة" [إمساك بمقاليدها].

ومن المؤكد أن هناك مؤسسات مستقلة قليلة بقيت في البلاد خارج سيطرته [سعيد]. وتتمثل إحدى تلك المؤسسات في هيئة الانتخابات، المعروفة على نطاق واسع بأنها من بين أكبر إنجازات الثورة، ويخشى البعض أنها لن تدوم طويلاً. وتتجسّد المؤسسة الأخرى في "الاتحاد العام التونسي للشغل" الذي يتمتع بقوة كبيرة، ويضم ما يزيد على مليون عضو ما يجعله خصماً محتملاً قوياً لسعيد.

وفي يناير (كانون الثاني)، انتقد "الاتحاد العام للشغل" "خريطة الطريق" لمستقبل تونس التي أطلقها سعيد في ديسمبر (كانون أول) 2021. وإذ اعتبر الاتحاد أن تحديد مواعيد الانتخابات في هذا العام يشكّل أمراً جيداً، لكنه لفت إلى أن ذلك "لا يعني القطيعة مع الحكم الفردي والإقصاء". وحتى الآن، لم يتخذ الاتحاد أي خطوة عملية فعلية، مكتفياً بإصدار البيانات. وليس من قبيل الصدفة أن سعيد اجتمع مع رئيس "الاتحاد العام للشغل" الشهر الماضي بغية كسب تأييده، من دون شك.

وذكرت ماركس أنه فيما "استيقظ" المجتمع الدولي هذا الأسبوع، ووجّه عدداً كبيراً من الرسائل بهدف إدانة التحرك ضد النظام القضائي، إلا أن غياب رد فعل دولي على خطوات سعيد العملية الأولية في يوليو 2021، جعلت الوضع أكثر سوءاً. وأضافت أن الصمت المتواصل من شأنه أن يجعل الوضع أشد صعوبة.

وتابعت، "إن المرء ليأمل أن تبذل الأطراف الغربية الفاعلة جهداً من أجل حماية التجربة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي، يكون معادلاً لذلك الجهد الذي يكرّسونه للشكوى من عدم وجود ديمقراطية في ذلك الجزء من العالم ذاته. لقد كانوا متواطئين بشكل محيّر".

© The Independent

المزيد من تحلیل