Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غموض الموارد المالية للموازنة يثير الشكوك في تونس

جدل حول إمكانية لجوء البنك المركزي إلى إصدارات نقدية من دون دعم اقتصادي

مخاوف من مواجهة تونس أخطار التخلف عن سداد ديونها إذا لم يتم ضمان مصادر التمويل (رويترز)

نفت وزارة المالية في تونس ما تم تداوله حول لجوء البنك المركزي إلى طباعة الأوراق النقدية لسد نقص كبير في السيولة. وقالت المديرة العامة للدين والتعاون المالي بوزارة المالية كوثر بابية، "إنه لم يتم اعتماد هذه الآلية لسداد أجور يناير (كانون الثاني) الحالي، بل وقع التعويل على موارد عدة لتمويل الموازنة وهي 2.7 مليار دينار (931 مليون دولار) من الموارد الجبائية لشهر يناير، إضافة إلى تحويل القرض الجزائري بقيمة 300 مليون دولار إلى الدينار التونسي و700 مليون دينار (241.3 مليون دولار) متأتية من الشبكة البريدية، واقتراض داخلي قيمته 115 مليون دينار (39.6 مليون دولار)". وذكرت أن "الموارد المالية تعتمد فقط على الجباية والاقتراض الداخلي والخارجي، ولم يقم البنك المركزي التونسي بإصدار العملات النقدية من دون نشاط اقتصادي وهو طبع الأوراق النقدية.

وأعلن متخصصون لـ "اندبندنت عربية" الشكوك التي تحوم حول إصدار المركزي التونسي للعملات من دون خلق ثروة مالية من قبل الاقتصاد، مفسرين خلفياتها. واختلفوا بين من اعتبر أن تدخل المركزي التونسي لتوفير السيولة للبنوك من صلب مهماته، ومن دعا إلى إضفاء الشفافية على بعض العمليات المالية المتعلقة باقتراض الدولة من السوق الداخلية درءاً لأي لبس، خصوصاً بعد دعوة أحد خبراء وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني البلاد إلى الكشف عن مصادر تمويل الموازنة لضمان استقرار تصنيفها السيادي.

مصادر التمويل

ودعا الخبير بوكالة الترقيم "موديز" ميخائيل غوندراند منذ أربعة أيام تونس إلى تشخيص مصادر تمويلها، لأن الوكالة تهتم فقط بالملف الائتماني للبلاد. وقال، "إن تونس ستواجه أخطار التخلف عن سداد ديونها إذا لم يتم ضمان مصادر التمويل، بخاصة مع تسجيلها عجزاً في الموازنة وارتفاعاً في المديونية"، وأشار إلى "أن حاجة تونس إلى التمويل تظل ضخمة ليس لهذه السنة فقط، وإنما لسنوات مقبلة"، مبيناً "أن القطاع الداخلي غير قادر لوحده على ضمان هذه التمويلات". واعتبر "خروج تونس إلى السوق المالية الدولية يمثل إشكالاً في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأن من شأن الاتفاق تسهيل موارد التمويل الأخرى ذات الشروط التفاضلية".

يذكر أن وكالة "موديز" للترقيم راجعت الترقيم السيادي لتونس نحو الخفض في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 من B3  إلى Caa1 مع آفاق سلبية، ما جعلها تصنف ضمن قائمة البلدان ذات "الأخطار العالية" على مستوى سداد ديونها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت تونس أعلنت الموازنة الجديدة لعام 2022 وقدرها 57.2 مليار دينار (19.7 مليار دولار)، ويبلغ العجز فيها 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار) أي 6.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، متوقعة أن يبلغ إجمالي متطلبات الاقتراض 18.7 مليار دينار (6.4 مليار دولار) في العام المقبل بما يرفع الدين العام إلى 82.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولم توضح الموازنة موارد سد العجز المذكور وحاجات التمويل ومصادرها، كما لم تخرج تونس إلى السوق المالية الدولية للاقتراض طوال السنتين الماضيتين، واضطرت إلى الاقتراض من السوق المحلية.

وذهب المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان إلى أن البنك المركزي يصدر العملات النقدية من دون مقابل نشاط اقتصادي، مبيناً "الانعكاسات الاقتصادية السيئة لزيادة الكتلة النقدية، وهي ارتفاع نسبة التضخم المالي وبالتالي الأسعار ونزول قيمة الدينار واختلال التوازنات المالية".

وأشار إلى تحذيرات البنك الدولي لتونس من تكوين الكتلة النقدية وطبع الأوراق النقدية وتساؤلات وكالة التصنيف العالمية (موديز) عن مصادر التمويل.

تطور الكتلة النقدية

واعتبر المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم "أن البنك المركزي يعتمد تقنيات متعددة ومعقدة تخول له توفير السيولة للبنوك، وهي من أبرز مهماته التي يكفلها له القانون، وإذا أقرضت البنوك الدولة التونسية فإن الأمر لا يتحول الى إقراض البنك المركزي للدولة من طريق البنوك، فالعملية المالية مختلفة تماماً". وأوضح، "تنطلق عملية الإقراض بإصدارات الدولة المتمثلة في طرح سندات الخزانة التي يقوم الوسطاء من البنوك والمؤسسات المالية المتخصصة باقتنائها وعرض جزء منها على عملائهم لشرائها، وهم بذلك يلعبون دور الوسيط والرابط بين وزارة المالية والمستثمرين المالكين للفوائض المالية من بين الباحثين عن فرص الاستثمار، وهؤلاء يمكن أن يكونوا مؤسسات أو صناديق تقاعد وغيرها، وتعتمد البنوك في هذه العملية على مواردها المالية، وفي حال حاجتها إلى سيولة إضافية تلجأ إلى ما يطلق عليه المقرض الملاذ الأخير، وهو البنك المركزي التونسي، ويمتلك هذه الصفة بحكم ما لديه من تقنيات تمكنه من التدخل بحسب الحاجات المالية للسوق، وتؤثر مباشرة في سيولة البنوك".

ويضخ المركزي الأموال بالسوق المالية، وهي من مهماته الأساس. وتتحصل البنوك على السيولة في مقابل ضمانات ولمدة زمنية معينة وقصيرة، ويعتمد في ذلك على مخزونه الذي يعتمده لخلق هذه التوازنات، فالعملية المالية تبدو معقدة ودقيقة مما أدى إلى اللبس الحاصل، وهي بعيدة كل البعد من طباعة الأوراق النقدية وإقراض البنك المركزي للدولة". يشار إلى أن القانون الأساس للبنك المركزي التونسي يمنعه من إقراض الدولة بمقتضى الفصل (35) لسنة 2016، وتكفي مقارنة تطور نسبة نمو الكتلة النقدية بالبلاد بتطور نسبة نمو الإنتاج للجزم بغياب عملية طبع العملة المحلية، إذ ينتج عن ارتفاع الكتلة النقدية من دون نشاط اقتصادي عدم تناغم بين الكتلة وتطور الإنتاج (الناتج القومي الخام). وبلغت نسبة التطور السنوي للكتلة النقدية 7.9 في المئة حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 وفق آخر تقرير للبنك المركزي التونسي، وبمقارنتها بتطور الناتج القومي الخام يظهر أن معدل التضخم السنوي 5.7 في المئة ونسبة النمو ثلاثة في المئة، وبذلك بلغ نسق نمو الإنتاج بالأسعار الجارية 8.7 في المئة. وانخفضت نسبة تطور الكتلة النقدية، وهي 7.9 في المئة مقابل تطور الإنتاج، مما يثبت الغياب التام للانفلات في تطور النقود.

غياب الشفافية

ورأى المحلل جمال بن جميع "أن الغموض الذي لف عمليات الاقتراض الداخلي للدولة التونسية هو الذي أدى إلى هذه الشكوك حول إصدار العملة النقدية المحلية، علماً أن البنك المركزي التونسي كان قد أقرض الدولة سنة 2020 من دون فائدة في عملية إصدار وبطلب من البرلمان التونسي آنذاك لتوفير مبلغ 2.8 مليار دينار (965 مليون دولار)، في حين أصدرت الدولة التونسية سندات خزينة بالسوق المالية سنة 2021 قامت البنوك باقتنائها على الرغم من شح السيولة المستفحل، مما دفع البنوك إلى الاستنجاد بالبنك المركزي للتزود بالسيولة اللازمة. ولم يقدم الأخير إيضاحات حول الموارد المالية بحكم أنه يحتكم إلى مخزون احتياط العملات من دون العملة المحلية، وتكرر طرح السندات لتسديد ديون خارجية وتم التزود بالأموال من البنوك التونسية، وهي سندات قصيرة المدى، ولم يكشف إلى الآن عن استخلاص هذه الديون من عدمه من قبل الدولة، فالعملية المالية بدت غامضة وحفزت الجدل الدائر حول الموارد المالية، كما لم تكشف تونس عن الموارد المالية الخارجية لتمويل عجز الموازنة لسنة 2022 وحجمه 3.2 مليار دولار، علماً أنها تعودت الكشف عن مواردها في السنوات المنقضية لسد العجز، عكس ما ورد في الموازنة الحالية من غموض وغياب للشفافية".

وأرجع غوندراند خفض الوكالة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى ترقيم تونس السيادي إلى "ضعف الحوكمة وعدم الثقة المتنامي في قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات تضمن نفاذاً متجدداً إلى مصادر التمويل". وشدد على أن النفاذ إلى صنف التمويلات ذات الشروط التفاضلية يبقى رهين الاتفاق على برنامج جدي مع صندوق النقد الدولي"، مبرزاً "أن مثل هذه البرامج تتطلب مخططاً لإصلاح موثوق يكون مدعوماً من الشركاء الاجتماعيين". وأكد ضرورة أن "تشمل الإصلاحات التحكم في كتلة الأجور ومراجعة الدعم وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية" معبراً عن أسفه لعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على تنفيذ برنامج إصلاح متسق.

اقرأ المزيد