Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه إلى رفع القيود عن الصرف لتعزيز مرونة تداول العملات

إجراءات لاعتماد المدفوعات الإلكترونية وتطوير أداء المؤسسات المالية لمواجهة الأزمات

تشكل مراجعة قانون الصرف مطلباً للمؤسسات المصدِّرة المنادية بترتيبات أكثر مرونة (غيتي)

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي، سمير سعيد، عن توجه لمراجعة قانون الصرف، حيث يعمل البنك المركزي على إعداد دراسة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي لعصر إجراءات قانون الصرف.

وكان "المركزي التونسي" قد اقترح مراجعة تشريعات الصرف ضمن توجهاته للعمل مع مختلف الهياكل المعنية، على الرفع التدريجي لقيود الصرف التي لا تزال تعرقل بعض المعاملات مع الخارج بالنسبة إلى المؤسسات والأفراد.

وذكرت "مؤسسة الإصدار" أن "هذه الإصلاحات لا تندرج ضمن اختصاص البنك المركزي التونسي وحده، والتي يتأكد اتخاذها قصد تطوير أداء المؤسسة التونسية ونجاعتها، ورفع حجم مدخرات البلاد من العملة والحد من تطور الاقتصاد الموازي".

يذكر أن مراجعة قانون الصرف تشكل مطلباً للمؤسسات المصدرة المنادية بترتيبات أكثر مرونة توفر هامشاً أكبر من الحرية، عبر ضبط نظام الرخص والحد من البيروقراطية المرافقة للعمليات التجارية الكبرى مع الخارج.

واختلف باحثون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، حول نجاعة النظر في قانون الصرف التونسي، بين منادٍ بالانفتاح على المنظومات الرقمية الجديدة في العالم ومنح مساحات أكبر للأشخاص الطبيعيين لحيازة العملات، وبين متحفظ تجاه بعض الأنظمة العصرية الخاصة بالأفراد مقابل تسهيل الإجراءات للمؤسسات المصدرة بخاصة.

تحرير العمليات الجارية

وذكر نائب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (منظمة مستقلة) وليد بالحاج عمر، أن "قانون الصرف يجب أن يقوم على خدمة الاقتصاد والمؤسسات ولا يكون مكبلاً لهما". واقترح إدخال نوع من المرونة على هذا القانون، بخاصة بالنسبة إلى المؤسسات التونسية التي تتعامل مع عملاء من الخارج، والمؤسسات المصدرة كلياً، سواء أكانت لمستثمرين تونسيين أم أجانب".

وقالت المديرة العامة لعمليات الصرف بالبنك المركزي التونسي، روضة بوقديدة، "إن البنك المركزي في إطار مخططه الاستراتيجي 2019-2022 التزم بتنفيذ إصلاحات كبيرة تتعلق بقانون الصرف، بالاستعانة بخبرة البنك الدولي، وإشراك كل الأطراف المتداخلة مثل وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط.

ويعتزم البنك المركزي القيام بجملة تعديلات ترمي إلى استكمال تحرير العمليات الجارية، وعدد من عمليات رأس المال وإدخال مزيد من المرونة والشفافية على ترتيبات الصرف.

وتصنف هذه الإصلاحات بحسب الإجراءات التي يجب اتخاذها، فمنها تلك التي يمكن للبنك المركزي التونسي القيام بها من دون تنقيح قانون الصرف وتقتصر على النصوص الترتيبية التي يسهل تنقيحها، بينما تستوجب مراجعة قانون الصرف، تنقيح القانون رقم 18 لعام 1976 والنصوص التطبيقية، فهي مرتبطة بالأساس بسياسة الدولة التونسية في هذا المجال.

رقمنة البطاقات

وفيما يتعلق بالتدابير العائدة كلياً إلى المركزي التونسي، فقد تم في هذا الصدد اتخاذ جملة إجراءات خلال الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2020، عن طريق حزمة قرارات جديدة يعمل البنك على إدخالها حيز التطبيق على المدى القصير.

وتخص هذه الإجراءات استثمارات الأجانب غير المقيمين في تونس، إذ تم إصدار المنشور عدد 14 لعام 2018 والمتعلق أساساً برقمنة بطاقة الاستثمار، بوصفها الوثيقة البنكية التي تمكن المستثمرين غير المقيمين من الانتفاع بضمان التحويل، وبتوحيد إجراءات إنجاز تحويلات العائدات المرتبطة بالاستثمارات المنجزة، من قبل غير المقيمين، بالعملة الأجنبية.

كما تم استحداث مكاتب الصرف قصد مزيد تعبئة الموارد بالعملة والقضاء على سوق الصرف الموازية.

ومن ضمن الإجراءات الجديدة، تغطية مصاريف الإقامة بالخارج لفائدة منظوري الشركات المقيمة، التي أبرمت عقود أعمال ودراسات ومراقبة الصفقات المنجزة مع الخارج، وذلك بإحداث منحة أسفار أعمال بمقتضى منشور البنك المركزي التونسي عدد 3 لعام 2020، تصل إلى حدود 15 في المئة من ثمن عقد الصفقة المستخلص بالعملات القابلة للتحويل. وتوسيع قائمة الأنشطة المنتفعة بمنحة الأسفار، وهو ما من شأنه تقليص اللجوء إلى تراخيص البنك المركزي وتمتع المتعاملين الاقتصاديين بمزيد من المرونة.

تحويلات المؤسسات

وفي إطار التسوية المالية لتوريد وتصدير السلع، أصدر المركزي التونسي المنشور عدد 2 لعام 2020 قصد تحديد نسبة "التسبقة" بعنوان "خلاص توريد منتجات" بغرض استعمالها مباشرةً في دورة إنتاج السلع والخدمات أو المنتجات اللازمة لتنفيذ صفقة عامة، في حدود 50 في المئة من القيمة الإجمالية، والتي تفوق 20 ألف دينار (6.9 ألف دولار).

وفيما يخص التحويلات إلى الخارج من قبل المؤسسات التونسية بعنوان الاستثمار بالخارج، فحدد المبلغ الأقصى بـ3 ملايين دينار (مليون دولار) عند التمويل بواسطة الحساب المهني، بالعملة بالنسبة إلى الشركات المصدرة.
ويعمل "المركزي" على مشروع إنشاء نظام دولي للدفع الإلكتروني، بالتنسيق مع الوزارة المكلفة الاقتصاد الرقمي، بهدف تشجيع الصادرات عبر التجارة الإلكترونية وإدراج تونس من بين البلدان المنخرطة في هذا النظام. وسيمكن هذا المشروع من تفعيل الدفوعات الإلكترونية.

المقترحات

يشار إلى أن اقتراح قانون عدد 2021/044 المتعلق بتنقيح قانون عدد 18 لسنة 1976 المؤرخ في 21 يناير (كانون الثاني) 1976، المتعلق بمراجعة وتدوين التشريع الخاص بالصرف والتجارة الخارجية والمنظم للعلاقات بين تونس والبلدان الأجنبية، والذي طرح على البرلمان التونسي في 2021 قبل تجميده، كان قد طرح حق التعامل بالعملة الأجنبية للأشخاص الطبيعيين  والمؤسسات الصغرى والحرفيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونص الفصل الأول من الاقتراح على أنه "لكل شخص طبيعي وللمؤسسات الصغرى والحرفيين والفنانين والأشخاص العاملين للحساب الخاص والمبادرين الذاتيين والشركات الناشئة، الحق في الاحتفاظ بما يؤول إليهم من نقد أجنبي على أن يكون مصدره معلوماً ومشروعاً، ولهم الحق في القيام حصراً عبر الإنترنت بعمليات البيع والشراء، من أفراد أو شركات موجودة خارج تونس. وأن يتمتع كل شخص طبيعي تونسي الجنسية بالحق في منحة سياحية سنوية يضبط قيمتها محافظ البنك المركزي عبر منشور يراجع كل سنتين،

وكلما رأى البنك المركزي فائدة في ذلك بعد التشاور مع الوزير المكلف المالية ولجنة المالية في مجلس نواب الشعب".

وأكد الاقتراح أنه "لا يمكن تسليم المنحة السياحية أو أي جزء منها نقداً في تونس، بل يمكن استعمال المنحة السياحية في الخارج عبر البطاقة البنكية، على ألا تفرض البنوك أي رسوم لتوفير هذه الخدمة. وأن يتمكن كل مواطن تونسي عمره أكثر من 18 سنة كاملة وحامل لجواز سفر ومقيم في تونس، استعمال منحته السياحية عبر بطاقة بنكية تونسية للشراء بالعملة الأجنبية عبر الإنترنت في حدود تلك المنحة. وألا يتطلب التمتع بهذا الحق، الحصول على ترخيص مسبق، على أن تخضع كل عمليات الشراء من الخارج باستعمال هذا الحق، إلى ضرائب الديوانية ويمكن دفعها بالعملة الأجنبية. كما أن كل الأرباح بالعملة الأجنبية الناتجة عن بيع خدمات أو منتجات مهما كان نوعها، مادية كانت أو غير مادية، خاضعة للضرائب ويمكن دفعها بالعملة الأجنبية".

الدفوعات الإلكترونية

ووصف الباحث الاقتصادي جمال بن جميع قانون الصرف في تونس، بـ"المحافظ" مقابل الانفتاح الذي تنتهجه بلدان أخرى في هذا المجال لاستقطاب العملات من الخارج، أو الناشطة في السوق السوداء. وانتقد تردد تونس في فتح المجال لنظام الدفع الإلكتروني بايبال (Paypal) ما يعكس التحفظ حول اعتماد المدفوعات الإلكترونية في الوقت الراهن على الأقل، وذلك على الرغم مما توفره من سرعة في تحويل الأموال وتحقيقها موارد مالية بالعملات الأجنبية للمبادرين الذاتيين والشركات الناشئة والأشخاص الطبيعيين الناشطين في مجال المعلوماتية. ويعود هذا التحفظ إلى الدور الرقابي الذي يلعبه البنك المركزي والخلفية الكلاسيكية لحيازته العملات ووضعها تحت سلطته، على الرغم مما تكفله القوانين في البلدان المتقدمة للدور الرقابي للبنوك المركزية، عبر خلق سقف معين للعملات في عمليات بيع وشراء السلع على هذه المنظومة. ويتحتم فتح المجال للأشخاص الطبيعيين والمؤسسات الصغرى الناشئة، لفتح حساب بالعملات مع كشف مصادر مواردهم المالية، إضافة إلى تنقيح التشريعات التونسية لاقتحام النظام الدولي للمدفوعات الإلكترونية، وهي من الوسائل الحديثة لتنمية الصادرات ورفع مداخيل العملة الصعبة في الاقتصاد العصري. ولن تتمكن تونس من اقتحام هذه الأساليب العصرية دون تركيز منظومة رقمية بالكامل تشمل البطاقات البنكية الدولية والحد من التداول اليدوي للعملات بالتالي من البيروقراطية.

التراخيص

ورأى محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، أنه "من البديهي أن تسعى تونس إلى إدخال إصلاحات على قانون الصرف، لأن عمليات رأس المال غير محررة عندما يتعلق الأمر بالعملات في شكل أموال أو سندات مالية. فالقانون التونسي يفرض التراخيص المسبقة. وتتم باللجوء إلى البنك المركزي في عمليات تحويل العملات  لأغراض تجارية أو استثمارية، حيث يقوم البنك بدراسة الغرض. ويتحتم على المستثمرين الأجانب أو التونسيين تقديم ملف مفصل للعملية التجارية. ويذكر منها بخاصة التسبقة الخاصة بعمليات التوريد، فهي خاضعة للتراخيص. وبناءً على ذلك يحتاج قطاع الاستثمار المتعثر في الوقت الراهن إلى إجراءات تبسط العملية التجارية والاستثمارات التونسية في الخارج. كما يبدو القانون التونسي محافظاً تجاه المستثمرين الأجانب الذين لا يمكنهم حيازة أكثر من 49 في المئة من أسهم المؤسسات التونسية المتداولة في البورصة. وقد سنت هذه القوانين لحماية الاقتصاد التونسي من المخاطر الطارئة وحفاظاً على استقرار العملة الوطنية. فقانون الصرف هو مظلة لحماية التقلبات في أسعار الصرف والسوق المالية. وتحتاج البلدان إلى اقتصاد صناعي متين وقادر على مجابهة الصدمات بمؤسسات ضخمة وطاقة إنتاج قوية لتحرير العمليات المالية، الأمر غير المتوفر حالياً في تونس، على الرغم من سعيها خلال العشرين سنة الماضية إلى اعتماد إصلاحات تحدّ من التراخيص وتكرس قاعدة الاستثناء للتراخيص. والحرية هي المبدأ، لكن في حدود المتاح".