Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البنوك التونسية تواجه ضغوطا لتمويل أجور الموظفين والموازنة

أضحت المؤسسات المصرفية منذ ما يزيد على سنة توجه معظم مواردها لدعم الشركات الحكومية وخزانة الدولة

يوصي معظم المتخصصين الحكومة التونسية بوضع حد لسياسة المديونية النشطة (أ ف ب)

لا تزال البنوك التونسية تواجه ضغوطاً كبيرة من الحكومة لتمويل الموازنة ومنح قروض قصيرة الأمد لتمويل أجور الموظفين في ظل أزمة اقتصادية ومالية حادة تخنق البلاد منذ ما أكثر من ثلاث سنوات.

ويحتدم الجدل في تونس هذه الأيام بين المتخصصين وأساتذة الاقتصاد بخصوص الصعوبات الكبيرة التي تواجهها حكومة نجلاء بودن من أجل إيجاد الموارد والتمويلات الضرورية للموازنة الجديدة وسط صعوبة الخروج إلى الأسواق المالية العالمية للحصول على القروض التي تم تحديدها في موازنة العام الحالي والمقدرة بنحو 12.6 مليار دينار (4.3 مليار دولار).

وفيما أكد باحثون ماليون أن تونس ما زالت تطبع الأوراق المالية لتمويل أجور الموظفين، ذهب شق آخر إلى الكشف عن أن البنك المركزي التونسي يواجه ضغوطاً كبيرة من أجل ضخ الأموال في موازنة الدولة، الأمر الذي يتعارض مع قانونه الأساسي ويضرب استقلاليته وسط مخاوف من أن تؤثر هذه العملية على ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت مع أواخر السنة الماضية 5.7 في المئة.

ضغوط كبيرة على البنوك

وفي السياق، كشف أحمد الكرم، أحد أهم المصرفيين في تونس، الرئيس السابق للجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، عن أن "البنوك التونسية أضحت تواجه منذ سنة تقريباً ضغطاً كبيراً بسبب موازنات الدولة، وأصبحت تُوجّه أغلب مواردها لتمويل المؤسسات العمومية، وبخاصة خزانة الدولة".

وأشار إلى "وجود ضغط كبير جداً على كل مَن يسيّر مؤسسة بنكية ليمنح السيولة الضرورية للحكومة، لأنها بحاجة إلى الأموال"، لافتاً إلى أن "قائم القروض الموجهة للدولة ارتفع خلال سنة 2020 بنسبة 26.6 في المئة ونفس الارتفاع تم تسجيله أيضاً خلال عام 2021".

عجز مخيف

وأفاد أحمد كرم بأن "موازنة الدولة أصبحت عاجزة وعجزها مخيف والحكومة مضطرة إلى الاتجاه للقطاع البنكي للاقتراض بسبب عدم قدرتها على الخروج إلى السوق المالية الدولية، نظراً إلى تردي تصنيفها السيادي وعدم توصلها بعد إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".

وزاد أن "البنوك كانت سابقاً قريبة للمؤسسات والشركات في القطاع الخاص وتلبي حاجاتها للتمويل، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 2.4 في المئة فقط مع توجيه الاقتراض نحو المؤسسات العمومية وميزانية الدولة".
واعتبر كرم أن "البنوك تعتقد أنها تقوم بتقليص المخاطر عبر توجهها لتمويل الدولة". وأضاف أنه "حان الوقت للتفكير بطريقة جدية لوضع حدود لتمويل موازنة الدولة التونسية ومساعدتها على اتخاذ إجراءات اصلاحية عميقة للخروج من الأزمة". ورأى أن "المخاطر على البنوك في تمويل موازنة الدولة موجودة وإن كانت لا تظهر في حسابات البنوك، وذلك بسبب الترتيبات المعمول بها حالياً".

التخلي عن الدور الطبيعي

من جهة أخرى، أبرز الباحث المالي، معزّ حديدان، أن "حجم القروض الموجَّهة للمؤسسات العمومية ارتفع بنسبة 26.8 في المئة مقابل ارتفاع بـ2.4 في المئة فقط للمؤسسات الخاصة". وأضاف أن "السوق المالية والبنوك ضخّت لتمويل الاقتصاد في تونس 7 مليارات دينار (2.4 مليار دولار) خلال سنة 2021، 90 في المئة منها تم توجيهها لفائدة الدولة وليس للمؤسسات الخاصة، ما يعني أن البنوك تخلت عن دورها الطبيعي في تمويل الاقتصاد والاستثمار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولاحظ حديدان أن "ضعف الاستثمار يمس بالإنتاجية والقدرة التنافسية أيضاً للمؤسسات، بالتالي فإن الشركات التي تمثل المحرك الأساسي للاقتصادي التونسي لم تعد تخلق الثروة". وقال إن "البنوك تختار إقراض الدولة نظراً إلى أن المخاطر تكون أقل في تلك الحالة".

طباعة الأوراق المالية أمر واقع

في الموازاة، لا يزال عز الدين سعيدان، الخبير المصرفي والمالي متمسكاً بموقفه بشأن "لجوء البنك المركزي إلى طباعة الأوراق المالية لتمويل أجور الموظفين في ظل شح السيولة في البلاد". 

وحذَّر في هذا الخصوص من استمرار "طباعة" الأوراق النقدية لتوفير السيولة دون مقابل اقتصادي.

وأبرز أن "تقرير البنك الدولي الأخير الذي تطرق فيه إلى اللجوء المتنامي لخلق كتلة نقدية بالإضافة الى وكالة التصنيف موديز التي دعت تونس إلى تشخيص أكثر وضوحاً حول مصادر التمويل لضمان استقرار تصنيفها السيادي".
وأوضح سعيدان أن "طباعة الأوراق النقدية تتم في واقع الأمر عبر تحويلات افتراضية الى وزارة المالية التي تلجأ بدورها إلى اقتراض قصير المدى من البنوك التونسية قبل أن يعيد البنك المركزي شراء السندات المالية في ذات اليوم دون توفر سيولة حقيقية ينتجها الاقتصاد".
وكشف في هذا السياق أن "نسبة القروض البنكية الموجهة للدولة بلغت، وفي مؤشر خطير، 20 في المئة"، محملاً البنك المركزي المسؤولية، قائلاً إنه ينتهج "سياسة الانكار" في نفيه المتواصل بخصوص طباعة الأوراق النقدية.

وأكد سعيدان أن "البنك المركزي التونسي لجأ إلى هذه السياسة المحفوفة بالمخاطر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020 وتواصل الأمر إلى يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) 2021 ويناير (كانون الثاني) 2022، والأمر متعلق أساساً بالأجور"، كاشفاً عن أنه "تم طباعة 8 مليارات دينار (2.7 مليار دولار) حتى اليوم"، محذراً من تضخم مالي وتدهور سعر الدينار التونسي.

تكوين كتلة نقدية ذات تأثيرات تضخمية

من جانب آخر، فسَّر وزير التجارة التونسي الأسبق، محسن حسن، مسألة طباعة العملة، فقال "إن ما يقوم به البنك المركزي من عمليات إعادة تمويل البنوك على إثر اقتنائها أذون الخزانة أو رقاع الخزانة التي تصدرها الخزانة العامة، وكذلك قبول البنك المركزي التونسي العملة الأجنبية من البنوك التونسية ويُقرض مقابلها الحكومة بالدينار، هي عمليات مختلفة عن طباعة العملة أو الأوراق المالية، لكنها تؤدي إلى خلق كتلة نقدية تكون لها تأثيرات تضخمية"، معتبراً أن "خلق كتلة نقدية لا يعني بالضرورة طباعة العملة".

وشدد على أن "تونس تعيش أزمة سياسية واقتصادية ومالية غير مسبوقة، وباتت قطاعات اقتصادية عدة مهدَّدة، مع ارتفاع نسبة البطالة والوضع الاجتماعي خطير"، مشدداً على أن "لا إنقاذ اقتصادي ومالي من دون وفاق وطني حول برنامج شامل ومعمق للإصلاحات ولا إنقاذ اقتصادي من دون تنقية المناخ السياسي". وخلص إلى أن "شحّ السيولة وارتفاع مستوى التضخم لن يمكنا الدولة من تعبئة الموارد المالية من السوق الداخلية المبرمجة لعام 2022، في حين تقتضي تعبئة الموارد المالية الخارجية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج للإصلاحات العميقة والشاملة بمشاركة كل القوى الفاعلة في تونس".

وينظر الباحثون في الشأن الاقتصادي إلى إقراض البنوك للحكومة على أنه مناورة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للنظام المصرفي لأن البنوك من خلال منحها القروض للدولة قد تستنزف زهاء 25 في المئة من أموالها الخاصة في عملية ائتمانية واحدة.

ويوصي معظم المتخصصين الحكومة التونسية بوضع حد لسياسة المديونية النشطة التي شارفت على نسبة 90 في المئة من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة مرتفعة جداً لم تعرفها البلاد حتى في أصعب الفترات والأزمات الاقتصادية التي مرت بها. ويعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أن التداين الداخلي يمكن أن يكون من أفضل الآليات المطروحة أمام الدولة على الرغم من أن له أوجه سلبية عدة، أهمها الحد من السيولة المالية في السوق الداخلية وارتفاع التضخم، كما أن آلية الاقتراض الداخلي تطرح بدورها، حسب المتخصصين، إشكاليات اقتصادية متعلقة بقطع الطريق أمام المستثمرين للحصول على التمويلات البنكية الضرورية لإنجاز المشاريع.