Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يعيد المغرب النظر باتفاقية التبادل الحر مع تونس؟

تحدث وزير الصناعة والتجارة عن إدخال بعض التعديلات الجمركية التي تتوافق مع الحقوق السيادية وتتماشى مع اتفاق "أكادير"

قالت وزارة الصناعة والتجارة المغربية إنها تعمل على تقييم نتائج اتفاقيات التبادل الحر وتأثيراتها (رويترز)

تعتزم الحكومة المغربية تعديل اتفاقية التبادل الحر مع تونس، من أجل تقليص العجز التجاري، وحماية القطاع الصناعي المحلي، والوظائف في عدد من القطاعات. وفي ذلك الاتجاه، ينوي المغرب التفاوض بشأن قيمة الضريبة المفروضة على مجموعة من السلع. ويأتي ذلك بعد قيام الرباط بتعديل اتفاقية التبادل الحر مع تركيا صيف عام 2020، بالإضافة إلى التوافق مع مصر على إزاحة العقبات من أمام الصادرات المغربية من السيارات، وذلك بإعفائها تماماً من الرسوم الجمركية، وفق اتفاقية "أكادير".
وحسب إحصاءات رسمية مغربية، فإن الواردات من تونس بلغت عام 2019 ما قيمته 236 مليون دولار، بينما لا تتعدى قيمة صادرات المغرب إليها 89.26 مليون دولار.

تعديل جزئي وليس مراجعة

وخفف وزير الصناعة والتجارة المغربي مولاي حفيظ العلمي من المخاوف المرتبطة باعتزام بلاده تعديل اتفاقيتي التجارة الحرة مع تونس، قائلاً إن اتفاقيات التبادل الحر مهمة جداً  بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، باعتبارها تفتح سوقاً تضم ملياري مستهلك في وجه الصادرات المحلية، وبالتالي تتطلب عملية مراجعتها تفكيراً عميقاً ودراسة متأنية لتقييم كل الاحتمالات الواردة، موضحاً أن الأمر لا يتعلق بمراجعة اتفاقيتي التبادل الحر اللتين وقعهما المغرب مع تونس، بل فقط بإدخال بعض التعديلات الجمركية التي تتوافق مع الحقوق السيادية للمغرب، وتتماشى مع الاتفاق الموقع معها، والمعروف باتفاق "أكادير"، الذي يضم كذلك دولتي الأردن ومصر.

وأضاف المسؤول المغربي أن وزارة الصناعة والتجارة تعمل بانتظام على تقييم نتائج اتفاقيات التبادل الحر وتأثيراتها، واتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لمعالجة أي اختلالات قد تؤذي الاقتصاد الوطني، موضحاً أن اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمها المغرب مع عدد من الدول أعطت دينامية جديدة للاستثمارات الخارجية، التي عرفت قفزة نوعية خلال السنوات العشرين الأخيرة، وأن مجموع الاستثمارات الخارجية في المغرب انتقل من 77.5 مليار درهم (ما يفوق ثمانية مليارات دولار) بين عامي 1991 و2000، إلى 249 مليار درهم (26.7 مليار دولار) بين عامي 2001 و2010، ثم 351.5 مليار درهم (37.7 مليار دولار) ما بين 2011 و2020. كما أسهمت هذه الاتفاقيات في الرفع من وتيرة الصادرات التي بلغت خلال السنوات العشر الأخيرة معدل نمو سنوياً يناهز 16 في المئة مع الولايات المتحدة الأميركية، و13 في المئة في إطار اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، و16 في المئة في إطار اتفاقية "أكادير"، و12 في المئة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، و30 في المئة مع تركيا، وستة في المئة مع الاتحاد الأوروبي.

مرحلة حاسمة

وأوضح باحثون أن مرور المغرب بفترة حساسة يتطلب العمل على مضاعفة القدرة التنافسية للسلع المحلية، وأنه يتحتم على الرباط مراجعة جميع اتفاقيات التبادل الحر حسب تأثيرها في الاقتصاد المحلي، وذلك نظراً إلى اعتبارات عدة. ويشير الباحث الاقتصادي المغربي، زكرياء فيرانو، إلى أن "الاقتصاد المغربي يمر بلحظة حاسمة وتاريخية في تطوره، وكل مؤشرات الاقتصاد الكلي تؤكد أن العقد المقبل سيكون حاسماً لمستقبل المغرب"، مضيفاً أن "النموذج التنموي القائم على الاستهلاك الداخلي كان محدوداً، وأن الارتقاء نحو نموذج تنموي جديد أصبح أمراً حتمياً لدخول المغرب منطقة البلدان الناشئة". واعتبر أن "النموذج التنموي الجديد يشكّل جزءاً من هذا المنظور من أجل مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، كما يسمح بزيادة القدرة التنافسية للصناعات والشركات المغربية".
وشدد فيرانو على أن "تعزيز القدرة التنافسية للشركات المغربية من أجل السماح بنمو مستمر في الطلب الخارجي يشكل اليوم مهمة حساسة تعتمد على السياسات الحمائية التي تعتمدها بلدان عدة. إننا نشهد اليوم طريقاً إلى القومية التجارية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تاريخ التبادل الحر

وأشار الباحث الاقتصادي المغربي إلى أن "الرباط شرعت منذ التسعينيات في إبرام اتفاقيات تجارية مع أهم الشركاء (أوروبا والولايات المتحدة والدول العربية)، وكان الهدف منها تعزيز العلاقات التجارية والحد من الخلل الهيكلي في العلاقات التجارية المغربية"، موضحاً أن "معدل تغطية الصادرات للواردات يظل منخفضاً للغاية، إذ لا تغطي الصادرات سوى 60 في المئة من الواردات. غير أن التحليل الذي تم في دينامية طويلة الأجل يبيّن نتائج إيجابية لكل اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة مع مختلف الأطراف". وزاد فيرانو أن "المغرب تمكن من زيادة صادراته مع الولايات المتحدة بنسبة 16 في المئة منذ إبرام الاتفاقيات، وينطبق الشيء نفسه على الإمارات، إذ اقترب معدل النمو من أكثر من 12 في المئة، ومع تركيا يبلغ معدل النمو 30 في المئة منذ إبرام اتفاقيات التجارة الحرة، كما أظهرت اتفاقيات أكادير زيادة بنسبة 16 في المئة مع تحسن مستمر بنسبة 13 في المئة في الصادرات إلى دول الجامعة العربية".

ضرورة المراجعة

وأوضح المتحدث ذاته أنه "في ضوء هذه العوامل المختلفة، يبدو أن المغرب كان ملزماً بمراجعة كل اتفاقيات التجارة الحرة من أجل تحديد مدى تأثيرها في مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي"، معتبراً أن "الأمر مشروع بعد أكثر من عقدين من الزمن، والجدل الذي اشتد مع تعديل الشراكات مع تركيا ومصر وتونس ينبغي أن يُقاس بقيمته الحقيقية. ولا يشكك المغرب بأي حال من الأحوال في أيديولوجية التجارة المفتوحة أو التجارة الحرة، والفكرة الأساسية هي إيجاد التوازن الصحيح بين معدل الانفتاح مع هؤلاء الشركاء وموازينه التجارية وموازين الاقتصاد الكلي".وأضاف أنه "في الوقت الراهن، وبعد إصدار التعميم الصادر في 3 يناير (كانون الثاني) 2022 بشأن الرسوم الجمركية وتعديل النظام المنسق HS لعام 2022، كان هناك تفسير خاطئ للمقترحات الواردة في هذا التعميم. والواقع، أن هذه التغييرات لم يكن لها أي تأثير في المعاملة التفضيلية بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتونس ومصر، وبالتالي ستظل المنتجات المشمولة باتفاقات التجارة الحرة مستوردة من دون رسوم جمركية ورسوم لها أثر مماثل، باستثناء المنتجات التي تظهر على قائمة مغربية - تونسية مشتركة، تخضع لضريبة واحدة بنسبة 17.5 في المئة على الواردات إلى البلدان، وتلك التي تظهر على قائمة سلبية مشتركة (18 منتجاً)، وبالتالي يتم استبعادها مؤقتاً من تفكيك التعريفات الجمركية من قبل كلا البلدين".
ما بالنسبة إلى التجارة، فلا يرى نائب رئيس الغرفة النقابية لشركات التجارة الدولية التونسية، ماهر بن عيسى، من جانبه، ضرورة لقيام المغرب بتعديل الاتفاقية مع بلاده، وقال "بغض النظر عن وجود مشاكل اقتصادية، إلا أننا نشعر بحزن مضاعف. فمن جهة هناك نية لدى المغرب في تعديل اتفاقية التبادل الحر مع تونس، ومن جهة أخرى، ذلك التوجه ينسف حلم اتحاد مغاربي حقيقي وسوق مغاربية"، متعجباً من توجه المغرب في ظل صغر حجم عجز الميزان التجاري بين البلدين، وبالتالي لا يتطلب الأمر اعتماد مراجعة للاتفاقية، لكون حجم الصادرات التونسية هو 708 ملايين دينار (نحو 246 مليون دولار)، وحجم الواردات في حدود 370 مليون دينار (نحو 128.5 مليون دولار)، وبالتالي "لا تلك النسبة الصغيرة ولا العلاقات التاريخية والأخوية تجيز ذلك التعديل"، على حد تعبير بن عيسى.

دوافع سياسية

وأشار الباحث السياسي المغربي، بلال التليدي، إلى "وجود اعتبار سياسي وراء رغبة المغرب في تعديل إنفاقه مع تونس، لكون الأخيرة اختارت تغيير سياستها تجاه الرباط، عبر اعتمادها قراراً غير مسبوق في سياستها الخارجية، في مجلس الأمن، وذلك بالامتناع عن التصويت على قرار تجديد مهمة المينورسو في الصحراء، وفضّلت بذلك، الاصطفاف إلى جانب الجزائر مقابل وعد بدعم بقيمة 300 مليون دولار، تحولت بعد ذلك إلى مجرد وعد بقرض بهذه القيمة. لذلك اتجه المغرب إلى إعادة النظر في الاعتبارات التجارية المبنية على معادلة الربح والخسارة، وضرورة أن يبنى أي اتفاق تجاري حر على قاعدة التوازن بين الصادرات والواردات، حتى لا يختل الميزان التجاري".