Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بين رفسنجاني وسليماني... تقديم المصلحة على الشخص

شهدت العاصمة الإيرانية انقساماً واضحاً بين قطبين واتجاهين على خلفية الاحتفال بذكرى الرجلين

تجاوز دور سليماني المؤسسة التي ينتمي إليها (أ ف ب)

قبل أيام، شهدت العاصمة الإيرانية انقساماً واضحاً بين قطبين واتجاهين، على خلفية الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة لرحيل الرئيس هاشمي رفسنجاني، التي تزامنت مع احتفالات الذكرى الثانية لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني.

وإذا ما كان طرفا الانقسام يتفقان على موقع سليماني ودوره ورمزيته الوطنية والقومية، فإن الخلاف يبرز بوضوح في الموقف من رفسنجاني ورمزيته وموقعه ودوره في بناء النظام والدولة والمؤسسات. أي إن الخلاف بشأن رفسنجاني لا يقف عند البعد السياسي، بل يصل إلى مسألة تفسير البعد الأيديولوجي للسلطة والنظام.

من الصعب على أيٍّ من القوى السياسية الإيرانية، الإصلاحية والمحافظة، بتنويعاتها المتشددة والمعتدلة والليبرالية، إنكار الدور الذي لعبه رفسنجاني في التاريخ الإيراني المعاصر ما بعد عام 1979 وانتصار الثورة وبناء الدولة وتشكل النظام الإسلامي وتكريس دور المؤسسة الدينية وإمساكها بالسلطة. وقد وصفه الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في رده على حملات بعض التيارات الإصلاحية، بأنه "هوية الثورة وأحد أعمدتها الأساسيين". ووصفت صحيفة "صوت الإصلاحات" التي تمثل التيار الإصلاحي داخل المحافظين رحيله بأنه "خسارة نقطة التوازن في النظام". وهو موقف أو توصيف جاء في وقت التزمت فيه قوى النظام الصمت وتجنب ذكر رفسنجاني، مستغلة التزامن مع ذكرى سليماني. حتى إن المرشد الأعلى لم يتطرق إلى ذكرى رفيق نضاله ولو بشكل عرضي في الخطابين اللذين ألقاهما لمناسبة سليماني واللقاء السنوي مع أهالي مدينة قم.

وحملت المواقف التي أُطلقت في مناسبة رحيل رفسنجاني، وكانت ذات طابع إصلاحي – معارض، إشارات مشككة بظروف وفاة هذا الرجل، وتضمّنت اتهامات مباشرة وغير مباشرة لجهات في النظام لم تتحمل وجوده في المشهد السياسي، خصوصاً بعد بروز التمايز في مواقفه وافتراقها عن مواقف السلطة والنظام في العديد من المسائل الداخلية والخارجية. ما يعني أن إخراج رفسنجاني من المعادلة بات ضرورة للنظام. وقد شكلت لحظة وفاته ذروة المعركة بين تيار السلطة والقوى المطالبة بالتغيير والعقلانية، إذ تركت هذه القوى من دون مظلة قادرة على تأمين الغطاء لها أمام مؤسسات السلطة والنظام، نظراً إلى مكانته الاعتبارية وتاريخه الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة، وقدرته على استيعاب حملات التشويه التي تعرض لها وامتصاصها وتفويت الفرصة على خصومه بدفعه إلى إعلان مواقف تتناقض مع تاريخه أو تخرجه من دائرة الشراكة في بناء النظام، وتضعه في دائرة الخيانة للثورة والنظام الإسلامي.

قد يكون خروج أو إخراج رفسنجاني من المشهد السياسي -حسب كلام شقيقه محمد وكريمته فائزة رفسنجاني وحديثهما عن شكوك بتعرضه لعملية اغتيال مركبة- أسهم في تحييد أبرز الشخصيات القادرة على إعلان موقف مختلف أو منتقد لمواقف النظام وسياساته العامة والخاصة، الداخلية والخارجية، من منطلق الحرص والشراكة ووطنية لا غبار عليها.

وإذا ما كان تغييب أو غياب رفسنجاني عن المشهد حاجة لإنهاء شبهة التعددية والشراكة في الصف الأول لقيادة النظام، فإن صاحب الذكرى الثانية، أي الجنرال سليماني، يطرح أسئلة حول أبعاد عملية اغتياله تتجاوز وتتعدى أهداف المنفذ والمستفيد الإقليمي من تغييبه وإخراجه من تفاصيل المشهد الشرق أوسطي وصراع النفوذ في المنطقة. وحسب ما جاء في الموقف السياسي للحزب الشيوعي الإيراني في الخارج، فإن "رأس الأفعى الذي نفذ عملية الاغتيال قد أطل من البيت الأبيض وهو معروف وقد جاهر بعمله وقراره، إلا أن المطلوب هو البحث عن ذيل الأفعى الموجود في طهران".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فخروج أو إخراج سليماني من معادلة السلطة في إيران يشكل ذروة المعركة الداخلية بين تيارات السلطة، خصوصاً بعد تعاظم دوره الداخلي وتفرده في إدارة الملفات الإقليمية والدولية. وقد وصل تأثيره إلى حد متقدم، بحيث بات يتحكم في رسم سياسات وزارة الخارجية للدولة والنظام. وقد قاد سياسة خارجية موازية للإدارة الدبلوماسية لمؤسسة الدولة الرسمية.

وتجاوز دور سليماني المؤسسة التي ينتمي إليها، إذ لم يكن خاضعاً لآلياتها، ولم يكن ملزماً بالعودة إليها، بل استطاع العبور فوقها. وهي كانت عاجزة عن مساءلته، لكونها لا تشكل مرجعيته الإدارية والسياسية، لكونه مرتبطاً مباشرة بالمرشد الأعلى من دون المرور بهذه المؤسسة وآلياتها. بل تحولت بكل ما تملك من قدرات وإمكانات إلى منفّذ لما يريده ويخطط له ويرسمه من سياسات واستراتيجيات داخلية وإقليمية.

من هنا، فإن قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب باقتناص الفرصة وتنفيذ عملية اغتيال سليماني في القرب من مطار العاصمة العراقية، مثّل إخراجاً لرأس المشروع الإقليمي للنظام الإيراني من المعادلة في الشرق الأوسط، وإرباكاً للمحور الذي يقوده وزعزعته. إلا أنه أيضاً شكّل بكثير من الخبث السياسي نوعاً من الخدمة لتيار داخلي كان يرى في سليماني خطراً على موقعه ومصالحه داخل النظام ومستقبل السلطة. من دون أن يعني ذلك عدم التوقف عند الآثار السلبية والنفسية لهذا الاغتيال، وما تركه من آثار نفسية وسياسية وأمنية وعسكرية على النظام ومشروعه الداخلي والإقليمي. وبالتالي، فإن المبالغة في إحياء ذكرى اغتياله وتعظيمها وتوزيع المشاركة فيها على مساحة دول ومناطق النفوذ الإيراني، قد تكون محاولة للتعويض النفسي عن هذه الآثار السلبية.

التشكيك بوجود أدوار لأطراف غير أميركية في عملية اغتيال سليماني لم يقف عند الإيحاءات إلى الداخل الإيراني، بل تعداها إلى التلميح إلى مشاركين إقليميين ودوليين. ومن ذلك القول بوجود مَن ساعد ضمن الأجهزة العراقية في عملية الاغتيال، بل تعدّى الأمر ذلك إلى اتهام الشريك والحليف الروسي، كما أشار الناشط السياسي الإصلاحي فياض زاهد، الذي قال "هل تعتقدون بأن أميركا اغتالت الجنرال سليماني من دون تعاون روسي؟".

المزيد من تحلیل