Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تحطمت بفعل عقد من حكم حزب المحافظين

لم تقرر تحدياتها الأساسية في ضوء المصلحة الوطنية، بل بالاستناد إلى انقسامات حزبية داخلية

بوريس جونسون داخل مركز للتلقيح في حرم "الجامعة المفتوحة" في بلدة "ميلتون كاينس" شمال غربي لندن (أ ف ب)

هناك سبب واضح للفوضى التي تعيشها البلاد حالياً، اسمه حزب المحافظين. لقد مكث في السلطة أكثر من عقد من الزمن. ويُعتبر ذلك عقداً ضائعاً. إنه عقد ذهب هباءً، إذ جرى فيه تقرير الخيارات والتحديات الكبرى التي يجب مواجهتها، على أساس الانقسامات الداخلية لحزب المحافظين التعيس وصعوباته، وليس في ضوء المصلحة الوطنية.

   إنها "ألف باء سي" [تلخص هذه التحديات]. ويرمز الألف إلى التقشف والباء إلى "بريكست" و"سي" تمثل "كوفيد". ليس عليك سوى أن ترسم دوائر مخطط "فِن" الحسابي [تظهر الدوائر في ذلك المخطط، التقاطع بين الأرقام والمعطيات] لأعضاء البرلمان الذين جادلوا بالشكل الأقوى من أجل تطبيق التقشف، وحاربوا من دون كلل في سبيل تنفيذ "بريكست" القاسي [الانسحاب من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة والاتحاد الاوروبي]، وهم الآن يطالبون بوضع سياسة خاصة بشأن كورونا على أساس سياسات [عضوا البرلمان عن حزب المحافظين] ستيف بيكر وإيستر ماكفي بدلاً من خبرة [كبير أطباء إنجلترا] كريس ويتي و[المستشار العلمي الرئيس للحكومة] باتريك فالانس، وسترى في مركز ذلك المخطط الذي رسمته، أعضاء البرلمان المحافظين أنفسهم الذين كانوا يوماً ما هامشيين وباتوا حالياً يتخذون القرارات المهمة في الحزب الحاكم.

   ربما كانت ماكفي غير حكيمة حينما أفصحت عن ذلك بصوت عالٍ، بيد أنها أصابت في إشارتها إلى أن تمرد المحافظين بشأن "الخطة ب" المتعلقة بقيود كورونا، ترك تأثيراً في قرار مجلس الوزراء بتجنب "الخطة سي". مع ذلك، ومجدداً، يبدو أنه يجري تقرير السياسة حول قضايا وطنية أساسية ليس وفقاً للحقائق والحجج، بل اعتماداً على سياسات حزب المحافظين الداخلية.

   بطبيعة الحال، ينبغي لبوريس جونسون أن يرحل. إنه فاسد ولا يتمتع بالكفاءة، وقد فُضِح الفراغ الأخلاقي الذي يتسم به. في المقابل، إنه يمثّل أحد الأعراض الناجمة عن [المشكلة التي يجسدها] حزب المحافظين وسياساته، إضافة إلى كون جونسون رمزاً شنيعاً لذلك العقد المهدور من الزمن. ولا يمكن السماح للمحافظين أن يؤدوا اللعبة الخادعة المفضلة لديهم من خلال الادعاء بأن تغيير الزعيم يعتبر بشكل ما، تبديلاً للحكومة. يجب على حزب العمال ألا يدع ذلك الأمر ينطلي عليه، لأن هذه ستكون الحيلة التي سيلجأون إليها بشكل يكاد يكون مؤكداً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

   واستطراداً، فلنكتَفِ بتذكير أنفسنا بسنوات [حكم] المحافظين العشر. في البداية، كان لدينا ديفيد كاميرون وجورج أوزبورن اللذين كانت سياستهما الخاصة بالتقشف سلسلة من الخيارات السياسية الوحشية التي جرى تمويهها  على شكل ضرورة اقتصادية، ونلمس حالياً تداعياتها من خلال صعوبات تواجهها الدولة التي ذبلت وتضاءل حجمها في إدارة الجائحة.

   ثم جاء تعهد كاميرون بتنظيم الاستفتاء، ولم يأتِ ذلك لأن البلاد احتاجته أو أرادته، بل لترضية المناهضين لأوروبا، ودعم جناح اليمين في حزبه. وكان ذلك مجدياً على المدى القصير، لأنه ساعده على إزاحة أوروبا من الأجندة، والفوز في الانتخابات، والتخلص من حزب "الديمقراطيين الأحرار"، شريكه في الائتلاف، والحكم بمفرده.

   في المقابل، كمنت المشكلة في أنه اضطر بعد فوزه في الانتخابات إلى تنظيم الاستفتاء، وعندها انفجرت فجأة الانقسامات الحزبية مرة أخرى. وقرر جونسون أن مصلحته الخاصة تتعارض مع المصلحة الوطنية، واختار بشكل حتمي العمل على تحقيق مصلحته الخاصة. وقد أتت مقامرته بثمارها. وفاز بينما خسر كاميرون. وانطلق جونسون في رحلاته الفاخرة للعمل في عالم جماعات الضغط المربح للغاية، تاركاً تيريزا ماي لتحاول استيعاب ما خلّفه وراءه.

   وفتح ذلك الباب على فصل "بريكست يعني بريكست"، و"إرادة الشعب"، ضمن تلك القصة من الانحطاط الوطني. عيّنت ماي، ديفيد ديفيز كوزير لـ"بريكست"، لكنه فشل في إدراك أن [حل] التعقيدات التي ينطوي عليها العثور على صفقة يتطلب أكثر من القدرة على إجراء مقابلة في برنامج "توداي" بخيلاء وسعادة.

   وبعدما أكد للعالم أن الوصول إلى الذُرى التي يغمرها ضوء الشمس سيكون أمراً بسيطاً، سرعان ما اكتشف ديفيز أن التفاصيل لم تكُن سهلة على الرغم من سهولة الوعود. وحين عجز عن العثور على طريقة للمزاوجة بين الادعاءات الكبيرة التي أُطلقت من أجل "بريكست"، وبين حقيقة ما يعنيه فعلاً شعار "بريكست يعني بريكست"، سلك ديفيز حينها الطريق الأسهل للخلاص، ومضى تاركاً وراءه الخرافات [التي وعد أنصار "بريكست" بتحقيقها].

   ثم دخل دومينيك راب الميدان. واستؤنف السعي إلى تحقيق الخرافات ذاتها. ثم تكررت الخاتمة نفسها. فقد غادر المنصب، وحل بديلاً منه ستيفن باركلي الذي ضاع في تناقضات "بريكست" إلى درجة أن انتهى به الأمر إلى التصويت ضد مذكرة كان هو شخصياً قد جادل في مجلس العموم لإقرارها.

   وبمجرد إطاحة تريزا ماي، وحلول جونسون محلها ثم فوزه بتفويضه الخاص على أساس التعهد بـ"تنفيذ بريكست" مع "صفقة جاهزة [للطبخ في] الفرن"، أمسك الموظف غير المنتخب ديفيد فروست بزمام الأمور. ولم يتبيّن سوى أن الصفقة تحتاج إلى مزيد من الطبخ. وعلى الرغم من احتفاء جونسون وفروست وجماعتهما بها كصفقة "عظيمة"، فقد اتضح لهم مع الانتهاء منها، أنهم أخلّوا بمجموعة جديدة كاملة من الوعود من أجل الحصول عليها، مع احتمال وجود تداعيات كارثية بالنسبة إلى عملية السلام في إيرلندا الشمالية. هكذا، لم يكُن من الممكن حل المشكلة المستحيلة المتمثّلة في تربيع دائرة "بريكست"، وذلك ما حذّر منه [رئيسا الوزراء السابقان] جون ميجور وتوني بلير. وبعد عام من تلك الاحتفالات، غادر فروست منصبه أيضاً.

   وإذ بات فروست في هذه المرحلة عضواً في مجلس اللوردات بعد ترقيته إلى تلك المرتبة، وكذلك أصبح موضع حفاوة لدى فئة "يمين التحرير" في الحزب، التي ضغطت لتحقيق "بريكست" قاسٍ حينما كان جونسون لا يزال ينشد المدائح للسوق الموحدة، فقد رأى فروست نفسه أكثر بكثير من مجرد موظف معني بـ"بريكست". ولم يعجبه المضي على الطريق المذل للفشل البسيط الذي سلكه ثلاثة ممن سبقوه على المنصب ذاته. وتوجّب عليه أن يجد لنفسه سبباً أكبر، فاختار قيود "كوفيد" والضرائب المرتفعة ودور الدولة، مع ملاحظة أن تلك الأمور تمثّل المناقشات التي يركّز عليها أولئك الذين يناورون من أجل الحلول محل جونسون، خصوصاً ريشي سوناك وليز تروس. ويشكّل ذلك كله تغطية لاكتشافه [فروست] فعلاً أن السعي إلى تحقيق الخرافات لا طائل منه.

   هكذا لجأ جونسون إلى وضع [وزيرة الخارجية] تروس، وهي من مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي السابقين الانتهازيين، بديلاً من فروست. ولا يعود السبب في ذلك إلى أنها الشخص الأكثر قدرة، بل لأنها تتمتع بالشعبية في الحزب. واستطراداً، إذا استطاعت تروس أن تؤدي المهمة جيداً، سيساعد ذلك الحكومة، وإن أدّتها بشكل رديء، فإن هذا سيؤدي إلى استبعادها من المنافسة على زعامة الحزب. وكانت تصريحاتها الأولى، نسخة طبق الأصل تقريباً عن وجهة النظر الخرافية التي تحدث أسلافها الأربعة الفاشلون عن تحقيقها، لأن ذلك هو "ما يريد الحزب أن يسمعه"، وذلك هو جلّ ما يراعونه.

   وفي هذه الأثناء، يوجه "بريكست" ضربة بـ4 في المئة إلى الاقتصاد، أي ضعف الأثر الذي أحدثه كورونا. وفيما يهذي فروست منتقداً الزيادات الضريبية الأخيرة، فإنه يبدو كمن يفتقر إلى المعرفة والتواضع اللازمين لفهم أن "بريكست" هو الذي جعل زيادات كتلك لا مناص منها. ولا يكفي "بريكست" وحده لتفسير التضخم المرتفع والضرائب المتزايدة والنمو والإنتاجية القليلين وركود معايير المعيشة الحقيقية والفوضى بالنسبة إلى كثير من الأعمال التجارية الكبيرة والصغيرة، وفي بعض الأحيان لقطاعات بأكملها. في المقابل، يشكّل "بريكست" العامل الأكبر في حصولها بشكل مؤكد، والقول إنه "لا علاقة لهذا ببريكست نهائياً"، يمثّل الفقرة الأخيرة في السلسلة الطويلة من أكاذيب عصبة "بريكست".

   وكخلاصة، إن جونسون غارق في الفوضى حتى أذنيه سياسياً بسبب أكاذيبه حول ورق الجدارن [إشارة إلى تكلفة تجديد منزله] وحفلات عيد الميلاد. إلا أن آثار الأكاذيب الأكبر بكثير التي قيلت حول "بريكست" قبل الاستفتاء وخلاله وبعد إجرائه، ستبقى معنا للأسف بعد رحيله بوقت طويل، وحين يكون النسيان قد طوى حفلات الميلاد. وصل كاميرون إلى السلطة، جزئياً، بسبب ترويجه أسطورة "بريطانيا المحطمة". وثمة خطر في أن يجعل "بريكست" تلك الأسطورة حقيقة، وهؤلاء الذين تسببوا بذلك عليهم أن يدفعوا ثمناً أضخم بكثير من مجرد إخراج جونسون من رئاسة الحكومة، وتنصيب شخصية انتهازية أخرى من حزب المحافظين، في مكانه. إذا كانت بريطانيا تتحطم، فهذا لأن حزب المحافظين و"بريكست" تسببا في تحطيمها.

© The Independent

المزيد من آراء