Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يقيم الأميركيون العام الأول من حكم بايدن؟

تباينات حول الأداء السياسي والاقتصادي والملفات الداخلية

بايدن وزوجته جيل برفقة كلبهما الجديد قرب منزلهما في ولاية ديلاوير (رويترز)

تتباين تقييمات الأميركيين للسنة الأولى من حكم الرئيس جو بايدن، التي يستكملها في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، فبينما يرى البعض أنه أنجز الكثير بقراراته التنفيذية ونجاحه في إقرار مشروع البنية التحتية وإعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي وتعزيز علاقات أميركا مع العالم، يعتبر آخرون أن بايدن فشل في إنجاز الكثير من الخطط وتسبب في زيادة التضخم، كما أدى الخروج المهين للقوات الأميركية من أفغانستان إلى الإضرار بصورة واشنطن وزيادة شكوك الحلفاء تجاهها. فما أبرز تقييمات السنة الأولى للرئيس بايدن؟

منذ البداية

منذ أن وطئت قدماه البيت الأبيض، اعتقد بايدن أن العديد من أصدقائه القدامى في مجلس الشيوخ من الديمقراطيين والجمهوريين، بالإضافة إلى خبرته التي امتدت نحو نصف قرن كصانع للصفقات في العاصمة الأميركية، ستسهّل عليه إنجاز المهمات، لكنه واجه عالماً مضطرباً في الداخل والخارج، فلم ينجح في توحيد الجمهوريين والديمقراطيين سوى مرة واحدة فقط لتمرير قانون البنية التحتية، وفي خضم جائحة "كوفيد-19" التي أوصلت الاقتصاد إلى طريق مسدود، ووسط عالم متغيّر تلاطمه أمواج السياسة المتقلبة، ظلت تحديات عدة ماثلة، أبرزها التضخم الذي هوى بشعبيته إلى 43 في المئة فقط، وهي أسوأ نسبة لأي رئيس في عامه الأول باستثناء دونالد ترمب الذي سجل نسبة تأييد بلغت 39 في المئة في نهاية عامه الأول.

السياسة الخارجية

واجه الرئيس الأميركي عالماً مضطرباً خلال سنته الأولى في منصبه، فاحتدمت التوترات مع الصين وروسيا حول مناطق النفوذ والتنافس، وأضر الانسحاب العشوائي القاتل للولايات المتحدة من أفغانستان بصورته في الداخل الأميركي وحول العالم، كما أدى تعثر المفاوضات مع إيران على مدى أشهر حول ملفها النووي، والانسحاب النسبي لأميركا من الشرق الأوسط، فضلاً عن فشل الدبلوماسية الأميركية في وقف الحرب الأهلية في إثيوبيا، إلى زيادة الشكوك حول مدى فعالية ونجاعة سياسة واشنطن الخارجية الأميركية.
ومع ذلك يرى باحثون ومراقبون أن إدارة الرئيس بايدن نجحت في ترميم العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، واستعادت تحالفاتها مع شركاء حلف الناتو في المحيطين الهندي والهادي، بعد أن تعامل معهم بيد مخملية عقب سنوات من عدم الثقة، التي نتجت عن تعامل ترمب معهم بقبضة من حديد.
وفي حين واجه بايدن ضغوطاً واسعة من اليسار واليمين داخل واشنطن ليكون أكثر تحفظاً تجاه صعود الصين وتهديد روسيا مرة أخرى لأوكرانيا، إلا أن سياسته المرتكزة على استضافة ما يسمى بالتجمعات الجانبية المصغرة، مثل الحوار الأمني ​​الرباعي الذي يضم أستراليا واليابان والهند، ساعدته في مواجهة استعراض العضلات الصيني.

مخاوف الحلفاء

لكن مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قالت في تقرير لها، إن الابتسامات والعناق بين إدارة بايدن وأوروبا، لم يكونا كافيين لتبديد مخاوف الأوروبيين، فمن ناحية، كان العديد من المسؤولين والدبلوماسيين قلقين بشأن حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة، بعدما هاجم متشددون مؤيدون لترمب مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير الماضي، في محاولة لقلب نتيجة انتخابه، ومن ناحية أخرى، شكا المسؤولون الأوروبيون من علمهم بقرار بايدن سحب القوات الأميركية من أفغانستان عبر تقارير إعلامية، ما تسبب بموجة غضب داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) وترَك قادة الكتلة الأمنية المكونة من 30 دولة، في وضع البحث عن الذات بعد 20 عاماً من الصراع، بسبب التفكير بالتمني (wishful thinking)، والتخطيط السيئ، والبيروقراطيات التي جعلت الموقف الصعب أكثر سوءاً.
وبعد أسابيع قليلة برزت أزمة دبلوماسية أخرى مع أحد أقرب حلفاء أميركا، حين سحبت فرنسا سفيرها في واشنطن احتجاجاً على صفقة غواصات تحالف "أوكوس"، قبل أيام فقط من إدلاء بايدن بأول خطاب له من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الصفقة التي تسببت بخسارة فرنسا مليارات الدولارات بعدما تراجعت أستراليا عن صفقة غواصات فرنسية نتيجة اتفاق أميركي - بريطاني لتزويد كانبيرا بغواصات أحدث تعمل بالطاقة النووية.
ولا يزال التحدي الروسي - الصيني ماثلاً في شرق أوروبا وفي تايوان وشرق آسيا وعلى صعيد تطوير الأسلحة والصواريخ الحديثة، ما سيضع إدارة بايدن في اختبارات مستمرة خلال سنواته الثلاث المقبلة في البيت الأبيض.

الأداء الاقتصادي

ويعتبر الجمهوريون والمحافظون أن أداء الرئيس بايدن لم يكن أفضل من ترمب، بل أصبح الأمر أسوأ بكثير، فمعدل التضخم ارتفع إلى 6.8 في المئة ووصل إلى أعلى نقطة له منذ عام 1982، وارتفعت أسعار وقود السيارات إلى ثلاثة دولارات أو أكثر بعدما أغلق الرئيس أحد خطوط الأنابيب الرئيسة، واستشهدت مقالة افتتاحية في صحيفة "وول ستريت جورنال" بـمعايير الطاقة المتجددة كمساهم إضافي في ارتفاع أسعار الوقود. غير أن الديمقراطيين وعدد من المتفائلين يرون صورة مختلفة للاقتصاد، ويقولون إن بايدن يواجه الآن التداعيات السياسية للتضخم المتسارع من أعطال سلسلة التوريد العالمية المرتبطة بوباء كورونا، على الرغم من أن التضخم وأسعار الفائدة المستقرة هي مسؤولية مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، الذي أبدى استعداده لتشديد السياسة النقدية في عام 2022.
وعلى عكس تقديرات المحافظين، تشير تقارير اقتصادية إلى أن الأسواق المالية الأميركية تتفوق على أسواق العالم بمقدار 6.3 نقطة مئوية، وهو أكبر هامش منذ عام 1988، كما عزّز الدولار من قيمته هذا العام بنسبة تجاوزت سبعة في المئة، بسبب تحسّن الاقتصاد الأميركي في الأشهر الاثني عشر الأولى من حكم بايدن أكثر من أي رئيس أميركي آخر خلال الـ50 عاماً الماضية، على الرغم من الرواية الإعلامية المخالفة التي أسهمت في إثارة الرأي العام المتشدد.
ويشير هؤلاء إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أو المعدَّل حسب التضخم، ارتفع بمعدل سنوي متوسط ​​قدره 5.03 في المئة لكل من الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021، ويستعد للتوسع بنسبة 5.6 في المئة على مستوى العام، بناءً على تقديرات أكثر من 80 باحثاً اقتصادياً نشرها موقع "بلومبيرغ" الاقتصادي.

في موقع الصدارة

وهذا من شأنه أن يجعل السنة الأولى لبايدن في البيت الأبيض تحتل موقع الصدارة بين الرؤساء السبعة السابقين، استناداً إلى عشرة مؤشرات سوقية واقتصادية وفقاً للبيانات التي جمعها موقع "بلومبيرغ"، حيث لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي في كل إدارة خلال العقود الأربعة الماضية نسبة 2.74 في المئة إلا هذا العام 2021، بل إن بايدن بات في وضع الآن يمكّنه من تجاوز الرئيس جيمي كارتر باعتباره بطل الناتج المحلي الإجمالي للرؤساء منذ عام 1976.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعود الكثير من الفضل في تحسّن النمو إلى خطة الإنقاذ الأميركية التي أقرّتها إدارة بايدن والديمقراطيين بعد وصوله إلى الحكم، إذ ضخت 66 مليار دولار في جيوب 36 مليون أسرة، وخفضت معدل فقر الأطفال بنسبة 50 في المئة، كما نفعت الشركات الأميركية التي لم تكن في وضع أفضل مما كانت عليه في عهد بايدن، إذ تدفقت جهود دعم المستهلكين لتصب في صالح الشركات الأميركية، التي تتمتع بهوامش ربح بلغت نحو 15 في المئة، وهو الهامش الأوسع منذ عام 1950، وفقاً لمكتب التحليل الاقتصادي.
وعلاوةً على ذلك زادت معدلات الإنتاجية وتراجعت معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، في حين يتوقع باحثون اقتصاديون أن تمتد الأوقات الجيدة إلى عام 2022، مع بدء تفعيل قانون بايدن للاستثمار في البنية التحتية وفرص العمل، الذي يبلغ 1.2 تريليون دولار أميركي، ما سيعود بخير أوفر على الاقتصاد والعمالة، لأنه سيعيد بناء الطرق والجسور في البلاد بالإضافة إلى تمويل مبادرات المناخ والإنترنت ذات النطاق العريض التي تسهم في خلق المزيد من فرص العمل.

مكافحة الوباء

وظلت ملفات داخلية عدة محل خلاف في الولايات المتحدة بين مؤيدي بايدن ومعارضيه وبخاصة ما يتعلق بسياساته لمكافحة الجائحة، إذ استهل الرئيس عام حكمه مع بدء توزيع اللقاحات، وسط انغماس الأميركيين في التفاؤل وبأن اللحظة المشرقة لانتهاء الوباء الذي شل الحياة الأميركية، توشك على الاقتراب، إلا أن استمرار تردد الكثيرين في تلقي اللقاح ورفض نحو 15 في المئة من البالغين ذلك، معظمهم من الجمهوريين البيض، جعل من الصعب الوصول إلى مناعة القطيع، وهي النقطة التي يتوقف عندها الفيروس عن الانتشار.
وعلى الرغم من أن أحد الحلول التي غامر بها بايدن هو إجبار أصحاب العمل من الشركات الكبرى على فرض اللقاح على موظفيهم، فإن رد الفعل كان شرساً ومثيراً للتقاضي، ومع ظهور متحورة "أوميكرون" وانتشارها بشدة حالياً في الولايات المتحدة، واحتمال تمديد سنة أخرى من إغلاق المدارس، يرى خصوم بايدن أنه فشل في تثبيط "كوفيد-19" أو حتى توفير الأمل للمستقبل، كما تصفه نيكول راسل في صحيفة "واشنطن إكزامينر".

صراعات داخلية

ولم تقتصر الصراعات الداخلية التي تعوق حكم بايدن على الخلافات المتوقعة بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل امتدت إلى داخل الحزب الديمقراطي الذي عانى انقساماً عنيفاً بين اليسار التقدمي والتيار المعتدل، إذ استمر الخلاف على مدى أشهر حول حزمة الإنفاق الاجتماعي المثيرة للجدل التي تصل إلى نحو تريليونَي دولار، ووصلت في النهاية إلى طريق مسدود، حينما أعلن السيناتور الوسطي جو مانشين أنه سيرفضها إذا طُرحت على التصويت في مجلس الشيوخ، ما وجّه ضربة قاتلة للمشروع الذي يراهن عليه بايدن كثيراً لتحسين شعبيته المنهارة.
وعلاوةً على ذلك، لا تزال أجندة بايدن وقراراته التنفيذية التي اتخذها منذ وصوله البيت الأبيض تثير الجدل، وبخاصة إزاء ملف الهجرة، إذ أوقف سياسة سلفه ترمب المعروفة باسم "ابق في المكسيك"، ما خلق أكبر موجة من المهاجرين على حدود الولايات المتحدة منذ أكثر من 20 عاماً، وأجبر حاكم ولاية تكساس الجمهوري على تعزيز دوريات الحدود وبناء جدار عازل.
وفي حين خفتت قليلاً الأصوات المناهضة للتغير المناخي، إلا أنه لا تزال هناك العديد من الخلافات مشتعلة حول قضايا ثقافية أخرى، مثل الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن في أول يوم له في الحكم حول مكافحة التمييز على أساس الهوية الجنسية أو التوجه الجنسي، ورغبته حتى الآن في طرح مشاريع قوانين، مثل قانون المساواة، الذي من شأنه أن يقلب الأعراف المجتمعية حول النوع الاجتماعي، ويعاقب الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر محافظة وتقليدية حول هذه الموضوعات.

المزيد من تقارير