Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سيناريوهات إبعاد الجيش السوداني عن الحكم؟

شهدت الخرطوم وعشرات المدن مسيرات حاشدة في الذكرى الثالثة لاندلاع شرارة الثورة في 19 ديسمبر 2018

وضعت الحشود السودانية الضخمة التي خرجت في مسيرة 19 ديسمبر (كانون الأول) الشراكة مع المكون العسكري أمام اختبار صعب، ونادت الحشود الهادرة التي احتلت باحة القصر الجمهوري (الرئاسي) في العاصمة الخرطوم، ساعات طوالاً، بإبعاد العسكر عن المشهد السياسي في البلاد، وإفساح الحكم للمدنيين، لكن ثمة تساؤلات في حاجة إلى إجابة شافية، وهي: ما انعكاسات ما حدث من تظاهرات حاشدة على المشهد السياسي الراهن بعد أن وصل الحراك الجماهيري إلى ذروته؟ وكيف سيكون مستقبل الشراكة مع العسكريين خلال الفترة المقبلة في ظل الرفض الكامل لها واستمرار برنامج التصعيد الثوري؟ وهل ستكون هناك صيغة لرؤية جديدة تقود الفترة الانتقالية المتبقية؟ وما السيناريوهات المتوقعة لشكل الحكم المقبل في ظل التطورات المتسارعة في المشهد السوداني؟

أهمية الشراكة

في هذا السياق، قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية، عبدالجليل الباشا، "صحيح أن شعارات الشارع السوداني، وما صاحبها من حشود غير مسبوقة في تاريخ الثورات السودانية التي حدثت في 1964 و1985 كانت قوية جداً لجهة المطالبة بإزالة العسكر من السلطة الحالية، وهذا أمر طبيعي نتيجة للشحن الزائد في تعامل الأجهزة العسكرية والأمنية مع المتظاهرين في الفترات الماضية، ما أدى إلى سقوط أكثر من 40 قتيلاً ومئات الجرحى الذين تعرضوا لإصابات متفاوتة، لكن مع ذلك، أرى أن الشراكة مع المكون العسكري في هذا الوقت مهمة جداً من أجل الانتقال السلس لحكم ديمقراطي كامل الأركان، عبر أسس وضوابط وصلاحيات محددة، فضلاً عن هشاشة الوضع الأمني في البلاد، ومساهمة الجيش في الثورة السودانية".

وتابع الباشا، "في نظري، إن رسالة الشارع السوداني برفع سقف المطالب بذهاب العسكر من المسرح السياسي تأتي في سياق رفض الانقلابات العسكرية، وتحقيق تحول وانتقال ديمقراطي بإيجاد حكومة مدنية كاملة السلطات والصلاحيات، بالتالي، الشراكة مع العسكريين ستكون في إطار تحقيق مطالب الشارع، وهذا لن يحدث إلا بعد تعديل المسار للفترة الانتقالية من خلال استعادة الوثيقة الدستورية بشكلها الكامل قبل انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وتحديد مهام الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية بشكل واضح ودقيق".

تنحٍّ محدود

في المقابل، أوضح المحلل السياسي السوداني، الزمزمي بشير، أن "وجود العسكريين في الفترة الانتقالية الحالية أمر ضروري ومهم، لأنه يقي البلاد شر الانقلابات العسكرية، وحدوث أي نوع من الفوضى والانفلات الأمني، بالتالي استقرار السودان كهدف سامٍ ومهم للغاية، لكن بالنظر للأعداد الكبيرة التي خرجت في مليونية 19 ديسمبر، وهو أمر يصعب الاستهانة به، فقد يتكرر ويتواصل خلال الأيام المقبلة، فلا بد من تنحٍّ محدود للقيادة العسكرية، وليس كاملاً حتى يهدأ الشارع، لأنه من دون حدوث تنازل من جانب المكون العسكري، فالمشهد السوداني سيتعرض لهزة كبيرة".

أضاف بشير، "دائماً ما نلحظ أن الشعارات التي ترفع من قبل الجماهير بخاصة التي تعبر عن الانسداد التام مثل (لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية مع العسكر) لا تُبنى على حقائق، فالوضع الحالي لا يسمح بتأسيس شراكة من دون عسكر، وإلا سينقضّ العسكريون على الحكم، إضافة إلى أن الشراكة القائمة الآن في الحالة السودانية هي جزء من الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد". ولفت إلى أن معادلات الجيش صعبة جداً، فهو يعد صمام الأمان لحماية وحدة الدولة السودانية من الانزلاق والانهيار، إذ تنتفي فيه القبلية والجهوية والحزبية والأحقاد، وغيرها من الصفات والخصال السالبة في المجتمع، كما أنه خلال فترات الحكم العسكري السابقة، كانت الشراكة المدنية حاضرة، بالتالي لا بد أن يعي الشباب الثائر أن استفزاز الجيش خطر وأمر غير محمود، بخاصة أن عمر الفترة الانتقالية أصبح قصيراً جداً للوصول إلى انتخابات عامة تفسح المجال لحكم مدني كامل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوقع المحلل السياسي أن يؤدي تشكيل الحكومة المقبلة من الكفاءات المستقلة وعودة الدعم الدولي، وكذلك المساندة الإقليمية إلى انحسار التظاهرات، لأن ما يحدث من فراغ في السلطة أسهم في حال الاحتقان وهيجان الشارع بشكل كبير، فلا بد من استعجال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في إعلان حكومته بالسرعة المطلوبة، لأن هناك كثيراً من المشكلات العالقة التي تتطلب التدخل السريع حتى لا تتفاقم أكثر.

وحدة الجيش

في سياق آخر، أشار رئيس أركان القوات البحرية السودانية سابقاً الفريق أول ركن فتح الرحمن محيي الدين صالح، أنه غير وارد حدوث أي تغيير في القيادة العسكرية الحالية استجابة لشعارات الشارع السوداني الذي خرج في التظاهرات الأخيرة، وآخرها في تظاهرات 19 ديسمبر، مؤكداً أن الجيش السوداني موحد خلف قيادته بنسبة مئة في المئة، وبيّن أن إبعاد المكون العسكري من الحكم له تأثير مباشر على القوات المسلحة والوطن، لأن وجود هذا المكون فرضته شراكة جاءت بموجب دوره بانحيازه للثورة الشعبية التي توّجت بتوقيع الوثيقة الدستورية، وأصبح العسكريون والمدنيون شركاء في هذه الفترة الانتقالية، بالتالي من الصعب إبعاد أي طرف للآخر من الحكم.

الوصول إلى القصر الرئاسي

وشهدت الخرطوم وعشرات المدن السودانية، الأحد، مسيرات حاشدة، في الذكرى الثالثة لاندلاع شرارة الثورة في 19 ديسمبر 2018، التي مهّدت للإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، وتمكّن آلاف المحتجين السودانيين من الوصول إلى محيط القصر الرئاسي في وسط العاصمة، على الرغم من الوجود الأمني الكثيف وإغلاق الجسور والاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي والصوتي، كما حول المحتجون الاعتصام أمام باحة القصر، لكن تصدّت لهم القوات الأمنية بعنف مفرط أدى إلى إصابة 123 متظاهراً، بحسب وزارة الصحة السودانية على صفحتها على "فيسبوك"، منها 121 إصابة بولاية الخرطوم، وإصابتان بولاية كسلا، وأكدت الوزارة عدم تسجيل أي حالة وفاة في كل ولايات السودان.

وكانت السلطات السودانية أغلقت، الأحد، جسوراً تربط وسط الخرطوم بضاحيتي أم درمان وبحري غرب وشمال العاصمة، تحسباً لتظاهرات بدعوة من منظمات سياسية ونقابية ضد انقلاب 25 أكتوبر.

الخوف من الانزلاق

وحذر عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء من "انزلاق البلاد نحو الهاوية" في الذكرى الثالثة لـ"الثورة" التي أسقطت عمر البشير بعد أربعة أشهر من اندلاعها، وقال في كلمة وجهها إلى السودانيين، مساء السبت، وأرسل نصها إلى وسائل الإعلام، "نواجه اليوم تراجعاً كبيراً في مسيرة ثورتنا يهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها، وينذر ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تبقي لنا وطناً ولا ثورة".

وعبر رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، في كلمة له بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر، عن أمله بالوصول في نهاية المرحلة الانتقالية إلى تشكيل حكومة منتخبة تقود إلى تجاوز الخلافات ووحدة الصف. ولفت البرهان إلى أن تحقيق غايات الشعب السوداني وطموحاته يتلخص في قدرة وعزم أبنائهم على تجاوز الخلافات والتسامي والتسامح، والقدرة على وحدة الصف واستنهاض الهمم، وإعلاء القيم الوطنية، حتى نستكمل تأسيس الدولة السودانية على أسس المواطنة والحرية والعدالة. وتابع، "سنمضي بالروح ذاتها، والعزم ذاته لاستكمال مطالب ثورة ديسمبر المجيدة والعمل مع أبناء الوطن المخلصين، في الوصول إلى غايات الانتقال التي يحلم بها أبناؤنا وبناتنا في إقامة الدولة المدنية المنتخبة، لتتولي إدارة الدولة".

برنامج تصعيدي

وتأتي مليونية 19 ديسمبر مواصلة لبرنامج التصعيد الثوري، الذي أعدّته تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين اللذين يقودان هذا الحراك لشهر ديسمبر الحالي، ضد إجراءات قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان التي أعلنها في 25 أكتوبر، وما تلاها من الاتفاق الذي أبرمه الأخير مع حمدوك، والذي عاد بموجبه لمنصبه رئيساً للوزراء بشرط تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات (التكنوقراط).

وتضمن البرنامج التصعيدي لشهر ديسمبر تنظيم خمس مسيرات بدأت أولاها في السادس من ديسمبر، والثانية في 13 ديسمبر، والثالثة كانت في 19 ديسمبر، والأخريان ستكونان يومي 25 و30 من هذا الشهر، للتنديد بالانقلاب العسكري والمطالبة بإزالة المكون العسكري من الحكم وتسليم السلطة كاملة للمدنيين، فضلاً عن المطالبة بالقصاص لشهداء الثورة، إذ سقط حتى الآن منذ تفجر الأوضاع بعد قرارات البرهان الأخيرة 45 قتيلاً، بحسب اللجنة المركزية لنقابة أطباء السودان.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات