Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المركزي" الأوروبي يواجه أوقاتا عصيبة ويكرر الأخطاء نفسها

يخاطر بإعادة إيقاظ التوترات المالية القديمة في الكتلة وخنق الانتعاش الاقتصادي الناشئ لبعض أعضائه

بدأت معظم البنوك المركزية بسحب سياسات التحفيز السخية التي قدمتها لخفض تكاليف الاقتراض وحماية الاقتصادات من تداعيات الوباء(أ ف ب)

بينما كشفت كريستين لاغارد النقاب عن خطط الأسبوع الماضي لإعادة تصميم الأوراق النقدية باليورو للمرة الأولى منذ إطلاقها قبل عقدين من الزمن، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي "لقد كنا رمزاً ملموساً ومرئياً، فنحن نقف معاً في أوروبا، لا سيما في أوقات الأزمات".

يؤكد تعليق لاغارد على فخرها بالنهج المُوحد الذي اتبعته الدول الأوروبية وصانعو السياسات لمعالجة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، حتى الآن على الأقل، لمنعه من الانزلاق إلى تكرار أزمة الديون في المنطقة عام 2012، والتي هددت بتمزيق اتحاد العملة بصرف النظر.

ومع ذلك فإن التحدي الأصعب الذي يواجهه البنك المركزي الأوروبي لا يزال أمامه، بعد الإشراف على أكبر ضخ للتحفيز النقدي في تاريخ العملة الأوروبية الموحدة، بما في ذلك شراء 2.2 تريليون يورو (2.4 تريليون دولار أميركي) ما عظم السندات الحكومية وكمية مماثلة من القروض المدعومة بشدة للبنوك، في وقت يستعد البنك المركزي راهناً لبدء تقليص دعمه للاقتصاد".

سياسات التحفيز السخية والأخطار

وبدأت معظم البنوك المركزية بالفعل بسحب سياسات التحفيز السخية التي قدمتها لخفض كلف الاقتراض وحماية الاقتصادات من تداعيات الوباء، لكن البنك المركزي الأوروبي الذي لا يزال يعاني ندوب انتقادات لرفع أسعار الفائدة في وقت مبكر جداً في الأزمة الأخيرة، أكثر تردداً من معظمه في التراجع عن دعمه، بعد أن كافح حتى وقت قريب مع سنوات من التضخم المنخفض بشكل غير مريح والنمو البطيء.

كما أن منطقة اليورو لديها التعقيد الإضافي المتمثل في أنه على عكس الاحتياط الفيدرالي الأميركي أو بنك إنجلترا، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يضع سياسات لـ 19 دولة مختلفة، لكل منها اقتصادها، والأهم من ذلك سوق السندات، لذا فإن أي تحول من جانب البنك المركزي الأوروبي إلى سياسة أقل تيسيراً يخاطر بإعادة إيقاظ التوترات المالية القديمة في المنطقة من طريق دفع كلف التمويل للحكومات الأضعف، وخصوصاً إيطاليا، وخنق انتعاشها الاقتصادي الناشئ.

وتتطلب إدارة مرحلة التعافي إجراء موازنة دقيقة من قبل لاغارد وزملائها من صانعي السياسة، وهم يحاولون تجنب الأخطاء التي ارتكبها البنك المركزي الأوروبي عندما رفع أسعار الفائدة قبل الأوان في عام 2011 بينما كانت أزمة الديون في المنطقة تتفجر.

ومع ذلك، إذا انتظر البنك المركزي الأوروبي وقتاً طويلاً لعكس اتجاهه التحفيزي، فإنه يخاطر بفقدان الصدقية وإجباره على تصحيح أكثر إيلاماً في السياسة لاحقاً. قد يحدث هذا إذا لم يتراجع التضخم إلى ما دون الهدف الرئيس للبنك البالغ اثنين في المئة بالسرعة المتوقعة، بعد أن وصل بالفعل إلى مستوى قياسي جديد في منطقة اليورو عند 4.9 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني).

مواصلة شراء السندات

ويتوقع معظم المحللين أن يواصل البنك المركزي الأوروبي شراء السندات ويبقي أسعار الفائدة عميقة في المنطقة السلبية على الأقل حتى عام 2023، لا سيما بعد أن أقر في مراجعة الاستراتيجية أن التضخم قد يتجاوز هدفه لفترة.

ويقول فريدريك دوكروزيت، المحلل الاستراتيجي في إدارة بيستيت للثروات لـ "فايننشال تايمز" إن "هذا وقت عصيب بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي، لأنه إذا فقد الصبر عندما يكون التضخم على وشك الذروة، فإنهم يخاطرون بتقويض استنتاجات مراجعة استراتيجيتهم، ومع ذلك استقرار سوق السندات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين يقول فيتور كونستانسيو، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، والذي يعمل الآن أستاذاً للشؤون المالية في جامعة نافارا في مدريد، "لقد أصبح الوضع أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي".

ويضيف، "السؤال الكبير هو مدى السلاسة التي سيستعد بها البنك المركزي الأوروبي لعواقب الوباء والانتهاء التدريجي من عمليات شراء الأصول".

مضاعفات كورونا

عندما يجتمع البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس فمن المتوقع أن تعلن لاغارد عن الخطوة الأولى في عملية سحب التحفيز ببطء، من خلال تحديد خطط لإنهاء صافي مشتريات السندات في مارس (آذار)، في إطار برنامج شراء الطوارئ الوبائي البالغ 1.85 تريليون يورو (2 مليار دولار أميركي)، والذي أطلقته عندما اجتاح الفيروس العام الماضي.

ما يعقد قرارها هو وصول متحور فيروس كورونا "أوميكرون" الأكثر عدوى في وقت ارتفع فيه معدل الإصابة بفيروس "كوفيد-19" بالفعل إلى مستويات عالية جديدة في أجزاء كثيرة من أوروبا.

ومن المتوقع أن تؤثر العودة لمستويات متفاوتة من الإغلاق في نمو منطقة اليورو التي كانت في طريقها للتعافي من الركود القياسي الذي سُجل العام الماضي بسبب الجائحة في الوقت نفسه. من المرجح أيضاً أن تؤدي الموجة الأخيرة من "أوميكرون" إلى تفاقم اختناقات سلسلة التوريد التي تسببت بالفعل في تراكم كميات هائلة من الحاويات في الموانئ، وزيادات حادة في أسعار العديد من السلع، وكلها يمكن أن تبقي التضخم أعلى لفترة أطول.

تقلص الناتج الاقتصادي لمنطقة اليورو

وبعد تقلص الناتج الاقتصادي في منطقة اليورو بنسبة قياسية بلغت 6.5 في المئة العام الماضي، توقع الاتحاد الأوروبي أنه سيرتفع بنسبة خمسة في المئة هذا العام و4.3 في المئة العام المقبل، وهي أعلى مستويات النمو إلى حد بعيد منذ إطلاق العملة الموحدة منذ أكثر من 20 عاماً.

وتتوقع بروكسل أيضاً أن يظل التضخم في الكتلة أعلى من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ اثنين في المئة للعام الثاني على التوالي عام 2022، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ عقد من الزمن.

ومن المقرر أن يرفع البنك المركزي الأوروبي توقعاته الخاصة بالتضخم هذا الأسبوع، ولكن يبدو أنه مصمم على تجنب أي انعكاس مفاجئ في السياسة. وعندما أبطأ البنك المركزي مشترياته من السندات سبتمبر (أيلول) أنكرت لاغارد أنه بدأ في "تقليصها" إلى الصفر، مرددة صدى رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر بقولها "السيدة لا تتناقص".

وقد تعهدت هذا الشهر بـ "ضمان بقاء الظروف مواتية" لتمويل الحكومات والأسر والشركات، ووصفت الارتفاع الأخير في التضخم بأنه "حدبة" من شأنها أن تنخفض العام المقبل.

شراء السندات وحافية الهاوية

كل هذا يعني أن البنك المركزي الأوروبي يبدو على نحو متزايد وكأنه "متشائم" مقارنة بالعديد من البنوك المركزية، في حين تشير الاستجابة لارتفاع التضخم بشكل أقوى مما توقعوا، إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي وبنك إنجلترا هذا الأسبوع سيوقفان شراء الأصول، ويستعدان لرفع أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة المقبلة.

في المقابل، أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه يتوقع استمرار شراء السندات طوال العام المقبل، وقالت لاغارد إنه من "غير المرجح للغاية" البدء في رفع أسعار الفائدة قبل عام 2023 على أقرب تقدير.

ويتوقع المحللون أن يخفض البنك المركزي الأوروبي "حافة الهاوية" في شراء السندات بعد انتهاء برنامج شراء الطوارئ الوبائي في مارس (آذار) من خلال تكثيف خطة التسهيل الكمي القديمة، والتي لا تزال تجمع 20 مليار يورو ( 22.5 مليار دولار أميركي) من الأصول شهرياً، ويمكن أن تفعل ذلك من طريق زيادة المشتريات الشهرية في إطار المخطط القديم إلى حوالى 40 مليار يورو (45 مليار دولار أميركي) أو من طريق إضافة "مُغلف" إضافي يبلغ عدة مئات من المليارات من اليورو لإنفاقه على مدى بقية العام، حتى إن بعض المسؤولين التنفيذيين في البنك المركزي الأوروبي اقترحوا إبقاء الخيار مفتوحاً لإعادة تشغيل برنامج شراء الطوارئ الوبائي أو إنشاء "صندوق دعم" جديد للتعامل مع أي اضطراب في السوق.

ويشدد آخرون على الحاجة إلى "الاختيارية"، ويأملون بتأخير بعض القرارات بشأن مشتريات السندات في المستقبل حتى فبراير (شباط) 2022.

تقول ماريا ديمرتزيس، نائب مدير مؤسسة "بروإيغيل" الفكرية، "بالنظر إلى أن البنك المركزي الأوروبي قد ارتكب خطأ في الماضي يتمثل في تشديده بسرعة كبيرة، فسوف يخطئ في جانب الحذر هذه المرة".

وأضافت، "إذا رفعوا أسعار الفائدة بسرعة كبيرة فسيخلق ذلك تهديداً مباشراً بالتفتت المالي بينما لا نزال في مرحلة ضعيفة جداً من التعافي، في حين لا تشعر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بهذا القلق".

الخطأ نفسه

ويشترك كثيرون في قلق ديميرتزيس بشأن التجزئة المالية، إذ يمكن أن ترتفع كلف الاقتراض في بلدان منطقة اليورو الأضعف بكثير من تلك الموجودة في البلدان الأكثر أماناً، والتي تنبع من الضعف الأساس في قلب العملة الموحدة، ليبدو وكأنه اتحاد نقدي من دون اتحاد مالي أو نظام مصرفي موحد بالكامل.

وتم الكشف عن الخطأ نفسه في أزمة الديون السيادية في المنطقة عندما أدت مخاوف المستثمرين بشأن مستويات الديون الحكومية المرتفعة والقروض المصرفية السامة إلى ارتفاع كلف الاقتراض بالنسبة إلى البلدان الواقعة في محيط أوروبا، وأجبرت العديد منها على اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي من أجل عمليات الإنقاذ، بما في ذلك اليونان وإسبانيا وإيرلندا والبرتغال.

ويقول سبيروس أندربوليس، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في "بي إن بي باريباس"، الذي اعتاد العمل على السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، "ما يختلف بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي مقارنة بالاحتياط الفيدرالي وبنك إنجلترا، هو خطر التفتت المالي في منطقة اليورو، وليس من الشرعية ديمقراطياً مشاركة الأخطار المالية على نطاق واسع باستخدام موازنتها العمومية".

وعلى الرغم من ارتفاع مستويات الديون مرة أخرى إلى مستويات عالية جديدة في جميع أنحاء منطقة اليورو، يعتقد الاقتصاديون أن أزمة مماثلة من غير المرجح أن تحدث هذه المرة، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الاتحاد الأوروبي يتمتع الآن بموقف مالي أكثر دعماً بعد إطلاق صندوق التعافي بقيمة 800 مليار يورو (901.9 مليار دولار أميركي)، ويمكن هذا المخطط المبتكر بروكسل من إصدار الديون بشكل مركزي وإرسال الأموال إلى الدول الأعضاء لتعزيز آفاقها الاقتصادية بعد الوباء من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة الخضراء والمشاريع الرقمية الجديدة.

أوروبا لديها مزيد من الأدوات الآن لمعالجة وضع مثل الوضع الذي واجهناه قبل عقد من الزمن، لذلك سوف يتطلب الأمر صدمة غير متكافئة أكبر بكثير للتسبب في أزمة مماثلة كما يقول لورنزو بيني سماغي رئيس البنك الفرنسي "سوسيتيه جنرال" الذي كان عضواً في البنك المركزي الأوروبي والمجلس التنفيذي حتى عام 2011.

اقرأ المزيد