Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة سفراء الخليج إلى بيروت تتوقف على "النأي بالنفس" ومكافحة التهريب

وحدة الموقف "بألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية من "حزب الله" هي المفتاح

حقل للحشيشة في شرق لبنان (ا ف ب)

ما كان يأمل به بعض كبار المسؤولين والوزراء في الحكومة اللبنانية من عودة التواصل الدبلوماسي بين لبنان والدول الخليجية إثر اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة في 4 ديسمبر (كانون الأول)، والاتصال الهاتفي الذي تخلله مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، لم يلبث أن تبدّد، نظراً إلى أن الأزمة لا يمكن أن تجد حلاً لها بمجرد اتصال هاتفي، وإلى أن عودة المياه إلى مجاريها تتطلب تدابير عملية وملموسة من الجانب اللبناني، تعالج أسباب الانزعاج السعودي والخليجي عموماً من  السياسات اللبنانية الإقليمية.

وتجمع المصادر الدبلوماسية الغربية والعربية على أن على لبنان أن يبادر إلى إجراءات تظهر جديته في معالجة بعض المسائل الملحة قبل أن تعود الأمور إلى مجاريها في ما يخص العلاقات الدبلوماسية. وعلمت "اندبندت عربية" من مصادر دبلوماسية فرنسية أن عودة سفراء ودبلوماسيي هذه الدول إلى بيروت، وكذلك عودة السفراء اللبنانيين إلى عواصم خليجية طلبت منهم المغادرة، مرهونتان بالخطوات العملية الأولى التي على الحكومة اللبنانية اتخاذها، وربما كانت التدابير العملية المتعلقة بضبط تهريب المخدرات الخطوة الأولى. لكن، يجب عدم التقليل من أهمية عودة لبنان إلى التزام مبدأ "النأي بالنفس" عن أزمات المنطقة ونزاعاتها، والذي كان قد التزمه في حكومة ميقاتي عام 2011، ثم في بيان بعبدا الشهير خلال عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2014، والذي تنصل منه "حزب الله"، ثم أعيد تأكيده في حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2017.

جولة ولي العهد ووحدة الموقف الخليجي

وحدة الموقف الخليجي خلال جولة ولي العهد السعودي في شأن الوضع في لبنان شكّلت امتداداً لما جاء في البيان المشترك الفرنسي - السعودي في ما يخص نقاطاً محددة. والبارز أن البيانات الثنائية التي صدرت في محادثات الأمير محمد بن سلمان في الدول الخليجية الخمس، تضمنت العبارة نفسها التي تؤشر إلى الأسباب العميقة والفعلية للتأزم الذي سعى الرئيس الفرنسي إلى معالجته خلال زيارته جدة.

هي عبارة مفتاح، أو اللازمة، التي يحمل تردادها مؤشراً إلى جوهر المشكلة. وأكد دلالتها السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري، فنشر في 10 ديسمبر فقرة من البيان السعودي - البحريني المشترك. وكتب على حسابه عبر "تويتر"، "أكد بيان مشترك بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين الحرص على تجاوز لبنان أزماته وحصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها كـ(حزب الله)".

القمة الخليجية... ومقتل مسؤول "حزب الله" في مأرب

والدلالة الإضافية إلى أهمية هذه العبارة المكررة في البيانات الخليجية - السعودية، أن تأكيدها جاء قبل 5 أيام من القمة الخليجية المنتظر عقدها في 14 ديسمبر، أي إنها تكرس قاعدة للتعامل حيال الأزمة مع لبنان على أن يبحث القادة الخليجيون مجدداً تلك الأزمة، إضافة إلى قضايا أخرى ذات أهمية إقليمية قصوى على الصعيد الاستراتيجي، منها العلاقة مع إيران وملفها النووي وتدخلاتها في دول المنطقة ودورها في حرب اليمن ودعمها للحوثيين.

ومع انتهاء جولة ولي العهد السعودي بمحطة الكويت، أُعلنت الحكومة اليمنية الشرعية على لسان وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، عن أن القصف المدفعي للجيش اليمني على بعض المواقع غرب مدينة مأرب، أدى إلى مقتل مسؤول في "حزب الله" يدعى أكرم السيد. وقال الإرياني، إن الأخير دخل اليمن في أغسطس (آب) 2017 ضمن مجموعة من الإرهابيين التابعين للحزب، وأرسل في 3 ديسمبر الحالي، مع خبراء الحزب إلى جبهات جنوب مأرب، لقيادة العمليات وتنفيذ مخطط إيراني بتصعيد وتيرة المواجهات في المحافظة".

ولهذا الخبر وقعه إزاء استمرار نفي "حزب الله" أن يكون لديه مقاتلون في اليمن، وأنه يتضامن سياسياً وإعلامياً مع الحوثيين، لكنه لم يكن في مصلحة الفريق الرئاسي اللبناني الذي يرتبك في الإجابة عن الاعتراضات على تدخل الحزب في حرب اليمن، وغيرها. فتارةً يقول إنه لا يوافق عليها، لكنه لا يستطيع منعها، وأخرى يتبنى نفي الحزب إرساله مقاتلين إلى جانب الحوثيين.

السعي اللبناني لإثبات الاستجابة وموقف ميقاتي

العبارة الواردة في البيان الفرنسي - السعودي تتضمن أيضاً ألا يكون لبنان منطلقاً ومصدراً لتجارة المخدرات، وهو أمر بادر ميقاتي إلى الاستجابة له غداة اتصال ماكرون وابن سلمان به، حين ترأس اجتماعاً وزارياً أمنياً موسعاً بحث في تشديد الرقابة على الحدود لمنع تهريب المخدرات إلى السعودية ودول الخليج. مع تردد معلومات عن أن هناك اقتراحاً بالاستعانة بشركة خاصة متخصصة بهذا المضمار لمساعدة لبنان على ملاحقة الحدود ومراقبتها. وفي 11 ديسمبر، أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية عن اكتشاف شحنة 4 ملايين حبة كبتاغون كانت مخبأة في أكياس القهوة لتهريبها إلى السعودية عبر الأردن. كان ذلك إيذاناً من الحكومة اللبنانية بأنها ملتزمة بمواصلة جهود منع تهريب المخدرات التي شكا منها البيان الفرنسي – السعودي، وكذلك البيانات السعودية - الخليجية المتلاحقة، من باب أن لبنان جاد في القيام بما عليه من أجل استعادة الحوار مع المملكة واستكمال مفاعيل الاتصال الذي جرى بينه وبين ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي اليوم نفسه لانتهاء جولة الأمير محمد بن سلمان، سعى ميقاتي إلى ملاقاة المواقف الخليجية المكررة خلال الجولة، فغرد عبر" تويتر": "أثمّن جولة سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والمساعي المستمرة لتعزيز أطر التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية كلها، ولبنان من ضمنها. وأقدّر التأكيد الثابت خلال الجولة على دعم لبنان واللبنانيين، وأن يكون منطلقاً لخير الدول العربية".

حاول ميقاتي الإيحاء بموقفه هذا استمرار التزامه بالسعي للتعاطي مع الاحتجاجات الخليجية على أنها محقة، فهو قد استغل تكرار العبارات عن استعداد الدول الخليجية لدعم لبنان في معالجة أزمته شريطة قيامه بالإصلاحات الشاملة المطلوبة منه، من أجل التشديد على الرغبة في تحسين العلاقات.

وجاءت تغريدة ميقاتي بعد يومين على إعلان وزير الخارجية، عبدالله بوحبيب، في حديث تلفزيوني عن "أننا لم نتوصل بعد إلى عودة العلاقات كما كانت مع السعودية والدول الخليجية وكثير من الشروط لا نستطيع القيام بها. ولفت بوحبيب إلى أنه "لا قدرة لنا في الحكومة على القول لـ"حزب الله" بالتدخل أو عدم التدخل في سوريا أو اليمن، وبحسب ما يقولون لنا إنهم لا يتدخلون".

فميقاتي، في المقابل، يتجنب الخوض في لب المشكلة ذات البعد الإقليمي، ويتفادى التأكيد أن لا قدرة للبنان على أن يثني الحزب عن اشتراكه في حرب اليمن، أو في سوريا، نظراً إلى ضعف الدولة اللبنانية من جهة، ونظراً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى معالجة خارجية، لأن الحزب يأتمر بالقيادة الإيرانية، وجُلّ ما يريده (ميقاتي) هو استعادة العلاقات مع المملكة لإطلاق حوار حول القضايا الشائكة، فيما تسود قناعة لدى معظم القادة اللبنانيين أن البحث في ثني "حزب الله" عن الانخراط في حروب المنطقة ينتظر تغييراً في الموازين داخل السلطة في الانتخابات النيابية المقبلة، ثم الرئاسية، لأن "حزب الله" يتمتع بتغطية حليفه الرئيس ميشال عون، على الرغم من بعض التباينات بينهما في الآونة الأخيرة، في بعض القضايا منها التحقيق في جريمة مرفأ بيروت.

حدود اتفاق جدة والنصائح المصرية

وفي بعض القراءات لدبلوماسيين غربيين لنتائج اجتماع ماكرون والأمير محمد بن سلمان أنه إذا كان صحيحاً أن الجانب السعودي استجاب للطلب الفرنسي مساعدة لبنان، فإن هذا لا يلغي أن المشكلة تكمن في قدرة الحكومة اللبنانة على لجم السياسة العدائية التي يتبعها "حزب الله"، مستفيداً من غطاء شرعي هو رئيس الجمهورية. فالجميع يدرك أن الأزمة أكبر من قدرات لبنان، بالتالي "لن نشهد تحسناً ملموساً في العلاقات الخليجية - اللبنانية قريباً، على الرغم من النتائج التي خلص إليها التفاهم الفرنسي - السعودي. وتفيد هذه القراءة بأن ماكرون قد يكون نجح في أن يشجع الجانب السعودي على عدم ترك الساحة اللبنانية لإيران. وهذا قد يؤدي إلى عودة الرياض إلى الانخراط في البلد من باب تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني التي يمنحها المجتمع الدولي من دون أن تشرف عليها الحكومة والدوائر الفاسدة فيها. وسينكبّ المسؤولون الفرنسيون والسعوديون على دراسة الآليات للقيام بذلك. أما التصدي للعناوين ذات البعد الإقليمي فهو مرتبط بتطورات المنطقة. وفي خصوص اتصال ماكرون وابن سلمان مع ميقاتي، يشير هؤلاء الدبلوماسيون إلى أن الأول اقترح الفكرة وولي العهد السعودي لم يعارضها، على أمل اختبار ما يمكن للجانب اللبناني أن يقوم به من خطوات، لا أكثر.

وفي كل الأحوال، بدا واضحاً أن الدول التي ليست طرفاً مباشراً في الأزمة بين دول الخليج ولبنان، وفي مقدمتها مصر، التي زارها ميقاتي في 9 ديسمبر، تنصح الحكومة بأن تبرهن أولاً عن حسن النية حيال دول الخليج بعيداً من ضغوط "حزب الله".

الرئيس عبدالفتاح السيسي شدد أمام ميقاتي على أن لبنان بحاجة إلى وفاق سياسي لإعادة استنهاضه من الكبوة التي يعانيها. وعلم أنه دعاه إلى السعي لاتخاذ تدابير واضحة تطمئن إلى إمكان معاودة الحوار الجاد مع الرياض، وإلى الإسراع في التصدي لمشكلة الكهرباء، كدليل على نية الإصلاح. كما أن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذي أجرى اتصالات بعيدة من الأضواء في شأن الأزمة الخليجية – اللبنانية، شدد في لقائه مع ميقاتي على أن تعزيز علاقات لبنان بمحيطه العربي يشكل جانباً مهماً من تجاوز التحديات التي تواجه البلاد.

المزيد من تحلیل