Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريطة الطريق السعودية - الفرنسية تتوخى استعادة التوازن في لبنان

تشدد الرياض وباريس على القرار 1559 المتعلق بحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية كافة

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جدة (رويترز)

كيف سيتعامل لبنان مع المبادئ التي تضمنها البيان المشترك السعودي - الفرنسي، والمتصلة بأزمة العلاقات السعودية - اللبنانية والخليجية، بعدما حددت دولتان كبيرتان ما يقع على عاتق الحكومة اللبنانية من إجراءات وخطوات تشكل إذا نُفذت، حافزاً للدول المعنية بالأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية، على تقديم المساعدة للبنان؟

فما تضمنه البيان من نقاط لا يقتصر على طبيعة الأزمة مع دول الخليج، بل يتعداها إلى رسمه "خريطة طريق" لمعالجة مشكلة لبنان مع المجتمع الدولي برمته، من زاوية تشديده على احترام القرارات الدولية المتعلقة به، بدءاً بالقرار 1701 الذي يتناول الوضع في جنوب لبنان ووقف النار وحصر السلاح في القوات المسلحة الشرعية جنوب نهر الليطاني، والقرار 1559 المتعلق بحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية كافة، والقرار 1680 الذي يتناول ترسيم الحدود اللبنانية - السورية وضبطها. فهذه القرارات تتعرض للخروقات منذ سنوات من الجانب اللبناني، تنص عليها تقارير الأمين العام للأمم المتحدة الدورية حول تنفيذها، إلى مجلس الأمن، بموازاة تعرض القرار الأول منها لخروقات من الجانب الإسرائيلي أيضاً، منذ صدوره على إثر الحرب الإسرائيلية عام 2006 .

مقاربة الأزمة الداخلية: التشديد على "الطائف"

لكن "خريطة الطريق" التي احتوى عليها البيان قاربت أيضاً، بحسب المراقبين، الأزمة السياسية الداخلية، بتشديده على "الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي"، وهو الاتفاق الذي كان للمملكة العربية السعودية الدور الرئيس في التوصل إليه عام 1989، والذي يدور خلاف داخلي تارة خافت وأخرى علني، حول مدى استمرار صلاحيته كصيغة لتقاسم السلطة، ويدعو "حزب الله" وبعض حلفائه ضمناً إلى إيجاد صيغة بديلة عنه عبر عقد مؤتمر تأسيسي، ويطمح الفريق الرئاسي الحاكم إلى تعديله بالممارسة لاستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي نزع جزء منها (لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً)، طالما يتعذر تعديله دستورياً، بينما يرى خصوم الحزب أن غضه النظر عن الإخلال ببنود هذا الاتفاق بالممارسة، أدى إلى خلل في التوازنات الداخلية طائفياً وسياسياً.

وفي تقدير أكثر من مصدر سياسي أن تضمين البيان السعودي الفرنسي عبارة "التزام الطائف" هو بمثابة دعوة إلى إعادة التوازن الداخلي في السلطة في لبنان بسبب غلبة نفوذ "حزب الله" وحلفائه، بسطوة السلاح، على الدولة ومؤسساتها في السنوات الأخيرة، كما أن النص على التزام "الطائف" يقطع الطريق على تطلعات بعض القوى الساعية إلى تعديل الاتفاق، بأن تشاركها فرنسا في هذا الطموح، بالاستناد إلى قول ماكرون حين زار بيروت في السادس من أغسطس (آب) 2020 على إثر الانفجار الزلزالي في مرفأ بيروت، أن لبنان يحتاج إلى صيغة جديدة، ما أطلق تكهنات بأنه مع تعديل صيغة الحكم الحالية، أي "الطائف"، لكنه عاد فأوضح أنه يقصد التغيير في عقلية الزعامات السياسية وفي الطبقة السياسية.

عناوين الفشل اللبناني... وزعزعة الاستقرار

وفضلاً عن دعوة البيان السعودي - الفرنسي المشترك الحكومة اللبنانية إلى القيام  بالإصلاحات الشاملة، لا سيما في "قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود، والتزام اتفاق الطائف"، فإن نصه على "حصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات"، يعيد إلى الذاكرة فشل المحاولات السابقة للحد من غلو "حزب الله" في التدخل في حروب المنطقة وخصوصاً في اليمن وسوريا، وامتناعه عن تطبيق مبدأ النأي بالنفس عن حروب وأزمات المنطقة وصراعاتها الذي ورد في معظم بيانات الحكومات التي شارك فيها الحزب منذ عام 2013، كما أن البيان يذكر في شكل غير مباشر، بعدم تنفيذ رئيس الجمهورية ميشال عون الحليف للحزب، وعده منذ أبريل (نيسان) 2018 بدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني للبحث في استراتيجية الدفاع الوطني التي يفترض من خلالها إيجاد حل لسلاح الحزب وجعله تحت إمرة الشرعية والجيش اللبناني، في شكل من الأشكال، والنقطة الأهم في البيان، على دلالة النقاط كافة التي نص عليها، هي تلك المتصلة بجوهر الأزمة بين لبنان والسعودية، والتي تشدد على ضرورة "ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات".

والعبارة الأخيرة، إضافة إلى غيرها المتعلقة بضرورة الإصلاحات، تكررت في البيانات المشتركة التي صدرت عن محادثات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جولته الخليجية، بما يوحي بأن أمام لبنان تحدي لجم مواصلة "حزب الله" دعم الحوثيين في اليمن ومساندتهم عسكرياً في الاعتداءات على أراضي المملكة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. ويؤشر تضمين بيانات جولة ولي العهد هذا الجانب إلى تحول البيان الفرنسي - السعودي إلى موقف فرنسي خليجي موحد يفترض بإيران (ومن ورائها الحزب) التي تأمل بانفتاح على دول خليجية أن تأخذه في الاعتبار.

التواصل مع ميقاتي وليس مع عون

كان من الطبيعي أن يسجل المراقبون الشكوك حول قدرة الحكومة التي يتوجه إليها البيان المشترك في تطبيق البنود المذكورة، بعد أن علق رئيسها نجيب ميقاتي على الاتصال الذي جرى بينه وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقول، إنه "بمثابة خطوة مهمة نحو إعادة إحياء العلاقات الأخوية التاريخية مع المملكة العربية السعودية". فميقاتي نفسه يدرك محدودية قدرة حكومته على التصدي لنقاط البيان كافة، خصوصاً أنه عاجز عن دعوتها إلى الاجتماع بسبب اشتراط الحزب و"الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) تغيير قاضي التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، أو الحد من صلاحياته لاتهامه من قبل الحزب بتسييس التحقيق، إلا أنه على الرغم من أن اتصال الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي معاً به، ترك انطباعاً بأن رئيس الحكومة هو المحاور المحتمل لإعادة ترتيب العلاقات السعودية - اللبنانية، وليس رئيس الجمهورية، فإن ترحيبه بذلك، على اعتبار ما حصل "خطوة مهمة لإحياء العلاقات" لأن العناوين السياسية في البيان فوق طاقة الحكومة، على الرغم من أن المطلوب منها أن تتخذ موقفاً متشدداً حيال تحويل البلد إلى منصة لمعاداة دول الخليج من قبل "حزب الله"، وأمل ميقاتي، بحسب ما نقل عنه زواره، أن تلي الاتصال عودة تدريجية للسفراء بدءاً بالسفير الكويتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في شأن التواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون، فإن أوساطاً سياسية تابعت التمهيدات لبحث الوضع اللبناني في لقاء ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي، رأت أن التصريحات التي أدلى بها الأول خلال زيارته قطر في 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، أي قبل أيام من زيارة ماكرون إلى جدة كانت مخيبة للآمال، لأنه واصل دفاعه عن "حزب الله" في وقت سبق للمملكة أن قالت، إن من أسباب الأزمة هيمنة إيران عبر الحزب على السلطة.

ولقي كلام عون انتقادات حادة من معارضيه حين أعلن أن الحزب "يلتزم بالقرار 1701 ولم يصدر منه أي خلل في هذا السياق، كما لم يقم بأي خطأ على الأراضي اللبنانية، ولا يتحمل مسؤولية أي حادث أمني في لبنان". وكان سبقه صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل إلى القول، إنه لا احتلال إيرانياً للبنان رداً على حملة خصوم الحزب والمحور الإيراني ضد سيطرته على القرار الرسمي عبر الرئاسة، وقولهم إن هناك احتلالاً إيرانياً للسلطة، وأبرز هؤلاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي أخذ يرفع الصوت ضد رهن "حزب الله" للمشاريع الإيرانية في المنطقة، وعدائها للسعودية ودول الخليج.

ومع أن ماكرون وعد من جدة في الرابع من ديسمبر (كانون الثاني) بالاتصال بعون لإطلاعه على نتائج جهوده مع القيادة السعودية، لكن الأمر اقتصر على إيفاد السفيرة الفرنسية آن غريو في السابع من ديسمبر للقائه في القصر الرئاسي وإبلاغه بنتائج جهود رئيسها. وكان لافتاً ما نقلته المصادر الرسمية عنها قولها، إن السعودية "أبدت التزامها مساعدة لبنان وإن بلادها حققت الخطوة الأولى في هذا المجال، والسعودية ودول الخليج جاهزة أيضاً للقيام بالخطوات المطلوبة منها، وإن على لبنان أن يقوم من جانبه بما عليه، وأن يثبت صدقيته في التزامه بالإصلاحات".

تعليق "حزب الله"... و"واجبات" الحكومة

بقي السؤال حول موقف "حزب الله" من البيان ودور الحكومة في الانسجام مع بنوده، فالتزم الصمت لأيام بعدما كان ميقاتي أبلغ قيادته بأن موقفه يعطل كل شيء في البلد بحؤوله دون اجتماع مجلس الوزراء، وبأن تخريب العلاقة مع دول الخليج لم يعد يحتمل ويؤدي إلى المزيد من التدهور في الوضع الداخلي الذي على الحكومة الانكباب على معالجة بعض مشاكله المعيشية العاجلة، إلا أن موقفاً صدر عن أحد قادة الحزب في السابع من ديسمبر، الوزير السابق محمد فنيش الذي رد بطريقة غير مباشرة على إثارة مسألة سلاح الحزب، بالقول، "لن نقبل مهما اشتدت الضغوط أن تكون هناك مقايضة بين الحصول على الحد الأدنى من العيش الكريم وبين التخلي عما هو رمز لكرامتنا وحريتنا، فمحاولة المقايضة بين دور المقاومة وسلاحها وبين معالجة المشكلة الاقتصادية أمر مرفوض".

تلقف ميقاتي الرسالة المتوخاة من وراء بعض مضامين البيان السعودي - الفرنسي، بالسعي لما يمكن للبنان المبادرة إليه، تحت سقف القدرات المتواضعة التي تستطيعها حكومته العرجاء بسبب تعطيل اجتماعاتها، فدعا إلى اجتماع وزاري أمني موسع من أجل محاولة ضبط الحدود لمنع تهريب المخدرات إلى السعودية ودول الخليج، وأبلغ رئيس الحكومة المجتمعين بأنه لم يعد مقبولاً ألا تتخذ الدولة تدابير صارمة لوقف التهريب إلى دول الخليج التي لم يعد المسؤولون فيها يريدون سماع المواقف المنددة بالتهريب بل يريدون أفعالاً، وقال أحد الوزراء الذين حضروا الاجتماع لـ"اندبندنت عربية"، إنه انعقد في ظل قناعة بأن "علينا واجبات يفترض أن نقوم بها بضبط الحدود ومنع التهريب، وباستطاعتنا إيقافه على الأراضي اللبنانية على الأقل إذا لم يكن بإمكاننا منعه في دول الجوار بعد خروج الشاحنات من لبنان"، وأوضح أنه إذا كانت الإمكانيات البشرية والتقنية ضئيلة فهناك اتجاه للاستعانة بشركة خاصة متخصصة للمساعدة في ضبط الحدود والتهريب، وقال الوزير نفسه، إن الاجتماع السعودي - الفرنسي أوقف التدهور في علاقة لبنان مع المملكة، في انتظار استكشاف الخطوات التالية.

إلا أن مصادر معارضة ذكّرت بأن اجتماعات أمنية ودبلوماسية وسياسية عدة، عُقدت على إثر اندلاع أزمة "الرمان المخدر" الذي جرى ضبطه مهرباً من لبنان في الربيع، انتهت إلى وعود بضبط التهريب وقطع دابره، من دون نتائج إيجابية.

المزيد من تحلیل