Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما واجهت الولايات المتحدة خطر انقلاب عسكري

خلال الأسابيع التي أعقبت فوز جو بايدن بمعركة الرئاسة بدا وكأن أميركا تقترب من انقلاب صامت بحسب كتاب "الخطر" لبوب وودوارد وروبرت كوستا

يمثل البنتاغون مركز قوة الولايات المتحدة في الخارج ومركز قوة في الداخل وإن كان محكوما بالضوابط الدستورية (أ.ب)

هل يمكن للولايات المتحدة الأميركية، التي تمثل قمة جبل الديمقراطية حول العالم، مؤسساتياً على الأقل، أن تعرف طريقها إلى الانقلابات العسكرية، كما عديد من الدول حول العالم؟

الثابت أن مصطلح عسكرة الحياة السياسية في الداخل الأميركي لم يكن لينطق به من قبل، على الرغم من التحذيرات العلنية والمخاوف الرسمية من سطوة المجمع الصناعي العسكري الأميركي، ذاك الذي حذر منه الرئيس أيزنهاور في نهاية رئاسته الثانية أوائل الستينيات.

على أن حديث الانقلاب العسكري قد تردد على الألسنة كثيراً جداً منذ عام 2016، وبالتحديد مع الانتخابات الرئاسية التي أوصلت دونالد ترمب إلى رئاسة البلاد.

ففي أواخر يوليو (تموز) من ذلك العام، نشرت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" مقالاً قال كاتبه، إن من الممكن جداً أن تشهد الولايات المتحدة انقلاباً عسكرياً على السلطة حال فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة... فهل صدقت توقعات كاتب المقال، أو في أضعف الأحوال اقتربت من التحقق بصورة حقيقية؟

في تنبؤات جيمس كيرتشيك الانقلابية

القصة  تبدأ من عند الكاتب السياسي الأميركي المحسوب على تيار المحافظين المتشددين، جيمس كيرتشيك، وقد جاء مقاله يوم 20 يوليو (تموز) 2016، "أنه يجب على الأميركيين المتفرجين على المحاولة  الفاشلة للانقلاب على السلطة، التي شهدتها تركيا أخيراً كقصة  سياسية خارجية غريبة... أن يتوقفوا للتفكير في أن آفاق وقوع أحداث مماثلة مزعزعة للاستقرار لن تكون أمراً خيالياً في بلادنا أيضاً، في حال فوز دونالد ترمب وتحوله إلى رئيس لأميركا".

لم يكن منطلق كيرتشيك الخوف على المؤسسسة السياسية الأميركية، من كون ترمب قادم من خارجها، فالرجل يعلم أن الدولة الأميركية العميقة ستقوم بما يلزم القيام به، وهو ما حدث بالفعل، حتى وإن سانده نحو 74 مليون أميركي صوتوا له، بل كانت نوايا وتوجهات كيرتشيك، تمضي في فضاء آخر.

في مقاله يدفع كيرتشيك الأميركيين "لمحاولة تصور وضع سيعطي فيه ترمب للعسكريين أمراً بالقيام بشيء غبي أو غير شرعي أو غير عقلاني... في هذه الحالة سيكون العسكريون الذين يقسمون على الالتزام بالدستور والخضوع لسلسلة القيادة المدنية، مضطرين للاختيار بين الالتزام بالقانون وتحقيق إرادة الشخص الذي يعرب عن عدم احترامه له بشكل كامل".

كيرتشيك وفي سطور مقاله، كان يشير إلى أنه من الممكن ائتمان، المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، على الشفرة النووية للبلاد، ولا يمكن فعل الأمر نفسه بالنسبة إلى ترمب، وعليه فإن على  العسكريين أن يوقفوه.

هل حديث كريتشيك مثير؟

الإثارة الخطيرة هي أنه في ذلك الوقت أظهر استطلاع لمركز "YouGov"  للأبحاث أن 29 في المئة من الأميركيين على استعداد لدعم  انقلاب عسكري على السلطة في البلاد، فيما أبدى حوالى 70 في المئة من المستطلعين ثقتهم بالعسكريين، كونهم يعملون لمصلحة الدولة  الأميركية.

هل تحققت توقعات كيرتشيك بالفعل؟

الجنرال مارك ميلي... انقلاب غير معلن

بدت الأسابيع القليلة التي أعقبت فوز جو بايدن بمعركة الرئاسة الأميركية خطيرة بالفعل، وربما اقتربت فيها الولايات المتحدة من حافة الانقلاب العسكري الصامت غير المعلن، وهو ما تضمنه كتاب "الخطر" لمراسلي صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بوب وودوارد، وروبرت كوستا.

القصة باختصار مفيد تشير إلى أن الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة، كان على يقين من أن ترمب يعاني من "تدهور خطير في قدراته العقلية"، واحتمال تحوله إلى "شخص خطير".

لم يكن الجنرال الأعلى رتبة في القيادة العسكرية الأميركية وحده من تمتلكه الهواجس، بل شاركته فيها، بل ربما دفعته في طريقها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي تواصلت معه هاتفياً لتخبره بأن ترمب بات "مجنوناً"، وأنه قد يشن ضربة نووية تؤدي إلى دخول أميركا في كارثة وحرب عالمية.

بيلوسي شجعت الجنرال ميلي على اتخاذ ما أسمته الاحتياطيات اللازمة لقطع الطريق على أي قرارات عسكرية يمكن أن يتخذها  ترمب.

تحولت التنظيرات الفكرية في أيام قلائل إلى تطبيقات وخطوات على  الأرض، بما يعني اكتمال روح الانقلاب، فقد دعا إلى اجتماع سري في مكتبه في البنتاغون لمراجعة سير العملية العسكرية، بما في ذلك إطلاق الأسلحة النووية، وفي حديثه إلى كبار المسؤولين العسكريين عن مركز القيادة العسكرية الوطنية، غرفة الحرب التابعة للبنتاغون، أمر ميلي بعدم تلقي أوامر من أي شخص ما لم يكن مرتبطاً بالأمر.

تصرفات ميلي في واقع الأمر لم تنطلق من فراغ، وإن كانت غير دستورية، وتعد خيانة عظمى في كل الأحوال، فقد عمت حالة من الذعر الأقرب إلى الفوضى بعدما اكتشف رئيس هيئة الأركان أن الرئيس ترمب قام بتوقيع أمر عسكري لسحب جميع القوات من أفغانستان والصومال قبل مغادرته البيت الأبيض، حيث تمت صياغة المذكرة سراً من قبل اثنين من الموالين لترمب، ومن غير أي تشاور مع كبار مسؤولي فريقه الأمني، وفي المقدمة منهم مستشار الأمن القومي.

إجراءات انقلابية أو هجمات نووية

على الرغم من قيام ترمب بإلغاء تلك المذكرة، إلا أن الإجراء نفسه سرب الشك إلى نفوس قيادات البنتاغون والجنرال ميلي في مقدمهم، وكان التساؤل، ماذا لو قام ترمب بإعطاء أوامر باستخدام السلاح النووي، وتمت إطاعته ضمن تسلسل القيادة التقليدي، وهذا من حقه دستورياً، بوصفه الرئيس الأعلى للقوات المسلحة الأميركية؟

ولعل ما عزز من مخاوف ميلي، المعلومات التي وصلت إلى  الاستخبارات العسكرية، وفيها أن الصين تتهيأ لضربة نووية مضادة لخطة أميركية تسعى إلى الهجوم عليها واستخدام ما يتوافر من أسلحة للولايات المتحدة بما فيها السلاح النووي.

هذا الإحساس توافر للصينين من جراء أمرين، الأول هو المناورات العسكرية الأميركية التي كانت تجري في بحر الصين الجنوبي، وما خلفته من هواجس لدى الصينيين.

والأمر الآخر هو مقدار العداء الأيديولوجي الذي كان ترمب يكنه للصين، وبخاصة بعد اصطكاكه تعبير، الفيروس الصيني، في إشارة إلى "كوفيد-19" المستجد.

في هذه الأجواء وبحسب كتاب "الخطر" المشار إليه، أجرى ميلي مكالمتين هاتفيتين سريتين مع نظيره الصيني الجنرال "لي زوتشنج" الأولى كانت في 30 أكتوبر (تشرين الأول) قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، أما الثانية فكانت يوم 8 يناير (كانون الثاني) 2021، أي بعد اقتحام مبنى الكابيتول.

المكالمة الأولى كان هدفها تطمين الصينيين بأن أميركا لن تشن هجوماً غادراً، بل إن ميلي ذهب إلى ما يمكن وصفه بتسريب أسرار بلاده العسكرية لبكين، إذ تعهد بأنه سينبه نظيره بشكل مسبق عبر قناة خلفية في حال الاستعداد لشن هجوم أميركي ضد الصين.

أما المكالمة الثانية فقد قصد ميلي من ورائها تهدئة مخاوف الصينيين بعد محاولة اقتحام الكونغرس من أن تكون تلك بداية انقلاب داخلي أميركي، يمكن أن يؤدي إلى تفتت أو تفكك البلاد، ووقوع الترسانة النووية الأميركية في أيدي المتطرفين اليمينيين الذين يعتبرون الصين المهدد الأول لوجودهم.

هنا يطفو على السطح التساؤل الآتي، هل ما قام به الجنرال ميلي يعد انقلاباً يستحق عليه محاكمة عظمى، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا لم يتم عزله ومحاكمته؟ وهل هناك مخاوف من صدام بين البيت الأبيض والجنرالات يتجاوز ترمب ويقفز إلى بايدن؟

ميلي أمام الكونغرس وجنرالات غاضبون

في أواخر سبتمبر (أيلول) المنصرم، عقد الكونغرس جلسة استماع لرئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ميلي، الذي حاول أن يدافع  عن سلوكه العسكري في الأيام الأخيرة لرئاسة ترمب، بما في ذلك تلك المكالمات المثيرة للجدل مع الجانب الصيني.

كانت الجلسة بداية لسلسة من المناقشات والمساءلات لكبار قادة الجيش الأميركي منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

بدا وكأن ميلي يحاول تخفيف شأن ما أحدثه، لا سيما اتصاله مع  الجنرال الصيني "لي زو تشنج"، لذا استخدم تعبير "محادثة غير مناسبة"، وإن حاول تخفيف الأمر أو توزيع الاتهام على آخرين بقوله إنه أبلغ كبار المسؤولين في إدارة ترمب بها.

ميلي أشار إلى أنه أبلغ بشكل شخصي كلاً من وزير الخارجية وقتها  مايك بومبيو، وكبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز بشأن المكالمة، من بين مواضع أخرى، وبعد ذلك حضر اجتماعاً مع كريس ميلي، القائم بأعمال وزير الدفاع الذي أطلع أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ على المكالمة.

لكن على الرغم من تلك التبريرات، لم يقدر لميلي الفرار من شبهة الخيانة التي تطارده دستورياً، بعد تجاوزه لسلطات الرئيس أو في أضعف الأحوال العمل من وراء ظهره.

على أن التساؤل المثير للقلق في الداخل الأميركي، هل غضبة الجنرالات ممتدة من عند "ترمب المجنون" بحسب تعبير نانسي بيلوسي، وصولاً إلى بايدن الذي يعاني من متاعب ذهنية واضحة، ولا يمكن مواراتها أو مداراتها؟

في غالب الأمر ذلك كذلك، لا سيما بعد الانسحاب الفوضوي والمرتبك من أفغانستان، وهو ما تبدى في إجابات كبار قادة البنتاغون عن أسئلة جلسات الاستماع في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.

على سبيل المثال قال قائد القيادة المركزية كينيث ماكينزي، إنه نصح الرئيس بايدن بالإبقاء على ألفين وخمسمائة جندي في أفغانستان، محذراً من أن انسحاب القوات الأميركية بالكامل سيؤدي إلى انهيار الحكومة الأفغانية وقواتها.

ميلي نفسه في جلسات الاستماع أكد على أنه أبلغ بايدن موقفه منذ خريف 2020، الذي تمثل في توصيته بضرورة الإبقاء على  2500 جندي، مع إمكانية رفع هذا الوجود إلى 3500 جندي بهدف  المضي قدماً نحو "حل تفاوضي".

من جانبه أكد وزير الدفاع لويد أوستن على أن بايدن بالفعل تلقى تلك التوصيات.

ما الذي يغضب عسكر أميركا مما جرى أخيراً من قبل بايدن؟

حكماً، يقينهم بأنهم قد نجحوا لوجستياً لكنهم فشلوا استراتيجياً... هل من مخاوف أخرى باتت تعم الجيش الأميركي، ومعها تكثر المخاوف من حالة تمرد كبيرة تصل إلى حد الانقلاب المقصود والمتعمد عند نقطة زمنية بعينها؟

دعوات للانقلاب وغضب من الفساد 

 هل هناك في داخل صفوف القوات المسلحة الأميركية، لا سيما من بين جنرالات الأربع نجوم، من يشارك الجنرال مايكل فلين توجهاته التي أعرب عنها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟

الجنرال فلين أحد كبار رجالات وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، الذي تصادم مع باراك أوباما، ولهذا تم عزله، قبل أن يحتويه دونالد ترمب، ويجعل منه ركيزة أساسية في حملته الانتخابية، وتالياً أول مستشار للأمن القومي في إدارته، قبل أن يجبر على الاستقالة وهذه قصة لها أبعادها المثيرة.

الجنرال فلين وبعدما راج عن تزوير في انتخابات الرئاسة 2020 اعتبر في الأسبوع الأول من شهر يناير (كانون الأول) من العام الماضي، أن على الولايات المتحدة أن تشهد انقلاباً مثل ميانمار، حيث أطاح الجيش بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً.

فلين كان قد تم توجيه سؤال له عن إمكانية حدوث انقلاب مشابه لما جرى في الدولة الآسيوية، وما يمنع حدوثه في أميركا، وجاء جوابه، "لا يوجد سبب..."، مضيفاً "أعني يجب أن يحدث هذا"، وسط هتاف وتصفيق الحشود المجتمعة.

تضحى الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة كارثة لا حادثة، إذا  انتشر هذا التفكير بين الرتب العسكرية الأميركية العليا، بخاصة في ظل حالة الفساد المستشري في كثير من دروب الحياة العسكرية الأميركية، وهناك من يشير إلى رفض عديد من المجندين الأميركيين لأن يكونوا عرائس مسرح في أيدي أصحاب المجمع الصناعي العسكري.

هل هناك مؤشرات تدلل على احتمالات ولو في المدى المستقبلي البعيد نسبيا لحدوث انقلاب عسكري داخل الولايات المتحدة؟

الشاهد أن مصيدة التجنيد الاختياري الأميركي تجتذب إليها الشباب الرقيق الحال مادياً، الذي يتم إغراؤه بالمال والمنح الدراسية وفرص السفر وغيرها، ما يدفع كثيرين للانخراط في سلك الجندية، بخاصة مع الشعارات البراقة التي يستخدمها العسكريون دوماً.

 غير أنه لاحقاً يكتشف المجندون أنهم وقود حروب أميركا، وأن عليهم الاستمرار حتى نهاية مدة تعاقدهم، وإلا تعرضوا للمحاكمة حال هروبهم وربما يصل الأمر إلى حد السجن.

في أواخر شهر يونيو (حزيران) المنصرم، بدا وكأن هناك كابوس جديد يجثم على صدر القيادات العسكرية الأميركية، ذلك أنه نما إلى علم المباحث الاتحادية، تواصل مجندين مع جماعات يمينية متطرفة،  بخاصة من النازيين الجدد، بعضهم خطط للهجوم على وحدته العسكرية من خلال إعطاء معلومات سرية عنها.

ووفقاً لوثائق المحكمة أن المتهم إيثان ميلزر واجه اتهامات بالتآمر والتحريض على انقلاب عسكري، معبراً عن رفضه لسياسة الرئيس دونالد ترمب التي ينتهجها ضد الشعب الأميركي.

 هل هذه بداية توجه عسكري أميركي داخلي مثير وخطير، أم أن الأسوأ لم يأت بعد؟

كاغان... الفوضى تستدعي التدخل   

يبدو ومن أسف شديد أن هناك ذلك الخوف الكبير الذي يخيم على  أميركا، وقد يتساءل البعض ولماذا الأسف؟

الثابت وبعيداً من العواطف والمشاعر الانفعالية، أنه ليس من مصلحة العالم انهيار أو تفكك الولايات المتحدة، إذ لا يزال حضورها يمثل عامل توازن بدرجة أو بأخرى على مختلف الأصعدة الدولية.

الخوف الأكبر تمثل في رؤية سطرها أحد أكبر العقول الأميركية المحافظة، روبرت كاغان، عبر صحيفة "واشنطن بوست" خيراً،  حيث أشار إلى أن أميركا في طريقها إلى أكبر أزمة سياسية  ودستورية لها منذ الحرب الأهلية، مع احتمال وقوع حوادث عنف جماعي وانهيار للسلطة الفيدرالية، وتقسيم البلد لجيوب متحاربة تتباين ولاءاتها بين جمهوريين وديمقراطيين على مدى السنوات الثلاث إلى  الأربع المقبلة.

يذهب كاغان الباحث والناقد للسياسة الخارجية للولايات لمتحدة، وأحد كبار دعاة التدخل الليبرالي، والمنظر الرئيس في مشروع القرن  الأميركي، إلى أن الإشارات التحذيرية لهذه الأزمة قد تحجبها  الانشغالات السياسية، وجائحة "كوفيد-19"، والعثرات الاقتصادية، ناهيك عن الأزمات العالمية أو التفكير بالتمني والإنكار، لكن لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في أنها موجودة.

خلاصة رؤية كاغان، هي أن المسرح الأميركي بات إذاً مهيأ للفوضى، وعليه فإنه إذا تخيلنا أسابيع من الاحتجاجات التي لا تلبث أن تضحى مواجهات مسلحة، فإن الحفاظ على الحياة الدستورية المدنية الاعتيادية سوف يضحى أمراً صعباً، ومن هنا تدور الأسئلة.

على سبيل المثال لا الحصر، هل سيستدعي حكام الولايات الحرس الوطني لتهدئة الأوضاع، أم سيؤمم الرئيس بايدن الحرس الوطني ويضعه تحت سلطته، وربما يعمد إلى تطبيق قانون التمرد، ويرسل قوات إلى بنسلفانيا أو تكساس أو ويسكونسن مثلاً، لقمع الاحتجاجات العنيفة.

هنا سيجد الرئيس بايدن نفسه ربما ملزماً نشر قوات اتحادية من الجيش في مختلف الولايات، الأمر الذي سيدان بوصفه طغياناً، وسيجد الرئيس بايدن نفسه في الموقف ذاته الذي عاشه رؤساء أميركيون سابقون مثل أندرو جاكسون خلال أزمة الأبطال عام 1832، التي كانت مقدمة للحرب الأهلية، وإبراهام لنكولن بعد انفصال الجنوب.

يتساءل البعض من كبار المنظرين الأميركيين، هل سيقرر الرئيس من دون قواعد أو سوابق واضحة، ويصدر أحكاماً شخصية حول ما  يملكه أوما لا يملكه من صلاحيات دستورية؟

القصة هنا هي أن الفوضى التي ستعم والمصير المؤسف الذي سيكون واقفاً خلف الباب هو الذي سيعطي الإشارة الخضراء للجيش الأميركي للتدخل والحفاظ على سلامة البلاد والعباد وبترحيب من الشعب نفسه... هل هذا السيناريو وارد حقاً؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عسكر أميركا خيار الأميركيين الأول

قبل خمسة أعوام نشر "معهد المشروع الأميركي"، تقريراً لريبيكا بورجيس مديرة برنامج المواطنه الأميركية في المعهد، حول ميل  المواطنين الأميركيين إلى اختيار الأفراد ذوي الخلفية العسكرية   للمناصب والوظائف القيادية وإعطائهم الأولوية في ذلك عن المدنيين  الذين لا تحتوي سيرهم الذاتية على أية خبرات عسكرية، فضلاً عن ثقة الرأي العام الأميركي بشكل عام بالمؤسسة العسكرية، التي لا تضاهيها أي مؤسسة أخرى على الإطلاق اجتماعية كانت أو حكومية.

والشاهد أنه مع الأحوال التي يتنبأ بها روبرت كاغان، ربما ستتعزز النظرة الإيجابية لتدخل الجيش الأميركي بهدف حماية الدولة من الانهيار.

نقرأ في تقرير لمجلة "فورين آفيرز" الأميركية تعبيراً يقول، "يفضل أغلب الأميركيين أن يضعوا العسكريين على قاعدة حجرية كتلك المخصصة للتماثيل، ويتأملوهم من بعيد"... هل لا يزال هذا التعبير صالحاً أو هل سيصلح لمقبل الأيام؟

لم يعد العسكريون الأميركيون لا سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر، وهجمات واشنطن ونيويورك، أصناماً يتم التعبد في محرابها، لكنهم وطنيون حقيقيون قادرون على الذود عن البلاد والعباد، يثق فيهم الناس أكثر من أي مؤسسة وطنية أخرى، والعهدة على نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة "غالوب"، ما يعني الإعجاب بالعسكر، وبالتوازي مع تراجع الثقة في المؤسسة السياسية المدنية، تلك التي يراها معظم الأميركيين اليوم فاسدة، وها هي تقود البلاد إلى التناحر الحزبي، ومن ثم العرقي، وربما عن قريب العقدي.

نجحت المؤسسة العسكرية الأميركية في العقود الأخيرة في إعادة  تأهيل صورتها عبر الثقافة الشعبية، وروجت لنفسها لا سيما عبر شاشة "هوليوود" أدوار البطولة، وقد تعلمت أنها تستطيع التأثير في حبكات القصص وتعزيز علامتها التجارية، من خلال توفيرها  للمعدات مشروطاً بموافقتها على نصوص الأفلام.

هل من منافسة حادة بين العسكريين الأميركيين ونظرائهم من المدنيين؟

 مؤكد أن ذلك حادث بالفعل على صناعة القرار، غير أن عقدين من الوجود في أفغانستان أثبتا أن الحافز الأكبر للجنرالات هو نفوذهم الشخصي، والثروات الهائلة التي يجنونها بعد تقاعدهم.

هل من جزئية متممة ومكملة لهذا الحديث؟

المؤكد أنه لا يمكن فصل فكرة الانقلاب العسكري المحبوب والمرغوب في أوقات بعينها، عن حضور ونفوذ المجمع الصناعي العسكري الأميركي الضلع الثاني في المثلث الذي يتحكم في مفاصل الولايات المتحدة ويوجهها كالدفة بين يدي القبطان...

المزيد من تقارير