Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يبحث الجيش الأميركي عن حرب أخرى بعد أفغانستان؟

"طالبان" تعود بنسخة جديدة

عناصر من "طالبان" بالقرب من مطار العاصمة الأفغانية كابول (أ ف ب)

طرحت عودة حركة "طالبان" إلى سدة حكم أفغانستان منتصف أغسطس (آب) 2021، بعد السيطرة الأميركية على البلاد لعقدين من الزمن، تساؤلات عديدة من أبرزها، ماذا تعني عودتها للحكم من جديد، وهل تمت سيطرة "طالبان" على غالبية مناطق أفغانستان بتواطؤ من واشنطن، وما مستقبل استمراريتها في الحكم، وهل هي صادقة في توجهاتها بخاصة في جانب التزامها بحقوق المرأة، وكيف ستكون علاقتها بالجماعات المتشددة مثل "القاعدة"؟ 

تجارة السلاح 

يشير المفكر الإسلامي السوداني حسن مكي، إلى أن "عودة طالبان وبسط سيطرتها على أفغانستان كانت متوقعة حتى بالنسبة إلى الأميركيين، فكثير من الناس كانوا يعتقدون أن واشنطن انهزمت في أفغانستان لكنها في الحقيقة انتصرت، وكذلك انتصرت في فيتنام خلال حربها التي امتدت عشر سنوات (1965 – 1975)، والخاسر في الحربين هو دافع الضرائب الأميركي، فالجيش الأميركي يبحث عن معركة وحرب، فهو أقوى جيش عرفه التاريخ فإن لم يجد معركة سوف يتفكك، فأميركا تتكسب من تجارة السلاح، لذلك تظل تبحث عن حرب بعد أفغانستان". 

وتابع، "صحيح عادت حركة طالبان للحكم، لكنها رجعت بشخصية جديدة، مستأنسة ومؤدلجة، لأن قيادتها طيلة العشر سنوات الماضية كانت موجودة في قطر، غير النسخة الأولى من طالبان التي كانت موجودة في بيشاور وفي قمم الجبال والكهوف، حيث الجهاد الحقيقي، وأنا أعرف هذه القيادة عن قرب مثل قلب الدين حكمتيار وعبد الرسول سياف، حيث كنت موجوداً معها لمدة عام في بيشاور بعد الغزو الروسي لأفغانستان (1978 – 1979)، ثم زرت أفغانستان بعد الغزو الأميركي لها في 2001، ووجدت أن الشخصية الأفغانية اختلفت، فالنسخة الثانية من طالبان معدلة".

وأشار مكي إلى أن "طالبان" الجديدة تبحث الآن عن حلفاء لها واستطاعت أن تكسب بعض القادة الأفغان مثل عبد الله عبد الله وربما مستقبلا تتوصل إلى تسوية مع نجل أحمد مسعود، لكنها بالتأكيد ستواجه صعوبات، بخاصة أن هناك 300 ألف جندي يتبعون الجيش الأفغاني منتشرين في البلاد، لذلك لن يستقر حكمها في سنة أو سنتين، فضلاً عن عوامل أخرى منها صراع باكستان والهند حول أفغانستان، فالأولى (باكستان) تريد من أفغانستان مساعدتها في تحرير كشمير، أما الثانية (الهند) فهي في خصومة شديدة مع باكستان ولن تسمح بتحالف طالباني بشتوني باكستاني، إضافة إلى وجود الحركات المتطرفة التي تجد الحماية من بعض رموز الحرب، بالتالي ستظل أفغانستان ملاذاً للجماعات المتطرفة كـ"القاعدة" و"داعش" وغيرهما.

عقلية مركبة 

ولم يستبعد أن يشجع دخول "طالبان" كابول، بعض الحركات المتطرفة لاتخاذ الخطوة نفسها، فهناك حركة الشباب الإسلامية في الصومال، تعتقد أن "طالبان" هزمت أميركا في أفغانستان، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحركات في غرب أفريقيا المنتشرة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد والسنغال، بخاصة في ظل تراجع الفرنسيين وتخفيض قواتهم.

ووصف المفكر الإسلامي عقلية الغرب بأنها مركبة، وتميل للتحالف مع النظم الشمولية والديكتاتورية، وتعتبر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان قيماً خاصة بإنسان الغرب، لذلك ترى ما حدث في أفغانستان الآن هزيمة أخلاقية. 

وأرجع احتفاء الشعوب الإسلامية بانتصار "طالبان" إلى حالة الإحباط والتخلف التي أصابت العالم الإسلامي، حيث ظل لسنوات يبحث عن هذا الانتصار وكأنه نهاية التاريخ، وهو لا شيء، فأميركا هي المنتصر، إذ إن الصناعات العسكرية الأميركية كمنظومة متكاملة تقوم على الحرب. 

وتوقع أن تستمر أفغانستان في تخلفها إذا لم يساعدها الغرب، فهي دولة طالبانية لديها شعارات في عالم متخلف، وأيضاً يعتمد استقرارها على كيفية سيطرتها على تجارة الأفيون الذي يعتمد عليه اقتصادها، وما البديل له، فضلاً عن التحديات الداخلية العديدة وأهمها مشكلة البطالة، إضافة إلى أن طبيعة أفغانستان تجعلها بلداً غير مستقر. وترفض طالبان هذا الاتهام، وتقول إن تجارة الأيفون بشهادة الأمم المتحدة شهدت أكبر تراجع في حكم طالبان الأول.

ردة خطيرة

في السياق، قال المحامي كمال الجزولي، المتخصص في القانون الدولي، "تمثل عودة طالبان للسلطة من جديد ردة خطيرة جداً تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى أميركا والجيش الأميركي اللذين عليهما أن يفسرا كيف سمحا بهذه العودة، في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تحتل أفغانستان لأكثر من 20 عاماً، فضلاً عن علمها حتى قبل أسابيع قليلة جداً أن طالبان زاحفة تجاه العاصمة كابول، وعلى الرغم من ذلك ظلت الطائرات والسفن الأميركية تحمل الأسلحة والعتاد للجيش الأفغاني، علماً أن هذه الأسلحة والطائرات ستقع في يد مقاتلي حركة طالبان لا محالة". 

ومضى بالقول، "الآن طالبان تتحدث بنفاق شديد بأنها ستتعامل بكل لين وتسامح مع النساء والشباب، بمعنى أنها تخلت عن سياستها القديمة المتشددة، لكن لا أحد يصدق هذه الأحاديث الجوفاء، لأن فكر طالبان قائم في الأساس على التشدد ولا تعرف شيئاً خلافه"، مشيراً إلى أن المتغيرات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط، حيث غيرت القوى الأساسية مواقفها المتشددة، وتخلت عن مسؤولياتها عن هذا التوجه. 

تواطؤ أميركي 

ويعتقد الجزولي، أن التشدد والإرهاب إذا لم يوجدا في هذه المنطقة، فإن أميركا ستخترعهما لأنهما المبرر الوحيد لتدخلاتها ووضع يدها على مصادر الثروة والمواقع الاستراتيجية، مضيفاً "قد يبدو هذا الرأي غريباً بعض الشيء، لكنني أدعو للتفكير فيه لأنه فعلاً من الغرائب بأن يسمح الرئيس الأميركي جو بايدن بحدوث ما جرى في أفغانستان، في ظل سيطرة جيشه على الأوضاع كلية هناك، فيبدأ في سحبه في الوقت نفسه الذي بدأت فيه طالبان الزحف نحو المواقع الاستراتيجية في البلاد". 

ووصف ما حدث في أفغانستان بأنه تواطؤ أميركي يراد منه الإشارة إلى أن المنطقة بحاجة للتدخلات الأميركية، متوقعاً أن يدفع انتصار "طالبان" الحركات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الظهور.
وترفض الإدارة الأميركية اتهامها بالتواطؤ مع حركة طالبان وتعتبر أن قرار الانسحاب صائب ويخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية.

تنافس استراتيجي 

من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، أن "عودة طالبان كانت متوقعة، ولكن ليس بهذه السرعة بدليل التفاوض معها في قطر، حيث كانت تسيطر على نصف جغرافية أفغانستان، وكان متوقعاً بسطها لنفوذها مجدداً في الأراضي الأفغانية بحسبان أن إدارتي دونالد ترمب وبايدن قررتا وجوب تقليص الوجود العسكري الأميركي في جميع أنحاء العالم، إذ توضح استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، أن التنافس الاستراتيجي بين الدول هو اليوم الشاغل الرئيس للأمن القومي الأميركي، وليس مكافحة الإرهاب". 

وأشار إلى أن الأهداف الأميركية بالانسحاب من أفغانستان لا تقتصر على أولوية التنافس الاستراتيجي بين الدول، بل تشمل خلق حالة من الفوضى في جنوب آسيا، فسيطرة "طالبان" تعني خلق مشكلات لروسيا والصين وإيران وحتى باكستان والهند، وهي دول منافسة لواشنطن.

وأضاف "طالبان قد توفر ملاذات آمنة لحركات متشددة مناهضة لهذه الدول، فروسيا قلقة من تنامي قوتها في آسيا الوسطى وشمال القوقاز التي ترتبط بعلاقة وطيدة مع طالبان أمثال حركة أوزبكستان الإسلامية والحركات الطاجيكية وغيرها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "كذلك نجد أن الصين قلقة من تصاعد قوة حركة تركستان الشرقية التي تمثل أقلية الإيغور في الصين، كما أن إيران قلقة على مصير أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان، ومن تنامي الجماعات الإيرانية البلوشية وغيرها، فيما تخشى باكستان عودة طالبان لأراضيها، والهند مرتابة من صعود القاعدة في شبه القارة الهندية، لذا فإن عودة طالبان إلى السلطة أزعجت أميركا، بخاصة من ناحية عدم قدرة استخباراتها على التنبؤ بالأمر وسرعة انهيار الجيش الأفغاني الذي صرفت عليه 84 مليار دولار".

ويرى صديق، أن "خيارات طالبان في تبني قيادة الجهادية العالمية تبدو مسألة معقدة في الوقت الحاضر، فهي لن تتخلى عن القاعدة التي تعيش حالة موت سريري، ولكنها أيضاً لن تقف مع تنظيم داعش أو تدعمه لأنها حاربته مرات عديدة. كما أن هناك خلافاً عميقاً بين الطرفين، فطالبان تنظيم محلي لا يعمل خارج حدوده، فضلاً عن أنهم أحناف ماتريدية، بينما داعش تنظيم أممي، وفي الوقت نفسه سلفي جهادي، لكن إذا فكرت طالبان في التخلي عن "الجهادية العالمية" سيدفع ذلك أعضاءها إلى الالتحاق بصفوف منافسها الشرس، داعش، وهو ما ستسعى لتجنبه، بالتالي ستجد نفسها مجبرة على القيادة ولو عن بعد، لكن بأهداف مختلفة عن حقبة ما قبل 11 سبتمبر (أيلول) 2001".

وزاد، "كما يجب النظر لالتزام طالبان بشروط الاتفاق مع واشنطن بمنع أي جماعة راديكالية مسلحة من استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للتخطيط لشن هجمات عليها وعلى حلفائها، أنه لا يعني تخلي طالبان عن احتضان الجماعات المتشددة، وإنما يشير إلى تحول الأهداف من مواجهة العدو البعيد إلى قتال العدو القريب"، منوهاً إلى أن "دعوة طالبان الحالية قد تكون صادقة في كثير من جوانبها وتعكس استفادة الحركة من مراجعات 20 سنة مضت، لكن العبرة بالواقع على الأرض، وقد تحدث خلافات داخل الحركة حول كثير من القضايا السياسية والاجتماعية، وقد يظهر من يريد أن تظل طالبان هي طالبان التسعينيات من القرن الـ20".

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، أن المواقف الغربية الحذرة من "طالبان" متوقعة لأنها تنظر إلى الحركة بمنظار تسعينيات القرن الماضي، ولذلك الحركة مطالبة بإظهار المرونة في كثير من القضايا لتجلب لنفسها اطمئنان الآخرين بخاصة الغرب الذي قد يفرض عليها عقوبات مجدداً أو لا يعترف بسلطتها أو يحاربها، قائلاً إن "مستقبلها رهن بقدرتها على إدارة الدولة بمهارة وحرفية وهي وجدت ترحيباً شعبياً عليها ألا تخسره بمواقف متصلبة، وعلى الغرب أن يعطي الفرصة للأفغان ليقرروا من يحكمهم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير