Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم قد يدمر حكومة بوريس جونسون وليس الفساد

حكومة بريطانيا مهددة بفقدان شعبيتها بسبب التضخم وتدهور المعيشة

بوريس جونسون (إلى اليمين) في زيارة لأحد تجمعات "شبكة السكك الحديد" أخيراً. أدين جونسون بـ"الخيانة" بعد أن قلصت حكومته تمويل مشاريع تطوير السكك الحديد (أ ف ب)

لم يكن التضخم طوال 30 عاماً مسألة سياسية إلى حد كبير في بريطانيا. وباستثناء القفزة الحادة الغريبة في سعر البنزين وبعض التضخم في أسعار الأغذية أثناء الأزمة المالية العالمية [بين عامي 2008 و2009]، بقي معدل التضخم عند مستويات متدنية لمدة طويلة إلى درجة أن كثيرين لا يستطيعون أن يتذكروا بالفعل الآثار المثيرة للذعر والمسببة للتعطل الناجمة عن التضخم المتسارع. ومن الواضح أن التضخم يجعل المدخرات تتآكل، ويشوه القرارات الاقتصادية، ويستنزف عموماً ثقة الأعمال والمستهلكين. وفي السباق بين الأجور ومعاشات التقاعد والمزايا من جهة، وتكاليف العيش من الجهة الأخرى، يفوز التضخم في العادة.

والآن، يتوجب علينا أن ننظر في تلك العوامل كلها، ونتابع الأخبار التي تفيد بأن معدل التضخم في المملكة المتحدة قفز بحدة إلى 4.2 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول)، ما يمثل الوتيرة الأعلى منذ عشر سنوات.

ويميل كل شيء إلى الاختلال حين يتسرب التضخم إلى النظام، على غرار نزلة برد شديدة تتفاقم وتصير التهاباً رئوياً. وحين تحدث دوامة على صعيد الأجور والأسعار، بمعنى أن ترتفع التكاليف ويطالب العاملون بزيادة في الرواتب، يصبح التضخم متوطناً ويضحى ترويضه أصعب. واستطراداً، من المستطاع القول، إن العلامات التي تشير إلى التضخم مختلطة، والأنباء الجيدة بخلاف ذلك تتعلق بنجاح برنامج الإجازات المدفوعة والانخفاض النسبي في معدل البطالة، لكن تخفف منها إيحاءات بأن بعض الشروط الخاصة بدوامة كتلك المتعلقة بالتضخم، ربما باتت تتراكم فعلياً. لقد حصلت بالتأكيد بعض التعديلات الصعودية في معدلات الأجور في بعض الوظائف (على الرغم من أن تحركات قطاعية كهذه يجب ألا تؤدي إلى استنتاجات أكبر مما ينبغي).

ومنذ سبعينيات القرن العشرين، حين قفز معدل التضخم فعلياً للمرة الأخيرة، يتلخص "علاج" التضخم في سياسة نقدية أكثر تشدداً تشمل معدلات للفوائد تكون أكثر ارتفاعاً في صورة عامة، واقتراض حكومي أدنى مستوى، وطلب مضغوط. وهكذا، فثمة كلام كثير عن رفع "بنك إنجلترا" معدلات الفائدة الآن بهدف خنق الطلب، ما يجعل من الأصعب على الشركات رفع الأسعار، ومن الأصعب على العاملين الفوز بزيادات في الأجور. ويؤمل عندئذ بخفوت التضخم. وفي الواقع سيكون لمعدلات الفائدة الأعلى أثر نفسي مبردة.

وإذا حالفنا الحظ، لن يكون على معدلات الفائدة، خصوصاً فيما يتعلق بفواتير الرهون العقارية وتكاليف تمويل الأعمال، أن ترتفع كثيراً للحصول على الأثر المرغوب فيه. وإذا لم يحالفنا الحظ، سيكون السبب أن المشاكل أكبر بكثير [من أن تعالج عبر معدل الفائدة]. واستطراداً، سيكون للسبب علاقة بالنواقص في العمالة وسلاسل الإمداد المعطلة بعد كورونا و"بريكست". وستدعو الحاجة إلى ضغط أكبر بكثير.

سياسياً، لا تستطيع الحكومة أن تفوز في الحالتين. فإذا لم يتخذ أي إجراء في شأن التضخم، فإنه سيتسارع وسيجعل الناس أفقر (على الرغم من أن الأغنياء، الذين يميلون إلى امتلاك أصول "حقيقية" مهمة كالعقارات والأراضي والأسهم، ستصيبهم تداعيات أقل). وإذا رفع "بنك إنجلترا" معدلات الفائدة أكثر بكثير، فتصل إلى المستويات التي اعتبرت طبيعية ذات مرة، كأن تكون أربعة في المئة أو أكثر، فسنشعر بالضغط أيضاً. ثمة شركات ستفلس، ووظائف ستلغى، وسيصبح الناس أفقر أيضاً.

وفي صورة عامة، إن ضعف ثقة الأعمال والمستهلكين، وازدياد تكلفة الرهون العقارية، وارتفاع أسعار البيوت والإيجارات، والتضخم وركود معايير العيش، تجعل الحكومات غير شعبية، فتتجه الأمور إلى الأسوأ. وفي صورة فريدة في الاقتصادات الرئيسة، تزيد المملكة المتحدة الحواجز التجارية مع أسواقها الكبرى، الأمر الذي يعيق بالفعل التعافي بعد "كوفيد". وكذلك فإنه سيخفض استثمارات القطاع الخاص، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الإنتاجية وزيادات الرواتب في السنوات المقبلة. ووفق ما توضح الأنباء الأخيرة في شأن "الخط السريع الثاني" للسكك الحديد وتحقيق"رفع المستوى "، يبدو أن الإنفاق الحكومي الضخم على البنية التحتية يفقد زخمه قبل أن يبدأ تقريباً. ومن شأن ذلك تالياً أن يجعل الحياة أصعب، لا سيما في الدوائر الانتخابية الموالية تاريخياً لحزب العمال التي قدم إليها حزب المحافظين وعوداً مسرفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، ستسوء الأمور قبل أن تتحسن. لقد برمجت الميزانية بعض الزيادات الضريبية، ومن المتوقع صدور المراجعة التالية لأسعار الغاز عن "مكتب أسواق الغاز والكهرباء" في الربيع المقبل. ومع حلول ذلك الوقت، من شبه المؤكد أن معدلات الفائدة ستكون أعلى كذلك. وسيقع بعض اللوم في شكل طبيعي على "بنك إنجلترا"، وهذا من المنافع السياسية لإعطائه استقلاله التشغيلي عام 1997. في المقابل، سيبقى متوجباً على حكومة بوريس جونسون أن تتحمل حصتها من المسؤولية. وستلي ذلك حتماً مرحلة مطولة إضافية من فقدان المحافظين للشعبية، إذ شكل ذلك رد فعل الاستطلاعات على اتجاهات اقتصادية كتلك السائدة حاضراً، حينما برز التضخم في المرة الأخيرة [السابقة على ما يحدث حاضراً] بوصفه إحدى مسائل العمل السياسي البريطاني.

وعلى الأرجح، فمن الصحيح أن السياسة النقدية قد لا تكون الطريقة الفضلى في معالجة النوبة الحالية من التضخم. ويتأتى ذلك من أن ضغط الطلب وسحب المال من الاقتصاد، لا ينجحان حقاً إلا حين يكون الاقتصاد في حالة كلاسيكية من النشاط المفرط، بمعنى وجود ازدهار استهلاكي وكميات كبيرة من المال الجديد تطارد العدد نفسه من البضائع. أما ما يحصل اليوم، فإنه اندفاع غير معتاد في التضخم يوجهه جانب العرض، بمعنى استمرار المستوى نفسه من الطلب مع وجود عدد أقل من البضائع. وكذلك يمكن التعبير عن الأمر نفسه باستخدام الوصف الذي قدمه بجلافة محافظ "بنك إنجلترا"، أندرو بايلي، إذ أشار إلى أن زيادة معدلات الفائدة لن توفر بالفعل مزيداً من البنزين أو رقائق أشباه الموصلات أو مزيداً من العاملين. في هذه الظروف، وأساساً عبر استخدام الأدوات الخطأ في إنجاز المهمة، سترفع معدلات الفائدة إلى مستويات عقابية بهدف خنق حالة سيئة من حالات التضخم، ما يهدد بحصول ركود.

وخلاصة، إنها نظرة قاتمة، لكن وعكة اقتصادية كهذه قد تصيب بسهولة الاقتصاد بالعدوى، وعلى الصعيد السياسي، قد تعزز الانطباع بأن الحكومة حكومة متخبطة، وتائهة، وغير كفؤة، ومسترضية لذاتها وقابعة في الحكم منذ مدة أطول مما ينبغي ولا تمتلك خطة اقتصادية.

إذاً، إن التضخم قد يدمر حكومة بوريس جونسون وحزبه، وليس الفساد.

 

© The Independent

المزيد من آراء