أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني الصادرة الأربعاء، ارتفاع معدلات التضخم خلال أكتوبر (تشرين الأول) إلى أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات.
ويشكل ذلك ضغطاً إضافياً على بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) كي يبدأ في تشديد السياسة النقدية، ربما في اجتماعه المقبل، لكبح جماح التضخم.
وأظهرت البيانات ارتفاع معدل التضخم الشهر الماضي 4.2 في المئة في مقابل 3.1 في المئة خلال سبتمبر (أيلول). وذلك أعلى معدل ارتفاع شهري في التضخم منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.
وجاء ارتفاع معدل التضخم أعلى بكثير من توقعات السوق، إذ كان مسح "رويترز" قد توقع معدل 3.9 في المئة، بحسب الاقتصاديين الذين استطلعت الوكالة آراءهم.
وبهذا المعدل الأخير يكون التضخم في بريطانيا قد تجاوز ضعف النسبة المستهدفة من قبل بنك إنجلترا، وهي عند اثنين في المئة.
وفور صدور البيانات ارتفع سعر صرف الجنيه الاسترليني إلى أعلى معدل له منذ فبراير (شباط) الماضي، لتصل قيمته أمام العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) إلى 1.19 يورو للجنيه، بزيادة تقارب نصف نقطة مئوية (0.4 في المئة).
ارتفاع الأسعار
ويقول كبير الاقتصاديين في مكتب الإحصاء الوطني غرانت فيتزنر، إن ارتفاع معدلات التضخم بشدة الشهر الماضي "جاء مدفوعاً بارتفاع قيمة فواتير الاستهلاك المنزلي من الطاقة".
وبحسب بيانات المكتب ارتفعت كلفة الكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى الشهر الماضي إلى 23 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أسهم قطاع الضيافة والترفيه في ارتفاع معدلات التضخم، إذ قفزت أسعار الفنادق والمطاعم 13 في المئة، وربما يعكس ذلك جزئياً الزيادة في ضريبة القيمة المضافة بعد نهاية فترة السماح والخفض التي طرحتها وزارة الخزانة، لتشجيع الاقتصاد في فترة الإغلاق بسبب كورونا.
أما مؤشر التضخم الأساس الذي يستثني أسعار الطاقة والغذاء، فارتفع أيضاً بمعدل كبير الشهر الماضي بـ 3.4 في المئة من 2.9 في المئة خلال سبتمبر (أيلول).
وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في معدل التضخم فإنها ربما لا تزيد كثيراً على توقعات بنك إنجلترا السابقة، فقد توقع البنك أن تصل معدلات التضخم خلال نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 4.5 في المئة، على أن تبلغ أعلى مستوى لها في أبريل (نيسان) العام المقبل 2022 عند خمسة في المئة، قبل أن تبدأ في التراجع.
ضغوط على البنك المركزي
ويزيد هذا الارتفاع الكبير في معدل التضخم من الضغوط على البنك المركزي البريطاني ليبدأ في تشديد السياسة النقدية أسرع من المتوقع، ويقاوم البنك تلك الضغوط معتبراً أن الارتفاع الحالي في معدلات التضخم "انتقالي" وليس مستداماً، وناتج من فورة النشاط ما بعد الإغلاقات بسبب كورونا.
ويبقي البنك على سعر الفائدة قرب الصفر (0.1 في المئة)، ويتوقع أن يبدأ الرفع التدريجي لنسبة الفائدة من فبراير (شباط) العام المقبل بزيادة 0.15 في المئة، لتصبح الفائدة عند ربع نقطة مئوية (0.25 في المئة)، على أن تصل إلى واحد في المئة بنهاية 2022.
كما أن البنك لم يبدأ بعد في خفض برنامج التيسير الكمي (ضخ السيولة في السوق عبر شراء السندات)، الذي يصل حجمه إلى ما يقارب تريليون وربع التريليون دولار (900 مليار جنيه استرليني)، على الرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بدأ بالفعل خفض برنامج شراء السندات البالغة قيمته 120 مليار دولار شهرياً.
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن كبيرة الاقتصاديين في شركة "كيه بي إم جي" في بريطانيا يائيل سيلفين قولها "إن تأكيد ارتفاع معدلات التضخم بأكثر كثيراً من النسبة المستهدفة عند اثنين في المئة قد يدفع بنك إنجلترا للبدء في رفع سعر الفائدة في ديسمبر (كانون الأول)، وذلك بعد أرقام سوق العمل القوية الصادرة هذا الأسبوع".
غير أن البنك المركزي ما زال يرى أن سوق العمل لم تصل بعد إلى مستويات تعني استدامة ارتفاع معدلات التضخم.
وفي شهادة أمام لجنة برلمانية هذا الأسبوع، قال محافظ البنك أندرو بيلي وعدد من أعضاء لجنة السياسات النقدية للنواب، إنه من المستبعد أن تشهد بريطانيا "معدلات تضخم عالية" كما حدث في سبعينيات القرن الماضي.
ولا يرى البنك المركزي ارتفاعاً في الأجور بالشكل الذي يجعل معدلات التضخم تواصل الارتفاع بقوة ولفترة طويلة، حتى إن أحد أعضاء لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي قال أمام النواب إن "ارتفاعاً مستمراً في الأجور والأسعار" غير وارد، لأن الناس "ليس لديها ما تنفقه".
لكن عدداً من الاقتصاديين والمحللين يرون أن ارتفاع الأجور فعلياً "قد يستمر"، مع نقص العمالة لشغل الشواغر في السوق وتنافس الأعمال على التوظيف، لكن أهم أوجه الاختلاف عن السبعينيات، كما يقول مسؤولو بنك إنجلترا، هو أن "الاقتصاد تغير ولم تعد قوة التفاوض الجماعي للعاملين" على زيادة الأجور كما كانت، وتلك إشارة إلى تراجع كبير في أعضاء النقابات العمالية والمهنية.