على الرغم من أن شوارع لندن أصبحت أكثر ازدحاماً مما كانت عليه في ذروة الإغلاق الذي تسببت فيه جائحة كورونا، فإن الصخب القديم الذي اعتادت عليه العاصمة العالمية لم يعد قائماً، فقد وجد مركز أبحاث "سنتر أوف ستيتز"، أنه بحلول منتصف الشهر الماضي، بلغ معدل الإقبال الأسبوعي على العمل خلال النهار في لندن 47 في المئة مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، وهي أهدأ في 65 بلدة ومدينة بريطانية قام بتحليلها المركز. ففي يورك، المدينة البريطانية التي تقع إلى الشمال الغربي من إنجلترا، على سبيل المثال، كان معدل الإقبال الأسبوعي على العمل 92 في المئة، ويساعد البحث في توضيح أسباب التعافي الاقتصادي غير المتكافئ في المملكة المتحدة، حيث امتلكت مدينة لندن أعلى معدل بطالة، 5.8 في المئة، في الأشهر الثلاثة حتى أغسطس (آب)، في الطرف الآخر من المقياس، تبلغ النسبة في جنوب غربي إنجلترا 3.4 في المئة.
صورة البطالة لا تزال مهمة، إذ أوضح أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، أن أي قرار برفع أسعار الفائدة من 0.1 في المئة يتطلب مزيداً من التحليل لتأثير الإجازات، لذلك ستكون بيانات الوظائف المرتقبة، والتي سيُعلن عنها، الثلاثاء، 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، مهمة لأنها ستتضمن الشهر الأخير من المطالبات لتغطية رواتب الموظفين في إجازة مؤقتة بسبب أزمة كورونا، في حين قد يمنح استطلاع نشرته مؤسسة "ريزوليوشن فاونديشين"، بعضاً من الارتياح لبنك إنجلترا، حيث وجد الاستطلاع أن 88 في المئة من الأشخاص الذين أجبروا على أخذ إجازة من العمل بسبب الأزمة في سبتمبر (أيلول) قد تم توظيفهم في الشهر التالي.
لكن سوق العمل معقدة أيضاً بسبب المكان الذي يعيش فيه الناس وأعمارهم ونوع العمل الذي يبحثون عنه، ما يجعلنا نتساءل عمن كان الرابحين والخاسرين بعد الوباء حتى الآن؟
لندن والآثار الاقتصادية
ونظراً لأن لندن تسهم بـ23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة، أعلى بكثير من حصتها البالغة 13 في المئة من السكان، فإن تعافيها من الوباء له آثار على الاقتصاد. وقال توني ويلسون، مدير معهد دراسات التوظيف لـ"ذا صنداي تايمز"، (IES): "أُغلقت المكاتب، وكثير من الوظائف تعتمد على إعادة فتح هذه المكاتب. ولقد تضررت الوظائف في قطاعي السياحة والطيران الدولي". وأشار ويلسون إلى أن تأثر القطاع الخاص كان أسوأ من نظيره العام. وأضاف مرة أخرى، "وسيكون لذلك تأثير أكبر على مدينة لندن، حيث إنها تعتمد بشكل أكبر على وظائف القطاع الخاص والعمل الحر".
وفقاً لبيانات من مكتبة مجلس العموم البريطاني، بأن 8 من الدوائر الـ10 التي شهدت أكبر زيادة في عدد الأشخاص المطالبين بإعانات متعلقة بالبطالة، كانت في لندن، في حين أن هذه الأرقام تستوعب المطالبين بمزايا أثناء العمل مثل الائتمان الشامل، ولا يتم تعديلها موسمياً، إلا أنها يمكن أن تساعد في رسم صورة عن نقاط الضغط في جميع أنحاء البلاد. وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد تعهد بـ"رفع المستوى" إذا استمرت لندن في التخلف عن الركب، ولكن هل يمكن أن تكون هناك تسوية بدلاً من ذلك؟
وقال ستيف هير، الذي يوظف 2000 في المقر الرئيس لشركة "سيج" في نيوكاسل و200 في لندن، إن الهدف يجب أن يكون للاقتصاد ككل، وأن ينمو بقوة، مضيفاً، "آمل أن يتم خلق مزيد من الثروة ومزيد من القيمة، بدلاً من إعادة توزيعها".
المناطق الحضرية تعرضت لضربة أقوى من الريفية
وتلقت المناطق الحضرية ضربة أقوى من المناطق الريفية، وفقاً لتحليل أجراه مركز السياسة التقدمية، وقال بن فرانكلين، المدير المشارك لمركز الأبحاث "سنتر أوف سيتيز"، إن هذا يرجع إلى أن المدن والبلدات البريطانية كانت أكثر عرضة للتأثر بإغلاق متاجر التجزئة والضيافة والترفيه. وأضاف فرانكلين، "إذا كنت من ذوي الدخل المنخفض في منطقة حضرية مكتظة بالسكان ولديها مستويات عالية من التعرض للفيروس، فمن المحتمل أن تكون قد تأثرت بشدة خلال هذا الوباء".
ويتفق توني ويلسون من معهد دراسات التوظيف "IES" على أن المناطق الريفية، "غالباً ما تكون محرومة من الناحية التاريخية"، ويقول، يبدو أنها حققت أداء أفضل نسبياً. وأضاف، "يعكس هذا على الأرجح نمو الوظائف في القطاع الصحي، والاختبار والتتبع، والنقل والتوزيع، والضيافة المحلية".
هناك أيضاً دلائل على أن مقاعد "الجدار الأحمر" التي سقطت في أيدي المحافظين في انتخابات 2019 لم تحقق أداءً سيئاً مثل المناطق الأخرى، مثل لندن، في ظل معاناتها ارتفاع معدلات البطالة. ومع ذلك، يأتي هذا مع تحذير. وقال فرانكلين، "إنهم بخير في ما يتعلق بالتعافي". وأضاف، "لقد رأينا معدلات تغير في البطالة لم تكن سيئة للغاية في هذه المقاعد وغيرها من الأماكن المحرومة، لكن مستويات البطالة لديهم لا تزال مروعة".
لنأخذ هارتلبول على سبيل المثال، وهي مدينة ساحلية كبيرة في مقاطعة دورهام، شمال شرقي إنجلترا، فقد ارتفع معدل المطالبات للحصول على إعانات البطالة بوتيرة أبطأ من أي مكان آخر، فقد بدأ عند مستوى أعلى قدره ستة في المئة، وهو الآن 6.8 في المئة. في حين أن معدل المطالبات للحصول على إعانات، وهي الأسرع خلال الوباء في توتنهام، المنطقة الإدارية لـ"هارينجي" في لندن، فقد كانت عند 4.7 في المئة، وهي الآن 11.3 في المئة.
من ناحية أخرى، هناك إشارات مقلقة على أن مقاعد "الجدار الأحمر" للمحافظين قد لا تكون أفضل حالاً نسبياً، ووجد ويلسون أن المناطق التي كان يوجد فيها عدد كبير من الأشخاص الذين يسعون وراء الوظائف الشاغرة أصبحت أكثر تنافسية الآن.
الشباب مقابل كبار السن
عندما تم فرض الإغلاق الأول في مارس (آذار) 2020، كان القلق حول التأثير على الشباب، الذين غالباً ما كانوا يشغلون مناصب منخفضة الأجر في الضيافة أو البيع بالتجزئة، لكن مع مرور الوقت تغيرت تلك الصورة. وقال تشايوي تشو من معهد الدراسات المالية، "الشباب هم الأكثر تضرراً في بداية الوباء، لكننا رأيناهم يتعافون جيداً، في حين أن العمال الأكبر سناً، أولئك الذين يقتربون من سن التقاعد، وجدوا صعوبة في التعافي"، وقد يكون بعض هؤلاء العمال الأكبر سناً قد انتهزوا للتو فرصة التقاعد مبكراً، وهو خيار غير متاح لأولئك الذين بدأوا في السلم الوظيفي.
تقلص الشباب الباحثين عن عمل وتراجع مطالبات الائتمان
وعلى الرغم من أن محنة الشباب قد تحسنت، فإن هناك بعض العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار، ووجد توني ويلسون، من معهد أبحاث السياسة العامة، أن عدد الشباب الباحثين عن عمل قد تقلص، ويرجع ذلك جزئياً إلى بقاء المزيد في التعليم، واستشهد ببيانات تظهر أن هناك ما يقرب من 200 ألف شاب في التعليم ولا يبحثون عن عمل عما كان عليه قبل الأزمة.
ووجد ويلسون أيضاً اختلافاً إقليمياً عن تحليل المطالبات الخاصة بالائتمان الشامل، والذي يتم دفعه للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 18 عاماً من ذوي الدخل المنخفض، سواء داخل أو خارج العمل، وارتفع النمو في مطالبات الائتمان الشامل للشباب في لندن والجنوب الشرقي، لكن المستويات الفعلية للمطالبات كانت أكبر في المدن الساحلية.
وكانت أيضاً هناك إشارات مقلقة بالنسبة للشباب الخريجين، حيث وجد معهد أرباب العمل الطلابي، الأسبوع الماضي، أن الشركات كانت تتلقى ما معدله 91 طلباً لكل وظيفة خريج، وهو أعلى رقم لكل فرصة عمل منذ أن بدأ الاستطلاع في عام 1999.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعاني منطقة ميدلاندز وسط إنجلترا نقصاً في المهارات، ويبحث كريس غرينو، المدير التجاري لشركة "أس دي أي تكنولوجي،"، عن نحو 10 موظفين لإضافتهم إلى 100 قوة عاملة في نشاط المعادن التي تتخذ من شروزبري مقراً لها. إنه لا يبحث فقط عن الشباب الذين هم خارج العمل للتسجيل في "كيكستارترز"، وهو مخطط وزير الخزانة ريشي سوناك، للشباب العاطلين عن العمل، ولكن عن العمال الأكبر سناً من ذوي الخبرة. وقال، "لا يمكننا العثور على الموظفين".
وبينما يرى غرينو مشكلة بالنسبة لمنطقته، فإن غرفة التجارة المحلية في لندن تفضل عدم التركيز على وضع العاصمة. وقال ريتشارد بيرج، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة في لندن، "إنها ليست مشكلة إقليمية، إنها تتعلق بالناس".
وفي وقت مبكر من الوباء، وجد المستشارون في ماكينزي أن 50 في المئة من الوظائف المعرضة للخطر كانت في وظائف غير ماهرة تدفع أقل من 10 جنيهات إسترلينية (13.4 دولار أميركي) في الساعة، عمال المتاجر، على سبيل المثال، أولئك الذين يعملون في مكاتب الخدمة، لكن الإجازة انتهت بحماية مزيد من هذه الوظائف أكثر مما كان متوقعاً، على الرغم من أن معدل البطالة للأشهر الثلاثة حتى أغسطس، البالغ 4.5 في المئة أعلى من 3.9 في المئة قبل أول إغلاق للوباء.
وظائف جديدة مقابل القديمة
من جانبه، تساءل بن فرانكلين من مركز السياسة التقدمية قائلاً، "هل تعود الوظائف منخفضة الجودة فقط؟"، وهو سؤال حاسم بالنسبة للحكومة التي تطمح إلى إنشاء قوة عاملة عالية المهارة وذات أجور عالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقال فرانكلين، "حدسي هو أنه من المحتمل أن تعود وظائف الضيافة، وأدوار الخدمات ذات الأجور المنخفضة".
وكان اتحاد التوظيف في بريطانيا قد كشف، الجمعة، عن رقم قياسي للوظائف المعلنة في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم رصد أكثر من 2.6 مليون وظيفة تم الإعلان عنها، مع أكبر ارتفاعات لمدربي القيادة وضباط السجون وسائقي شاحنات الرافعات.
وقد يبدأ هؤلاء الموظفون في البحث عن صفقات رواتب أفضل لمواكبة التضخم، والذي من المتوقع أن يصل إلى 3.8 في المئة في أحدث البيانات الصادرة يوم الأربعاء.
وتساءل فرانكلين مجدداً، "هل ستكون الشركات قادرة على الالتزام بالتعيينات الجديدة بالنظر إلى أنه من المحتمل أن تواجه ضغوطاً كبيرة في الأجور؟. وحذر كاربيري من أن تؤدي هذه المعضلة إلى عاصفة جديدة لسوق الوظائف.