Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مظهر بيه وحرمه" عرض يستدعي الماضي ليسخر من الحاضر

المسرحيات الكوميدية للفرق المصرية الخاصة تجذب الشباب وتمنح فرصة للهواة

من مسرحية "مظهر بيه وحرمه" المصرية (اندندنت عربية)

مجموعة من الشباب الذين يقف معظمهم على خشبة المسرح للمرة الأولى في حياته، قدموا عرضاً مسرحياً كوميدياً، تعاونوا معاً في إنتاجه، واستأجروا قاعة أحد المسارح وسط القاهرة، واعتمدوا على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لعرضهم، وكانت المفاجأة أن امتلأ المسرح بالجمهور، وحقق العرض نجاحاً، وأشار إلى مواهب عديدة تستحق أن تنال فرصتها في العمل.

هذه القصة تتكرر كثيراً في مصر، وهي طريقة أثبتت فاعليتها، في ظل حجب الفرص عن غالبية الموهوبين الذين يسعون إلى تقديم أنفسهم. بالتأكيد تتفاوت مستويات العروض، لكنّ فيها عدداً لا بأس به يأتي على مستوى جيد، ومنها ما شارك في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الأخيرة، ونافس المحترفين، ونال استحسان الجمهور والنقاد، وحصل كذلك على جوائز كعرض" أنا مش مسؤول"، الذي نال مخرجه محمد جبر جائزة أفضل مخرج في هذا المهرجان.

معاناة الهواة

كل هذه العروض تقريباً تميل إلى الجانب الكوميدي الذي يغري الشباب وأسرهم بالذهاب إلى المسرح، بخاصة أن أسعار التذاكر غالباً ما تكون بسيطة وفي متناول الجميع.

أبرز ما تعانيه مثل هذه الفرق المسرحية هو التجاهل الإعلامي والنقدي لأعمالها، الإعلام دائماً ما يميل إلى الاهتمام بالنجوم، تغريه الأسماء بالمتابعة والحضور، أما النقاد فلديهم توجس دائم من عروض مسرحية يقدمها هواة، ويخشون ضياع الوقت في مشاهدة عروض ربما لا ترضي ذائقتهم، أو إن أرضتها لا تجد من يتحمس لنشر مقال أو حتى متابعة خبرية عنها.

لا تكاد قاعات المسارح الخاصة، التي يلجأ إليها شباب الفنانين في القاهرة، تخلو يومياً من عرض تقدمه فرقة هواة، حتى إن هذه القاعات صارت مقصداً لكل مشاهد يبحث عن عرض كوميدي لا يكلفه الكثير من المال. ولا بأس إذا لم يلب العرض احتياجاته المقصودة، فهناك غيره، والخسارة المالية محدودة ولا تمثل عبئاً كبيراً عليه.

ورشة ارتجال

على مسرح الهوسابير قدم المخرج الشاب عمرو حسان، وهو مخرج محترف تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، عرضاً كوميدياً بعنوان "مظهر بيه الأرناؤوطي وحرمه"، وهو نتاج ورشة ارتجال شارك فيها مجموعة من الممثلين الهواة، وصاغ النص وكتب أشعاره أيمن النمر، وصمم ديكورات العرض محمد فتحي، والإضاءة لعز حلمي.

يطرح العرض قضية مهمة تتعلق بهذا الجيل الجديد الذي ينعم بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنه، في الوقت نفسه، يستشعر خطرها وتأثيرها السلبي، على حياته الاجتماعية بخاصة. ويعقد مقابلة بين الحاضر والماضي من خلال استحضارشخصيتي الجد والجدة، لتوضيح الأثر السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على حياته. فضلاً عن قضية فرعية أخرى تتعلق بسفر الوالدين للعمل في الخارج وترك أبنائهما من دون رعاية، ما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية خطيرة. وكل ذلك في إطار كوميدي يعتمد على المفارقات التي يحدثها استدعاء الجد والجدة، وينتصر العرض للماضي، بخاصة على المستوى الاجتماعي، وكأن هذا الجيل الجديد يشعر بالغربة عن واقعه، وبضياع هويته. كأنه يدين واقعه البارد هذا، ويتوق إلى لحظات إنسانية أكثر دفئاً، أفقدته إياها وسائل العصر الحديث.

هشاشة "تيك توك"

يسخر العرض أيضاً وبشدة من وسائل التواصل التي شوهت أفكار الشباب، فيقدم مشاهد من "التيك توك" مستعرضاً هشاشتها وضحالة أفكارها وموضوعاتها، على رغم أنها تحقق "التريند"، وتحقق لصناعها مكاسب مالية وفيرة. وهذا ما يشير إلى السطحية التي باتت تحكم الواقع الآن، ذلك الواقع الذي لا يطفو على سطحه وينال شهرة ومالاً سوى أصحاب المواهب المحدودة.

لم يسقط العرض في فخ الانحياز المطلق إلى الماضي، فثمة مستحدثات إن تم استخدامها بشكل حسن، تمثل إضافة مهمة إلى الحياة. الهاتف المحمول على سبيل المثال، تخيل صناع العرض وجوده في الزمن الماضي، من خلال استعراض بعض المشاهد من الأفلام القديمة، التي كانت أزمتها الأساسية عدم وجود وسيلة اتصال حديثة، طارحين السؤال: ماذا لو كان الهاتف المحمول موجوداً وقت تصوير هذه الأفلام، ومنها مثلاً فيلم "حياة أو موت"، بطولة عماد حمدي، الذى يمرض ويرسل ابنته لاحضار الدواء له، ويقوم الصيدلي حسين رياض، بتحضير الدواء وبعد أن يعطيه للابنة، يكتشف أن التركيبة التى قام بتحضيرها تركيبة سامة، فيسارع إلى حكمدار العاصمة (يوسف وهبي) ويستنجد به للوصول إلى الابنة حاملة الدواء السام لوالدها، فيضطرالضابط إلى الاستعانة بالإذاعة لتنبيه الوالد أو ذويه إلى الخطورة التي في الدواء.كل هذه المشاهد تم تجسيدها على خشبة المسرح وفق سياق درامي منضبط، كان خيطه الأساسي حضور الجد والجدة، ووضعهما أمام اختبار الحداثة أو بمعنى أدق "العصرنة" لوضع المشاهد، بالتالي، في مقارنة بين زمنين، وهي مقارنة في الغالب ليست في صالح الحاضر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم كثرة المشاهد وتواليها فقد نجح مصمم الديكور محمد فتحي في إيجاد حلول بسيطة لا تربك هؤلاء الممثلين الهواة، ولا تشكل عبئاً على إيقاع العرض. وجاء تصميمه الأساسي ومنظره الوحيد واقعيين، عبارة عن صالة بيت في عمق الخشبة، واستغل مقدمة المسرح وجانبيه في تقديم بعض المشاهد من خلال موتيفات بسيطة يتولى الممثلون إدخالها وإخراجها من دون أي ارتباكات أو هفوات تفسد الأمر.

بحث اجتماعي

مثل هذه العروض جديرة بأن توضع على مائدة البحث الاجتماعي، فهي على رغم بساطتها تعكس القلق الوجودي الذي ينتاب الشباب، فيلجأ إلى السخرية المرة من واقعه الذي لبى له احتياجاته المادية وسهل له كثيراً من الأمور التي كانت مستعصية على أجيال سابقة. لكنها في الوقت نفسه نزعت عنه الدفء الإنساني والحياة البسيطة التي عاشها آباؤه وأجداده ونعموا بهدوئها.

كان العرض هو التجربة الأولى لأغلب الممثلين، وعلى رغم ذلك فقد نجح المخرج في إعدادهم بشكل جيد، وتوظيف كل منهم في دوره المناسب، وتشكيلهم معاً كفريق متجانس امتلك الجرأة على مواجهة الجمهور من دون أن يرهبه الموقف، فجاء الأداء منضبطاً إلى حد كبير. وأسهم في ذلك أيضاً وجود ممثل (رضا طلبة) صاحب خبرة أدت إلى ضبط الإيقاع، وعدم الإسراف في انتزاع الضحك. وقد احتاج العرض، على رغم ذلك، إلى بعض التكثيف، بخاصة في جزئه الأخير الذي طال من دون مبرر درامي، اللهم إلا رغبة المخرج في منح مساحات أكبر لبعض الممثلين، أو إفهام الجمهور في النهاية أن ما حدث أمامهم من حضور للجد والجدة، كان مجرد خيال، وهو ما جاء على حساب الدراما.

هناك نهايتان للعرض، الأولى عندما ضاق الجد بالحاضر واكتشف هشاشته وطلب تمزيق صورته التي تم استدعاؤه من خلالها، وهي نهاية دالة وموجزة أوصلت رسالة العرض. ثم نهاية أخرى يعود فيها العرض إلى مشهده الافتتاحي، حيث تجتمع الأسرة وتقلّب في ألبوم صور العائلة، وهي نهاية مجانية لا تضيف جديداً إلى العرض، أما عنوان العرض نفسه "مظهر بيه وحرمه" فيحتاج إلى إعادة نظر حيث لا يعبر عن مجريات الأحداث بشكل جيد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة