Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرصة لمواجهة التحدي بموقف وطني لبناني

السياسة المطلوبة ليست التسليم بالواقع الخطير بل العمل على تغييره

لبنان لا يستطيع التخلي عن هويته وانتمائه (رويترز)

في كل أزمة فرصة... وأزمة العلاقات اللبنانية مع السعودية ودول الخليج هي امتحان لنا في مادة السيادة والمصلحة الوطنية، وفرصة لمراجعة المواقف وإصلاح العقد الداخلية. وأسوأ ما نفعله هو التصرف كأن هيمنة "حزب الله" التي قادت إلى الأزمة قدر لا يُرد، ونقطة على السطر. فالسياسة الواقعية ليست التسليم بالواقع الخطير بل العمل على تغييره. والأمر الواقع المفروض على لبنان بما يسمى "فائض القوة" لدى "حزب الله" خطر وخطير. وما يكمل خطورته هو إدعاء القوة عند المتفقين معه والشعور بقمة الضعف عند المستسلمين له، سواء بالحرص على تجنب "الفتنة" المدمرة أو بالخوف على مصالح فئوية. فلا من أجل التأكيد فقط نص البند "ب" من مقدمة الدستور بعد اتفاق الطائف على أن "لبنان عربي الهوية والانتماء". ولا من باب التهويل فقط كشف حسن نصر الله عن وجود "مئة ألف مقاتل"، وتكرر في مواجهة المجتمع المدني والطوائف الأخرى هتاف "شيعة شيعة"، وفاخرت طهران بأنها تحكم "أربع عواصم عربية" بينها بيروت، وأن "مستقبل المنطقة للمقاومة الإسلامية".

مراجعة المواقف

ذلك أن لبنان لا يريد ولا يستطيع التخلي عن هويته وانتمائه والهرب من نفسه وتاريخه ومصلحته الوطنية. و"حزب الله" لا يستطيع إلغاء هوية لبنان وأخذه إلى إيران تحت عنوان "محور الممانعة والمقاومة"، لا من باب الحوار والعلاقات الطبيعية بين بلدين. هو استطاع تعطيل الحياة السياسية واللعبة الديمقراطية والتحكم بلبنان والمساهمة في إيصاله إلى أعمق أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية ووطنية. واستطاع ويستطيع تأزيم علاقات لبنان مع أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين، لأن قطيعة لبنان عن العرب والغرب تخدم المشروع الإيراني الذي يعمل له. لكن "حزب الله" لا يستطيع أن يحكم لبنان مباشرة من دون غطاء طائفي رسمي. فهو عاجز عن تحمل مسؤولية الحكم تجاه المحكومين. وخائف من حرب أهلية يخسر فيها الجميع ومهدد بقطيعة عربية ودولية كاملة وبحرب إقليمية لا يريدها ولا يمكن تجنبها، إن لم يعقد تسوية إقليمية تريح أميركا وإسرائيل وتطوي الخطاب الإيراني "المقاوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن هنا تبدأ مراجعة المواقف وعبور الامتحان بنجاح. فلا الاكتفاء بالحد من الخسائر والأضرار بات يكفي. ولا البلد قادر على أن يتحمل استمرار الأمر الواقع والاندفاع في المسار الانحداري المالي والاقتصادي والاجتماعي، ولو لم تكن هناك أزمة علاقات مع السعودية ودول الخليج. والخيار محدد: إما تحرير "الدولة من الهيمنة اللاشرعية، بحيث تستعيد قرار الحرب والسلم وممارسة السيادة والسياسة الخارجية" وما سماه ماكس فيبر "احتكار العنف الشرعي"، وإما التخلي عن كل السلطة وتسليم "حزب الله" مفاتيحها، بحيث يتحمل المسؤولية التي يحمّلها حالياً لسواه، ويدفع ثمن ما يقوم به من أفعال وسياسات بدل أن يدفعها لبنان في الوضع الحالي.

سياسة التأزيم

ولا جدوى من الهرولة في طلب الوساطات العربية والدولية والدعوات إلى الحوار لتسوية الأزمة في السعودية ودول الخليج. فالأساس لأي وساطة أو حوار هو قدرة السلطة على اتخاذ موقف وطني يحمي المصلحة اللبنانية العليا، ويحافظ على مصالح الأشقاء العرب وعلاقات لبنان معهم. وليس هناك، حتى إشعار آخر، مثل هذا الموقف. لا في مجلس الوزراء، ولا في المجلس النيابي. وما نراه هو إصرار "حزب الله" وحلفائه على سياسة التأزيم، ورغبة الأطراف الأخرى في مواقف يعبّر من خلالها كل طرف عما يراه مصلحته الشخصية أو الفئوية.

وقمة العبث هي السعي لدى قوى دولية وأطراف محلية تحت عنوان: امنعونا من الاستقالة. فالحكومة التي تطلب أميركا وفرنسا وألمانيا، وحتى إيران بقاءها ويعمل الرئيس نجيب ميقاتي للحفاظ عليها مشلولة لا تستطيع أن تعمل. وأبسط ما ينطبق عليها هو المثل الروسي القائل: "فات الوقت لكي تتمنى الصحة الجيّدة لرجل وأنت تسير في جنازته".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل