Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخبط في تعامل لبنان مع الغضب الخليجي و"استقواء" بالأميركيين

التأخر في معالجة غلطة قرداحي وانتظار الوساطات يطرح استقالة حكومة ميقاتي

الانتظار هو سمة الموقف عند حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في أزمة لبنان مع السعودية والدول الخليجية باستثناء سلطنة عُمان، بعد الإجراءات التي أخذتها والتي تؤدي عملياً إلى عزل البلد كرد فعل على هيمنة "حزب الله" على السلطة في لبنان، وفق ما وصف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.

لكن سياسة الانتظار التي تتوخى وساطات أجنبية أو عربية مع الرياض، هي الوجه الآخر لإحجام السلطة اللبنانية والحكومة عن اتخاذ الموقف والخطوات المطلوبة من أجل تصويب خروج فرقاء لبنانيين في طليعتهم "حزب الله"، عن تقاليد السياسة الخارجية اللبنانية على مر التاريخ، والتي من مبادئها ضمان العلاقة السوية مع الدول العربية والخليجية خصوصاً، بما يضمن عدم المس بأمنها واستقرارها، فكيف إذا كانت دولة كبرى مثل السعودية تتعرض للقصف شبه اليومي من الحوثيين المدعومين من إيران والحزب بالمسيرات المفخخة والصواريخ الباليستية على المنشآت المدنية من مطارات ومصافي نفط ومناطق سكنية، في وقت يتم تدريب الحوثيين على يد عسكريين خبراء من الحزب نفسه، الذي يحتضن حضورهم السياسي والعسكري والإعلامي في لبنان، حيث تبث فضائية "المسيرة" التابعة لهم ومحطة أخرى، من منطقة بئر حسن في ضاحية بيروت الجنوبية، ويتلقون التوجيهات من الأمين العام للحزب حسن نصرالله في كثير من التفاصيل.

رأس جبل الجليد... والخسائر تفاقم الأزمة

بات واضحاً أن الرياض والدول الخليجية التي سحبت سفراءها وطلبت من سفراء لبنان مغادرة أراضيها، وحظرت سفر مواطنيها إلى البلد وطلبت منهم مغادرته، تعتبر أن التصريح الذي أدلى به وزير الإعلام جورج قرداحي بالانحياز إلى الحوثيين في حرب اليمن، واتهام السعودية ودولة الإمارات بشن "عدوان" على اليمن، هو رأس جبل الجليد في المشكلة التي تتحكم بالعلاقات اللبنانية - الخليجية، فيما التعاطي اللبناني الرسمي بقي دون مستوى وحجم الأزمة، وسط قصور عن التعاطي معها واستيعاب مدى خطورتها.

وعلى الرغم من أن الإجراءات الخليجية تقود إلى خسائر اقتصادية ومالية لبنانية كبيرة بعد قرار منع الواردات على أنواعها من لبنان، فإن هذه الخسائر تضاف إلى تفاقم صعوبات اللبنانيين الاقتصادية والحياتية جراء الأزمة الحادة التي يمر بها منذ أكثر من سنتين، فيما يحول عدم الاستقرار السياسي من دون التوافق على حلول تطلق خطة للتعافي بالاتفاق مع المجتمع الدولي الذي يشترط إصلاحات ما زال هناك خلاف عليها، وقرارات أهمها إبعاد لبنان من الصراعات والأزمات الإقليمية بتنفيذ فعلي لسياسة النأي بالنفس عن هذه الصراعات، فالأرقام عن خسائر لبنان جراء الإجراءات الخليجية تفيد بأن لبنان سيخسر ما يقارب المليار دولار (الرقم المعلن 970 مليون دولار) قيمة البضائع التي يصدرها إلى دول الخليج، سواء كانت صناعية أم منتجات زراعية من الخضراوات والفاكهة التي منعت من دخول السعودية منذ أبريل (نيسان) الماضي، بعد اكتشاف السلطات السعودية تهريب الكبتاغون في شحنة رمان، وكان مقدراً لأن تزداد قيمة الصادرات اللبنانية الصناعية هذه السنة عما كانت عليه السنة الماضية، كما أن القطاع الصناعي سيخسر استيراده من السعودية مواد أولية يستخدمها في بعض السلع المصنعة في لبنان، على ما أفادت جمعية الصناعيين اللبنانيين.

تأخر المعالجات إرضاء لـ "حزب الله"

وفي رأي قيادات سياسية معارضة للحكم والحكومة، فإن الأخيرة تأخرت كثيراً في إجراءاتها فور الإعلان عن الغضب السعودي والخليجي إزاء تصريحات قرداحي، فيما زاد الأخير الطين بلة برفضه الاعتذار ثم امتناعه عن الاستقالة، وطلبه مقابلاً لهذه الخطوة أو ضمانة بأن الأزمة ستنتهي، وكأن الجانب اللبناني يطلب ثمناً لتصحيح موقف ينحاز إلى حرب تخوضها إيران في اليمن عبر الحوثيين من أجل إحداث تغيير في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وهو ما يتسبب باستنفار عربي، بدليل أن الجامعة العربية شكلت قبل سنوات لجنة وزارية لرسم سياسة إجراءات حيال التدخلات الإيرانية في الدول العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي رأي هؤلاء المعارضين أنه على الرغم من إيحاء الرئيس ميقاتي بأنه طلب من قرداحي الاستقالة، فإن الجانب اللبناني يتعاطى مع الأزمة بوتيرة تؤجل القرارات المطلوبة، بحيث تصبح غير ذي فائدة نتيجة العجز عن الحسم فيها، فاعتذار قرداحي الذي كان يجب أن يحصل فور بث شريط مقابلته التي دافع فيها عن الحوثيين، تأخر على الرغم من نصحه من فريق سياسي مقرب منه بالاعتذار الفوري، فصار المطلب أن يستقيل. وتأخره في الاستقالة حولها إلى موضوع تجاذب بين القيادات المارونية حول من يستفيد منها، رئيس الجمهورية ميشال عون أم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي صرح بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي للبحث في استقالة قرداحي قائلاً، "لن أقبل تقديم جورج قرداحي فدية"، كما أن عدم إقدام قرداحي على الاستقالة نتيجة إصرار "حزب الله" على بقائه مقروناً بتصعيد الهجوم على السعودية على لسان قيادييه وبعض نوابه. وفيما يتردد أن عون يرغب في استقالة قرداحي وكذلك "التيار الوطني الحر"، لكنه يوحي برفض ذلك إرضاء لـ "حزب الله" الذي هدد بأن الوزراء الموالين له سيستقيلون إذا نجحت الضغوط في دفعه إلى التنحي، في وقت نصح ميقاتي بعدم الاستقالة كاحتمال طُرح إذا أصر قرداحي على البقاء.

فليحكموا لوحدهم

ومهما كانت التفسيرات لتأجيل تنحي قرداحي فإن هذا الأمر بات يطرح مسألة استقالة الحكومة، الأمر الذي خضع لتجاذبات محلية وخارجية، وفضلاً عن أن عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط نصحوا ميقاتي بعدم الاستقالة بحجة صعوبة تشكيل حكومة من بعدها، فإن الداعين إلى إقدام رئيس الحكومة على هذه الخطوة يرون أن بقاءها أو رحيلها سيان، طالما أنها معطلة وممنوعة من الاجتماع بسبب تعليق الوزراء الموالين لـ"حزب الله" وحركة "أمل" (الثنائي الشيعي) حضورهم اجتماعها إذا لم ينفذ مطلبهم بإقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ طارق بيطار.

وفي اعتقاد الداعين إلى استقالة الحكومة أنه من الأفضل ترك "حزب الله" وحلفائه يحكمون البلد لوحدهم، ليتحملوا هم مسؤولية تدهور أوضاعه وتبعات السياسة التي ينتهجونها بالانحياز إلى السياسة الإيرانية، مع ما يرتبه ذلك على لبنان واللبنانيين.

التخبط و"الاستقواء" بالأميركيين

ويأخذ منتقدون على تلكؤ ميقاتي في الإقدام على موقف حاسم، ويعتقدون أنه كان عليه الإصرار على إقالته وإلا استقالة الحكومة، لأن إضاعة الوقت وتأجيل القرارات الحاسمة في انتظار عودته من مشاركته في قمة المناخ في غلاسكو في اسكتلندا، كلها تسهم في تعميق المشكلة مع دول الخليج.

وجرت تعبئة الوقت في انتظار عودة ميقاتي بكثير من التخبط والتصريحات التي زادت من الحرج تجاه دول الخليج، فمن الخطوات التي كان لها مفعول عكسي طلب ميقاتي من وزير الخارجية عبدالله بو حبيب ترؤس خلية أزمة وزارية في غيابه، اجتمعت في "الخارجية" بتاريخ 31 أكتوبر (تشرين الأول)، أي بعد خمسة أيام من اندلاع الأزمة، وحضرها وزراء "المال" يوسف الخليل و"الداخلية" بسام الولوي و"التربية" عباس الحلبي و"الاقتصاد" أمين سلام، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، لكن ما لبث بوحبيب أن أعلن فشلها بعدما انسحب منها وزير المال، وإثر اعتراض بعض أعضائها على طلبه حضور اجتماعها القائم بالأعمال الأميركي في بيروت مايكل ريتشارد، في خطوة علق عليها أكثر من وزير وسياسي بأنها غلطة دبلوماسية، لأنها تستبطن "استقواء" من قبل لبنان على دول الخليج بالولايات المتحدة الأميركية، وسيكون لها مفعول عكسي على الرغم من اعتبار بوحبيب أن واشنطن قادرة على لعب دور مع السعودية لتليين موقفها حيال لبنان.

وعُلم أن طلب وساطة أميركا كان له صدى سلبي لدى بعض الدول الخليجية التي أخذت إجراءات ضد لبنان، لم يتأخر بعض مسؤوليها في التعبير عنه في اتصالات مع سياسيين لبنانيين.

ورجح قطب سياسي لبناني أن ينسحب الانزعاج من الاستعانة بالأميركيين على سلسلة اللقاءات التي أجراها ميقاتي في غلاسكو مع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومن التسريبات أنها تناولت بين مواضيع عدة أزمة لبنان مع دول الخليج، وكذلك لقاؤه أمير قطر تميم بين خليفة آل ثاني، إذ أشارت معلومات من أوساط رسمية إلى أن الأخير وعد رئيس الحكومة اللبنانية بإيفاد وزير الخارجية القطري إلى بيروت من أجل البحث في سبل معالجة الأزمة.

وفيما قال الوزير بوحبيب إن الوساطة الوحيدة المطروحة حالياً هي الوساطة القطرية، فإن تصريحات الوزير اللبناني عن أن لبنان "يفضل الحوار مع السعودية على الإملاء"، سيكون لها رد فعل هي الأخرى، خصوصاً أنه قال لـ"رويترز" إن السعودية "تملي شروطاً مستحيلة بالمطالبة بالحد من دور حزب الله، وإذا كانوا يريدون رأسه فنحن لا نستطيع أن نعطيهم إياه"، مشيراً إلى أن "الحزب لا يهيمن على البلد، وهو مكون سياسي يلعب سياسة ولديه امتداد عسكري إقليمي لكن لا يستخدمه في لبنان"، وهي مواقف يعتبرها معارضو دور الحزب تكريساً لانصياع وزراء في الحكومة خصوصاً الموالين للرئيس عون، لهيمنة الحزب، ويلومون رئيس الحكومة لعجزه عن وضع حد لتوجهاتهم.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي