Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف قام فيلم "سبنسر" ومسلسل "التاج" والإنترنت بتحويل الأميرة ديانا إلى ملكة "الجيل زد"

فيما تغدو كريستين ستيوارت أحدث شخصية "كويرية" وقريبة من عالم الـ"ميمات" تؤدي دور ديانا في عمل درامي عن حياتها... آدم إنغلاند يرصد كيف غدت شخصية الأميرة بطلة في ثقافة البوب بالنسبة لجيل شاب لم يكن قد ولد حين رحلت

ملكة الميم: الأميرة ديانا عام 1995 وكريستين ستيوارت (على اليسار) في فيلم "سبنسر" وإيما كورين (على اليمين) في "التاج" (غيتي)

"هل مات الجدول الزمني؟"، سأل أحدهم في تغريدة على "تويتر" انتشرت على نحو واسع في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وجاء في تغريدة أخرى، "هنا تذكير يؤكد وجود هذا المقطع الدعائي. أجل، ستفوز فعلاً بجائزة أوسكار". وفي تغريدة إضافية جاء، "أتمنى للجميع مشاهدة سعيدة لهذا المقطع الدعائي على الأقل لخمس مرات اليوم". يمكن للمرء أن يتوقع قراءة تغريدات من هذا النوع بعد نشر مقطع دعائي لفيلم على "نتفليكس" تدور أحداثه ربما في مدرسة ثانوية، أو فيلم يلعب دور بطولته أحد نجوم "الجيل زد" Gen-Z (مواليد مطلع التسعينيات) الأيقونيين مثل "زيندايا"، لكن ما لم يكن متوقعاً أن تأتي هذه التغريدات، كما جاءت في الواقع، تعليقاً على فيلم "سبنسر" Spencer، الدراما التاريخية التي تتناول الأسرة الملكية البريطانية.

ولاستبعاد هذا التوقع (توقع أن تكون التغريدات متعلقة بفيلم "سبينسر") الأمر يتطلب تجاهل الشعبية المتزايدة – حتى بعد 25 سنة من رحيلها – للمرأة التي يتمحور حولها الفيلم: الأميرة ديانا، إذ حين أطلق لأول مرة المقطع الدعائي المكتمل لـ"سبينسر" في سبتمبر الماضي بدت الإثارة واضحة بأوساط الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي. وهذه الدراما المنتظرة التي تؤدي فيها كريستين ستيوارت دور الأميرة الراحلة، تدور أحداثها خلال عطلة نهاية أسبوع سنة 1991، إذ كانت ديانا تخطط لإنهاء زواجها من الأمير تشارلز. وستيوارت كانت على مدى فترة طويلة نجمة مفضلة للمراهقين بفضل أفلام "توايلايت" Twilight. إلا أن الحماسة اليوم بانتظار الفيلم الجديد لم تأتِ فقط بسبب أداء ستيوارت للدور الرئيس، بل أيضاً، وعلى نحو متعادل، لأن الفيلم عن أميرة الشعب. فعلى الرغم من أن أكثرية أفراد "الجيل زد" – المولودين عموماً بين سنة 1997 ومطلع العقد الأول من الألفية الثانية – لم يكونوا موجودين حين توفيت ديانا جراء حادث سيارة في باريس بشهر سبتمبر 1997، غير أن الأميرة الراحلة تحظى بشعبية كاسحة في أوساط البالغين الشبان.

صفحات لا تحصى على "فيسبوك" خصصت لتكريمها، ومجموعات أطلقها أفراد من الجيل الجديد تتسابق لتحيتها، فتمنحها لقب "آر دي" Ar Di على طريقة الجدات حين يذكرن فرداً محبوباً من العائلة. كما يتداول أفراد الجيل الجديد أيضاً "ميمات" كثيرة تتعلق بها (بديانا). المجموعة الأبرز من تلك المجموعات تحمل اسم "برنسيس ديانا" Princess Diana – "لكي تحيا ذكراها" (لا يسمح بدخول الأوغاد)، وتضم المجموعة نحو 45 ألف عضو، معظمهم متخففو المزاج. وإن جال المرء في هذه المجموعة سيرى تعليقات وجدانية متنوعة – غالباً ما تصدر من محبين تقليديين للأسرة الملكية – متداخلة مع تعليقات هازئة وعابثة. وسيرى المرء أيضاً صور مشاهير – مثل دينيس ويلش أو إيوغان كويغ التي شاركت مرة في مسابقات "إكس فاكتور" X Factor – وقد نشرت بحجة الحديث عن ديانا، أو عن حالة المتاجر الخيرية المحيرة (منذ رحيلها) وعن الكنوز الدفينة المنسية التي تذكر بزواج الأميرة.

وتحاكي التعليقات والمنشورات بالدرجة الأولى الأسلوب الذي يعتمده الـ"بوميرسبيك" boomerspeak، أو الـ"بيبي بوميرز" – أي الذين وُلدوا بين منتصف الأربيعينيات ومنتصف الستينيات – على الإنترنت، إذ غالباً ما تختلط في أوساطهم الـ"ميمات" المتعمدة الساخرة والعابثة، التي يُولع بها أفراد "الجيل زد". وطبعاً يأتي كل تعليق ومنشور مقروناً أيضاً بجرعة من الحب – وذاك قد يعبر عنه بأسلوب التفافي (موارب وغير مباشر) قد لا يفهمه الغرباء. على أن بعض الأشخاص من الأخيرين (الغرباء) قد يكون موجوداً أيضاً ضمن تلك المجموعات: وهم مناصرون ملكييون مطمئنون، لا يفهمون في الغالب التعبيرات العاطفية تجاه الأميرة ديانا الصادرة من معجبين أصغر سناً. وتلك التعابير المتباينة يمكنها استدعاء حالات سوء فهم مضحكة، فيتم إذاك تصوير التعليقات والمواد الأخرى (تصوير بواسطة شاشة الهاتف)، وإعادة نشرها لأهداف مختلفة على منصات التواصل الاجتماعي.

وبموازاة صعود موجة المعجبين المعاصرة بالأميرة ديانا، كان هناك أعمال صورت الأميرة على نحو روائي في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. في هذا الإطار حقق مسلسل "التاج" The Crown على "نتفليكس" نجاحاً باهراً، حيث لاقت إيما كورين استحساناً لأدائها دور ديانا في الموسم الرابع من المسلسل، الذي أطلق منذ سنة. وقد استدعى المسلسل المذكور عدداً من الـ"ميمات": أبرزها جاء إثر الحلقة الثالثة من ذاك الموسم (الرابع) حين قام الأمير تشارلز، الذي أدى دوره جوش أوكونور، بطلب يد ديانا، وتختم الكاميرا المشهد بوجه كورين المبتسم، وعيناها تتلفتان يمنة ويسرة. وقد أثبت ذاك المشهد أنه يصلح كمادة مثالية لـ"ميم"، فحظي مقطع المشهد الأصلي (المستل من "التاج") بأكثر من 2.5 مليون مشاهدة في يوم واحد حين نشر على "تويتر".

 

 

وهذه لم تمثل الواقعة الأولى التي تصادمت فيها موجة الإعجاب بـديانا بالثقافة الرقمية. ففي سنة 2017، حظي أحد مستخدمي "تويتر" المدعو @Deno_Tron بانتشار واسع جداً على تلك المنصة، بعد أن عرض مزاراً للأميرة ديانا في غرفة نوم شريكه بالسكن، وذلك قبل وقت قليل من عودة الصديق إلى البيت برفقة من يواعده. وكتب المغرد تعليقاً فوق صورة المزار – الذي يضم شموعاً وصور لديانا وصور "كولاج" تظهر صديقه والأميرة – يقول فيه: "عشاق مفصولون بفعل الزمن والظروف" – وقد لاقى ذاك المنشور انتشاراً واسعاً في فضاء "تويتر"، ومن هناك راحت كل استعادة للأميرة تغدو إعجاباً منقطع النظير بها، كما نرى اليوم. وهذا حصل من خلال انتشار تصريحات صادقة وغريبة أحياناً، تعبر عن حب ديانا كانت بدأت في الأصل ضمن مجموعات متخصصة على "فيسبوك" قبل وصولها إلى "تويتر" و"ريديت" Reddit وغيرها من المواقع المخصصة لـ"الميمز". إحدى المواد التي نشرت مراراً وتكراراً تظهر صور للوحة التذكارية للأميرة مزينة بالأطعمة، وتبدو فيها الراحلة بتسريحة شعر مستوحاة من البطاطا المهروسة، وتضع أقراطاً من الطماطم في أذنيها. وقد ذكر التعليق المرافق لهذه الصورة: "أحب استخدام صحن الأميرة ديانا، لكني لا أقدم أبداً على تغطية وجهها الجميل".

على أن هذه المجموعات المتعددة [المتباينة] غدت جمهوراً واحداً – كما لم يكن متوقعاً، لكن هل كل ما ينشره أفراد هذا الجمهور يمثل مواد ساخرة تهكمية؟ أم أنه مجرد حب حقيقي؟ الأمر بالنسبة لـجوردان تايلور أونيل، ابنة الـ23 عاماً والمعجبة بـديانا، يحتمل الوجهين. ففي السياق تقول أونيل "حبي وتقديري لـديانا حقيقيان بالتأكيد، لكن الطريقة التي أعبر بها عن ذلك تبقى طريقة ساخرة". تتابع، "كنت على الدوام أكنّ لها التقدير، بيد أن الأمر غداً مبالغاً به أكثر فأكثر مع انتشار الـ[ميمات]، ونتيجة لذلك بات الناس يعرفون أكثر عن حياتها".

أما بيثان ماكونيل، المعجبة الأخرى بالليدي ديانا والعضو في المجموعة ذاتها، فتقول إنه "على الرغم من أن "ميمات" مجموعة "آر دي" قد تبدو عديمة الحس وفظة لبعض المهووسين بحب الأميرة الراحلة، إلا أنها تبقى أشياء لا تستحق الحجب". تتابع، "إن كان المرء يتابع مجموعة [آر دي] على جدوله الزمني كل يومين مثلاً، يمكنه الملاحظة أن الناس ما زالوا منزعجين من أجلها. كذلك يمكنه مصادفة عضو في المجموعة يكون من المتشددين الملكيين في حب الأميرة، وممن يعتبرون أن كل ذلك غير لائق بحقها، لكني أرى أن المسألة تكمن هنا". تتابع ماكونيل، "الناس في المقام الأول يسخرون من الأكبر سناً الذين ينشرون تعليقات دراماتيكية وثلاث صفحات تبجيلية كلما جاء عيد ميلاد الملكة، أو يكتبون عن مدى عشقهم لمشاهدتها [الملكة] ملقية كلمة عيد الميلاد. لا أعتقد أن هذا الأمر يختلف كثيراً، إلا أن المجموعة هنا للتسلية. وكما يذكر عنوان المجموعة فهي "لإحياء ذكراها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتلك الدعابات الحنونة التي ليست سوى شكل من الحب هي "استحضار للطريقة التي تحب بها أمهاتنا جميعاً [آر دي] (الأميرة ديانا)" كما يرى هاري جونز، ابن الـ24 عاماً. يتابع جونز قائلاً، "موجة الحزن الوطني العارمة التي سادت عندما ماتت الأميرة تتحدث عن نفسها. لقد أحس الناس بأنهم عرفوها. لذا أرى أن [الجيل زد] يقف عند هذا الأمر ويراه امتداداً للسخرية من الجيل الأسبق".

لكن هل هذه الدعابات الساخرة تجاه الأميرة الراحلة مصدرها أمر آخر أكثر جدية؟ الشبان في بريطانيا عموماً يميلون أكثر إلى اليسار (أكثر من نصف الذين تقل أعمارهم من الثلاثين صوتوا لصالح حزب العمال سنة 2019، فيما أكثر بقليل من خمس هؤلاء أيدوا حزب المحافظين). وفيما ديانا لا تشبه تشي غيفارا أبداً، فإن ذكراها غدت مثل احتفاء بقضية بالنسبة للشبان البريطانيين التقدميين، الذين ينظرون إليها – وإلى الأمير هاري وزوجته ميغان – بمنظور مختلف عن ذاك الذي يقيمون فيه باقي أفراد الأسرة الملكية. فحبهم لديانا يمثل طريقة يعبرون بها عن خيبتهم من السلطة الموجودة.

وعن هذا الأمر تقول جوردان، "لقد كانت وجهاً مألوفاً في مؤسسة لا يمكن لكثير منا الارتباط بها. فهي (الأميرة) ناصرت قضايا يهتم بها جيلنا في وقت لم يكن ذلك فيه مقبولاً. لقد حطمت التقاليد، وبدت جميلة وهي تفعل ذلك. لقد كانت النموذج الواقعي الأقرب لأميرة من [قصص ديزني] التي نشأنا في تقديسها".

جزء من هذه العلاقة مع ديانا – وطبيعتها المعادية لـ"المؤسسة الرسمية" – انبثق من التزامها بحقوق الأقليات الجنسية في وقت كان التسامح فيه أقل بكثير تجاه من يناصر هذه الأقليات وقضاياها". يقول هاري، ويتابع، "الأقليات المذكورة تنجذب إلى النساء القويات وغير التقليديات. كذلك فإن عمل ديانا في نصرة الأشخاص المصابين بـ[أتش آي في- الإيدز] كان أيضاً مسألة هائلة في ذلك الوقت، إذ إن الوصمة التي أحاطت في التسعينيات بأولئك المصابين أدت إلى نكبتهم، لذا فإن رؤية شخص من الأسرة الملكية يذهب إلى المستشفيات ويعانق مرضى الإيدز كانت شديدة الوقع والتأثير. اليوم، ما زال هناك الكثير الذي علينا القيام به تجاه تلك الوصمة، لكن أود أن أقول إن ديانا ساعدت في تحدي الوصمة المذكورة في ذلك الوقت". وأيضاً هناك القصة الشهيرة عن (المغني الشهير) فريدي ميكوري الذي قام مرة بتهريب ديانا بالخفاء إلى بار للمثليين، لذا فإنه من الممكن القول إنها كانت ستوافق على أن يقوم بأداء دورها ممثلان "كويريان" بارزين، أمثال ستيوارت وكورين. فالعملان المذكوران كلاهما ساهما في ترسيخ صورة الأميرة ديانا كأيقونة "كويرية" بدورها.

كما أن العملين بإمكانهما ترسيخ حقيقة تقول إن بوسع الناس قولبة آرائهم بـديانا كما يحلو لهم. ففي موتها لم تغدُ ديانا أيقونة "كويرية" وحسب، بل غدت ثورية ملكية، وملهمة لأسلوب محبب في "إنستغرام"، وشخصية تكاد تحظى بالتقدير في كل أنحاء العالم. عن هذا تختم جوردان: "محبة الأميرة ديانا هي من الأفكار القليلة التي يشترك بها معظم البريطانيين. الطريقة المبالغ بها التي يتناولها فيها أفراد [الجيل زد] تتمثل في أسلوبهم الساخر، وهذا أسلوب ينسخون [يقلدون] به طريقة الملكيين [أنصار الملكية] في التحدث عن باقي أفراد الأسرة الملكية، لكن هذا لا ينتقص أبداً من حبنا الحقيقي لـ[ديانا].

سبنسر Spencer في صالات السينما البريطانية ابتداءً من 5 نوفمبر (تشرين الثاني).

© The Independent

المزيد من سينما