Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى متى تستمر الأزمات التركية - الأميركية؟

سيواصل بايدن تجاهل أردوغان والتقليل من قدرة أنقرة على تعطيل مصالح واشنطن

لم يحمل لقاء بايدن وأردوغان في روما إشارات إلى انفراجة واضحة في العلاقات المتوترة بينهما (رويترز)

لم يسفر لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في روما على هامش قمة مجموعة العشرين، سوى عن بعض التمنيات الدبلوماسية الطيبة لتحسن العلاقات في المستقبل، بينما ظلت الخلافات العالقة دون حسم مع بعض القلق من تفاقمها، حسب وصف المسؤولين الأميركيين، ما يؤكد أن واشنطن وأنقرة لا تزالان متباعدتين في شأن المشكلات التي عصفت بعلاقتهما على مدار العقد الماضي.

فإلى متى يمكن أن تستمر الأزمات بين بلدين يفترض أنهما حليفان؟ وهل يمكن أن تتبدل العلاقة بينهما في وقت قريب؟ 

تجاوز التوتر

على الرغم من أجواء القمة الأميركية - التركية التي وصفها المسؤولون الأتراك بأنها كانت إيجابية، فإن الانطباع الذي خلفته في واشنطن لا يُنبئ بذلك، لا لأن القمة انتهت بنتائج لا تحمل إشارات على انفراجة واضحة في العلاقات المتوترة مع أنقرة منذ نحو عقد كامل فحسب، بل لأن الأجواء التي سبقتها دعمت فكرة سائدة في الدوائر السياسية الأميركية يضاً، أوهي ضرورة تجاهل أردوغان وتجاوز نقاط التوتر المحتملة، مع تقليل قدرة تركيا على تعطيل المصالح الأميركية والأوروبية والتهديد بفرض عقوبات على أنقرة في حال تجاوزت الخطوط الحمراء، إلى أن يأتي اليوم الذي يخرج فيه أردوغان من السلطة.

قبل أسبوع واحد، هدد أردوغان بطرد 10 سفراء أجانب بينهم السفير الأميركي، اعتراضاً على مطالبتهم الإفراج عن عثمان كافالا، وهو رجل أعمال محتجز في السجون التركية منذ عام 2017، على الرغم من عدم إدانته بارتكاب جريمة، وإبقائه محتجزاً بتهم التجسس والإرهاب ومحاولة إطاحة الحكومة. وعلى الرغم من أن أوروبا والولايات المتحدة اعتبرتا هذه المزاعم سخيفة وأن الحبس الاحتياطي المطول لكافالا يؤكد مدى انحراف نظام العدالة التركي عن المعايير الدولية، فإنهما تجنتبا الأزمة عندما نسقت واشنطن وسفارات أخرى بياناً يشير إلى أنهما تحترمان القانون التركي وتلتزمان بالمادة 41 من اتفاقية فيينا بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وكان هذا كافياً لأردوغان ليعلن النصر وليبقى السفراء في تركيا. مع ذلك، ستظل أزمة كافالا عالقة لوقت لاحق بعد أسابيع.

تهديد كافالا

وحسب ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإن كافالا لا يمثل في حد ذاته تهديداً لأردوغان، لكن أفكاره تمثل رؤية لتركيا تهدد جهود أردوغان طويلة المدى لتشكيل دولة على صورة "حزب العدالة والتنمية" الحاكم. فقد دافع كافالا عن الديمقراطية وحقوق الأكراد، وهي قضايا ساندها "حزب العدالة والتنمية" في السنوات الأولى بعد تأسيسه ودخوله البرلمان، لكن أردوغان تنصل منها بعد نحو عقد من وصوله إلى السلطة، مفضلاً الحلول الاستبدادية للتحديات السياسية التي يواجهها مع حزبه.

ويكمن تهديد كافالا في حقيقة أن أعماله الخيرية ودعوته يمكن أن تسلطا الضوء على الفجوة بين الواقع الحالي في تركيا وما يقوله أردوغان وحزبه للأتراك عن حياتهم في وقت يواجه فيه القادة الأتراك مشكلة خطيرة أخرى تتمثل في الاقتصاد المتدهور والانخفاض المستمر في قيمة الليرة التركية على مدى سنوات، ما يهدد بتراجع شعبية "حزب العدالة والتنمية" بين الطبقة الوسطى التي استفادت من الحزب بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

ومن المتوقع أن يتواصل الخلاف بين أنقرة والغرب في الأسابيع المقبلة، إذ أمهل المجلس الأوروبي الذي يضم تركيا في عضويته منذ عام 1950، الحكومة التركية حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) للإفراج عن كافالا. ومع استبعاد إطلاق سراحه بالنظر إلى خطورة التهم الموجهة إليه واهتمام أردوغان الشديد بمحاكمته، فضلاً عن أن المحاكم التركية لا تشعر بأنها ملزمة بتأييد أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، من المرجح أن يتخذ المجلس الأوروبي إجراءات ضد تركيا إذا ما وافق ثلثا وزراء المجلس على بدء هذه العملية. وتشمل هذه الإجراءات تعليق حقوق التصويت لتركيا أو تعليق عضويتها في المجلس، ما سيزيد التوتر اشتعالاً بين تركيا والغرب.

تصعيد الخلاف

وقد جاء التهديد بطرد السفراء في وقت حرج بالنسبة إلى العلاقات الأميركية - التركية، فقد كان الرئيس أردوغان مستاءً لأنه لم يلتقِ الرئيس الأميركي بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي. وأوضح في لقاء مع شبكة تلفزيونية أميركية أنه وبايدن ليسا على علاقة جيدة، وأنه مستعد لشراء بطاريات دفاع جوي روسية إضافية من طراز "أس 400"، ما يعني، إذا ما حدث، أن علاقات تركيا مع الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ستكون في خطر.

ولأن تركيا طُردت من مشروع تصنيع وامتلاك طائرات "أف 35" بسبب إصرار أردوغان على شراء منظومة صواريخ "أس 400" الروسية، طرحت أنقرة تعويضها عن 1.4 مليار دولار أنفقتها على تصنيع أجزاء من مقاتلات "أف 35" التي مُنعت من شرائها بحيث تحصل من الولايات المتحدة على 40 طائرة "أف 16" جديدة، وتحديث 80 طائرة أخرى.

أزمة "أف 16"

لكن، يبدو من غير المحتمل أن يكون أعضاء الكونغرس الأميركي على استعداد للموافقة على بيع طائرات "أف 16" لتركيا، بعدما أوضحت مجموعة من أعضاء مجلس النواب في الكونغرس في رسالة إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن أنها تعارض البيع المقترح لأن حكومة أردوغان لا تنوي الامتثال للقانون الأميركي أو التعامل مع الشروط الأساسية التي أدت إلى تعليق الكونغرس شراء أنقرة الأسلحة الأميركية.

ومن الواضح أن استحواذ تركيا على صواريخ "أس 400" الروسية لا يمثل مشكلة لحيازتها طائرات "أف 35" فحسب، ولكن للأسلحة الأميركية بشكل عام، والتي يعد تسليح الجيش التركي منها واسع النطاق، إذ يتضمن أكثر من مئتي طائرة "أف 16" ودبابات قتال رئيسية من فئة "أم 48"، و"أم 60" مطورة، وطائرات هليكوبتر من طراز "بلاك هوك" و"كوبرا"، وصواريخ جو- جو، وذخائر دقيقة التوجيه، ومدافع هاون، وناقلات جند مدرعة، ومدافع البحرية والفرقاطات الحديثة. ما يمثل تهديداً كبيراً لقدرات تركيا العسكرية إذا ما واصلت تحدي واشنطن.

ومن بين المشكلات التي تعرقل حصول تركيا على مقاتلات "أف 16" أن الجهة التي من المفترض أن تتسلمها هي رئاسة الصناعات الدفاعية التركية، وهي مؤسسة عسكرية تخضع لعقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا المعروف اختصاراً باسم (كاتسا). وعلى الرغم من أن المسؤولين الأتراك يعرضون توفير طرق أخرى لنقل الطائرات إلى تركيا من دون الحاجة إلى التعامل مع رئاسة الصناعات الدفاعية، فإن أعضاء في الكونغرس أكدوا أنهم سيتصدون لأي بدائل من هذا القبيل، كونها ستشكل محاولة للتحايل على القانون الأميركي.

نزاع بلا نهاية

على عكس تصورات الساسة الأميركيين من المحافظين والليبراليين، فإن مفهوم الحروب التي لا تنتهي لا ينطبق على أردوغان، إذ تتواصل الاشتباكات معه بلا توقف. وعلى الرغم من كون تركيا عضواً في "الناتو"، وطموح أردوغان السابق في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يبدو أن الرئيس التركي يستمتع بمناكفة أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما جعله يخسر أي تأييد محتمل في واشنطن. فقبل عام 2011، لم يكن أحد في الولايات المتحدة ينتقد أردوغان أو "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، ولكن الآن تبدلت الأمور، وأصبح من الصعب، بل من النادر أن تجد أنقرة حليفاً لها في العاصمة الأميركية، على الرغم من سعي النظام التركي إلى تسخير أشخاص للدفاع عنه في الأوساط الأميركية، لكن من دون أي فاعلية.

سياسات عدائية

تعود جذور العديد من هذه الخلافات إلى جهود أردوغان لاتباع سياسة خارجية ودفاعية أكثر استقلالية، وإن كانت عدائية في بعض الأحيان. فتحت حكم أردوغان، تدخلت تركيا عسكرياً في سوريا والعراق وليبيا والقوقاز، وأنشأت قواعد عسكرية في قطر والصومال، إلى جانب وجودها طويل الأمد في شمال قبرص، ومحاولة توسيع نفوذها في البحر الأحمر. وطورت تركيا إنتاجها الدفاعي المحلي، بما في ذلك طائرات "الدرون" المسلحة التي استخدمت لإحداث تأثير مدمر في ليبيا وإقليم ناغورنو قره باغ، وادعت أنقرة أيضاً أن لها حقوقاً بحرية جديدة في مياه شرق البحر المتوسط​​، ما أدى إلى توترات شديدة مع اليونان وقبرص وفرنسا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما يجادل الرئيس أردوغان وأنصاره بأن هذه خطوات ضرورية ومناسبة لإعادة تركيا إلى ما يعتبرونه لاعباً إقليمياً مهيمناً وقوة عالمية كبرى، فضلاً عن تصحيح إهمال الغرب للمصالح السيادية لتركيا، إلا أن محاولات تركيا لإعادة رسم النظام الإقليمي تبدو في واشنطن خطوات متهورة، وتبدو تركيا راغبة في الفوز بجميع مزايا عضوية "الناتو"، بينما تتهرب من المسؤولية الأساسية في تشكيل جبهة موحدة ضد روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذي يتقرب منه أردوغان بشكل غير مقبول، وبخاصة بعد شراء منظومة صواريخ "أس 400" المتطورة والسعي لتعاون أعمق مع موسكو رداً على العقوبات الأميركية بما يهدد العلاقة الاستراتيجية.

علاوة على ذلك، تحمل المناوشات المتكررة في شمال سوريا على طول خطوط السيطرة المتوترة والمعقدة خطر التصعيد إلى اشتباكات مباشرة مع "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة والتي يحشد أردوغان مزيداً من قواته ويهدد بهجوم وشيك عليها، ما قد يشعل غضباً أوسع ضد الرئيس التركي في واشنطن قد يتزامن مع تهديد أميركي منفصل بفرض عقوبات على "بنك خلق" المملوك للدولة التركية لتهربه من العقوبات المفروضة على إيران، في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من الضعف، وقد يؤدي ضعف الليرة وعجز الحساب الجاري المستمر لتركيا، إلى جانب استنفاد أنقرة احتياطياتها من العملات الأجنبية، إلى مزيد من الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي.

حسابات أميركا

تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير على تركيا، حليفة "الناتو" التي يعتمد أمنها الاقتصادي والعسكري إلى حد كبير على حلفائها الغربيين، إذ إن 4 من أكبر 5 أسواق تصدير لتركيا في عام 2019 وثماني من أفضل 10 أسواق هي أعضاء في حلف "الناتو"، مع ذلك يدعم كثير من المحللين السياسيين في واشنطن فكرة أن مصلحة الولايات المتحدة تظل في الحفاظ على تركيا مستقرة وديمقراطية لأنها جزء من "الناتو" وقادرة على المساعدة في مواجهة روسيا وإدارة أزمة اللاجئين.

ولهذا السبب تحرص إدارة بايدن مثل سابقتها على إحداث توازن بين هذه المصالح الجوهرية، وحقيقة أن الخطوات العقابية المفرطة يمكن أن تعطل الاقتصاد التركي، ولن تفعل سوى القليل لدعم ديمقراطيتها، ويمكن أن تسرع من اندفاع أنقرة نحو موسكو، لذلك لا يمكن لواشنطن أن تكون متشددة في كل جبهة مع تركيا، مع إدراك أن الضغط الأميركي أو الأوروبي لن ينقذ تركيا من أردوغان ولن يخفف بشكل كبير قمعه الداخلي تحت سياسة الضغط والإكراه الغربية.

استراتيجية للمستقبل

مع ذلك، فإن الرهان لدى البعض لتغيير هذه العلاقات المتوترة، يتعلق بالانتخابات التي ستجري عام 2023، أو قبل ذلك، والتي يمكن أن تكون فرصة حقيقية لخسارة أردوغان. وحتى يحين ذلك الوقت، يمكن للولايات المتحدة وأوروبا التنسيق لتحديد خطوط حمراء واضحة وردود موثوقة لردع مزيد من التصعيد التركي، فضلاً عن الانخراط في معاملات صارمة مع أنقرة، الهدف منها تجميد العلاقة مع تركيا مع الحفاظ على الروابط المؤسسية على أمل أن يتم إحياء العلاقات بشكل أفضل في المستقبل.

وفي حين أن جوانب من السياسة التركية الحالية قد تستمر في ظل الحكومات التركية التالية لحكم أردوغان، فإن معظم التحالفات السياسية المحلية البديلة المحتملة، تشير إلى موقف مخفف، وقد تتلاشى بصمة أردوغان الأحادية العدوانية.

وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن أمضى تسعة أشهر من ولايته من دون أزمة أميركية - تركية خطيرة وسط التوترات المتصاعدة والخلافات الاستراتيجية والعديد من نقاط التوتر المحتملة، فإن هذا الهدوء يعد إنجازاً، ما يعني الاستمرار في المسار الذي رسمته الإدارة الأميركية من خلال تقليل قدرة تركيا على تعطيل المصالح الأميركية والأوروبية والسعي إلى إقامة تسوية مؤقتة مع أردوغان قائمة على إدامة الوضع الراهن في غياب أي استفزازات أخرى.

المزيد من تقارير