Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل مستمر في مصر بعد تدشين "أكبر سجن في العالم"

تباين حول اعتباره "فرصة حياة جديدة" أم يحمل "رسائل للخارج"

تبلغ مساحة "مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون" مليون و700 ألف متر مربع، ما يجعله أكبر سجن تم بناؤه في مصر (وزارة الداخلية المصرية/يوتيوب)

بين مديح وسخرية، تثور حالة من الجدل في مصر منذ الخميس الماضي، بعد أن دشنت السلطات ما وصفته "أحد أكبر السجون في العالم" في منطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة شمال القاهرة، وقالت في شأنه وزارة الداخلية، إنه تتم إدارته عبر التقنيات الحديثة ومجهز بـ"وسائل تحقيق الكرامة للنزلاء"، منها صالات رياضية وأماكن ترفيه وشاشات عرض تلفزيونية، ومراكز إعادة تأهيل.

وكان لافتاً في الإعلان عن السجن الجديد أو ما يسمى بـ"مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون"، تزامنه مع إطلاق وزارة الداخلية المصرية مساء اليوم ذاته عبر قناتها على موقع "يوتيوب"، ومن خلال صفحاتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فيلماً تسجيلياً بعنوان "الحق في الحياة"، وأغنية بعنوان "فرصة للحياة" من غناء مدحت صالح ومي فاروق، للكشف عن إنشاء وتجهيز السجن، ما أثار انتقادات رواد مواقع التواصل.

وفيما يقول المؤيدون للخطوة، أن افتتاح المجمع الجديد يأتي ضمن انتهاج الدولة مزيداً من الخطوات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان والسجناء، لا سيما وأن الخطوة جاءت بعد نحو شهر من إخلاء سبيل نشطاء وصحافيين، ووعود من الحكومة بمزيد من الإفراجات لمعارضين سياسيين وتحسين ظروف السجون، وكذلك بعد أسابيع من إصدار الحكومة المصرية "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وما تبعها من قرار بإلغاء حالة الطوارئ قبل نحو أسبوع، يتمسك المعارضون بأن الأمر "يحمل تناقضاً من قبل الحكومة وإصراراً على تدشين سجون جديدة"، فضلاً عن أن "المشكلة لا تتعلق بالسجون أو تطويرها، بل في العقلية التي تدار بها السجون".

"أكبر سجون العالم"

وفق ما أعلنت وزارة الداخلية المصرية، فإن "مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون"، الذي تم تشييده في مدة لا تتجاوز 10 أشهر، هو "باكورة مراكز الإصلاح والتأهيل الذي سيتم عقب التشغيل الفعلي له غلق 12 سجناً تمثل 25 في المئة من إجمالي السجون العمومية في مصر، وهو ما سيؤدي إلى عدم تحمل الموازنة العامة للدولة أية أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، في ضوء أن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر غلقها تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز".

وذكرت الوزارة بأن السجن مجهز بوسائل حديثة ومريحة تضمن الكرامة للنزلاء (المسجونين)، مضيفة أن "ذلك يأتي إيماناً منها باحترام حقوق الإنسان باعتبارها ضرورة من ضرورات العمل الأمني، والاهتمام بأماكن الاحتجاز وتطويرها كإحدى الأولويات الجوهرية لمنظومة التنفيذ العقابي وفقاً لثوابت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس المصري أخيراً".

وذكرت وزارة الداخلية، أن السجن الجديد بوادي النطرون صُمّم بأسلوب علمي وتكنولوجيا متطورة، استُخدمت خلالها أحدث الوسائل الإلكترونية، كما تمت الاستعانة في مراحل الإنشاء والتجهيز على أحدث الدراسات التي شارك فيها متخصصون في كافة المجالات للتعامل مع المحتجزين وتأهيلهم لتمكينهم من الاندماج الإيجابي في المجتمع عقب قضائهم فترة العقوبة.

وأوضحت أن "منطقة الاحتجاز داخل السجن تضم 6 مراكز فرعية روعي في تصميمها توفير الأجواء الملائمة من حيث التهوية والإنارة الطبيعية والمساحات، إضافة إلى توفير أماكن لإقامة الشعائر الدينية وفصول دراسية وأماكن تتيح للنزلاء ممارسة هواياتهم، وملاعب ومراكز للتدريب المهني والفني، تضم مجموعة من الورش المختلفة".

كذلك يضم السجن مناطق للتأهيل والورش والتدريب على الحرف، ومستشفى مركزي "مجهز بأحدث المعدات والأجهزة الطبية والتخصصات الطبية المختلفة، وحضانات للأطفال"، وكذلك مناطق ترفيه للأطفال لأبناء النزيلات، كذلك تم إنشاء مجمع محاكم داخل السجن الجديد، وقالت الداخلية عنه إنه "لتحقيق أقصى درجات التأمين، ويضم 8 قاعات لجلسات المحاكمة".

وأعلنت وزارة الداخلية، أنها نظمت زيارة إلى السجن الجديد شارك فيها عدد من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، وممثلو المجالس الحقوقية ولجان حقوق الإنسان بمجلسي النواب والشيوخ، وعدد من الإعلاميين ومراسلي الوكالات الأجنبية.

 

وبحسب تصريحات مسؤولين في الوزارة لوسائل إعلام محلية، تبلغ مساحة المجمع الجديد الواقع عند طريق مصر- الإسكندرية، مليون و700 ألف متر مربع، ما يجعله أكبر سجن تم بناؤه في مصر، وله مدخل ومخرج واحد، ويتكون من مبان عدة.

وفي 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مداخلة هاتفية مع التلفزيون المصري "تدشين مجمع جديد للسجون في وادي النطرون يهدف إلى "توفير سبل الإعاشة والرعاية الطبية والإنسانية للمحتجزين، ومعاملتهم بطريقة آدمية"، قائلاً إنه "سيكون واحداً من بين 7 أو 8 سجون في مصر ستصمم وفقاً للطراز الأميركي".

جدل مواقع التواصل مستمر

كعادة الإعلانات الحكومية في مصر المتعلقة بافتتاحات جديدة أو سياسات مقترحة، تبارى رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمدونون الجدل بشأن مجمع وادي النطرون الجديد، بكثير من المدح في مقابل التندر والسخرية، فضلاً عن عودة ملف أوضاع السجون والحريات العامة في مصر إلى الواجهة.

فمن جانبهم، تمسك المؤيدون بأن تدشين سجون جديدة ومتطورة سيعمل على توفير بيئة ملائمة لتأهيل المساجين وإعادة دمجهم في الحياة العامة، وأعادوا نشر صور كانت قد نشرتها وزارة الداخلية تبرز فيها حالة "الرفاهية" التي يقدمها مجمع السجون الجديد.

كما وصف بعض المؤيدين للخطوة، أن انتقادات من يعارضونها ماهو إلا إصرار على "تأليب المجتمع وقلب الحقائق"، وأن المجمع "يعكس حرص الرئيس المصري على تغيير وجه مصر للأفضل"، فضلاً عن أن بناء مجمع السجون في قلب الصحراء "يعكس نية الحكومة في نقل المساجين من سجن طرة وإخلاء المساحة الضخمة التي يحتلها على ضفاف النيل وسط العاصمة القاهرة، للاستفادة منها في بناء مشاريع استثمارية توفر مواطن عمل جديدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، اعتبر آخرون أن "المشكلة لا تتعلق بالسجون أو تطويرها، بل في العقلية التي تدار بها السجون"، وقال بعضهم إن "الغرض من بناء سجن على الطراز الأميركي هو مغازلة الغرب وتخفيف الضغوط الدولية بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر".

كما عبر البعض عن خشيته من أن تكون "الغاية من افتتاح مجمع السجون الجديد هي إبعاد المسجونين عن رقابة المنظمات الحقوقية وعزلهم عن أهاليهم، نظراً لتواجده في منطقة صحراوية بعيدة من المناطق السكانية". وانتقد البعض ما وصفوه بـ"تجاهل الحكومة المصرية لتطوير البنية التحتية للمستشفيات والمدارس التي تعاني من مشكلات جمة".

أي دلالات يحملها السجن الجديد؟

وعلى وقع حالة الجدل القائمة بشأن سجن وادي النطرون الجديد، تباينت آراء مراقبين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" كذلك بشأن الدلالات التي يحملها وتوقيت تدشينه، لا سيما أن وزارة الداخلية كانت قد أعلنت في وقت سابق عن تغيير مصطلح قطاع السجون في الوزارة إلى قطاع "الحماية المجتمعية"، واستبدال كلمة "السجين" بـ "نزيل".

ويقول هاني إبراهيم، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن "اعتماد تسمية مجمع سجون وادي النطرون بمركز وادي النطرون للإصلاح والتأهيل، وكذلك تغير تسمية السجين إلى نزيل، هو تحول له دلالة مهمة من حيث المفهوم والمعنى والهدف في مفاهيم التنمية المرتكزة على المنهج الحقوقي، بمعنى أن هذا التغيير يعني تحول مهمة المؤسسة العقابية نحو تأهيل السجناء، بالتالي تيسير عملية إدماجهم في المجتمع مرة أخرى بعد انقضاء مدة سجنهم، وهو منهج تنموي حقوقي شديد الأهمية لسلامة المجتمع كما هو مهم لحق السجين". موضحاً "كنا نطالب دائماً باستخدام ألفاظ ومسميات إيجابية لكي يكون لها أثر مستدام في المجتمع".

وتابع "كشخص معني بالحقوق والحريات أشدد على أهمية دعم المجتمع المصري لهذا التوجه من أجل تعزيز السلام المجتمعي والارتقاء بحقوق السجناء ودفع مؤسسات إنفاذ القانون لاتخاذ مزيد من المسارات الصحيحة تجاه حقوق الإنسان على مستوى الممارسة وعلى مستوى اللوائح والتشريعات".

ويرى إبراهيم أن النقد والسخرية التي طالت الخطوة من قبل الحكومة، "ليست أمراً جديداً على مجتمعنا"، موضحاً "منذ سنوات كنا نطالب الدولة بتحسين مراكز الاحتجاز وتطوير السجون لكي تكون وفق المعايير الدولية وتحفظ كرامة الإنسان في أضعف لحظاته، وهي فترة سلبت حريته أثناء قضاء عقوبة السجن. وعندما تستجيب الدولة وتقوم باتخاذ مثل هذه الخطوة ننتقدها ساخرين من شكل وهندسة المباني"، وتابع، "جزء من السخرية ناتج من المكايدة السياسية للبعض من النظام السياسي، وجزء آخر يعود لطريقة تناول الإعلام للحدث، إذ بدل التركيز على حقوق السجناء وكيف سينعكس هذا البناء على حياتهم، ركز الإعلام على البناء وهندسته وضخامته".

بدوره يقول حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "موضوع مجمع السجون الجديد ليس له علاقة بقضية حقوق الإنسان، بل هو أنشئ بالأساس "لعقلنة" نظام السجون في مصر في ما يتعلق بتكاليفها المادية والإدارية والمشكلات اللوجستية التي تواجهها في نقل المساجين".

ويضيف "بالتالي كان التفكير طوال الوقت في إمكانية الوصول لنظام محكم للسجون يتوفر فيه الحد الأدنى من الاشتراطات الإنسانية والحقوقية للمساجين دون المساس بالأمن والتشريعات الجنائية".

وبرأي نافعة فإن "مجمع السجون الجديد له علاقة بشكل أكبر بأمرين رئيسين، هما التخاطب مع العالم الخارجي، وقضية التكاليف المادية المتعلقة بالسجون والعمل على خفضها للحد الأدنى".

ويتابع "قد يترتب على ذلك تحسن في نوعية الخدمات داخل السجون، لكن تبقى الإشكالية في التشريعات المتعلقة بها أو القوانين المنظمة لها"، مضيفاً "تحمل الخطوة المصرية الأخيرة رسائل للخارج بهدف شراء الوقت والتحلل قليلاً من الضغوط الخارجية المتعلقة بملف حقوق الإنسان".

ولطالما اتهمت منظمات حقوقية ودول غربية الأوضاع الحقوقية في مصر، لكن تنفي القاهرة صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، مؤكدة أنه لا يوجد سجناء رأي أو معتقلون سياسيون في البلاد.

المزيد من تقارير