Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح مصر في تنفيذ استراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان؟

تخط القاهرة مسارها الحقوقي استنادا إلى أربعة محاور عمل رئيسة تتكامل مع سياستها التنموية القومية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ ف ب)

أطلقت مصر  السبت 11 سبتمبر (أيلول) الحالي، "استراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان"، التي تهدف من خلالها إلى تعزيز واحترام حقوق مواطنيها، إذ تضمنت، وفق ما جاء في كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أربعة محاور عمل رئيسة تشمل: الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان، وذلك بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة، ويحقق أهداف رؤية مصر 2030، على حد تعبيره.

وتهدف مصر، التي لطالما انتقدت منظمات حقوقية وإنسانية دولية سجلها الحقوقي، انتهاج استراتيجية وطنية "نابعة من مفاهيم وقيم الدولة"، وفق ما أعلنت السلطات، إذ اعتبر المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، أن الاستراتيجية تُعتبر أول استراتيجية ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان في مصر، حيث تتضمن تطوير سياسات الدولة وتوجهاتها في التعامل مع الملفات ذات الصلة والبناء على التقدم الفعلي المحرَز خلال السنوات الماضية في مجال تعظيم الحقوق والحريات والتغلب على التحديات في هذا الإطار.

"نابعة من فلسفة مصرية"

ووصف الرئيس السيسي، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بأنها "نابعة من فلسفة مصرية ذاتية"، وأنها "أول خطة ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان بمصر". وقال في كلمته خلال تدشينه الاستراتيجية في احتفال أقامته السلطات في العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) السبت 11 سبتمبر، أن "هذه الفلسفة تؤمن بأهمية تحقيق التكامل في مسيرة الارتقاء بالمجتمع، وهو أمر لن يكتمل دون استراتيجية وطنية واضحة لحقوق الإنسان، تُعنى بالتحديات والتعاطي معها، كما تراعي مبادئ وقيم المجتمع".

وذكر السيسي، أن "الاستراتيجية تتضمن تطوير سياسات في التعامل مع عدد من الملفات لتعظيم الحقوق والحريات والتغلب على التحديات في هذا الملف، وتهتم بمختلف محاور وقيم حقوق الإنسان من منظور متكامل ومفهوم شامل لهذه الحقوق"، مشدداً على تأكيد احترام بلاده لكل التزاماتها التعاهدية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وذكر السيسي أن استراتيجية بلاده الحقوقية هي نتاج جهود حثيثة بذلتها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان على مدار أكثر من عام، وتم إعدادها على نحو تشاركي وتشاوري موسع يستجيب لطموحات وآمال الشعب المصري.

من جانبه، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي ترأس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، إن اللجنة حرصت في مطلع عام 2020 على إعداد استراتجية وطنية، مؤكداً أنها وُضِعت وفق منهج علمي بالتنسيق مع 30 جهة ووزارة، موضحاً أن "الاستراتيجية تهدف إلى النهوض بحقوق الإنسان، في إطار زمني يمتد لـ5 سنوات".

وذكر شكري أن الاستراتيجية "تجسد خريطة طريق وطنية جادة لتعزيز الحريات الأساسية وأداة مهمة للتطوير الذاتي في هذا الشأن"، مشيراً في ذات الوقت إلى محاور العمل الأربعة الأساسية التي تضمنها، وتعمل لدعم كل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وترسخ ما تقوم به الدولة في مجالات دعم حقوق المرأة والطفل والشباب وكبار السن وأصحاب الهمم وكل فئات المجتمع، إضافة إلى التثقيف والتطوير التشريعى والمؤسسي، على حد تعبيره.

وأوضح شكري أن "حقوق الإنسان تشكل قيماً عالمية متكاملة ومترابطة، ومن ثم يجب التعامل معها على نحو شامل وبطريقة منصفة، بخاصة وأن المجتمعات تختلف فى ظل الخلفيات الدينية والثقافية، ولكل دولة في نهاية المطاف حق أصيل في اختيار القيم والقواعد التي تحكم شعبها، حيث إن النهوض بحقوق الإنسان عملية متواصلة وتراكمية، وتبدأ باهتمام مؤسسات الدولة بمواطنيها صوناً لحقوقهم".

من جهته، قال السفير أحمد إيهاب جمال الدين، المندوب الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، إن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تضمن الحق بالمشاركة في الحياة السياسية وتكوين الأحزاب، مضيفاً أنها توفر كذلك "الحق في تكوين الجمعيات الأهلية والنقابات العملية إذ تستهدف زيادة قدرات هذه النقابات وإجراء اتفاقيات العمل، وتعزيز مشاركتها في صياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في إعداد مشاريع القوانين".

وأكد المندوب الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة، أن "الاستراتيجية تضمن وجود كيانات إعلامية وصحافية تعمل باستقلالية وحيادية، كما تضمن مواصلة جهود المؤسسات الدينية في تجديد الخطاب الديني، واحترام حرية المعتقدات الدينية".

محاور الاستراتيجية

ووفق ما جاء في إعلان الرئيس المصري، فإن رؤية بلاده لحقوق الإنسان تستند على عدد من المبادئ الأساسية، أبرزها، "أن كل الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات".

وتابع "يتحقق الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها من خلال التشريعات والسياسات العامة من جانب، ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات الوطنية من إنفاذ لتلك التشريعات والسياسات من جانب آخر"، مشيراً إلى التزام "الدولة المصرية باحترام وحماية الحق في السلامة الجسدية والحرية الشخصية والممارسة السياسية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية، والحق في التقاضي".

وعلى صعيد الحقوق المدنية والسياسية قال السيسي، إن مصر "تولي تعزيز الحق في المشاركة في الحياة السياسية والعامة اهتماماً خاصاً، باعتبار ذلك مكوناً مهماً للنهوض بكل مجالات حقوق الإنسان ويسهم في ترسيخ دعائم الديمقراطية وسيادة القانون". وأضاف "على مستوى حرية الدين والمعتقد فمصر مستمرة في بذل جهودها الحثيثة للتأكيد على قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع السيسي، "في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ترتكز الرؤية التنموية المتكاملة للدولة على مفاهيم النمو الشامل والمستدام والمتوازن، بما يتيح التوزيع العادل لفوائد التنمية، وتحقق أعلى درجات الاندماج المجتمعي لكل الفئات وضمان حقوق الأجيال الحالية والقادمة في استخدام الموارد".

هل تنجح القاهرة في تطبيقها؟

بين التفاؤل والتأييد من قبل الموالين للحكومة والحذر بشأن "إمكانية تطبيقها" وسط الانتقادات المحلية والدولية للأوضاع الحقوقية في البلاد، تباينت ردود الفعل بين المراقبين والمتابعين للشأن المصري، بشأن إمكانية تطبيق تلك الاستراتيجية التي تبقي "طموحة" من وجهة نظر البعض.

وبحسب النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب المصري، فإن الاسترايتيجة المصرية "بمثابة ضمانة حقيقية وقوية لتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الإنسان والمرأة، والطفل، وكل فئات المجتمع"، موضحاً في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الرئيس المصري أعطى الحكومة آليات تنفيذ الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة، وهي تأتي بمثابة التزام حكومي بتعهد واضح بوضع خطة عمل حول استراتيجية متكاملة في مجال حقوق الإنسان بضمانة من القيادة السياسية".

وذكر رضوان أن الاستراتيجية المصرية تأتي ضمن "الاهتمام بحقوق الإنسان كتوجه عالمي، وأن مصر جزء من هذا التوجه، وتنطلق في كل خطواتها من قناعة ذاتية بأهمية حقوق الإنسان باعتبارها جزءاً مهماً من التنمية الشاملة للدولة، انطلاقاً من رؤية وطنية شاملة تستهدف بناء الإنسان المصري"، معرباً في الوقت ذاته عن تفاؤله بتطبيقها من خلال حزم وبرامج تدريب وتأهيل الكوادر البشرية المؤهلة ووضع معايير واضحة طبقاً للمعايير الدولية.

وبحسب رضوان، فإن هناك "ضرورة لاحترام خصوصية المجتمعات واختلاف الثقافات بين دولة وأخرى. كما أن مصر ترفض رفضاً قاطعاً التدخل في شأنها الداخلي تحت أي ذريعة، وهي وشعبها وقيادتها تحترم الجميع ولا تقبل التدخل في شؤون الآخرين".

في المقابل، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، أن "الاستراتيجية التي أعلنتها السلطات لن تغير من الواقع الحقوقي في البلاد، وتبقى في إطار موجه للخارج أكثر منه للداخل".

وأضاف نافعة "لدي انطباع أن الدولة تريد فقط أن تقول إن حقوق الإنسان ليست مدنية وسياسية فقط بل تشمل أيضاً حقوقاً اقتصادية واجتماعية، وأنها تبذل قصارى جهدها لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية للمصريين، ما يعني مناشدة الخارج عدم التركيز على الحقوق المدنية والسياسية".

وتابع نافعة، "تشهد مصر، باعتراف المنظمات الدولية والحقوقية، انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وأي حديث عن استراتيجة جادة لحقوق الإنسان فيها تتطلب وضع جدول زمني للإفراج عن المعتقلين السياسين غير المتورطين في قضايا جنائية أو إرهاب، وكذلك مراجعة فكرة الحبس الاحتياطي التي قد تطول دون تقديم المتهمين إلى محاكمة عادلة"، مشيراً إلى أن هذين الملفين يُعدان "ضرورة لحماية حقوق أصحاب الرأي والمعارضين".

وتواجه القاهرة انتقادات محلية ودولية بشأن حبس المعارضين وتراجع الحقوق والحريات العامة، غير أنها أكدت مراراً احترامها القانون والدستور في ما يتعلق بملف الحقوق والحريات، وترفض أي بيانات خارجية في هذا الشأن وتعتبرها "تدخلاً مرفوضاً" في الشأن الداخلي المصري.

المزيد من متابعات