Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشهد الوضع الاقتصادي في السودان انتكاسة جديدة؟

سيعاني المواطنون من جراء هذا الوضع فضلاً عما سيواجهه الانقلابيون من كارثة داخلية لفقدانهم السند الشعبي

قرر المجتمع الدولي وقف مساعداته للسودان (أ ف ب)

في وقت بدأ فيه الاقتصاد السوداني يتعافى تدريجياً بسبب المساعدات الخارجية التي تلقاها أخيراً بعد إطاحة نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وتشكيل حكومة مدنية خلال الفترة الانتقالية الحالية، سواء أكانت هذه المساعدات نقدية أو عينية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية خصوصاً البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي، فضلاً عن إعفاء جزء كبير من الديون الخارجية للسودان التي تقدر بنحو 60 مليار دولار، لكن ما إن أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وتعطيل بعض المواد الخاصة بالشراكة بين المكونين العسكري والمدني في الوثيقة الدستورية، حتى قرر المجتمع الدولي، بما فيه المؤسسات المالية، وقف مساعداته للسودان باعتبار أن ما جرى في البلاد هو انقلاب عسكري ضد الشرعية الدستورية، وهو أمر مخالف للأعراف والقوانين الدولية، ما يلزم عدم التعامل معه نهائياً. 

فكيف يكون الوضع الاقتصادي في السودان في ظل توقف هذه المساعدات، وما سيترتب عليه من آثار داخلية وخارجية؟ وما المخرج من هذه الأزمة التي ستلقي بظلالها على الناحية الاقتصادية؟ 

مأزق كبير

في هذا السياق، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، حسن بشير محمد نور، "في اعتقادي، إن السودان سيكون في مأزق كبير، لأن كل برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بما فيها المؤسسات والوكالات التابعة لها، وكذلك الاستثمارات الأجنبية، وإعفاء الديون، وبرامج الأمم المتحدة، إلى جانب مشاريع وبرامج بنك التنمية الأفريقي، ستتوقف تماماً، بالتالي سيكون الوضع الاقتصادي في البلاد سيئاً ومتأزماً للغاية، بل ستكون هناك أزمة عميقة وحقيقية، هذا إلى جانب ما ستحدثه المقاومة الداخلية لهذا الانقلاب من آثار، حيث إنه منذ البداية أعلن عصيان مدني، ما يزيد من خطورة الوضع الاقتصادي بسبب تعطل المصالح العامة والخاصة، ولا أدري إذا كان القائمون على الحكم الحالي في بلادنا مدركين لهذا الواقع الحقيقي الخطير أم لا؟". 

ونوه بأن مفتاح حل المشكلة الاقتصادية والتعافي الاقتصادي وتحقيق التنمية والسير في طريق الإنتاج، وكل ما يتعلق بالعوامل الإيجابية في الاقتصاد، يعتمد على الاستقرار السياسي والانفتاح العالمي، مؤكداً أن ما حدث من إجراء غير دستوري ممثلاً في هذا الانقلاب سيخلق أزمة كبرى لا محالة، ستلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية. فالاتحاد الأفريقي كان قراره واضحاً بتعليق عضوية السودان، كما دانت الأمم المتحدة الانقلاب بشكل غير مسبوق، ولا أعرف كيف يفكر هؤلاء العسكر، فقد تكون هناك جهات إقليمية مرتاحة لحكم الجيش دعمتهم من تحت الطاولة، خصوصاً أنه كانت هناك زيارات لقيادات البلد من العسكريين تمت لدول معينة قبل الانقلاب".

عزلة خارجية

وأضاف محمد نور، "معلوم أن الدول المؤثرة عالمياً وأي اقتصاد في العالم يعتمدان على المعرفة والتكنولوجيا وبرامج دعم مؤسسات التمويل الدولية، والاستثمارات الخارجية، فهذا الجانب سيحرم منه السودان ما عدا برامج الأمم المتحدة من العون الإنساني، بالنظر لتوقف المنح الدولية التي بدأت تتدفق إلى السودان بعد إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الأميركية الاقتصادية، لذلك سيعاني الشعب السوداني من جراء هذا الوضع معاناة شديدة جداً، فضلاً عما سيواجهه الانقلابيون من كارثة داخلية لفقدانهم السند الشعبي، ومن المؤكد أن الحل السياسي لهذا الوضع سيكون مرضياً ومجدياً، لكن كيف الوصول إليه؟". 

يعتقد أستاذ الاقتصاد السياسي، أن "مصير الاقتصاد السوداني في ظل هذا الوضع السياسي الماثل سيكون مظلماً، لأن البلد سيعيش في عزلة خارجية ضاربة، فديون السودان الخارجية التي تقارب الـ60 مليار دولار ستظل قائمة، ولن تستفيد البلاد من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، بالتالي هل يعتمد السودان على روسيا والصين لإنقاذه اقتصادياً؟ فهاتان الدولتان ليس لديهما مؤسسات تمويل، فضلاً عن انعدام تأثيرهما على المؤسسات الدولية، وفي المقابل ستقف كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية ضدك، وهو وضع غير طبيعي".

الضغط الدولي

من جانبه، أشار وزير الدولة في وزارة المالية السودانية سابقاً، عز الدين إبراهيم، إلى أن "مسألة توقف المساعدات الخارجية لها أثر قصير المدى وآخر طويل المدى، فالأخير ذو طابع تنموي يختص بإعادة تأهيل المشاريع القائمة كمشروع الجزيرة الزراعي، والسكك الحديدية، والكهرباء، وغيرها من المشاريع الكبيرة التي يقوم بتويلها البنك الدولي، أما القصير فسيكون في شكل معونات نقدية أو عينية لتخفيف آثار السياسات والمعالجات الاقتصادية القاسية التي تتبع برنامج صندوق النقد الدولي، لكن هذا الأمر يعتمد على نوعية الضغط الدولي، لناحية إذا كان طارئاً أم مستمراً، وفي تقديري إن هذا الضغط يقصد به المساعدات ذات المدى القصير لكي تحدث أثراً ما". 

وتابع، "توقف المساعدات قصيرة المدى له إشكاليات على حياة المواطن، إذ تنعكس سريعاً بشكل سلبي على الاقتصاد وعلى معيشة الناس، فمثلاً مبلغ الـ700 مليون دولار الذي هو عبارة عن مساعدات اقتصادية أميركية، يأتي في الأساس لمساعدة الحكومة الانتقالية من منطلق أنها سلطة مدنية، وتريد واشنطن مساعدتها اقتصادياً حتى تعبر هذه الفترة الانتقالية بأمان وسلاسة. فهذه المساعدات الأميركية تساند الحكومة السودانية اقتصادياً من ناحية المحافظة على استقرار سعر الصرف، بالتالي ثبات أسعار السلع وتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في البلاد، وغير ذلك. أما المساعدات الأميركية العينية فهي تتمثل في منحة القمح، وبالتأكيد سيكون تأثيرها واضحاً جداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دفع الثمن

وزاد إبراهيم، "هذه الإجراءات التي أصدرها البرهان، والتي أحدثت مشكلة سياسية يجب حلها بالسرعة المطلوبة، فهناك لعبة دولية خطرة جداً، فمن ناحية قرار مجلس الأمن نجد أن روسيا وقفت ضد هذا القرار، ومن المؤكد أن السودان سيدفع ثمن موقفها، وهو معروف بالسماح لها بإنشاء القاعدة اللوجيستية على ساحل البحر الأحمر، بالتالي فإن واشنطن تعرف ذلك، وستعمل بكل وسعها حتى لا تتجه الخرطوم شرقاً، لذا في رأيي فإن هذه الأزمة ستنجلي خلال الأيام المقبلة، ولا أدري إذا كان البرهان صادقاً في وعوده أم لا؟".

وحول كيفية التعامل مع هذه المتغيرات الاقتصادية المتوقعة؟ أجاب بالقول، "المسألة تعتمد على طول أجل هذه الأزمة، فحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك اتبعت إجراءات اقتصادية قاسية جداً من خلال رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، فضلاً عن تحرير سعر الصرف، فهي سياسة من نتائجها أنها تختصر الزمن في الإصلاح الاقتصادي، لكن إذا طالت الأزمة السياسية وتوقفت المساعدات فستحصل كارثة حقيقية، إذ ترتفع الأسعار، وكذلك الدولار، إلى جانب انخفاض معدلات النمو بسبب تأثر الإنتاج بمشكلة شح الوقود وانقطاع الكهرباء، كما تأثرت أيضاً المصانع بهذه الأزمة فتعطلت عجلة الإنتاج وشبكات توزيعها، إضافة إلى ما أحدثته الاحتجاجات من أثر بالغ على البنية التحتية، بخاصة الطرقات، ما يتطلب إصلاحها وصيانتها مبالغ طائلة". 

ولفت وزير الدولة في وزارة المالية السودانية سابقاً، إلى أنه من الواضح أن الحكومة إذا تراجعت وذهبت في مسارها السابق برئاسة عبدالله حمدوك، فلن تكون هناك مشكلة مع المجتمع الدولي، وستعود المساعدات بشكلها الطبيعي، أما إذا شكلت حكومة جديدة وفق ما أعلن البرهان في بيانه الذي صاحب حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ، فمن المؤكد أن الحكومة الجديدة ستحاول إرضاء الشارع بتخفيف الآثار الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار من خلال دعم بعض السلع، وهذا بلا شك سيؤدي إلى انتكاسة في السياسة الاقتصادية، فضلاً عن توقف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجميع مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية عن تقديم أي مساعدات اقتصادية، إضافة إلى أن هذه القضية مرتبطة أيضاً بمسألة الديون الخارجية، إذ سيتم إلغاء قرار إعفائها وعودة هذه الديون مرة أخرى، ما يلقي بعبئه على الاقتصاد السوداني. 

المساعدات الخارجية

وكانت حكومة حمدوك قد وجدت تجاوباً وتأييداً دوليين ملحوظين، بالنظر للإصلاحات الاقتصادية الضرورية التي نفذتها لوقف التدهور الاقتصادي المستمر، والتكاليف الاقتصادية والاجتماعية لهذه الإصلاحات على الشعب السوداني، فضلاً عن إقرارها بأهمية الإصلاحات الاقتصادية الأساسية لتوفير الأسس اللازمة لخطط التنمية الوطنية والحد من الفقر، إضافة إلى ما حققته الحكومة الانتقالية من إنجاز بعودة السودان عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي، وهو ما دفع واشنطن ومؤسسات التمويل الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) تقديم مساعدات مالية لدعم الاقتصاد السوداني. كما قادت تلك الإصلاحات مجموعة دول نادي باريس في يوليو (تموز) الماضي، إعفاء 14.1 مليار دولار ديون مستحقة على السودان من أصل 23.5 مليار دولار، وإعادة هيكلة المبلغ المتبقي من الدين البالغ 9.4 مليار دولار بفترة سماح حتى عام 2024. وقد وصف حينها وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، إعفاء هذه الديون بأنه بداية موفقة لها ما بعدها، مؤكداً سعي بلاده للحصول على نتائج مماثلة أو أحسن منها مع الدول الدائنة خارج نادي باريس. 

وقدرت وزارة المالية السودانية الديون المستحقة لدائني نادي باريس على السودان حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020 بمبلغ 23.5 مليار دولار، وأنه نتيجة لوصول البلاد لنقطة اتخاذ القرار بشأن مبادرة البلدان المثقلة بالديون يونيو (حزيران) الماضي، ألغت الاتفاقية 14.1 مليار دولار ما يعادل 61 في المئة من إجمالي دين هذه المجموعة، مع إعادة جدولة 9.4 مليار دولار المتبقية إلى نقطة الإكمال الخاصة بمبادرة الـ(هيبك)، وأنه بموجب الاتفاقية التي وقعت بين مجموعة نادي باريس وحكومة السودان، لن يتم سداد أي مدفوعات للدائنين بين نقطة القرار في مبادرة الـ(هيبك) ونقاط الإكمال".

ويضم نادي باريس 16 عضواً هم النمسا، وبلجيكا، وكندا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإيرلندا، واليابان، وهولندا، والنرويج، والاتحاد الروسي، وإسبانيا، وسويسرا، والمملكة المتحدة، وأميركا.

أما أكبر الدول الدائنة من خارج نادي باريس فهي الكويت، والسعودية، والصين، والهند، والإمارات، إذ تقدر إجمالي الديون المستحقة لها بنحو 29.9 مليار دولار في نهاية 2020. 

اقرأ المزيد