Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخيلوا دمشق بلا مكتبات ودور نشر!

"أجهزت الحرب على ما تبقى من مشهد ثقافي كان قد بدأ بالتراجع أساساً"

تعاني مكتبات دمشق من إحجام القراء عن الشراء (أ ف ب)

تتسارع منذ سنوات وتيرة إقفال المكتبات في دمشق، التي لطالما شكلت ملتقى للمثقفين. وتكافح دور نشر عريقة من أجل إبقاء أبوابها مفتوحة.

تدير عائلة النوري حالياً مكتبتين في دمشق، أسست إحداهما عام 1930. في المكتبة القائمة في شارع البريد، يشرف محمد سالم النوري (71 سنة) على عمليات البيع الخجولة. ويبدي خشيته لأن "مكتبة النوري مهددة بالإغلاق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المكتبات الأخرى"، ذلك أن "الناس لا تستطيع تحمل نفقات القراءة، والمكتبات لا تستطيع تغطية مصاريفها".

اضطرت العائلة، قبل ثلاثة أعوام، إلى إغلاق مكتبة أسستها في دمشق عام 2000 وحملت اسم "عالم المعرفة". أوصدت أبوابها لكن الكتب داخلها ما زالت على حالها، تملأ الرفوف ويكسوها الغبار. وعلى مكتب خشبي، تحتفظ عائلة النوري بصور قديمة لأفراد العائلة ولأبرز زائري المكتبة من سياسيين وفنانين وشعراء.

وجاء القرار بعدما أرهقتها سنوات الحرب التي تشهدها سوريا منذ عام 2011، ولم تعد قادرة على "تحمل نفقاتها المادية"، وفق النوري.

في الشهر الماضي، ودعت مكتبة نوبل العريقة المشهد الثقافي، لتسير على خطى مكتبة اليقظة العربية التي أسست عام 1939 وافتتح مكانها متجر لبيع الأحذية، ومكتبة ميسلون التي باتت مركز صرافة ومكتبات أخرى اندثرت تباعاً.

الكتب الإلكترونية وخط الفقر

إلى جانب الأسباب الاقتصادية، يشير سامي حمدان (40 سنة)، وهو من الجيل الثالث الذي تعاقب على إدارة دار ومكتبة اليقظة العربية لوكالة الصحافة الفرنسية "دفعت التكنولوجيا أجيالاً كاملة نحو الكتب الإلكترونية، وأبعدتها عن الكتاب الورقي".

وعند إقفالها عام 2014، كانت دار اليقظة قد طبعت أكثر من 300 كتاب واضطرت إلى تصفية عشرات آلاف النسخ.

وحسب حمدان، "أجهزت الحرب على ما تبقى" من مشهد ثقافي كان قد بدأ بالتراجع أساساً، على حد قوله.

ويشرح "لم نكن بمنأى عن التحول العالمي نحو الرقمنة، لكن خلال الحرب، لم يرغب أحد في استثمار أمواله في مكتبة".

ودفع عقد من الحرب نحو تسعين في المئة من السوريين تحت خط الفقر. وبات هؤلاء يكافحون لتأمين قوتهم اليومي واحتياجاتهم الأساسية وسط أزمة اقتصادية خانقة وشح في المواد الأولية وتدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. ما انعكس سلباً على القطاعات الإنتاجية ومنها الطباعة.

ترف ورفاهية

ويرى خليل حداد (70 سنة)، وهو أحد القيمين على مكتبة دار أسامة للنشر والتوزيع التي أسست عام 1967 وتكافح من أجل إبقاء أبوابها مفتوحة، "إنه لمن الترف والرفاهية أن ندعو الناس إلى اقتناء الكتب في هذه الظروف، وأولويات الناس تنصب على الغذاء والسكن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواظب الرجل الذي أمضى عمره بين الكتب والمكتبات على الحضور إلى مكان عمله على الرغم من أنه تمر أيام "لا نبيع فيها كتاباً واحداً".

ويشرح كيف أن "غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الورق والطباعة، وصعوبات لوجستية مثل انقطاع الكهرباء، أدت إلى ارتفاع سعر الكتاب وإحجام القراء عن الشراء".

قبل ست سنوات، تحولت مكتبة دار دمشق الشهيرة التي أسست عام 1954 إلى مكتبة لبيع القرطاسية، في محاولة للحفاظ عليها. لكن على بابها الخشبي القديم، يعلق عامر تنبكجي ابن مؤسس الدار اليوم لافتة "برسم التسليم"، ليعلن بذلك قرب نهاية مسيرة دامت نحو سبعين عاماً.

ويوضح تنبكجي (39 سنة) "نحن بصدد بيعها في حال توفر الراغب"، على الرغم من "أنني أشعر بالحزن إذا ما تحولت إلى أي شيء آخر".

وعلى غرار دور نشر أخرى، تراجعت تدريجاً قدرة الدار على الطباعة، وكذلك استيراد كتب من الخارج على وقع انهيار الليرة وعراقيل أفرزتها العقوبات الاقتصادية على سوريا.

5 مطبوعات فقط

وبعدما كان يدخل نحو 800 مطبوعة يومياً إلى سوريا قبل بدء النزاع، لا يتجاوز عدد المطبوعات حالياً الخمس، حسب زياد غصن، المدير السابق لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، الرسمية في سوريا.

ويقدر ازدياد تكلفة الورق والطباعة خلال العامين الماضيين بنحو 500 في المئة في الأقل، عدا عن زيادة أجور النقل واليد العاملة بنسبة تزيد على مئة في المئة.

وحرمت جائحة "كوفيد-19" السوريين من متعة قراءة الصحف الورقية اليومية، بموجب قرار أصدرته وزارة الإعلام في مارس (آذار) 2020، ما زال سارياً حتى اللحظة.

من مكتبة كبيرة في شارع رئيس في دمشق إلى قبو صغير، نقلت ناشرة دار أطلس سمر حداد قبل سنوات إرث والدها سمعان حداد، الذي أسس الدار عام 1955 واعتاد عرض "نفائس الكتب وآخر الإصدارات والترجمات".

مع موظف وحيد بدوام جزئي، تحاول حداد دفع عجلة طباعة الكتب وإن بصعوبة، لتحافظ على وتيرة إصدار سبعة كتب سنوياً، عوضاً عن أكثر من 25 في الأقل قبل الحرب.

وتوضح "ما لاحظناه في سنوات الحرب هو خسارتنا جزءاً كبيراً من قرائنا... سافر كثير منهم".

وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يدفعها إلى المواظبة على العمل هو الحفاظ على إرث والدها. وتقول بنبرة حاسمة "محاولاتنا مستميتة للبقاء، لن أغلق مكتبة دار أطلس".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات