Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دير "مار يعقوب المقطع"... نواة أديرة القلمون

منه انطلقت قوافل الرهبان لكي تؤسس بقية أمكنة العبادة في المنطقة

اعتمدت أسوار الدير في بنائها تقنية معمارية ترجع إلى الألف الثاني قبل الميلاد   (اندبندنت عربية)

جاءت تسمية دير "مار يعقوب المقطع" تكريماً للقديس يعقوب الفارسي، الذي لقب بالمقطع نسبةً إلى الطريقة التي قُتل بها بعد أن رفض الخروج عن إيمانه. كما يسمى "دير مار يعقوب قارة" نسبةً إلى المنطقة الحاضنة له، ويعد من أشهر الأديرة في العالم التي حملت اسم "مار يعقوب"، الذي بنيت تحت اسمه أديرة عدة تكريماً له.

الدير الأول

يقع الدير شمال العاصمة السورية، دمشق، غرب بلدة قارة في منطقة القلمون، التي تضم الكثير من الأبنية الدينية الأثرية القديمة ترجع غالبيتها إلى القرون الميلادية الأولى، وقد اشتهر باتساعه وحسن بنائه وكثرة أملاكه ورهبانه وإقبال الزوار إليه من كل الأنحاء المجاورة، حيث شهدت غرفه وصوامعه أسفار النسك والزهد والعبادة، وله أهمية خاصة تتمثل في كونه أول دير في القلمون، ومنه انطلقت قوافل الرهبان لكي تؤسس بقية أديرة المنطقة.

حصن روماني

بُني الدير في عهد الإمبراطورية الرومانية أوائل القرن السادس الميلادي على أنقاض حصن روماني يعود تاريخه إلى القرن الأول، واستدل على ذلك من قطعة عملة معدنية وجدت داخل جدران الدير تحمل رسم الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني.

تعرض الدير في الفترة الممتدة بين القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين إلى السرقة والحريق وقتل رهبانه مرات عدة من قبل المماليك في القرن الثاني عشر على يد الظاهر بيبرس، وفي فترة لاحقة على يد العثمانيين، ثم تعرض لزلزال مدمر، ليواجه بعدها الإهمال لسنوات طويلة، ثم يعود إلى الحياة مجدداً على يد الأم أغنيس مريم في عام 1994، التي بدأت أعمال ترميم بعض الجدران وبناء الأسقف وباقي الجدران على الأنقاض القديمة، بالإضافة إلى ترميم لوحات الفريسكو والأيقونات، وغيرها.

عمارته

بني الدير من مادة اللبن المجفف (الكلس والقش)، وتتبع أسواره في بنائها تقنية معمارية ترجع إلى الألف الثاني قبل الميلاد، استخدم فيها حجر الخرش المنحوت والمرصع على شكل سنابل، يتقدم بابه الرئيس بوابة معقودة بقوس تعلوها شرفتان كانتا تستخدمان كمصبات للزيت، ويتصل مدخله بممر يقسم البناء إلى قسمين، الأيمن مدخل الباحة، والأيسر أربع غرف، ويؤدي درج المدخل إلى غرفتين تمثلان البهو، وإلى سطح برج كان يستخدم لمراقبة القوافل التجارية المسافرة باتجاه دمشق، وهو مؤلف من أربعة طوابق مؤسسة على أساسات رومانية يعود تاريخها إلى العهدين الروماني والبيزنطي. في طابقه السفلي غرفتان يفصلهما جدار، وهما مؤسستان باللبن المجفف، ويعد من الأبراج النادرة في منطقة القلمون ككل.

معبد قمري

أما الكنيسة القديمة "كنيسة مار يعقوب المقطع"، فتقع في وسط الواجهة الشرقية من الجناح الشمالي للدير، وتعود إلى ما قبل القرن الحادي عشر، ويرجح فرضية بنائها على أنقاض معبد قمري سابق بسبب بعد أساس بنائها عن أسلوب بناء الكنائس البيزنطية، فهي تميل بزاوية 35 درجة نحو الشمال، كما أنها تمتد على علو مرتفع لا يتناسب مع مساحتها، بالإضافة إلى حنيتها المقطوعة التي تنتهي بسقف خشبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتقدم باب الكنيسة رواق ذو سقف خشبي محمول على أقواس، وتنتهي عند مذبح مزين حنية نصف دائرية مع قوسين متراكبين، كما يفصل بين صحن الكنيسة وهيكلها قوس روماني كبير خلافاً لما هو مألوف، ويلاحظ على جدران الكنيسة أجزاء من رسوم قديمة أحدها على وجه القوس الكبير في الأعلى، وهي للنبي موسى مع لوحي العهد، والأخرى لمعمودية السيد المسيح.

متعدد الأقسام

يتألف الموقع، بالإضافة إلى مبنى الدير الأساس والكنيسة، من "دار مار يعقوب"، المتاخمة للكنيسة، وتتميز بكثرة الأقواس ذات الطراز الأيوبي القديم التي تعلو أعمدة قلمونية الصنع، و"بيت القديسين الشهداء"، وهو عبارة عن غرفة على شكل قبو تقع على يمين الكنيسة، ولها مدخلان، الأول قديم أثري ذو سقف مصنوع من خشب اللذاب العتيق، والأخير جديد استحدث خلال عمليات الترميم، ويحوي على أيقونة مار يعقوب الوحيدة الناجية من القرن التاسع عشر، وهي من الطراز الحلبي.

ومن أقسام الدير الأخرى "الطاحون الأثري"، الذي يقع في الزاوية الشمالية الشرقية للدير، وكان متصلاً من الجهة الشمالية بقناة توصل الماء إليه، كما نجد بالقرب من الطاحون غرفة التنور أو "دار التنور"، التي يشكل جدارها حنية تشابه في تكوينها المعماري تشكيلات الأديرة المصرية التي تعود إلى ما قبل القرن السادس، وقد اكتشف فيها عملات معدنية وقطع أثرية فخارية وزجاجية.

ومن الأقسام المميزة "مغارة كبيرة" كانت تستخدم لتخزين المؤن، حيث يوجد في إحدى زواياها جرّة طينية كانت تستخدم لتخزين نواتج "المعصرة" الموصولة بها، وتنتهي هذه المغارة بنفق يمتد لنحو 13 متراً تحت الأرض، وهنا يروي القدماء أن دير مار يعقوب كان موصولاً قديماً ببلدة قارة عبر نفق سري. كل ذلك بالإضافة إلى الحظائر والمستودعات، وقناة للمياه وبعض الآبار.

الفريسكو

يضم المتحف الوطني بدمشق جزءاً من فريسكو (لوحة جصية) يعود تاريخ القطعة إلى الدولة الأيوبية، كانت قد زينت ذات يوم حنية مذبح كنيسة الدير، وهي ملونة بدرجات متفاوتة من البني والرمادي، بالإضافة إلى الأحمر والأزرق والأخضر، وتصور ملاكاً مجنحاً بثياب بيضاء، شعره طويل ورأسه مربوط بعصابة تحيط به هالة من النور، ويرفع يده اليمنى بالدعاء ويمسك بحبل في يده اليسرى.

ويرجح مؤرخو الفن احتمالية أن تعود ملامح الوجه الأيقونية هذه لرئيس الملائكة ميخائيل، بسبب مطابقة ثنيات الملابس وملامح الوجه وأسلوب التظليل مع الرسم الموجود على اللوحات ثلاثية الطبقات لدير "مار موسى الحبشي" القريب منه مكانياً، والمتزامن معه زمانياً.

الدير في الوضع الراهن

يحفل الدير في الوقت الحالي بالاجتماعات والنشاطات التي تشمل جوانب عدة، ويقدم خدمات مجتمعية تثقيفية وصحية وروحية ومساعدات اجتماعية، وهو مفتوح للجميع، سواء بغرض الزيارة، أو بقصد الحصول على العزلة الروحية. الجدير ذكره أن الدير محاط ببستان كبير وافر بالأشجار المثمرة ونبع للماء، يؤمنان معظم احتياجات الدير، ويمنحانه صفة الاكتفاء الذاتي.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات