Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من "أوكوس" إلى "كواد"... موت أحلاف وبزوغ تحالفات

نهاية قرن من الصيغ التي أرستها الحرب العالمية الثانية على شكل "الناتو" و"وارسو"

الرئيس الأميركي خلال قمة "أوكوس" (أ.ف.ب)

ما الذي يجري على رقعة الشطرنج الدولية خلال الأيام والأسابيع الأخيرة؟ هل نحن أمام بداية حقيقية للقرن الحادي والعشرين، والذي بدأ قبل عقدين، وقد اعتقد البعض أن تاريخه قد بدأ نهار الحادي عشر من سبتمبر 2001 غداة الهجوم الإرهابي على نيويورك وواشنطن؟

بالعودة إلى المؤرخ والمفكر البريطاني الكبير، إريك هوبسباوم، ونظريته المتكاملة عن القرون، نجد أنه لا يراها بعدد السنين– مائة سنة لكل قرن– ولكنه يقيسها بطول الصراعات الفكرية والسياسية والعسكرية الفاعلة والحاكمة في زمانها، ومن ثم فهو يعتبر أن هناك قروناً طويلة وقروناً قصيرة.

وبوحي هذه النظرية، فإن هوبسباوم أصدر كتاباً عن القرن العشرين سماه "زمان التطرف: القرن العشرين القصير"، واعتبر هوبسباوم أن القرن العشرين بدأ مع الحرب العالمية الأولى 1914 بتصدع الأوضاع الدولية الموروثة من القرن التاسع عشر، وقيام أوضاع جديدة برزت أكثر بالثورة البلشفية وظهور الاتحاد السوفياتي، ثم انتهت بسقوطه سنة 1991، ساحباً معه مجموعة أوروبا الشرقية برمتها.

بهذا القياس هل يمكن اعتبار نشوء وارتقاء تحالفين جديدين على سطح الكرة الأرضية، وهما تحالف "أوكوس" وتحالف "كواد"، بداية حقيقية للقرن الحادي والعشرين، ونهاية القرن العشرين حيث ظهر حلف الناتو أو الأطلسي في مواجهة حلف وارسو؟

هذا ما نحاول استبيانه من خلال السطور التالية.

الناتو هل هي بدايات النهايات؟

يخطئ من يظن أن أزمة حلف الناتو قد اشتعلت مع أزمة الغواصات الفرنسية، تلك التي توقفت أستراليا عن شرائها، وفضلت عليها مجموعة أخرى أميركية تعمل بالطاقة النووية، عوضاً عن الديزل.

قبل ثلاثة أعوام بدا وكأن الأصوات الديغولية ترتفع من جديد في الداخل الفرنسي لجهة الموقف من حلف الناتو، وقد كان لوجود دونالد ترمب في البيت الأبيض تأثير بالغ الخطورة على مآلات الحلف، الأمر الذي أدى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمطالبة بالتفكير المعمق في إنشاء قوة مسلحة أوروبية أقرب ما تكون إلى جيش أوروبي يعمل بعيداً عن وصاية حلف الناتو، كان ذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018، خلال مقابلة له مع محطة الإذاعة الفرنسية "أوروبا 1".

لم يكن ماكرون وحده هو من سعى في طريق الانفصال عن الناتو ولو بصورة مقنعة، فقبل ذلك التاريخ ببضعة أشهر أعلن الاتحاد الأوروبي عن توقيع 23 عضواً من إجمالي 28 هم عدد أعضائه على اتفاقية "بيكو"، أو "اتفاقية التعاون الدفاعي المنظم"، والتي توصف– ربما تأدباً– بأنها ذات مهام تكميلية لحلف الناتو، وليست بديلاً عنه.

هل نحن على مقربة من نهاية حلف الناتو بشكله العتيق، وظهور تحورات على سطحه تتسق وتغير مركز التهديد للغرب من الاتحاد السوفياتي إلى الصين الشعبية؟

في واقع الأمر يبدو أن الخلاف الأوروبي– الأميركي قد تجاوز إشكالية ترمب، الرئيس الذي أدار البيت الأبيض بعقلية بائع العقارات، فقد تركزت جهوده على المساهمات المالية الأوروبية ورفع أنصبة ما يدفعه الأوروبيون في مقابل خدمات الناتو، وباتت المخاوف تعم أوروبا اليوم من جراء دعوات الانعزاليين الأميركيين، والرافضين لأن تكون الولايات المتحدة الأميركية شرطي العالم أو دركه، وها قد بدأ الأمر في أفغانستان، واحتمالات تكراره قائمة في الشرق الأوسط، الجار الأقرب والأكبر لأوروبا وبما يمكن أن يؤثر تأثيراً كبيراً على أمن وسلام القارة العجوز... هل تكون بداية الانحلال والتفكك من عند الجمهورية الفرنسية تحديداً؟

فرنسا وأصوات تدعو للانسحاب

هنا ومن غير أدنى شك يمكننا القول، إن فرنسا كانت الصوت الأعلى في الأيام القليلة الفائتة لجهة وضع الأوربيين أمام مستقبل الشراكة في الناتو، فقد وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية رد فعل الرئيس الفرنسي ماكرون بعد إعلان الشراكة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، التي عرفت باسم "أوكوس" بأنها "المقامرة الكبرى".

باريس من جهتها حثت شركاءها في الاتحاد الأوروبي على النظر في إمكانية تأجيل المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة المستقلة للاتحاد مع أستراليا، بسبب ما وصفته بانعدام الثقة الناجم عن صفقة الغواصات.

خلال الأيام الأولى للأزمة بدا وكأن أنصار انسحاب فرنسا من هيكل القيادة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي، قد باتوا أصحاب الأصوت الزاعقة والرايات الفاقعة في العاصمة الفرنسية، والتي عادت لتلك القيادة عام 2009، بعد غياب دام 43 سنة، فقد انسحبت في عام 1966 في عهد شارل ديغول جنرال النصر، واقتصر وجودها على عضوية الحلف.

في أعقاب إشكالية الصفقة المهينة للفرنسيين، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية أورسولافون دير لاين، لشبكة "سي. أن. أن"، أن إحدى دول الاتحاد الأعضاء تم التعامل معها بطريقة غير مقبولة.

أما وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، ففي مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انطلقت في سبتمبر الماضي فقد صرح بالقول: "الموضوع يتعلق في المقام الأول بانهيار الثقة بين حلفاء... هذا الأمر يستدعي من الأوروبيين التفكير في التحالفات".

هل هي عودة لزمن الشكوك الديغولية مرة جديدة، وتجاه الصيحات الأنجلو ساكسونية من غرب الأطلسي إلى شرق الهادي، أو الـ"إندو – باسيفيك"، إن جاز التعبير؟

أوكوس... قلب العالم يتحرك شرقاً

بدا من الواضح أن قراءة العالم القديم، والتي اعتبر فيها الجيوبوليتيكي البريطاني الشهير السير هالفي ماكندر أن أوروبا هي قلب العالم قد حان أوان إسدال الستار عليها، وبزغ الفجر الآسيوي بقوة، ووصلت أضواؤه إلى الولايات المتحدة حاملة معها تهديدات قطبية.

في هذا الإطار كان هناك من يخطط ويحاول استباق الصين بعدة خطوات وليس خطوة واحدة، جرى ذلك من وراء الاتحاد الأوروبي، وهو ما تبين لاحقاً من تصريح المتحدث باسم الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بيتر سانو، والذي قال إنه لم يتم إبلاغ الاتحاد بإنشاء شراكة جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مجال الأمن.

في 15 سبتمبر (أيلول) المنصرم، أُعلن عن شراكة دفاعية وأمنية جديدة بين ثلاثة بلدان: أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وبات يرمز لها اختصاراً بالأحرف الأولى للبلدان الثلاثة "AUKUS"، فما الهدف المعلن لهذه الاتفاقية، وماذا عما هو خفي ولا يظهر إلا من خلال القدرة على التحليل واستشراف المستقبل؟

بحسب البيان الذي نشره الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية، فإن "قادة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا اتفقوا على إطلاق شراكة دفاعية وأمنية تاريخية"، وأضاف البيان أن هذه الشراكة "ستحمي وتدافع عن مصالحنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادي".

عطفاً على ذلك "ستعمل على تعزيز تطوير القدرات المشتركة التكنولوجية، ما يضمن حماية موظفينا من أي أذى، وتعزيز أهدافنا المشتركة".

جاءت المبادرة الأولى للاتفاقية لتوفر غواصات تعمل بالطاقة النووية في المستقبل للبحرية الملكية الأسترالية، في منطقة المحيطين الهادي والهندي، وبحسب البيان، فإنه سيتم نشرها لدعم القيم والمصالح المشتركة.

كان من الواضح أن الاتفاقية قد جرت بها المقادير في المياه الدولية المضطربة بدفع أميركي حثيث أول الأمر، وبدعم بريطاني تالياً، أما أستراليا فهي حاجة لوجيستية ولا تملك من أمرها أكثر من ذلك.

تحدث بايدن عن أوكوس معتبراً الاتفاقية عملاً تاريخياً، يهدف إلى ضمان استقرار العالم.

أما رئيس الوزراء البريطاني جونسون، فقد رأى أنه اتفاق عقلاني بين حلفاء طبيعيين، حتى ولو كانت تفصل بينهم الجغرافيا.

السؤال المثير هنا: لماذا يندهش العالم من أوكوس، وهو اتفاق كان قائماً بالفعل من قبل، ولكن تحت غطاء تحالف استخباري مستتر... ماذا عن ذلك؟

أوكوس... إفراز لتحالف العيون الخمسة

في بيان إعلان أوكوس، إشارة إلى أن التحالف الجديد يعكس المستوى الفريد من الثقة والتعاون بين البلدان الثلاثة، التي تتشارك بالفعل معلومات استخبارية واسعة من خلال تحالف العيون الخمس.

وللذين سيتساءلون عن ماهية هذا التحالف نقول، إنه في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وقعت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا إحدى أهم الاتفاقيات الدولية التي أبرمت طوال الخمسين عاماً التي تلت الحرب العالمية الثانية، هذه الاتفاقية هي اتفاقية "يوكوزا".

والثابت أنه كما حدد مؤتمر "بريتون وودز"، الذي عقد عام 1944 شكل علاقات التجارة الدولية، فإن تلك الاتفاقية نظمت أنشطة الاستخبارات الغربية التي تمت طوال الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية.

ولعله من المثير القول، إن هذه الاتفاقية بين الولايات المتحدة المنتصرة وبريطانيا المرهقة بفعل الحرب، وضعت الولايات المتحدة في موقع المهيمن.

أدت اتفاقية يوكوزا إلى تأسيس تحالف حقبة ما بعد الحرب بين خمسة أطراف غربية: الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، إستراليا، ونيوزيلندا، وقام هذا التحالف بالتقاط اتصالات الراديو الدولية بشكل سري، وتطور ليصبح قوة دائمة متمثلة في نظام تجسس إلكتروني عالمي تعتبره الولايات المتحدة وبريطانيا سبباً رئيساً في انتصاراتهما بعد الحرب العالمية الثانية.

وبحلول التسعينيات من القرن المنصرم حلت أنشطة التجسس على الأقمار الاصطناعية ومنظومة إتشيلون ذات القدرات الهائلة محل ضباط الاتصالات الذين كانوا يستعينون بطرق بدائية كسماعات الأذن للتنصت على اتصالات الراديو، ومع ذلك بقي تحالف "يوكوزا" هو الأساس لهذه الأنشطة، وبات يمثل أقوى وأعمق وأهم روابط التحالف التي تربط نيوزيلندا بأميركا وبريطانيا وأستراليا.

لماذا باتت الحاجة اليوم من جديد إلى أستراليا فرض عين وأمراً واجباً تتطلبه أوضاع الصراع الدولي، لا سيما في شرق آسيا على وجه الدقة؟

أستراليا... قلب تحالفات إستراتيجية جديدة

تبقى أستراليا في حقيقة الأمر كلمة السر في اتفاق أوكوس، وما هو غير معلن عنه في بيان الانطلاق، وإن كان معروفاً للقاصي والداني، هو أن التحالف الجديد غرضه الرئيس مواجهة النفوذ المتصاعد للصين في المحيط الهادي بشكل خاص، وفي المجال الآسيوي بنوع عام.

في تقرير أخير لمجلة "بيزنس إنسايدر"، نقرأ كيف أن خيار أستراليا الاستغناء عن العقد الذي كان يربطها بفرنسا من 2016، لاقتناء غواصات تقليدية، والتوجه للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، يتعدى كونه تقنياً فحسب.

وبحسب تحليل المجلة الأميركية الشهيرة، فإن خيار كانبيرا، أملته دواع استراتيجية، تتقدمها الحاجة إلى تحديث أسطولها في مواجهة التهديد الصيني.

وعلى الجانب التقني تبدو الغواصات الأميركية في المياه الإقليمية الأسترالية، ذراعاً غربياً طويلاً يطال الصين بكل تأكيد، ذلك أنها قادرة على تدمير قطاع جوي على بعد عدة آلاف من الكيلومترات، بينما الغواصة التي تعمل بالطاقة التقليدية (ديزل/ كهرباء)، ليس لها نفس النطاق.

تبدو أستراليا درة التاج الغربي والأميركي بنوع خاص في القرن الجديد الذي يتحدث عنه هوبسباوم، قرن المواجهة مع الصين، لا سيما وأنها تستفيد من موقعها قبالة اليابان في هاواي، وعلى الجانب الآخر من منطقة المحيطين الهندي والهادي حتى الشرق الأوسط لمراقبة المطامع الصينية.

ومن هنا تبدو الخطة الأميركية – الأسترالية- البريطانية الساعية لتوحيد القوى الأنجلوساكسونية القديمة، في إطار محدث بهدف احتواء توسع بكين في المنطقة، والعهدة على الراوي، "بيزنس إنسايدر".

 ولأن السياسة الدولية لا تعرف النوايا أو الأهداف اليوتوبية، لهذا يتساءل المرء: هل تقوم الولايات المتحدة بتزويد أستراليا بأحدث ما لديها من غواصات مجاناً؟

أفضل من تصدى للجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة، ماركوس هيليير، كبير محللي اقتصادات الدفاع في "المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية"، وعنده أن الولايات المتحدة لا تؤمن درة تاجها في التكنولوجيا العسكرية إلى أستراليا إذا لم تكن تريد استخدامها عندما تطلب المساعدة... هل يفهم من هذا أن واشنطن تتهيأ لمعركة قد تكون نووية بالفعل في منطقة المحيط الهادي؟

لنؤجل الجواب قليلاً ولنتوقف مع عتبة ثانية من عتبات التحالفات الدولية في القرن الجديد، قرن ما بعد الناتو، حيث حديث "تحالف كواد" يملأ العين والأذن معاً.

تحالف كواد... خطوة لحصار التنين الصيني

بعد أسبوع من ظهور تحالف أوكوس إلى النور، كان البيت الأبيض يشهد قمة افتراضية رباعية، بحضور رؤساء وزراء أستراليا والهند واليابان، وبرعاية الرئيس بايدن.

خلال اللقاء قال الرئيس الأميركي: "إن هذه القمة تجمع بين قادة ديمقراطيين يشتركون في قيم موحدة للمستقبل، والعمل على مواجهة التحديات، مثل جائحة كورونا، والتغيرات المناخية، إضافة إلى التكنولوجيا".

لا تبدو أهداف تحالف كواد QUAD كما أعلن عنها بادين تنطلي على العوام قبل النخبة، لا سيما وأنها ثاني قمة خلال حكم بايدن للمجموعة التي تهدف إلى تعزيز قوة الدول الأربع في منطقة المحيطين الهندي والهادي لمواجهة نمو القوة الصينية.

ورغم أن الدول الأربع حرصت على عدم ذكر الصين في بياناتها المتعلقة بالاجتماع، فإن بكين تنظر إلى هذه المجموعة على أنها محاولة لعرقلة قوتها المتنامية على الساحة العالمية.

قبيل القمة عقد الرئيس الأميركي لقاء ثنائياً مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، كما عقد مودي بدوره ورئيس الوزراء الياباني، يوشهيدي سوغا، أول لقاء بينهما، واتفق الجانبان الهندي والياباني على ما وصفته طوكيو بمعارضة قوية ضد الإكراه الاقتصادي، وتغيير الوضع الراهن في المياه البحرية في آسيا والمحيط الهندي، في إشارة إلى الصين دون أن تسميها.

هل نجح الأميركيون في استقطاب قوة آسيوية تقليدية هي الهند وتضمينها تحالفات جديدة لا تحمل اسم الناتو؟

 هذا هو في واقع الأمر الغزل الأميركي، على المتناقضات الدولية، وتسخير التضادات الإقليمية لصالح رؤى واشنطن القطبية، وسيراً على درب مشروع القرن الأميركي، للمحافظين الجدد.

تدرك واشنطن أن الهند قد واجهت جارتها الصين منذ فترة طويلة على حدودها الوعرة في جبال الهيمالايا، ويبدو التحدي بين نيودلهي وبكين آخذاً في التصاعد.

يرى محللون تحدثوا لإذاعة "صوت أميركا"، أن المخاوف تتزايد في الهند حيث تقترب منافستها الصين من سواحلها عبر خط سكة حديد وطريق جديد يمنح بكين وصولاً برياً لأول مرة إلى المحيط الهندي عبر ميانمار، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية في شرق وشمال سريلانكا.

أما اليابان وهي الضلع الثالث في مثلث الرأسمالية العالمية، فلها مع الصين مواجهة قديمة وحديثة معاً، وقد أدى تصاعد التوترات بين الصين وتايوان إلى رفع اليابان درجة الاستعداد لصراع محتمل بين البلدين، ما يؤدي بالضرورة إلى توثيق التعاون مع الجيش الأميركي، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

عطفاً على ما تقدم فإن اليابان وفي نهايات سبتمبر الماضي، كانت تحث الدول الأوروبية على التصدي للعدوان الصيني، محذرة من أنه يتعين على المجتمع الدولي تعزيز جهود الردع ضد توسع بكين العسكري والإقليمي وسط تزايد مخاطر نشوب صراع عسكري ضخم.

هل تحالف كواد خطوة شبه مؤكدة، لا سيما بعد تحالف أوكوس في طريق الاستعداد لمواجهة عسكرية مع الصين؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحالفات برسم تايوان وبحر الصين الجنوبي

 رغم أن وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، قد تحدثت، أخيراً، عن تعاظم الخطر الروسي، وكيف أنه يشكل في المدى القريب الإشكالية الكبرى للولايات المتحدة، فإنه من الواضح أن خطوط الاستراتيجية الغربية باتت ترى في التحالف مع القوى القريبة جغرافياً من الصين، كما الحال مع اليابان والهند وأستراليا، أكثر أهمية بمراحل مع روابط الثقة مع أعضاء حلف الناتو على الجانب الآخر من الأطلسي بصورة أو بأخرى.

في هذا السياق مضت واشنطن في طريق أكثر دفعاً سياقات التصادم مع بكين، فقد رحبت واشنطن بترشح تايوان للانضمام إلى "اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادي"، ودعت الصين إلى "وقف ضغوطها العسكرية"، وذلك على خلفية توغل طائرات صينية في المنطقة الدفاعية التايوانية.

قبل بضعة أيام من تقديم تايوان طلبها المشار إليه، أعلنت سلطاتها أن 19 طائرة صينية، بينها 14 مقاتلة وقاذفتان مع قدرات نووية، دخلت المنطقة الجوية الدفاعية التايوانية في أكبر توغل منذ أشهر.

هنا تطفو على السطح علامة الاستفهام الجوهرية: هل التحالفات الجديدة من أوكوس إلى كواد، مرحلة تهيئة واستعداد لملاقاة الصين نووياً من جراء تايوان من جهة، وبحر الصين الجنوبي من جهة ثانية، وبينهما وقف الزحف الصيني العالمي، وقطع مسارات القطبية الصينية المقبلة؟

عند الكاتب الفرنسي المثير للشغب العقلي تييري ميسان، أنه لا يمكن فهم أبعاد التحالفات الجديدة، إلا في ضوء فهم التوجهات الصينية نحو تايوان ومنها أنه منذ عام 2015 والجيش الصيني يتدرب على الاستيلاء على القصر الرئاسي في تايوان، وهو ما لن تتقبله واشنطن ولا بقية حلفائها في الناتو القديم، ولهذا كان لا بد من حلفاء جدد، والاستعداد ربما لمواجهة نووية مع الصين، الساعية لبناء سور عظيم نووي تحت الأرض قوامه عشرة آلاف رأس نووي.

هل الناتو باق رغم الخلافات؟

في واقع الحال، فإن فرنسا التي ارتفع صياحها، تؤكد أنها لاحقاً ستعاود قراءة مشهد التحالف مع واشنطن كركيزة للناتو، وفي خلفيتها بيانات تعبر عن أزمتها المعاصرة، كما أوردها تقرير أخير لمؤسسة "راند" للدراسات في واشنطن، وهي العقل المفكر لوزارة الدفاع الأميركية.

أحدث تقارير راند والتي ورد فيها ذكر فرنسا يخبر بأن الجيش الفرنسي الذي يصنف في المرتبة السابعة عالمياً، لن يستطيع الصمود في حرب طويلة أمام الجيش الروسي، الذي يصنف في المرتبة الثانية بين أقوى 140 جيشاً في العالم.

وعلى الرغم من أن الجيش الفرنسي يمتلك قوات مدربة وعتاداً عسكرياً متطوراً، لكنه لا يمتلك القدرة على الصمود أمام الجيش الروسي.

التقرير يقطع بأن أي مواجهة بين الطرفين، يمكن أن يحسمها الروس خلال أيام، وهو ما تؤكده إحصائيات موقع "غلوبال فاير بور" الأميركي في المقاربة بين الجيشين.

هنا تبدو الشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية أمراً واجب الوجود، انطلاقاً من قدرات العسكرية الأميركية الداعمة لأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن أن الصين بدورها سوف تصبح تهديداً عسكرياً لأوروبا عند نقطة زمنية بذاتها.

لكن وعلى الرغم من تلك الحقائق، فإن شرخاً عميقاً أصاب جدار الناتو السميك، وهذا ما عبر عنه الباحث السياسي الألماني الكسندر راهر، والذي أشار إلى أن: "العدو الجيوسياسي الأول للأميركيين على المسرح العالمي هو الصين، وأن الولايات المتحدة بشكل عام بلد أناني للغاية، ولطالما كانت مصالحهم فوق التضامن داخل كتلة الأطلسي".

سوف تزداد العلاقات الأوروبية الأميركية سوءاً، وفي حال فوز ماريان لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا، سيصبح الانسحاب الفرنسي وارداً بقوة، ما يعني أن الناتو قد يكون في عقده الأخير على أحسن تقدير.

المزيد من تقارير