Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنان مصري يعيد إحياء تراث "المنجور"

حرفة استخدمت قديماً في المشربيات وتعتمد على تكرار وحدات زخرفية بشكل متتابع

استخدم المنجور كواجهة للمباني والمشربيات وتوارى مع الزمن مع ظهور حرف أحدث (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – الصفحة الرسمية للفنان على فيسبوك)

حرف تراثية متعددة تشكل جزءاً من ثقافة المجتمع في زمن ومكان معين، إلا أنها مع مرور السنوات ومع ظهور بدائل وحرف أحدث قد تختفي وتتوارى عن الأنظار بخاصة حال عدم اهتمام القائمين عليها من الحرفيين بنقل الصنعة من جيل لآخر لتبقى حية ومستمرة. المنجور إحدى الحرف التي تنطبق عليه هذه القاعدة، إذ يمكن القول إنها اندثرت في مصر واختفت تماماً منذ عشرات السنوات، فقديما كانت تصنع منها واجهات المباني والشبابيك بنفس فكرة المشربيات وتعتمد بشكل رئيس على وحدات زخرفيه مفرغة متكررة.

انتشر فن المنجور وقت ازدهاره وخرج من مصر إلى الدول المجاورة التي تأثر كثير منها بأسلوب المعمار المصري آنذاك، فعرفت المشربيات في مصر، والروشان في العمارة الحجازية، كما انتشرت في الشام والمغرب والسودان بتنويعات مختلفة، ولكنها تعتمد نفس المفهوم. ومع مرور الزمن بدأ المنجور في التلاشي لعدم وجود طلب عليه واعتمد الحرفيون على حرفة جديدة ظهرت لتؤدي نفس الدور وهي الأرابيسك الذي شاع وانتشر في مصر، ولا يزال يعرفه الناس حتى الآن في الوقت الذي بدأ المنجور في التواري حتى اختفى تماماً، عن الأنظار.

دفعت الصدفة حسن خالد، الذي يرتكز عمله على الفنون الخشبية بشكل عام للتعرف على المنجور، حيث سعى للبحث عنه ودراسته بشكل مفصل، على الرغم من صعوبة الحصول على المصادر، أو النماذج باعتباره فناً مندثراً في مصر ليقرر تعلمه، ويعيده إلى الحياة مرة أخرى بتنفيذه وبتطويره وتعليم هذه الحرفة لآخرين لتبقى حاضرة ومستمرة.

وعن فن المنجور يقول الفنان حسن خالد لـ"اندبندنت عربية"، "المنجور يعتمد على تصميم وحدات زخرفيه من الخشب، وبشكل رئيس على تكوينات من الشكل الثماني، ويتم تنفيذه بالتعشيق أو بلغة الحرفيين النص على النص أو العاشق والمعشوق. يستند إلى شكل واحد متكرر في القطعة بكاملها، وبدأ في مصر منذ زمن طويل، وانتقل منها إلى دول كثيرة محيطة مثل السودان والسعودية والمغرب، وينفذ في كل منها بنفس التكنيك مع اختلاف بسيط في شكل الوحدة الزخرفية المتكررة".

يضيف، "الصناعات الخشبية هي مجال عملي في الأساس، ومنذ فترة حصلت على منحة للدراسة في مؤسسة بيت جميل في مجال فنون الأخشاب تحديداً، وقادتني الصدفة في التوقيت ذاته للتعرف على فن المنجور، فطلبت أن أتعلمه حتى ولو كان خارج المقررات التي سنقوم بدراستها، وبحثت في هذا الفن كثيراً بعيداً عن الدراسة حتى استطعت إتقانه، إضافة إلى تقديم ورقة بحثية عنه بشكل عام من ناحية التاريخ والتطور والاختلاف بين طرق تنفيذه في الدول المختلفة إضافة إلى التوثيق".

الاختلاف بين المنجور والأرابيسك

المنجور والأرابيسك كلاهما فن انتشر في مصر واعتمده الناس كواجهات للمنازل والمشربيات التي اعتبرت من سمات العمارة المصرية والإسلامية، وإحدى المفردات المميزة للثقافة الشعبية على مدار سنوات، ففكرة المشربية كان الهدف منها خلق شكل جمالي من الخارج والسماح بدخول الضوء والهواء، وفي نفس الوقت إضفاء الخصوصية على ساكني المنزل، فلا يمكن رؤية من بالداخل، وقد لا يستطيع غير المتخصصين فهم الفارق بين المنجور والأرابيسك باعتبارهما يؤديان نفس الغرض يقول خالد، "المنجور زمنياً يسبق الأرابيسك الذي شاع وانتشر في مصر ويعرفه الناس حتى الآن، لكن يختلف كل منهما تماماً عن الآخر في تكنيك التنفيذ فالأخير يعتمد على خرط الخشب، وتفردت به مصر وأصبح من علامات العصر الإسلامي، حيث برع فيه الفنانون وأنتجوا قطعاً في غاية الدقة كما كتبوا عليه بعض العبارات، في الوقت الذي بدأ المنجور في الانحسار حتى اندثر، وبينما يعتمد على قطع خشبية يتم قصها وتجميعها بشكل يدوي تماماً ومن دون استخدام أي وسيلة للصقها أو تركيبها، فهو حرفة تحتاج مهارة عالية في التنفيذ".

 

 

يضيف، "في رحلة البحث عن المنجور في القاهرة لم أجد إلا قطعاً نادرة باقية من هذا الفن، أحدها شباك في الكنيسة المعلقة الواقعة في منطقة مصر القديمة، والثانية في متحف جاير أندرسون المعروف ببيت الكريتلية، والأخيرة في واجهة منزل قديم في شارع سوق السلاح. والوضع خارج القاهرة لا يختلف كثيراً، فللأسف هذه الحرفة توارت تماماً ولم يعد لها وجود".

أين ذهب صناع المنجور في مصر؟

من حرفة شهيرة كان الطلب عليها لا ينقطع باعتبارها جزءاً من التراث المعماري للمكان إلى وضع جديد تبحث فيه عن حرفي يجيدها فلا تجد، بل ربما لا يعرف الحرفي ماذا تقصد من الأساس. فأين ذهب كل العاملين في هذا المجال على مدار السنوات؟ يشير الفنان إلى أن "صناع المنجور مع قلة الطلب عليه منذ عشرات السنوات غير كثير منهم نشاطهم إلى أعمال خشبية أخرى يكثر الطلب عليها، وتكون أقل في التكلفة وأكثر ربحية، الأمر الذي كان عاملاً رئيساً في اختفاء الحرفة، فلا أحد يورثها لجيل جديد على الرغم من أهميتها، وعلى الرغم من كونها جزءاً من التراث الذي يجب الحفاظ عليه والعمل على استمراره. وتشكل هذه واحدة من أهم مشكلات الحفاظ على الحرف التراثية أنه دائماً لا بد أن يكون هناك جيل جديد، مع ضرورة أن يدرك الحرفي قيمة ما يحمله من صنعة فهي ليست مجرد حرفة للكسب، وإنما جزء من تراثنا وتاريخنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر، "لإعادة إحياء هذه الحرفة أسعى إلى تنظيم ورش للعمل لنقل هذه الصنعة لآخرين مهتمين بهذا المجال، ففي ما يتعلق بالحرف التراثية فالحفاظ على الصنعة أهم من الاحتفاظ بسرها، كما نسعى لأن تكون هناك محاولات لدخول الميكنة الحديثة في عملية الصناعة أو في جزء منها، فهذا من شأنه أحياناً أن يقلل التكلفة ويوفر الوقت، مما ينعكس على الصناعة بشكل عام فواحدة من مشكلات الحرف اليدوية هو ارتفاع تكلفتها، ما يجعل الطلب عليها أقل لارتفاع سعرها".

التراث والحياة المعاصرة

مفردات متعددة مستوحاة من التراث تشكل قيمة تاريخية كبيرة إلا أنه أحياناً لا يهتم مصممو الديكورات الحديثة بتوظيفها بشكل معاصر، بحيث تبقى حاضرة وموجودة في الطابع الحديث لشكل الحياة، فكيف يمكن الدمج بين الأصيل والمعاصر في هذا المجال، يشير خالد، "يمكن استخدام فن المنجور بشكل معاصر بطرق متعددة في الديكور الداخلي مثل الأبواب والمشربيات الديكورية والقواطع الخشبية في المنازل وغيرها، فإذا تم التنفيذ بشكل مناسب سيضفي هذا لمسة تراثية جميلة تتناسب مع طبيعة الحياة المعاصرة". يضيف، "الحفاظ على الحرف التراثية بشكل عام يتطلب تكاتفاً بين جهات متعددة رسمية وأهلية، فمن جانب رعاية الدولة للحرفيين، ومن آخر إيجاد منافذ للتسويق، إضافة لذلك لا بد من نشر الوعي بأهمية وقيمة مثل هذه الصناعات باعتباره فناً أصيلاً من ثقافتنا وتاريخنا ينبغي أن يظل حاضراً في حياتنا".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات