تواجه ميزانية الكويت أزمة سيولة في ظل ارتفاع مستويات العجز، إلا أن محللين ومختصين أكدوا لــ"اندبندنت عربية"، أن الأزمة الحقيقية تكمن في صعوبات تشريعية لإقرار حلول تساعد في تنظيم السياسة المالية للدولة الخليجية الغنية بالنفط.
وأدت الأزمة الاقتصادية المصاحبة لتفشي جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط إلى تفاقم عجز ميزانية الكويت، ليرتفع لأعلى مستوى تاريخي بعد أن سجل زيادة سنوية تجاوزت 174 في المئة في السنة المالية المنتهية في 31 مارس (آذار) 2021.
وسجل العجز المالي لميزانية 2020-2021 نحو 10.8 مليار دينار (35.5 مليار دولار)، وكان العجز الأكبر المسجل في تاريخ الكويت في عام 2015-2016، البالغ 5.98 مليار دينار (19.89 مليار دولار)، وكان بسبب تراجع قياسي في أسعار النفط حينها.
وتواجه البلد الخليجي خيارات صعبة مع اشتداد أزمة السيولة النقدية وصعوبة تدبير الأموال بعد أن كادت تنفد من خزائن الحكومة، في وقت يصعب فيه الاقتراض من الأسواق المحلية أو العالمية بسبب توقف الدين العام وأجواء رفض تشريعي للقانون.
واستمرار الرفض التشريعي لأي إصلاحات اقتصادية يضع الكويت في مأزق حقيقي ويهدد تصنيفات الدولة الائتمانية.
تأخر الإصلاحات
وقال محمد رمضان الباحث الكويتي في الشؤون الاقتصادية، إن الأزمة ليست أزمة سيولة، إنما بدأت من تأخر الإصلاحات الاقتصادية وعدم إظهار أي مرونة في تعديل القوانين لكي تكون متوافقاً عليها أكثر بين الحكومة ومجلس الأمة (البرلمان)، وذكر رمضان أن التأخر في إقرار القوانين أدى إلى تخفيض تصنيف الكويت الائتماني، وبالتبعية، أدى إلى أزمة سيولة، لكن واقع الأزمة الحقيقي هو ليس مشكلة السيولة إنما مشكلة تشريعية.
وتابع رمضان، "وضع الكويت المالي اليوم هو في أحسن وضع وصلت إليه البلاد في تاريخها، فصندوق احتياطي الأجيال ارتفعت قيمة أصوله لما يقارب 700 مليار دولار، وهذا بخلاف الإنتاج النفطي اليومي الكبير والاحتياطيات النفطية الضخمة، بالتالي الوضع المالي جيد، ولكن في الوقت نفسه، نرى انخفاض تصنيف الدولة الائتماني بسبب إجراءات إدارية سيئة وتأخر الحكومة في تقديم أبسط ما يمكن لتلافي هذه الإشكالات وحل الأزمة".
حلول ممكنة
ورأى الباحث الاقتصادي أن الكويت في إمكانها تجاوز أزمة السيولة عبر ثلاثة حلول ممكنة، الأول يتضمن نقل الأصول بين الصناديق الحكومية، والثاني إقرار قانون الدين العام والسحب من احتياطي الأجيال على المدى القصير، والحل الثالث، على المدى الطويل، تطبيق مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الكاملة مع إعادة هيكلة بنود الإنفاق في الموازنة مع ارتفاع أعداد السكان وزيادة الالتزامات المالية جراء الصرف على بنود اجتماعية، التي وصلت لـ 40 في المئة، وفي المقابل، تتغير إيرادات النفط التي تشهد تقلبات كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار رمضان إلى أن الميزانية تتأثر بشكل أساسي من تقلبات أسعار النفط، فعند ارتفاع الأسعار لمدة طويلة، تحقق الميزانية فائضاً، أما انخفاض الأسعار فيدفع الميزانية لتسجيل عجز، وهذا وضع طبيعي لأن الميزانية تعتمد على مصدر أساسي، مضيفاً أنه يمكن إدخال إيرادات الاستثمار للميزانية ما يقلص العجز، وهذا ما سيحصل إذ تم إقرار قانون السحب المنظم من احتياطي الأجيال، وأوضح أن الملاءة المالية للكويت عالية على الرغم من انخفاض التصنيف الائتماني للدولة، والمشكلة الحقيقية تكمن في إدارة الملفات الاقتصادية وصعوبة إقرار القوانين المناسبة في أسرع وقت، مؤكداً أنه إذا بدأت الإصلاحات الحقيقية الآن، فستجني الكويت ثمارها على المدى الطويل.
وختم رمضان، "هناك تأخير كبير في التشريعات التي تقترحها الحكومة، وإذا ما أفصحت عنها، فإنها تكون مفاجئة من دون مقدمات، ولا تحظى بالتوعية الكافية لها، لذلك يتم رفضها".
لا أزمة سيولة
عيد الشهري، المحلل الاقتصادي، مؤسس شركة "الأجيال القادمة للاستشارات"، يرى أن الكويت لا تعاني من أزمة سيولة بفضل الأصول السائلة في صندوق "الأجيال القادمة"، التي تعادل 100 مليار دولار، ولكن صندوق الاحتياطي العام لا توجد فيه السيولة، متوقعاً أن تتحسن مستويات السيولة مع ارتفاع أسعار النفط، وقال الشهري، إنه يمكن للكويت تجاوز أزمة السيولة الحالية عبر إقرار مجلس الأمة (البرلمان) قانوناً يتيح سحب مبلغ محدد من صندوق الأجيال لتغطية السيولة لمدة سنة واحدة فقط، بما يعادل ستة مليارات دينار (20 مليار دولار).
وكانت الكويت تستقطع سنوياً نسبة 10 في المئة من إيراداتها، وتُحول لصندوق "الأجيال القادمة" الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار التي تمثل الصندوق السيادي لدولة الكويت، إلا أنه بسبب جائحة كورونا، توقف الاستقطاع لدعم الميزانية العامة، إلا أن هذا غير كاف.
وبحسب بيانات حكومية سابقة، تقدر السيولة في صندوق "احتياطي الأجيال" بنحو 30 مليار دينار (100 مليار دولار) في نهاية السنة المالية الماضية 2019-2020.
وفي ظل أن الإنفاق في الموازنة العامة غير متوازن منذ فترة طويلة، أوضح الشهري أن السياسات الشعبية المستمرة بتعيين المواطنين في الوظائف الحكومية تؤدي إلى تضخم بند الإنفاق الجاري، الذي يستهلك أكثر من نصف الميزانية من دون فائدة للدولة، وتوقع أن تجتاز الكويت أزمة العجز نحو إصلاحات اقتصادية، بفضل التغييرات على صعيد القيادات السياسية السنة الماضية، وبدء التشديد في موضوع محاسبة الفساد، واحتجاز عدد من الوزراء والوكلاء السابقين، وهو مؤشر جيد للإصلاح، ويؤدي إلى تغير الرأي العام لتشجيع الإصلاحات المالية.
وحول تراكم خسائر الشركات الحكومية، أفاد الشهري بأن التخصيص عبر جهاز الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو الحل الأمثل، لا سيما وأن الجهاز حقق إنجازات في موضوع محطة "شمال الزور" ومستشفى الضمان الصحي، وتابع، "هناك أزمة في إقرار تشريعات تحد من نزيف الخسائر في الميزانية، ومجلس الأمة فاقد الثقة في الحكومة، لذلك المطلوب مزيد من الشفافية والحوار والتواصل مع مكونات المجتمع كافة، ليتم الضغط على النواب وتحقيق الإصلاحات المرجوة".