Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يسهم ربط نهر الكونغو بالنيل في حل أزمة سد النهضة؟

قادت الأزمات الأفريقية التي نشبت بسبب الموارد المائية إلى نزاعات مسلحة

صور جوية لنهر النيل (اندبندنت عربية - حسن حامد)

على مدى أعوام أُطلقت مشاريع لربط الأنهار الأفريقية بنهر النيل عبر شق قنوات، وأبرزها قناة على نهر الكونغو، وأخرى هي قناة جونقلي على نهر النيل في جنوب السودان. وكانت الدوافع وقتها تنموية، ومع تصاعد التوتر بسبب أزمة سد النهضة، نبعت دوافع سياسية، وأخرى تتعلق بالأمن المائي، أُضيفت لمحفزات إنشاء هذه المشاريع. ومع ازدياد الدوافع، تفاقمت أيضاً العقبات والتحديات التي تنطوي عليها هذه المشاريع من تحديات بيئية وسياسية واقتصادية. وبما أنه لا توجد حتى الآن نصوص واضحة صادرة من الأمم المتحدة في قضية تقاسم مياه الأنهار سوى معاهدة استخدام الأنهار الدولية (فيينا 1851)، ومعاهدة جنيف 1923، كما أن هناك بعض الاتفاقات الخاصة بالدول المعنية، وهذه حالات لتجارب معينة لا تصلح لأن تكون قاعدة للقياس لاختلاف الظروف ووضع الأنهار وامتداداتها، فإن قضية سد النهضة قد خضعت إلى مبادرات فردية من السودان ومصر تحت مظلة مؤسسات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، وبعض محاولات قوى دولية أخرى ظهرت في جلسات مجلس الأمن من دون أن تسفر عن نتائج وحلول حاسمة.

حالة سياسية

على الرغم من أن معاهدات واتفاقات مياه الأنهار التي تمت صياغتها خلال عهود مختلفة، ومنها اتفاقات مياه النيل ابتداءً من اتفاق 1891، مروراً باتفاقات 1902 و1925 و1929 و1959، وحتى اتفاق 1999، كلها ترجح أهمية الحلول السلمية لأزمات المياه، فإن ذلك لم يكن السائد عادةً، إذ نشبت صراعات أساسها المياه، تنتهي بتوقيع اتفاقات أو تدخلات دولية. 

ونشأت المفاوضات بين الدول المتشاركة فى حوض النيل على أسس عدة، على رأسها الحالة الكلاسيكية للإحداثيات الجغرافية، والوضع البيئي والقانوني لتتحول على مر السنين إلى حالة سياسية خاضعة للتغييرات داخل هذه البلدان ولعلاقاتها مع بعضها، حتى كادت تتلاشى الحالة الاقتصادية للنهر كمورد مشترك يمكن الاستفادة منه وتحقيق المنافع لدول الحوض كافة، إذ إن أغلبها يرزح تحت وطأة الفقر والصراعات الداخلية. وكما كان متوقعاً فقد حولت أزمة سد النهضة بفضل الزخم السياسي قضية النيل إلى قضية سياسية وأمنية يمكن أن تجر إلى أزمة باهظة التكلفة.

قادت الأزمات الأفريقية التي نشبت بسبب الموارد المائية من بين أسبابٍ أخرى إلى نزاعات مسلحة، مثل النزاع فى إقليم أوغادين بين إثيوبيا والصومال في ستينيات القرن الماضي، وكذلك النزاع بين السنغال وموريتانيا في نهاية الثمانينيات. وبمرور الوقت، قد ينشأ خطر إضافي يتمثل في ارتفاع عدد تلك الدول الأفريقية التي تواجه مخاطر المجاعات، وغياب مقومات أساسية للتنمية الاقتصادية في قارة تزخر بالموارد المائية، إذ يتخللها عشرات الأنهار والبحيرات، لكن بالنسبة لنهر النيل، وعلى الرغم من إعلان إثيوبيا ومصر استعدادهما للمواجهة العسكرية، إن لزم الأمر، فإن الطابع الدولي المتعدد لدول حوض النيل قد يحد من أي توجه عسكري مُحتمل، وتغليب الجهود السياسية للتوصل إلى صيغة عادلة لمشاركة النهر.

مشروع الربط

بدأت قضية سد النهضة في الاحتدام على مدار السنوات الماضية، ومنذ عقدٍ مضى بدأت مصر تفكر في بدائل يمكن اللجوء إليها لحل مشكلة المياه. وتمثلت هذه البدائل في مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل بشق قناة في النيل الأبيض في دولة جنوب السودان من أجل نقل المياه إلى مصر. والمشروع الثاني هو استكمال مشروع قناة جونقلي بدولة جنوب السودان، والمقام على نهر الجبل بالنيل الأبيض، وكان زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان قد قدمه في أطروحته للدكتوراه في الاقتصاد الزراعي في الولايات المتحدة عام 1981 بغرض التنمية في الجنوب. وهناك أيضاً مشروع ثالث لم يُسلط الضوء عليه وتلاشى سريعاً، وهو تحويل مجرى النيل ليتخذ مساراً موازياً في الصحراء ويظل رابطاً بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط.

في الواقع، فشلت هذه المشاريع لأسباب تتعلق بظروف كل مشروع، والبلد الواقع فيه. فمشروع ربط نهر الكونغو الذي يقع في دول الحوض المكونة من 14 دولة بنهر النيل الذي تتكون دول حوضه من 12 دولة، بغرض نقل المياه الفائضة من الجنوب إلى مصر شمالاً، كان للاستفادة من كميات المياه المُهدرة، والتي تتعرض للتبخر في فترات الفيضانات، وتحويلها إلى مناطق الجفاف والندرة، وكان سيؤدي إلى تحسين الملاحة الداخلية وتطوير توليد الطاقة الكهربائية، ولكن العقبة التي وقفت في وجه هذا المشروع هي أن حوض الكونغو حوض دولي لا بد من موافقة هذه الدول مجتمعة، بالإضافة إلى التكاليف الفنية الخاصة بإنشاء سدود لتخزين المياه لأن المنطقة شديدة الانحدار. ويتوقع أن ترفض دولة جنوب السودان، لأن مرور مياه القناة سيشكل عليها عبئاً إضافياً، إذ تعاني من غزارة الأمطار والفيضانات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المشروعان الآخران فلا تقل التعقيدات المصاحبة لإنشائهما عن مشروع نهر الكونغو، ولكن العامل الأساسي الذي يربط بين فشل هذه المشاريع وعدم قدرة هذه البلدان على التفاوض للوصول إلى اتفاق منصف ومقبول، يكمن في اعتقاد كل منها أن لها الحق في غالبية حصص المياه. ونظراً لذلك فقد أوقفت مصر في فبراير (شباط) 2015 مقترح مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو، ولكن بعد زيادة تعقيد قضية سد النهضة، فإنه قد تكون ثمة نقطة انطلاق جديدة للمضي في أحد هذه البدائل، أو غيرها. 

محركات الصراع

فكرة تدويل الأنهار المشتركة هي فكرة قديمة، طُرحت في الأمم المتحدة، ولكنها تظل بعيدةً عن الواقع الأفريقي الذي يعجُّ بأزماته التي تبعد الأمل في ضمان تعايش سلمي من أجل التعاون والتعامل مع أزمة المياه التي تحولت إلى تحدٍ سياسي. وبات من الواضح أن الأزمة لا تتعلق فقط بتباين توزيع المياه في أفريقيا ما بين غزارة في بعض المناطق وندرة في مناطق أخرى، ولكن ما يمكن إدراكه بشكل واضح هو تهيئة المياه لأن تكون أحد محركات الصراع الذي يتفاوت بين صراعٍ محدود يُحل بالتوافق، وصراع عنيف يتجاوز الأدوات العسكرية إلى التدخل والوساطة الدولية. وهناك عاملان لحدوث ذلك. أولاً، الحاجة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي في الدول الأفريقية، إذ إن التغيرات السياسية التي حدثت أخيراً في دول حوض النيل بطيئة ولا تساعد في الوصول إلى حل مقارنةً بالسرعة التي يمضي بها تنفيذ سد النهضة، بالإضافة إلى مصاحبة الفساد للمشاريع الكبرى في القارة الأفريقية مثل السدود أو القنوات. ثانياً، نضوب تقديم الدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نسبة للمديونية على هذه الدول للمؤسستين الدوليتين. 

علاوة على ذلك، تعود الأسباب إلى جانب آخر تسيطر فيه المشاكل القائمة داخل هذه الدول من صراعات وخلل وظيفي على تكوين الدول نفسها وفشلها في إدارة المياه العابرة للحدود، بسبب الضعف أحياناً، ورفض الجانب المناوئ المشاركة في المبادرات. كما تلعب القدرات الضعيفة للمؤسسات الإقليمية وحاجتها إلى الخبرة التقنية والتمويل، دوراً في ذلك، إذ غالباً ما تنشد هذه المؤسسات السلامة خشية اتهامها بالوقوف إلى جانب طرف دون الآخر.

تسوية الأزمة

على الرغم من الجهود الدولية المبذولة لحل أزمة سد النهضة، فإن القضية ما زالت بعيدة عن الحل، بينما يعقِّد ربط نهر الكونغو بالنيل مسائل فنية ولوجستية وسياسية وأمنية. ويظل الخيار البديل انتظار انخفاض وطأة الرفض الإثيوبي، ومفارقة هذه المحطة التي كلما تقدم السودان ومصر خطوة نحو التفاوض، تتراجع إثيوبيا نحو الصراع خطوتين. لقد حدث تعقيد لمثل هذه القضية بنقل الأزمة إلى صراع عسكري من قبل في مناطق أفريقية أخرى، وهو قابل للحدوث مرة أخرى بين إثيوبيا والسودان ومصر. 

ونتيجة للعجز عن حل أزمة سد النهضة، قد ينشأ خطر إضافي يتمثل في سعي أي دولة أخرى إلى فرض استحواذها على جزءٍ من مياه النيل بإقامة مشاريع بحكم الأمر الواقع، لا تملك الدول الأخرى الشريكة القدرة على معالجتها، بالتالي سينشأ عديد من النزاعات حول المياه، وإذا حدث ذلك سيكون من الصعب الانتباه إلى المفارقة في حق كل دولة في التنمية، والمشكلات المتعلقة بالربط البيني لنهر النيل. 

وإذا كان عدم الانتباه واللامبالاة هي التي سمحت لإثيوبيا بجر الدولتين للوقوف على حافة الحرب، فالآن، بدلاً من تأخيرها، يمكن التحول إلى ملاذ آمن وتقديم حلول أفضل من المواجهة أو التعامل مع التهديد. وبما أن تجارب المشاريع المطروحة أثبتت أن هذا البديل لا يمكن أن يحسم صراعاً إلا على المدى الطويل، مع خشية أن هناك احتمالاً بأن يؤدي الاعتماد المتزايد على القنوات والخزانات إلى زيادة الاستهلاك وتقليل الأمن المائي على المدى الطويل. ولحين التوصل إلى تنفيذها إن اتُفق حولها، فإن شبح النزاع يظل قائماً، خصوصاً أن قضايا صراع الأنهار المشتركة متزايدة، ويعتمد حلها على عوامل عديدة أبرزها توافق الدول على تسوية الأزمة من خلال التعاون وفق أطر قانونية مُلزمة، لأن التحايل على أي التزامات قانونية أو سياسية، أو الانقلاب على الاتفاقات الموقعة يتم بذرائع عديدة، ولا تضمن ظروف الدول الأفريقية التي تدور فيها صراعات وتوترات سياسية التوصل إلى اتفاقات مستمرة وفق شروط منصفة.

المزيد من تحلیل