Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخدرات مثل "الفنتانيل" تقتل... كذلك المعطيات المزيفة

غياب المعلومات الموثوقة والميسرة حول المنشطات يؤجج الأخبار المغلوطة عنها

صورة مأخوذة من فيديو شرطة سان دييغو، تظهر رجل أمن أغمي عليه بمجرد تفحصه "الفنتانيل" (أ ب)

ليس ظهور معلومات خاطئة عن المادة الأفيونية القوية المفعول "الفنتانيل" fentanyl سابقة من نوعها في عالم المخدرات. لا شك في أن هذا الدواء مميت، ولكن بالقدر عينه يسعني الجزم بأن الإشاعة القائلة بأنه يقتل بمجرد لمسه أو الاحتكاك بشخص استخدمه ليست مؤكدة.

خرجت هذه الإشاعة نتيجة محاولة حسنة النية نهض بها قسم مدير شرطة مقاطعة سان دييغو الأميركية، كانت ترمي إلى إذكاء الوعي بشأن "الفنتانيل" وقدرته على التسبب بجرعة زائدة مميتة لمتعاطيه، ويظهر في شريط مصور شرطي يسقط أرضاً ويكاد يفارق الحياة بعد تفحصه وملامسته مادة يشتبه في أنها "الفنتانيل".

من وجهة نظري، لا تنشر مقاطع الفيديو هذه معلومات مضللة وحسب، بل إنها ربما تكون قاتلة أيضاً. يمثل الوقت عاملاً جوهرياً عند الاستجابة لجرعة زائدة من الأفيون، والمماطلة في تدخلك من أجل المساعدة على أساس أن الاحتكاك بشخص استخدم "الفنتانيل" سيتسبب في جرعة زائدة لك، بات الآن حقيقة واقعة حتى بين بعض موظفي الرعاية الصحية.

أفهم كيف يكتسب هذا النوع من "الأخبار الكاذبة" زخماً نظراً إلى أن الناس ينجذبون إلى التأثيرات الغريبة والخطيرة للمخدرات الجديدة أو غير المألوفة بالنسبة إليهم. وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر مثل تلك القصص كالنار في الهشيم، تعمل على تسريع هذه العملية وتسهيلها، ويقدر الباحثون أن المعلومات المغلوطة عن المخدرات تفوق المعلومات الحقيقية عنها بـ 15 مرة.

بالعودة إلى السنوات الأخيرة يتبدى لنا نسق واضح للشروط المطلوب توافرها لخلق حال من الذعر تجاه مخدر ما، ينبغي أن تنتج المادة تأثيراً غريباً فعلاً، وسيكون مجدياً أن تحمل إسماً غريباً، بل سيكون أفضل لو أنها بدت مخيفة. عادة ما تستند التقارير التي تولد هذا النوع من الذعر إلى درس حال واحدة، وغالباً لا تنتظر تقرير الطب الشرعي عن السموم الذي من شأنه أن يقدم دليلاً حول ماهية المادة الموجودة في الدم فعلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

برز قلق أخير بشأن مخدر يشار إليه باسم "غبار القرد" monkey dust، الذي يستوفي شرط الإسم الغريب من بين الشروط التي ذكرناها سابقاً، إذ أفيد بأنه يولد قوة "خارقة" لدى الذين يتناولونه، أو حتى أنهم يتحولون إلى آكلي وجوه، ما يتوافق مع معيار الذعر المشار إليه آنفاً.

لم تتبين صحة أي من هذين الأمرين، ولكنهما استندا إلى حادثة واحدة، وبالتأكيد قبل أن يصدر أي تقرير رسمي بشأن تحليل السموم، ولكن بحلول صدوره يكون قد فات الأوان، وانتهت القصة وانتشر الخوف.

على الرغم من أن المعلومات الخاطئة عن المخدرات ستبعث على الإزعاج لدى البعض، غير أنها ربما تثير اهتمام آخرين وتجذبهم، فمثلاً لك أن تتصور أن ينجذب بعض الشباب إلى تناول مخدر ما لأنه يمنحهم قوة خارقة فوق طاقة البشر، أو مثلاً بالنسبة إلى من يعتقدون أنهم لا يملكون ما يخسرونه أو يشعرون بأن الحياة فانية، ربما يتقبلون خطر عدم معرفة التأثير الذي سيتركه المخدر فيهم ما إن يتناولوه.

لقد رأينا كيف أن الفئات المهمشة تكون غالباً الأكثر معاناة عند تداول إشاعات حول أنواع من المخدرات. سُمي المشردون الذين ينامون في العراء أو السجناء "زومبي" عندما سيطر على أجسادهم وعقولهم تأثير مخدرات "التوابل"، وهي مادة تُباع غالباً كشكل اصطناعي من القنب الهندي، على الرغم من أنها تختلف عنه في تأثيراتها، وذلك كله يضاعف وصمة العار التي تصاحب مجموعات موصومة بشدة أصلاً، وينظر إليها البعض على أنها في مرتبة أدنى من البشر في المقام الأول.

تكمن المشكلة في وصمة العار في أنه يمكن امتصاصها لتصير جزءاً من سلوك المرء، وفي أنها تصل سريعاً إلى نقطة حيث ينتاب المتضررين شعور بالعجز عن تغيير الحال غير العادلة التي يواجهونها، أي أمر يسهم في ذلك من قبيل المعلومات الخاطئة بعيد تماماً من أن يكون غير ضار أو حميد. يبقى الأمل سلعة هشة عندما لا يتوفر لك مكان تعيش فيه، أو عندما تكون تكافح من أجل فرصة عادلة للحصول على وظيفة، كما يشهد مشردون أو سجناء سابقون كثر.

"الفنتانيل" أحدث عقار مخدر ظهرت بشأنه مثل تلك المعلومات وسرعان ما راحت تنتشر، لكني على يقين بأنه لن يكون الأخير، وأننا سنشهد هلعاً آخر متصلاً بالمخدرات قريباً.

 إنه أمر مؤكد بالنسبة إلي أن يؤدي غياب المعلومات الموثوقة والميسرة حول المخدرات إلى دور في تأجيج المعلومات المضللة عنها، ومن وجهة نظري فإن في المستطاع التخفيف من وطأة ذلك جزئياً عبر وجود جهة صحية عامة جديرة بالثقة، يمكن لمتعاطي المخدرات ومن يهتمون لأمرها الوصول إليها للحصول على الحقائق بدلاً من الوهم.

تبدو جلية القدرة على خفض الضرر المباشر وغير المباشر الذي تلحقه المادة المخدرة بالمهمشين، ولكن نظراً إلى البيان العام الأخير الذي أدلى به بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، وفيه كشف عن رغبته في الضغط على متعاطي المخدرات لأغراض الترفيه، لا يبدو أن ثمة أملاً كبيراً في تحقيق ذلك في أي وقت قريب، وللأسف فإن المخدرات والمعلومات المتعلقة بها منطقة خالية من الأدلة، وواضح أن السياسيين راضون بذلك على الرغم من العواقب الوخيمة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل