يجد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نفسه أمام عطلة صيف مليئة بالقلق والتوتر، مع تصاعد عدد من حالات التمرد داخل حزب "المحافظين"، في شأن مجموعة من القضايا الخلافية، إضافة إلى انهيار التأييد الشخصي له بين أعضاء الحزب الذي يتولى السلطة في المملكة المتحدة.
وعلى الرغم من الأغلبية الساحقة التي يتمتع بها "المحافظون" في مجلس العموم البريطاني، فإن رئيس الوزراء يتعامل مع سلسلة من المواجهات مع نوابه في شأن مسائل عدة، منها إصلاحات التخطيط، وتخفيض المساعدات الحكومية المعروفة بـ"الدعم الشامل" Universal Credit (تمنح شهرياً لذوي الدخل المنخفض أو للعاطلين عن العمل لمساعدتهم على تحمل تكاليف معيشتهم)، وجوازات اللقاحات، إضافةً إلى خفض المساعدات الخارجية.
هذه التطورات تأتي بعد هبوط تصنيف التأييد الشخصي لرئيس الوزراء البريطاني ما بين أعضاء حزبه، بحيث سجل تراجعاً واضحاً مما نسبته 36 في المئة إلى نحو 3 في المئة فقط، بحسب استطلاع للرأي أجراه موقع "كونسرفاتيف هوم" ConservativeHome (مدونة يمينية تدعم حزب "المحافظين") على الإنترنت.
وتبرز من بين القضايا التي تواجه بوريس جونسون، مسألة إصلاحاته للتخطيط التي تثير نفوراً لدى معظم نواب حزبه - والتي من المرجح أن تجري الحكومة مزيداً من التحولات في هذا الإطار وتعيد النظر فيها.
ويعتبر جونسون أن التغييرات التي يطرحها- والتي من شأنها أن تعطي عدداً من المشاريع الضوء الأخضر لإجراء تخطيط تلقائي لها من حيث المبدأ- تشكل خطوة محورية نحو تحقيق الهدف المحدد والمتمثل في بناء 300 ألف مسكن في البلاد.
لكن أمام المعارضة الداخلية الهائلة لهذا المنحى، بعثت دوائر رئاسة الحكومة في "10 داونينغ ستريت"، في الأسبوع الأول الكامل من العطلة الحكومية، بإشارات توحي بإمكان التراجع ولو جزئياً على الأقل في هذه المسألة، مع تصريح مصدر وزاري لصحيفة "دايلي ميل" البريطانية بالقول: "سنقوم بالإصغاء ومن ثم نتحرك".
وفيما لم يعط المصدر نفسه تفاصيل إضافية، إلا أنه لمح إلى أن الحكومة البريطانية "ستزيل بعض الجوانب من طرحها، لا سيما منها تلك التي تثير غضب الناس".
معلوم أن عشرات من أعضاء البرلمان في حزب "المحافظين" أكدوا معارضتهم للتغييرات، وشكلت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي نقطة محورية رئيسة في هذا التمرد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، تعد التخفيضات الحكومية للمساعدات الخارجية نقطة خلافية أخرى تسببت بمعارضة لرئيس الوزراء من داخل حزبه. فقد اعترض عليها علناً 25 نائباً من حزب "المحافظين"، في تصويت حصل الشهر الماضي، ما تسبب في تراجع الأغلبية التي كان يتمتع بها بوريس جونسون داخل حزبه إلى 35 عضواً فقط - في انحدار هو أقرب إلى الهزيمة.
وفي عودة إلى القضايا الداخلية، أثار قرار الحكومة المضي قدماً في إلغاء زيادة مقدارها 20 جنيهاً إسترلينياً (28 دولاراً أميركياً) من مدفوعات مساعدات "الائتمان الشامل" لذوي الدخل المتدني والعاطلين عن العمل، غضباً عارماً لدى بعض أعضاء حزب "المحافظين"، الذين يتخوفون من استياء ناخبيهم منهم لإغراقهم في الفقر.
وحذر النائب المؤيد للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ستيف بايكر، وهو عضو في البرلمان عن دائرة وايكومب في باكينغهامشير، من تدهور مستويات الحياة المعيشية وبلوغها حجماً "لا يطاق" من الجوع والفقر بسبب التخفيضات- وهي مستويات كانت وزارة العمل والمعاشات التقاعدية قد رفضت حتى الآن تحديد حجمها من الناحية الكمية، متذرعة بما سمتها صعوبات عملية مرتبطة بالظروف التي تسبب فيها وباء كوفيد.
وأفادت صحيفة "غارديان" بأن بايكر قد انضم في معارضة التخفيضات إلى أعضاء آخرين في حزب "المحافظين"، بمن فيهم ستة وزراء دولة سابقين لشؤون العمل والمعاشات التقاعدية، هم: السير إيان دانكن سميث وداميان غرين وإستير ماكفي وستيفن كراب وديفيد غوك وأمبر راد.
وتردد أنه "لا رغبة" لدى وزارة الخزانة البريطانية التي يترأسها ريشي سوناك، في المضي قدماً نحو إقرار مثل هذه التخفيضات.
أما في ما يتعلق بمسألة جوازات اللقاحات، فيواجه جونسون تمرداً كبيراً. ويبدو أن الحكومة تتجه نحو خوض مواجهة مع نواب المقاعد الخلفية- وفي هذه القضية يمكن أن يكون الاعتراض أكثر تشدداً مما كان عليه في مسائل أخرى مرتبطة بقواعد كوفيد.
وفي إطار آخر، وقع نحو 40 عضواً في البرلمان من حزب "المحافظين" تعهداً كانت قد وضعته منظمة الحملات "بيغ براذر ووتش" Big Brother Watch (منظمة غير ربحية تدافع عن الحريات المدنية البريطانية وعن الخصوصية الفردية) بالتصويت ضد "شهادة لقاح كوفيد" الهادفة إلى حرمان أفراد من الاستفادة من الخدمات العامة أو ممارسة الأعمال والحصول على وظائف".
لكن الحكومة أشارت إلى أن جوازات اللقاح قد تصبح إلزامية في مجال حضور مزيد من الفعاليات اعتباراً من سبتمبر (أيلول) المقبل- كوسيلة لتشجيع الشباب على تلقي اللقاح.
يبقى أن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أن حزب "العمال" ضيق الفجوة على المستوى الوطني مع حزب رئيس الوزراء، ما يعد تطوراً من المرجح أن يفتح الباب داخل حزب "المحافظين" أمام تبادل الآراء في شأن تغيير القيادة، وأن يثير المزيد من النقاشات في هذا المجال.
© The Independent